المؤلف: محمد عيد

الأسماء المبنية


من استقراء اللغة عرف أن الأسماء المبنية تكاد تنحصر في الآتي:
1- الضمائر:
سواء أكانت ضمائر منفصلة مثل: “أنا، أنت، هو” أم ضمائر متصلة مثل قول القرآن: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ الآية 4 من سورة “ن”، وسيأتي بيان الضمائر في موضعه من دراسة “المعارف”.
2- أسماء الإشارة:
للمفرد والجمع بنوعيهما، المذكر من ذلك والمؤنث، مثل: “هذا، هذه، هاتِه، هنا، هناك، هؤلاء”.
أما أسماء الإشارة للمثنى: “هذان، هاتان” فيعربان إعراب المثنى كما سبق.
3- أسماء الموصول:
للمفرد والجمع بنوعيهما المذكر والمؤنث، وهي: “الذي، التي، الذين، اللّاتي، اللّائي” وأيضًا أسماء الموصول المشتركة -سيأتي شرحها-، مثل “من، ما”.
أما أسماء الموصول للمثنى “اللذان، اللتان” فإنها تعرب إعراب المثنى كما سبق بيانه.
4- أسماء الاستفهام:
وهي التي يسأل بها عن شيء ما، مثل: “مَنْ، مَا، أَيْنَ، كَيْفَ، مَتَى” فإنها جميعًا مبنية، جاء في القرآن: ﴿ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ؟ ﴾ “القصص: 72″، وتقول لصديقك “كيف حالُك؟ وأين تسكُن؟ ومتى أقابِلُك؟؟ “.
ويستثنى من أسماء الاستفهام “أيّ” فإنها معربة، تقول “أيُّ أيَّامِكأسعدُ؟ ” فكلمة “أيّ” مبتدأ مرفوع بالضمة، وتقول: “من أيِّ ناحية قدمتَ؟ ” فكلمة “أيّ” مجرورة بالكسرة.
5- أسماء الشرط:
وهي التي تعلق شيئين أحدهما على الآخر، تقول: “من يصنع الخيرَ يسعدْ، ومن يصنع الشر يشقَ به” وسواء أكانت أدوات الشرط جازمة مثل: “مَنْ، مَا، مَهْمَا، مَتَى، أيَّان، أنَّى، حيثُما” أم كانت غير جازمة مثل: “إذا”.
6- أسماء الأفعال:
يقصد بها الأسماء التي تدل على معنى الفعل ولا تقبل علامته، ومنها ما يكون بمعنى الماضي مثل “هيهاتَ” بمعنى “بَعُدَ” و “شتَّانَ” بمعنى “افترق” ومنها ما يكون بمعنى المضارع مثل “وَيْ” بمعنى “أعجب”، و “أفّ” بمعنى “أتضجر”، ومنها ما يكون بمعنى الأمر مثل “صَهْ” بمعنى “اسكتْ” و “مَهْ” بمعنى “كُفَّ عن الحديث! “.
وهذه الأنواع السابقة سيأتي الكلام عن كل واحد منها تفصيلا في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله، فلكل منها باب مستقل لدراسته.
7- المركب من الأعداد والظروف والأحوال:
– ويقصد بالمركب من الأعداد “أحدَ عشرَ، إحدى عشرةَ” إلى “تسعةَ عشرَ، تسعَ عشرةَ” فهذه كلها تبنى على فتح الجزءين -ما عدا اثني عشر واثنتي عشرة قال القرآن: ﴿ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً ﴾ .
– ويقصد بالمركب من الظروف أن تركب كلمتان تدلان على الزمان أو المكانتركيب “أحد عشر” مثل “صباحَ مساءَ، يومَ يومَ، بينَ بينَ” فهذا كله يبنى على فتح الجزءين أيضًا.
قال كعب بن زهير:

ومن لا يصرف الواشين عنه … صباحَ مساءَ يبغُوه خبالا[1]

وقال الشاعر:

آتٍ الرزقُ يومَ يومَ فأجمل … طلبًا وابغِ للقيامة زادا[2]

وقول عبيد بن الأبرص:

نحمِي حقيقتنا وبعـ … ـض القوم يسقط بينَ بينَا[3]

موضوعات ذات صلة:

– ويقصد بالمركب من الأحوال أن تركب كلمتان دالتان على الحال تركيب “أحد عشر” فتبنيان أيضا على فتح الجزءين، كقول العرب “فلان جارِي بيت بيت” أي “ملاصقا”

8- الأعلام المختومة بكلمة “ويه”
وذلك مثل “سيبويه، عمرويه، نِفطويه، رَاهويه، دَرَسْتَويه” فهذه كلها تبنى على الكسر، كقولنا “ألف سيبويهِ كتابَه المشهور في النحو” وكقولنا “من علماءِ الصرف المشهورين ابنُ دَرَسْتَويهِ”
9- الأعلام المؤنثة على وزن “فَعَالِ”:
وذلك في لغة أهل الحجاز، مثل “حَذَامِ، قَطَامِ، رَقَاشِ، سَجَاحِ” فيبنى ذلك كله على الكسر، مثل “كانت سجاحِ زوجًا لمسيلمةَ الكذَّابِ الذي ادعى النبوة وارتد عن الإسلام” ومن ذلك قول النابغة:

أتارِكَةٌ تَدَلُّلَها قطامِ … رَضِينَا بالتحيةِ والسلامِ[4]

وقول الشاعر:

إذا قالتْ حَذَامِ فصدِّقُوها … فإن القولَ ما قالتْ حَذَامِ[5]

10- بعض أسماء الزمان والمكان
مثل “أمس” مرادًا به اليوم الذي قبل يومنا -في لغل أهل الحجاز- وكذلك “إذ، الآن، حيث” كقول القرآن: ﴿ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ ﴾ وقوله: ﴿ الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ﴾ الآية 71 من سورة البقرة وقوله: ﴿ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ﴾ الآية 5 من سورة التوبة.
وقول أحد الأساقفة في الجاهلية:

منع البقاءَ تقلُّبُ الشَّمسِ … وطلوعُها من حيثُ لا تُمسِي
وطلوعُها حمراءَ صافيةً … وغروبُها صفراءَ كالورْسِ
اليومُ أعلمُ ما يجيءُ به … ومضى بفصلِ قضائِه أمسِ[6]

وينبغي التنبه إلى أنه إذا أريد بكلمة “أمس” يومٌ ما من الأيام الماضية أو دخلته “أل” أو أضيف أعرب بإجماع، مثل “ماضي العمر أمسٌ له والمستقبل بيد الله” و “مضى أمسُنا بخيره وشره، فلنعشْ يومنا” وفي القرآن: ﴿ فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ﴾.
ذلك أهم ما يبنى دائما من الأسماء، هناك أسماء يعرض لها البناء في استعمالات خاصة -كالمنادى المفرد العلم واسم “النافية للجنس”- وأسماء تبنى أحيانا وتعرب أحيانا أخرى، مثل “قبل، بعد، أسماء الجهات” وسيأتي شرح ذلك في موضعه من أبواب النحو المتفرقة مثل “لا: النافية للجنس، النداء، الإضافة” إن شاء الله.

 

 


[1] الواشون: جمع واش، وهو الذي ينقل الكذب بين الناس، ليفسد بين المتحابين والأصدقاء، الخيال: الجنون، وهذا هو الأصل، والمراد بلبال العقل واضطرابه بما يسمعه من كلام الوشاة.
المعنى: إن من لا يصرف الواشين عنه، قصدوه في الصباح والمساء، وهو خليق بالبلبلة واضطراب العقل.
الشاهد في البيت: في “صباح مساء” تركيب الكلمتين تركيب “أحد عشر” فجعلتا بمنزلة كلمة واحدة، وبنيت على فتح الجزءين، ويقال عنهما في الإعراب ظرف مركب مبني على فتح الجزءين في محل نصب.

[2] أجمل: معناها: أحسن، ومنه قول القرآن: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} ، والجمال هو الحسن، ابغ: أطلب بإصرار.
المعنى: شتان بين طلب الدنيا وطلب الآخرة، الأول مطلوب، لكن برفق فالرزق على الله، والثاني مرغوب بإصرار وقوة، فإنه الزاد الباقي.
الشاهد: في قوله: “يوم يوم” حيث ركب اسما الزمان، وجعلا اسمًا واحدًا بمنزلة “أحد عشر” وبني المركب على فتح الجزءين.
إعراب البيت: آت: خبر مقدم مرفوع بالضمة المقدرة على الياء المحذوفة وأصله “آتي”، الرزق: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة، يوم يوم: ظرف زمان مبني على فتح الجزءين في محل نصب، أجمل: فعل أمر مبني على السكون والفاعل مستتر تقديره “أنت”، طلبا: مفعول به منصوب بالفتحة، وابغ: الواو: حرف عطف، ابغ: فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، والفاعل مستتر تقديره “أنت”، للقيامة: جار ومجرور، زادا: مفعول به منصوب بالفتحة وجملة “ابغ للقيامة زادا” معطوفة على جملة “أجمل طلبا”.

[3] الحقيقة -كما جاء في القاموس- ما يحق حمايته من الأهل والعرض والمال.
يعرض الشاعر بامرئ القيس فيقول: إننا نحمي أعراضنا ودماءنا وأموالنا بخلاف بعض الناس -ومنهم امرؤ القيس- الذين يسقطون قبل الوصول إلى أهدافهم.
الشاهد: قوله “بين بين” حيث ركب اسما المكان تركيب “أحد عشر” فبني المركب على فتح الجزءين.

[4] أتاركة تدللها قطام؟ الاستفهام للتمني، قطام: اسم صديقته التي يهواها يقول: ليت “قطام” تترك الدلال فتجود بالوصل، ومع ذلك فأنا راض منها بالقليل، بالتحية والسلام!!
الشاهد: كلمة “قطام” وهي علم على وزن “فعال” فتبنى على الكسر في لغة الحجازيين، وهي في البيت فاعل مبني على الكسر في محل رفع.

[5] حذام: امرأة الشاعر، ويبدو أنها كانت مشهورة بالذكاء وحسن الرأي.
الشاهد: كلمة “حذام” فهي مبنية على الكسر في لغة الحجازيين، وهي في البيت فاعل.

[6] البقاء: الخلود، الورس: الزعفران، فصل قضائه: ما حدث فيه.
يقول: لا خلود في الحياة؛ إذ لا دوام على حالة واحدة؛ فالشمس تشرق حمراء وتغرب صفراء، وهي إحدى ظواهر الكون العظيمة، فكيف بالإنسان الضئيل إلى جانبها، بل من دلائل ضعف الإنسان وجهله أمام المستقبل أنه يعلم ما تقدمه له الأحداث فقط.
الشاهد فيه: كلمة “أمس” في البيت الأخير، إذ بنيت على الكسر في لغة الحجازيين، وقد استوفت شرطها؛ إذ أريد بها اليوم السابق مباشرة.