إنَّ حركات الإعراب من اللغة بمنزلة مفرداتها؛ وذلك إنهما درَجَا معًا على الألسنة وتَوافقَا على أمرٍ من الزيادة والنُّقصان والإبقاء والحذف، وعَمِلا في الألسنة حتى مرنت واستَقامَتْ، وعملت فيهما الألسنة حتى تهذَّب منها ما جَفَا وما انتشر وما غلظ؛ لما في طبيعة الإنسانيَّة من مُداورةِ ما يجرى معها حتى يخفَّ بعد ثقلٍ، ويلين بعد صلابة، ويتشابَه بعد تنافُر، ويستقر بعد اضطراب، فلمَّا تَمَّ ذلك لم يكن هناك محيص من أنْ تقوم ألسنة القوم ولغتهم على أمرٍ جامعٍ لا يتفرَّق بها، فترتدَّ إلى الضعف والانحلال، وتباعد الأطراف والفساد واستحالة النماء؛ فكان ما نُسمِّيه نحن الآن من الإعراب والنحو والبيان بأسماءٍ اتَّخذناها أداة للتعبير عن سِرِّ مَعانيها في الكلام، قائمًا في ألسنة القوم مقامَ القانون الطبيعي الراسخ الذي لا يتحوَّل، فكان رفعُ الفاعل ونصبُ المفعول عندهم كمخرجِ الحروف عن اللسان والشَّفتين واللهاة، ولا فرق.