الزِّيادَةُ
فأمَّا الزيادَةُ فَهيَ زِيادةُ حرفٍ أو زِيادةُ حَرَكَةٍ، أو إظهارُ مُدغَمٍ أو تَصحِيحُ مُعتلٍ أو قَطعُ ألفِ وَصلٍ، أو صَرفُ ما لا يَنصَرِفُ.
ومِن حالاتِ الزِّيادةِ وَصلُ الألفِ والَّلامِ بِالفِعلِ المُضارِع، والأصلُ أنَّها لا تُوصَلُ إلَّا بِالصِّفَةِ الصَّرِيحةِ، والمعنِيُّ بِها هُنا اسمُ الفاعِلِ، واسمُ المفعولِ، والصِّفةُ المشبَّهةُ، قالَ ابنُ عقيل:
وقد شذَّ وَصلُ الألِفِ واللَّامِ بِالفِعلِ المُضارِعِ، ومنه قوله: (من البسيط)
ما أنتَ بِالحَكَمِ التُرضَى حُكُومَتُهُ *** ولا الأَصِيلِ ولا ذِي الرَّأيِ والجَدَلِ[1]
وهذا عِندَ جُمهُورِ البَصرِيينَ مَخصُوصٌ بِالشِّعرِ.[2]
وقد جاءَ وصلُها بِالجملةِ الاسميَّةِ، وبالظَّرفِ شُذُوذاً، فمن الأوَّلِ قَولُهُ: (من الوافر)
مِنَ القَومِ الرَّسولُ اللهِ مِنهُم *** لَهُم دَانَتْ رِقابُ بَنِي مَعَدِّ[3]
ومن الثَّانِي قَولُهُ: (من الرَّجز)
مَنْ لا يَزِالُ شَاكِراً علَى*** المَعَهْ فَهُوَ حَرٍ بِعِيشَةٍ ذَاتِ سَعَهْ[4]
وتُزادُ الهَاءُ في الوَصلِ أيضاً ضَرورةً، وقد وَردَتْ عِندَهُ في شرحِهِ، فقالَ: ” إذا وُقِفَ علَى المندُوبِ لَحِقَهُ بَعدَ الألِفِ هاءُ السَّكتِ، نحو: وازَيدَاهُ، لا تَثبُتُ الهاءُ فِي الوَصلِ إلا ضَرُورَةً، كقوله:
ألا يا عَمرُو عَمرَاهُ وَعَمرُ بنُ الزُّبَيرَاهُ[5]
إقرأ أيضا:
– استعمال الصيغ – 2 – (من أبنية الجمع)
– أسماء الفاعلين والمفعولين
– أبنية المضاعف من الثنائي
والجمعُ بينَ حرفِ النداءِ، و ” أل ” فِي غيرِ اسمِ اللهِ، وهذِهِ أيضاً مِن الزِّيادةِ، قالَ ابن عقيل: ” ولا يَجُوزُ الجَمعُ بَينَ حرفِ النِّداءِ، و” أل “في غيرِ اسمِ الله –تعالى- وما سُمِّيَ بِهِ من الجُملِ، إلَّا فِي ضَرورةٍ، كقولِهِ:
فَيَا الغُلامانِ اللَّذانِ فَرَّا *** إيَّاكُما أنْ تُعقِبَانِي شَرَّا[6]
وأمَّا زِيادةُ الحرَكةِ فإنَّهُم قد يُحَرِّكُونَ الحَرفَ السَّاكِنَ بِحَرَكةِ ما قَبلَهُ إذا ما اضطَرُوا إلَى ذلكَ، أو زِيادةُ حرفٍ، وتأتِي هذِهِ الزِّيادةُ فِي بَعضِ القَوافِي، ويُعلَّلُ لها بِأنَّها ضَرُورةٌ. كَتَنوينِ التَّرنُّم، وهو الَّذِي يَلحَقُ القَوافيَ المطلقةَ بحرفِ علَّةٍ. ومن ذلِكَ قَولُ الشَّاعِرِ: (من الوافر)
أَقِلِّي اللَّومَ – عاذِلَ- والعِتَابَنْ وَقُولِي -إنْ أَصَبْتُ-: لَقَد أَصَابَنْ
فَجِيءَ بِالتَّنوِينِ بَدَلاً من الألفِ لأجلِ التَّرنُّمِ، وكَقَولِهِ: (من الكامل)
أَزِفَّ التَّرَحُّلُ غَيرَ أنَّ رِكابَنا *** لَما تَزَلْ بِرِحالِنا وَكَأنْ قَدنْ
والتنوين الغالي-وأثبته الأخفش (ت315هـ)– وهو الَّذِي يَلحَقُ القَوافِيَ المُقَيَّدَةَ، كقولِهِ:
وقاتِمِ الأعماقِ خاوِي المُخْتَرَقْنْ[7]
ومِن ذلِكَ أيضاً صَرفُ ما لا يَنصَرِفُ، وهو جائِزٌ فِي كُلِّ الأسماءِ مُطَّرِدٌ فِيها، لأنَّ الأسماءَ أَصلُها الصَّرفُ، ودُخُولُ التنوينِ علَيها، وإنَّما تَمتَنِعُ مِن الصَّرفِ لِعِلَلٍ تَدخُلُها، فإذا اضطرَّ الشَّاعِرُ رَدَّها إلَى أَصلِها، ولم يَحفَل بِالعِللِ، فَمِمَّا جَاءَ مُنَوَّناً ممَّا لا يَنصَرِفُ قَولُ امرئ القيس: (من الطويل)
تَبَصَّرْ خَلِيلِي هل تَرَى مِنْ ظَعائِنٍ
وهو كَثيرٌ. وأَجمَعَ علَيهِ البَصرِيُونَ والكُوفِيُونَ.
وَوَرَدَ أيضاً صَرفُهُ لِلتَناسُبِ، كَقَولِهِ تَعالَى: (سَلاسِلاً وأَغلالاً وسَعِيراً)[8]، فَصَرَفَ ” سَلاسلَ”، لمُناسَبَةِ ما بَعدَه. وأمَّا مَنعُ المنصَرِفِ من الصَّرفِ لِلضَّرُورةِ، فَأَجازَهُ قَومٌ، ومَنَعَهُ آخَرُونَ، وهُم أَكثرُ البصرِيينَ، واستشهدُوا لمنعِهِ بِقولهِ: (من الهزج)
وَمِمَّنْ وَلَدُوا عامِــ ــرُ ذُو الـُّطولِ وذُو العَرضِ[9]
فَمَنَعَ ” عامر ” من الصَّرفِ، ولَيسَ فِيهِ سِوى العَلَمِيَّة.[10]
وقَد يُنَوَّنُ أيضاً ما بُنِيَ مِن الأسماءِ الَّتِي استُعمِلَتْ مُنَوَّنَةً فِي حالِ اضطرَّ الشَّاعِرُ إلَيهِ، كَقَولِكَ: ” يا زَيدٌ ” في ضَرُورةِ الشعر، قالَ ابنُ عقيل: ” إذا كانَ المنادَى مُفرَدَاً مَعرِفةً، أو نَكِرةً مَقصُودَةً يَجِبُ بِناؤُهُ علَى الضَّمِّ، وإذا اضطُرَّ شَاعِرٌ إلَى تَنوِينِ هذا المُنادَى كانَ لَهُ تَنوِينُهُ وهُوَ مَضمُومٌ، وكانَ لَهُ نَصبُهُ، فَمِن الأوَّلِ قَولُهُ: (من الوافر)
سَلامُ اللهِ يا مَطَرٌ علَيها *** ولَيسَ علَيكَ يا مَطَرُ السَّلامُ[11]
ومن الثاني: (من الخفيف)
ضَرَبَتْ صَدرَها علَيَّ وقَالَتْ يا عَدِيَّاً لَقَد وَقَتْكَ الأَواقِي[12]
وتُزادُ اللَّامُ في خَبرِ ” أمسى ” الفعل النَّاقِصِ، ولذلكَ أشارَ ابن عقيل في شرحه، فقالَ: ” وخُرِّجَ علَى أنَّ اللَّامَ زائِدةٌ، كما شَذَّ زِيادَتُها فِي خَبَرِ ” أَمسَى “، نحو قَولِهِ: (من الطويل)
يَلُومُونَنِي فِي حُبِّ لَيلَى*** عَوَاذِلِي ولَكِنَّنِي مِن حُبِّها لَعَمِيدُ[13]
وقولِهِ: (من البسيط )
مَرُّوا عَجَالَى، فَقَالُوا: كَيفَ سَيِّدُكُم؟ فَقَالَ مَنْ سَأَلُوا: أَمسَى لَمَجهُودَا [14]
أي: أمسى مَجهُودَاً، كما زِيدَتْ فِي خَبَرِ المُبتَدأ شُذُوذَاً، كَقَولِهِ: ( من الرَّجز )
أُمُّ الحُلَيسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَه*** تَرضَى مِن الَّلحمِ بِعَظمِ الرَّقَبَهْ[15]
وأجاز أبو العبَّاس المبرِّد (ت285هـ) دُخُولَها فِي خَبرِ ” أنَّ ” المفتُوحةِ، وقد قُرِئَ شَاذّاً: (إلَّا أَنَّهُم لَيَأكُلُونَ الطَّعامَ)[16]، ويَتَخَرَّجُ أيضاً علَى زِيادةِ الَّلام.[17]
وزِيادةُ الحرفِ أيضاً تَكُونُ بِمَدِّهِ، فقد مَدَّتِ العَربُ بَعضَ الأَسماءِ، نحو: مَساجِدَ، ومَنابِرَ، ” فَيَقولُونَ: مَساجِيد، ومنابير، شَبَّهُوهُ بِما جُمِعَ علَى غَيرِ واحِدِهِ فِي الكَلامِ، كما قَالَ الفَرزدَقُ: (من البسيط)
تَنفِي يَدَاها الحَصَى مِنْ كُلِّ هاجِرَةٍ نَفيَ الدَّنَانِيرِ تَنقَادُ الصَّيارِيفِ[18]
وكذلِكَ زِيادةُ الياءِ في ” أظافير ” وهِيَ جَمعُ ظُفر، وهذا ضَرُورةٌ. ومِنهُم مَنْ قَالَ جمع ” أظفور “، ولا شاهِدَ فيها، ومن ذلِكَ قَولُهُ: ( من المتقارب )
فَلَمَّا خَشِيْتُ أَظافِيرَهُم نَجَوْتُ وأَرهَنُهُم مَالِكَا[19]
ومِن الزِّيادةِ أيضاً جَوازُ مَدِّ المقصُورِ للضَّرورةِ، وهذا مَوضِعُ خِلافٍ بَينَ البَصرِيينَ والكُوفِيينَ. وذَهَبَ الكُوفِيُونَ إلَى الجوازِ. ومِنهُ قَولُهُ:
يا لَكِ مِنْ تَمرٍ ومِنْ شِيشَاءِ يَنشَبُ فِي المَسعَلِ والَّلهَاءِ
فَمَدَّ ” الَّلهَاءَ ” للضَّرورةِ، وهو مَقصُورٌ[20].
وتُزَادُ ” كانَ ” بَينَ الفِعلِ ومَرفُوعهِ، كَقَولهِم: ” وَلَدَتْ فاطِمةُ بِنتُ الخُرْشُبِّ الأَنمارِيَّةُ الكَمَلَةَ مِن بَنِي عَبسٍ لم يُوجَدُ –كانَ –أَفضَلُ مِنهُم. وقَد سُمِعَ زِيادَتُها بَينَ الصِّفةِ والموصُوفِ كَقَولِهِ: (من الوافر)
فَكَيفَ إذا مَرَرْتَ بِدارِ *** قَومٍ وجِيرانٍ لَنا –كانُوا- كِرامِ
وشَذَّ زِيادَتُها بَينَ حرفِ الجرِّ ومَجرُورِهِ، كَقَولِهِ: ( من الوافر)
سَراةُ بَنِي أبِي بَكرٍ تَسَامَى *** علَى –كانَ- المُسَوَّمَةِ العِرابِ
وأكثرُ ما تُزادُ بِلفظ الماضِي، وقد شَذَّتْ زِيادَتُها بِلفظِ المضارِعِ فِي قَولِ أُمِّ عقيلِ بنِ أبِي طالِبٍ: (من الرجز )
أنتَ – تَكُونُ- ماجِدٌ*** نَبِيلُ إذا تَهُبُّ شَمألٌ بِلَيلِ[21]
وتُزادُ الَّلامُ فِي العَلمِ، وقد جَاءَتْ في الشِّعرِ اضطِراراً، فقالَ ابن عقيل: ” وأمَّا الزائِدةُ غيرُ اللازِمةِ فهِيَ الدَّاخلةُ اضطراراً علَى العَلَمِ، كَقولهِم في ” بَناتِ أَوبَرَ ” وهِيَ علَمٌ لِضَربٍ مِن الكَمَأَةِ ” بنات الأوبر”، ومنه قَولُهُ: ( من الكامل )
ولَقَد جَنَيْتُكَ أَكمُؤاً وعَساقِلا *** ولَقَد نَهَيْتُكَ عن بَناتِ الأوبَرِ
والأصلُ: ” بنات أوبر ” فَزِيدَتِ الألفُ والَّلامُ[22].
ومَذهَبُ الجمهُورِ ومعَهُم سيبويهِ أنَّ الخَبَرَ عندَما يَكُونُ ظرفاً أو جارَّاً ومَجرُوراً، نحو: ” زَيدٌ عِندَكَ”، و” زيدٌ فِي الدَّارِ” فكُلٌّ مِنهُما مُتَعلِّقٌ بمَحذُوفٍ واجبِ الحذفِ، وهناك آراءٌ مُتعدِّدةٌ، وقَد صُرِّحَ بِهِ شُذُوذاً، كقولِهِ: (من الطويل )
لَكَ العِزُّ إنْ مَولاكَ عَزَّ، وإنْ يَهُنْ *** فَأنتَ لَدَى بُحبُوحةِ الهُونِ كائِنُ[23]
وهكذا تَبَيَّنَ لنا أنَّ الزِّيادةَ تَكُونُ في حرفٍ أو حَركةٍ أو إظهارِ مُضمَرٍ، أو تَصحِيحِ مُعتَلٍّ، أو قَطعِ ألفِ وصلٍ، أو صرفِ ما لا يَنصَرِفُ. وهذهِ قد تكونُ مطردةً في الشِّعرِ حَسَنةً، وقد تَكُونُ غَيرَ حَسنةٍ.
[1] شرح ابن عقيل 1: 149. والشاهد فيه: ” الترضى حكومته ” حيث أتى بصلة ” أل ” جملة فعلية فعلها مضارع.
[2] شرح ابن عقيل 1: 150 .
[3] همع الهوامع 1:85. وينظر شرح ابن عقيل 1: 150 . والشاهد فيه: ” الرسول الله منهم “فقد وصل أل بالجملة الاسمية، وهذا ضرورة.
[4] خزانة الأدب 1: 32. وينظر شرح ابن عقيل 1: 152، ومغني اللبيب عن كتب الأعاريب:عبدالله بن يوسف ابن أحمد، ابن هشام المصري الأنصاريُّ (ت761هـ)، قدم له وشرحه ووضع حواشيه: حسن حمد، وأشرف عليه: د.إميل يعقوب، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418هـ-1998م، مج1: 106 والشاهد فيه: ” المعه” فقد جاء بصلة ” أل ” ظرفاً، وهذا شاذ.
[5] شرح بن عقيل 2: 261. والشاهد فيه ” عمراه ” فقد زيدت الهاء للسكت، في حالة الوصل للضرورة.
[6] المصدر نفسه 2: 241-242. والشاهد فيه: ” فيا الغلامان ” جمع بين حرف النداء ” يا ” و” أل “.في غير اسم الله، للضرورة.
[7] شرح ابن عقيل 1: 23-24.
[8] الآية 4 من سورة الإنسان. .
[9] والشاهد فيه ” عامر ” لم يصرف هذا الاسم، لأنه اسم للقبيلة، وقال الشاعر ” ذو ” ولم يقل ” ذات ” لأنَّه حمله على اللفظ، وحقه حمله على المعنى.
[10] شرح ابن عقيل 2: 311-313.
[11]البيت للأحوص الأنصاري في ديوانه. شعر الأحوص الأنصاري: جمع وتحقيق عادل سليمان جمال، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة، 1970م، ص189، وينظر: الكتاب 1: 313، والخزانة 1: 294.
[12] شرح ابن عقيل 2: 240. والشاهد فيه: ” عديا ” فقد اضطر إلى تنوين المنادى فنوَّنه.
[13] خزانة الأدب 1: 16. وينظر مغني اللبيب مج 1: 452. والشاهد فيه: ” لَعَمِيدُ ” زِيدَت اللام في خبر ” لكنَّ ” للضرورة.
[14] الخصائص ص254. والشاهد فيه: ” لمجهودا ” زيدت اللام في خبر ” أمسى ” ضرورة. وتروى ” عجالى ” بكسر العين وضمها وفتحها.
[15] خزانة الأدب 10: 333. والشاهد فيه: لعجوز ” زيادة اللام في خبر المبتدأ.
[16] الآية 20 من سورة الفرقان.
[17] شرح ابن عقيل 1: 336.
[18] ديوان الفرزدق، همام بن غالب ( ت110هـ )،تحقيق: عبدالله الصاوي، مطبعة الصاوي، القاهرة،1936م، ص570. وينظر خزانة الأدب 1: 255، وشرح ابن عقيل 2: 96.. والهاجرة: وقت اشتداد الحر .
[19] شرح ابن عقيل 1: 596.
[20] شرح ابن عقيل 2: 405.
[21] شرح ابن عقيل 1: 267-270.
[22] شرح ابن عقيل 1: 170-171. وينظر المقتضب مج 2: 359. والشاهد فيه: بنات الأوبر ” فقد زاد ” أل ” على العلم مضطراً، لأنَّ ” بنات الأوبر ” علم على نوع من الكمأة رديء، والعلم لا تدخله ” أل “فراراً من اجتماع مُعرِّفين، العلمية و” أل ” فزادَها ضَرورة.
[23] شرح ابن عقيل 1: 197.