محمد فرح متولي
الكتابة الآمنة وتحديات الخصوصية في عصر الذكاء الاصطناعي
( رؤية تطلعية )
هل سبق لك أن نشرت أو أرسلت رسالة إلكترونية عبر الإنترنت، تتضمن عنوان بريدك الإلكتروني، أو أي معلومات شخصية عنك، ثم استشعرت الخوف على بياناتك من الاختراق، ووصول قراصنة البيانات “Hackers” إلى معلوماتك الشخصية عبر الإنترنت؟ سواء سبق لك ذلك أو لا، فيؤسفني إخبارك بأننا ونحن في هذا العصر الرقمي، ومع التطور الهائل في أنظمة الذكاء الاصطناعي وانتشار أدواته، أصبحت بياناتنا الآن في أشد حالاتها خطورة من ذي قبل، وأصبح الاهتمام بتحقيق خصوصيتها أكثر من أي وقت مضى، ولشدة خطورة هذا الأمر الذي لا يكاد يدرك ملامحه الكثير من مستخدمي الإنترنت اليوم؛ نتطلع في هذا المقال إلى مصطلح جديد في محاولة لإيجاد حل بسيط، يمكن أن يساعد في حماية بياناتنا الشخصية، أو معلوماتنا الحساسة، حال تبادلها عبر الإنترنت؛ إنها الكتابة الآمنة (Secure Typing).
الكتابة الآمنة: أسلوبٌ تقني في الكتابة، يضع الحفاظ على خصوصية النصوص المكتوبة في المقام الأول، ويمكن أن يتمثل في عدة أشكال؛ مثل: التشفير، والترميز، والإلغاز، والإبدال، والقلب، والإخلاف، والتقطيع، والتعمية، وغير ذلك، وفق قواعد مرسومة، أو برمجة خاصة محددة، ومتفق عليها بين المرسِل والمسْتَلم، أو وفق طريقة عامة غير متفق عليها، لكنها تضلل الخوارزميات كي لا تفهمها، فضلًا عن الأساليب الوقائية غير التقنية في الحفاظ على خصوصية بياناتنا، ومنها الحذر والانتباه لما نقوله ونكتبه من خلال الإنترنت، بهدف الحفاظ على معلوماتنا الشخصية، وإبقائها في مأمن بعيدًا عن أعين المتطفلين وخوارزمياتهم، سواء كانوا قراصنة بيانات، أو أية جهة أخرى لها أهدافها.
وعادة تُعَدُّ أكثر الأجهزة استخدامًا لهذه التقنيات هي الأجهزة الخاصة بالشركات والمؤسسات والحكومات، التي تتعامل مع البيانات الحساسة؛ مثل: المعلومات المالية، والصحية، والشخصية، إلا أن انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي وتطورها الهائل في العصر الحالي فَرَضَ على المستخدمين جميعهم أفرادًا ومؤسساتٍ – ضرورةَ تأمين بياناتهم، وحمايتها من مخاطر الذكاء الاصطناعي، المتعلقة بالخصوصية وأمن المعلومات.
ولتبسيط الأمر؛ فإن الكتابة الآمنة التي تستخدم التشفير مثلًا، تتم من خلال طرفين عند إرسال الرسائل فيما بينهما؛ مما يعني أن المرسل والمتلقي فقط هما من يمكنهما قراءة هذه الرسائل، ولا يستطيع حتى مزوِّد الخدمة من الوصول إلى محتواها، وهذه طريقة شائعة تستخدمها بعض تطبيقات المراسلة مثل تطبيق WhatsApp، وتسمى “التشفير التام بين الطرفين”.
وأما الترميز، فيتمثل في الكتابة من خلال إضافة رموز أو أرقام، أو الاثنين معًا داخل النص، أو إدخال رموز لغة في نص مكتوب بلغة أخرى، أو كتابة الأرقام والرموز بمنطوقها والعكس، إلخ. ويمكن استخدام هذه الطريقة – والطرق التالية – عند الكتابة في المواقع العامة التي يراها الجميع، وهذان مثالان على الترميز:
– النص الأصلي: fares-ali@gmail.com.
= النص المرمَّز: fares[dash]ali[at]gmail[dot]com.
– النص الأصلي: حصلت على تقدير جيد جدًّا في مادة السلوك.
= النص المرمَّز: حصلت on تقدير good جدًّا in مادة السلوك.
– النص الأصلي: رقم ت: 0248559007.
= النص المرمَّز: رقم ت: 0two48five5nineHundred7.
–النص الأصلي: رقم ت: 0248559007.
= النص المرمَّز: رقم ت: /o24&55goo.
ملحوظة: رقم 0= حرف o، ورقم 9= حرف g، و7=/، و8=&.
وأما الإلغاز، فيتمثل في الكتابة من خلال عبارات في صورة أسئلة أو ألغاز، تحتاج إلى حلها حتى يكتمل المعنى؛ مثل:
– النص الأصلي: حصلت على تقدير جيد جدًّا في مادة السلوك.
= النص الملغز: حصلت على (مقادير أقل من ممتاز) في (أسلاك الكهرباء).
– النص الأصلي: رقم ت: 010292455.
= النص الملغز: رقم ت: صفر + بعد 9 + قبل 30 + ساعات اليوم + 5 مرتين.
وأما الإبدال، فهو مبادلة بعض الكلمات داخل العبارات بكلمات أو رموز أخرى قريبة في النطق، أو توحي بنفس المعنى:
– النص الأصلي: حصلت على تقدير جيد جدًّا في مادة السلوك.
= النص المبدل: حزت ÷ تقتير حسن جدًّا × جمادة السلك.
وأما القلب والإخلاف، فيتمثل في قلب الحروف داخل الكلمة، أو إخلاف ترتيب الكلمات داخل العبارة؛ مثل:
– النص الأصلي: حصلت على تقدير جيد جدًّا في مادة السلوك.
= النص المقلوب: صلحت على تدقير جدي جاد في دامة الكلوس.
– النص الأصلي: حصلت على تقدير جيد جدًّا في مادة السلوك.
= النص المخلف: تقدير على جدًّا حصلت جيد السلوك في مادة.
وأما التقطيع، فيتمثل في إطالة الوصلات بين الحروف (في اللغة العربية)، مع تقطيعها داخل الكلمة؛ مثل:
– النص الأصلي: حصلت على تقدير جيد جدًّا في مادة السلوك.
= النص المتقطع: حـ صـ لت عـ لـ ـى تقـ ـ ديـ ر جـ يد جـ دًّا في مـ ادة السلـ وك.
وأما التعمية أو التورية، فتتمثل في كتابة نص مخالف للنص المقصود بطريقة ما يفهمها القارئ أو متلقي الرسالة، وغالبًا ما يكون النص المُعمَّى إشارة إلى مواقف معهودة يعرفها العامة، وقد تكون إشارة إلى مواقف لا يعرفها إلا المرسل والمتلقي فقط، ويتم إسقاط هذه المواقف على النص المراد كتابته كتابة آمنة؛ مثل:
– النص الأصلي: حصلت على تقدير جيد جدًّا في مادة السلوك.
= النص المُعمَّى: حصلت على أقل منك بدرجة واحدة في المادة التي لم أذاكرها.
– النص الأصلي: 010292455.
= النص المُعمَّى: رقمي هو نفس رقمك لكن آخره 55.
وتزداد أهمية الكتابة الآمنة مع صعود وتيرة تطور الذكاء الاصطناعي، وانتشار أدواته، وتوسع تطبيقاته؛ إذ أصبحت بياناتنا الشخصية أكثر قِيمةً في ظل تقنياته التي تتعلم كل لحظة، وتخزن كل ما يمر عليها من بيانات ومعلومات، إننا تقريبًا نواجه في هذا العصر طوفانًا جارفًا يكاد يلتهم بياناتنا ومعلوماتنا، وكل ما تضغط به أناملنا على لوحات المفاتيح، بل كل ما نرفعه من صورنا، ونسجله من أصواتنا، ونستعرضه من مرئياتنا الخاصة، والأدهى من ذلك، كل ما نُكِنُّه في صدورنا ونُخفيه في عقولنا، لكنه يظهر في سلوكنا وقراءاتنا، ومشاهداتنا ونقراتنا، وتحركاتنا وتنقلاتنا بين التطبيقات؛ إذ تعمل الشركات المطورة في مجال الذكاء الاصطناعي على جمع كميات هائلة من البيانات حول سلوكنا عبر الإنترنت، التي يمكن استخدامها لإنشاء إعلانات مستهدفة، والتأثير على آرائنا، وحتى التلاعب بسلوكنا.
لو افترضنا أن الذكاء الاصطناعي آلة تعمل بلا توقف كما يستشعر الكثير، فلا تظن أن غذاءها مجرد تيار كهرباء يمدها بالطاقة كي تعمل، بل إن غذاءها هو البيانات والمعلومات فحسب، وبدون هذا النوع من الغذاء لن تعدو كونها مجرد جماد لا فائدة منه، الذكاء الاصطناعي يلتهم البيانات كما تلتهم النار الورق؛ ولذا يمكن أن تساعد الكتابة الآمنة في حمايتنا وحماية بياناتنا من هذه المخاطر.
وأخيرًا، تعد الكتابة الآمنة طريقة بسيطة، ولكنها فعالة، لحماية خصوصيتك في ظل تحديات الخصوصية في عصر الذكاء الاصطناعي؛ إذ يمكنك ضمان بقاء بياناتك الشخصية تحت سيطرتك، من خلال اتخاذ بضع خطوات بسيطة لحماية خصوصيتك عبر الإنترنت، سواء كنت ترسل رسائل، أو تتصفح الويب، أو تنشر على وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى تحادث صديقًا، أو تكاتب أحد روبوتات الدردشة، فمن المهم أن تضع في حسبانك أهمية وحساسية المعلومات التي تشاركها أو تكتبها أو تقولها، وأن تتخذ الخطوات اللازمة للحفاظ عليها آمنة.
المصدر الالوكة