الإعراب والبناء
أولا: الإعراب
يحدد معنى الإعراب عبارة واحدة هي: “أثر ظاهر أو مقدَّر يجليه العامل في آخر الكلمة” ا. هـ قطر الندى.
يقول شوقي:
وللحرِّيَّةِ الحمراءِ بابٌ … بكلّ يدٍ مضرّجةٍ يُدَقُّ
فكلمات هذا البيت جميعا “الحرّيّة، الحمراء، كل، يد، مضرجة، يُدق” معربة، والإعراب في آخر الكلمات “الحريةِ، الحمراءِ، كلِّ، يدٍ، مضرجةٍ” -كما وردت في البيت- هو الكسرة التي هي شكل آخرها أما الإعراب في آخر الكلمتين “باب، يدق” -كما وردتا في البيت أيضا- فهو الضمة، والأولى اسم، والثانية فعل مضارع …
وينبغي قبل دراسة ما يتعلق بهذا الباب عرض التعليقات الآتية حول التعريف السابق:
أولا: أن الإعراب يقصد به شكل أواخر الكلمات فقط، فهو في قول “شوقي” السابق ضمة الباء في “بابٌ” وضمة القاف في “يدقُّ” وكسر التاء في كلمة “الحريةِ” والهمزة في “الحمراءِ” واللام في “كلِّ” والدال في “يدٍ” والتاء في “مضرجةٍ” أما بقية حروف الكلمة -غير الآخر- مما يطلق عليه علميًّا اسم “بقية الكلمة” فلا شأن للنحو بالبحث فيه، وإنما هو من اختصاص علم آخر هو “علم الصرف”.
ثانيا: الإعراب لا يتحقق إلا في جملة كاملة، فشكل أواخر الكلمات -الإعراب- لا يتحدد إلا بدخولها ضمن “الكلام” كما سبق تحديده، فالكلمات المفردة وحدها لا يعرف إن كانت معربة أو مبنية إلا بتصور دخولها في جملة مفيدة، وحيئنذٍ تأخذ وظيفة نحوية “مبتدأ، خبر، فاعل، مفعول.. إلخ” فيظهر عليها الشكل الذي هو الإعراب معبّرا عن هذه الوظيفة.
وهذا يفسر لنا جانبا من اهتمام النحو بدراسة كيفية تأليف الجملة العربية اسمية أم فعلية.
ثالثا: يترتب على الأمر السابق مباشرة أن نعرف أن الكلمة المعربة هي الكلمة التي تدخل جملا مختلفة، وحين تتغير وظيفتها النحوية من جملة لأخرى يتغير شكل آخرها أيضا، ومثال ذلك كلمة “الحرية” فهي كلمة معربة يدل على ذلك وضعها في الجمل الثلاث الآتية:
الحرِّيَّةُ أثمنُ شيءٍ في الحياة.
تعشقُ النفوسُ العاليةُ الحريةَ وتموتُ من أجلها راضيةً.
فقد الحريةِ يساوي فُقدَانَ الحياةِ.
فالكلمة في الجملة الأولى مبتدأ، وهي مُشَكَّلَةٌ بالضمة، وحين تغيرت وظيفتها في الجملة الثانية فصارت “مفعولا به” شكلت بالفتحة، وحين تغيرت وظيفتها في الجملة الثالثة فصارت “مضافة إليه” شكلت بالكسرة، هذه الكلمة “الحرية” معربة بتغير وظيفتها في الجمل المختلفة.
رابعا: إن الإعراب -فيما يرى النحاة- أثر لعامل يجلبه في آخر الكلمة من فعل أو غيره، والحق أن العامل موضوع ذهني شائك لا داعيمطلقا للإكثار فيه، وينبغي الاقتصار على القدر الضروري منه وفي أضيق الحدود، ويجب الانصراف عما دار حوله من مناقشات مجهدة لا طائل وراءها.
خامسا: الدراسة للإعراب تتكون من جوانب ثلاثة هي:
1- ألقاب الإعراب وتوزيعها بين المعرب من الأسماء والأفعال.
2- الإعراب الأصلي والفرعي.
3- الإعراب الظاهر والمقدر.
وسنتناول كل واحد من هذه الثلاثة بالشرح المفصل.
أنواع الإعراب:
لاحظ الأمثلة الآتية:
أنواع الإعراب أربعة هي:
1- الرفع: ويوصف به الاسم المعرب والفعل المضارع المعرب، وذلك إذا أخذ كل منهما في الجملة وظيفة نحوية من وظائف الرفع كالمبتدأ أو الخبر أو الفاعل أو اسم كان للاسم، وكذلك تجرد الفعل من الناصب والجازم، تقول “يعرفُ العقلاءُ وهم صامتون ويتحدثُ الحمقى وهم جاهلون”.
2- النصب: ويوصف به أيضا الاسم المعرب والفعل المضارع المعرب وذلك أيضا إذا أخذ كل منهما في الجملة وظائف النصب كالمفعول به أو الظرف أو الحال بالنسبة للاسم، وكذلك إذا وقع الفعل المضارع بعد أداة من أدوات النصب، قال القرآن: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ ﴾ من الآية 115 من سورة التوبة.
فكلمة “يُضلُّ” فعل مضارع منصوب بعد لام الجحود، وكلمة “قوما” اسم منصوب مفعول به وكلمة “بعد” اسم منصوب ظرف مكان.
3- الجر: ويوصف به الاسم المعرب فقط، فالجر من خصائص الأسماء وإنما يكون الاسم مجرورًا إذا جاء في جملته في إحدى وظائف الجر، وذلك بعد حرف من حروف الجر، أو وقع “مضافًا إليه” بعد اسم آخر، كقول الرسول: “مِنْ حُسْنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعنيه” فكلمة “حُسنِ” مجرورة بالحرف “من” وكلمة “إسلام” مجرورة “مضاف إليه” لكلمة “حسن” وكلمة “المرء” مجرورة أيضا “مضاف إليه” لكلمة “إسلام”.
4- الجزم: ويوصف به الفعل المضارع المعرب فقط، إذا جاء في موضع للجزم بعد حروفه أو بعد أدوات الشرط التي تجزمه، كقول القرآن: ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾ 3 من سورة الإخلاص.
والخلاصة أن ألقاب الإعراب أربعة، رفع ونصب ويوصف بهما الاسم المعرب والفعل المضارع المعرب، وجر ويكون في الاسم المعرب فقط، وجزم ويكون في الفعل المضارع المعرب فقط.
إعراب الآية: ﴿ لَمْ يَلِدْ ﴾ لَمْ: حرف نفي وجزم وقلب، يَلِدْ: فعل مضارع مجزوم بالحرف “لَمْ” وعلامة جزمه السكون، والفاعل ضمير مستتر تقديره “هو” يعود على “الله” السابق ذكره في السورة. ﴿ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ الواو: حرف عطف، لَمْ: حرف نفي وجزم وقلب، يُولَدْ: فعل مضارع مجزوم بالحرف “لم” وعلامة جزمه السكون، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره “هو” يعود على “الله”، والجملة “لم يولد” معطوفة على جملة “لَمْ يَلِدْ” بالواو. ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾ الواو: حرف عطف، لَمْ: حرف نفي وجزم وقلب، يَكُنْ: فعل مضارع ناسخ يرفع المبتدأ وينصب الخبر مجزوم بالحرف “لَمْ” وعلامة جزمه السكون، له: جار ومجرور متعلق بكلمة “كُفُوًا” الآتي بعده، كُفُواً: خبر “يَكُنْ” مؤخر مرفوع بالضمة، وجملة: ﴿ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾ معطوفة بالواو على الجملة السابقة عليها.
المصدر: النحو المصفى
1 تعليق