دروس في النقد والبلاغة
الدرس التاسع: الخبر الأدبي بين الأديب والسامع
تقَدَّمَ أَنَّ الخبرَ الأدبيَّ تعبيرٌ عَن شعور الأديب، وأَننا نفسِّرُ هذا الشعور فِي نِطَاقِ السياق، وهنا نقولُ: إنَّ الأديبَ أحْيانًا قد يقصدُ إلى أثر فِي نفسِ السامعِ ويحتفلُ به احتفالًا واضحًا، كَمَا فِي النموذجين التاليين:
فَإِنَّكَ شمسٌ والملوكُ كواكب **إِذا طلعت لم يَبْدُ منهنَّ كوكبُ
ولو لبس النَّهارَ بنو كليب ** لدنَّسَ لؤمُهم وَضَحَ النَّهار
فالشاعر في البيت الأوَّل يمدح، أَمَّا في البيتِ الثاني فهجاء لا لبسَ فيهِ.
وربما تجاوزَ الشاعرُ هذين الغرضين إلى أغراضٍ أخرى كالتعريض، مثل أَن تقول للشابِّ الذي لا يَجدُّ في طلب العلم: “الثقافة مفخرة الشباب”، وإلى جانبِ التعريض النصحية، كقولك: “كثرةُ العتاب تفسدُ الصداقة”.
ولكن هناك مثل التحسر والتعبير عن الضعف في قول الشاعرِ:
ذهبَ الشبابُ فما له من عَودةٍ** وأَتى المشيبُ فأيْنَ منه المهربُ
وهذا المعنى لا يتعلَّق بالمخاطبين في شيءٍ.
- موضوعات ذات صلة:
- دروس في النقد والبلاغة الدرس الثاني: تناسق الكلمة
- دروس في النقد والبلاغة الدرس الأول: الأسلوب
فأغراضُ الخبر إِذن قسمان:
أ- أحدهما: موصول بأثرٍ مقصودٍ في نفس السامع.
ب- وثانيهما: موقوف على حكاية الشاعر آلامه ونجواه لا يشرك في ذلكَ أحدًا ولا يوجهه إلى فردٍ من الأفرادِ (كمثل وصفه لحادثةٍ ألمَّت به، أو ابتهاجه بظفرٍ أدْركه، أو حنينه إلى مَنْبته الأوَّل، أو تعبيره عن السرور بالجمال والنفور من القبح).
وَمَا يزالُ النُّقَّاد يطلبونَ إلى الأديب أن يكونَ صادقًا مُعبِّرًا عَمَّا تجيش به نفسُه، فالبيت السابق في المديحِ ينمُّ عَن غلوٍّ أرادَ به الشاعر إرْضاءَ الممدوح، وعلى العكس من ذلكَ بيت الهجاء يؤذن مساقه بالصدقِ وإن يكن آخذًا بطرفٍ من الغلوِّ، ومردُّ الحكمِ في ذلكَ كلِّه إلى الخبرةِ بالأساليبِ والإحساس الفطري العام.