المؤلف: أبو القاسم الزَّجَّاجي
المحقق: الدكتور مازن المبارك
مسائل متفرقة في النحو والإجابة عنها (2)
مسألة:
إن قيل. لم أعربت عند ولم تعرب لدُن، ومعنى عند معنى لدن، ومعنى لدن معنى عند؟
الجواب: لأن عند متصرفة، ولدن لم تتصرف ولم تفارق موضعها. ألا ترى أنك تقول: كنت عند زيد وتقول: عندي أن زيداً لا يخرج في غد، كأنك قلت في علمي وتقدير. وتقول: ما عندك في هذا الأمر؟ وليس للدن مثل هذا التصرف فثبتت على حالها. وفيها لغات يقال ولدا ولد. وعند لم تدخلها حروف الخفض، لأنه ظرف لم يتمكن في الاسمية، ولم يستعمل إلا ظرفاً.
مسألة:
أيهم ترَ يأتِك، ومن تضرب أضر. قال أهل الكوفة: هذا نظير قولنا زيد قائم. ترفع زيداً بقائم وقائماً بزيد. فعاب البصريون ذلك عليهم وهم يقولون أياً تضرب أضرب، إن أياً منصوب بتضرب، وتضرب بجزوم بأي. وكذلك سائر الأسماء التي يجازى بها في قول البصريين تجزم الفعل وينصبها الفعل الذي تجزمه.
قال أهل البصرة: ليس هذا كما قلتم، وذلك أنا إذا قلنا: من تضرب اضرب، فإنما جزمنا الفعل بمعنى الجزاء، لأن (من) تضمنت معنى إن، ونصبها الفعل الذي جزمته، فذلك المعنى في الحقيقة هو الجازم، وإنما أنكرنا عليكم أنكم تقولون زيد قائم، رفع زيد بقائم وقائم بزيد، ثم تقولون إن زيداً قائم فتنصبون زيداً والرافع له موجود. وتقولون ظننت زيداً قائماً، فتنصبونهما جميعاً، وكلاهما موجب لصاحبه الرفع في قولك. ونحن في الجزاء لا نغيّره عن فعله في قولنا من تضرب أضرب، لا تكون من إلا جازمة للفعل في هذا الموضع ما دامت جزاءاً؛ ولم نوجدكم على هذا المثال اللفظ وعمله متغيراً كما أريناكم. هذا الذي أنكرناه. وليس بمنكر أن يكون في الكلام عامل قد عمل فيه غيره، فيكون عاملاً معمولاً فيه، كقولنا: رأيت ضارباً زيداً، ومررت برجل مكرم (أخاه)، وإنما المحال أن يوجد العامل في شيء وعمله باطل عنه.
مسألة في التثنية:
قال: إذا قلنا الزيدان والعمران، فالألف عند سيبويه هي حرف الإعراب. قال الأخفش والمازني والمبرد: ليست بإعراب ولا حرف إعراب، ولكنها دالة على الإعراب. قال الكوفيون: الألف هي الإعراب، وكذلك الواو والياء في التثنية والجمع. وقال بعض البصريين: الحروف أبدال من الحركات، يعني الألف في التثنية، والياء فيها، والياء في الجمع والواو فيه. وقال الجَرْمي: الالف في الزيدان ليست الإعراب، وانقلابها هو الإعراب. وقال ثعلب: الألف في الزيدان بدل من ضمتين كأنه قال زيد وزيد، ثم جمع بينهما فقال زيدان، فالألف بدل من ضمتين، والواو في الزيدون بدل من ثلاث ضمات، وكذلك سائر هذه الحروف على هذا القياس.
فلزم من قال إن الحروف إبدال من الحركات ما لزم من قال هي الإعراب نفسه. ويلزم الجرمي أن تكون في حال الرفع الزيدان غير معربة، لأن الألف عنده غير منقلبة، وإنما الانقلاب عنده الإعراب، فجعل الاسم في أول أحوال الإعراب غير معرب، وهذا قلب للأصول. ويلزم ثعلباً أن يقال له: كيف صارت الألف بدلاً من ضمتين، وليست الضمة من حيّز الألف ولا تجانسها؟ وإذا كانت الواو في الزيدون بدلاً من ثلاث ضمات، فكيف يجمع إذا جمع مائة نفس؟ هل تصير عنده بدلاً من مائة ضمة؟ وكذلك إلى ما زاد.
مسألة:
قال سيبويه: إذا سمَّينا رجلاً بأحمر لم نصرفه في النكرة، وإن سّميناه بيشكر صرفناه. واحتج بأن أحمر يكون نعتاً وهو اسم، قال: فالذي يمنعه من الصرف موجود فيه إذا سمي به. ويشكر إنما ينعت به، وهو فعل، فإذا سمي به فقد زال أن يكون فعلاً. قال أصحابه: هذا محال. إذا سمينا بأحمر صرفناه أيضاً كما نصرفه يشكر، لأنه إذا سمي به فقد خرج أن يكون نعتاً، كما أن يشكر إذا سمي به، فقد خرج أن يكون فعلاً.
تم الكتاب بعون الله وحمده، والحمد لله وحده، وصلواته على خير خلقه محمد وآله وصحبه وسلَّم.
المصدر: الإيضاح في علل النحو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالات مشابهة