تعبيرات وتركيبات خاطئة
يلفت النظر في لغة الإعلام ورود بعض
التركيبات الخاطئة، سواء من جهة المعنى أو من جهة الاستعمال العربي المأثور.
من ذلك قولهم:
1- لا يجب أن يكافأ المعتدي على عدوانه
“لا يجب اللعب بقضية الرهائن“.
وصواب العبارة إما القول:
“يجب ألا يكافأ المعتدي على عدوانه”، أو القول:
لا يجوز أن يكافأ المعتدي على عدوانه
لأن نفي الوجوب في الاستعمال الأول لا ينفي الجواز. وعلى هذا فإن قلت لشخص: لا يجب أن تفعل كذا، كان ممتثلا لقولك إذا امتنع عن فعله أو قام بفعله دون إجبار، بل طائعًا مختارًا. ومعنى هذا أن قولك: “لا يجب أن يكافأ المعتدى على عدوانه” يعني أن ذلك جائز الوقوع، ولكن ليس على سبيل الإجبار، وهو معنى لا يقصده المتكلم.
2- ومما ينتقد من جهة المعنى لما يحمله من تعارض داخلي ما يرد في أجهزة الإعلام من مثل:
أ–
“أجمع معظم المعلقين في السودان على…….”
ب–
“جميعهم تقريبًا من الأطفال“.
ج–
“جميع المطارات العراقية تقريبًا قد
أصابها التدمير“.
فالإجماع غير الأغلبية، كما أن الجميع
غير الأكثر فلا يصح الجمع بينهما في عبارة واحدة.
ويدخل
تحت الخطأ من جهة المعنى قول محفوظ الأنصاري “برنامج أضواء على الأحداث“: “سيوفر فرص
عمل لعدد يتراوح بين 400 ألف ونصف مليون بني آدم”. فاستعمال لفظ “بني آدم” في
هذا السياق يخالف ما يسميه علماء الدلالة “المعنى الأسلوبي” وذلك عن طريق عدم
مراعاته “رتبة اللغة المستخدمة” ونوعها[1].
ولو أنه وضع كلمة “شخص”
مكان “بني آدم” لكان أليق بالمقام.
ويخرج على مقتضيات المعنى
الأسلوبي كذلك قول مذيع صوت العرب:
“وهذه باقة أخرى من أهم الأنباء التي وصلتنا“[2].
3-ومما يشيع في لغة الإعلام كذلك تكرار “كلما” في مثل العبارة: “كلما اقترب الموعد … كلما زاد خطر الحرب.
والصواب حذف “كلما” الثانية.
-4 ويشيع كذلك الخطأ في وضع حرف الجر الباء بعد الفعل
“استبدل”. فالشائع إدخاله على المتروك، كما في قوله تعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ
الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}
. ولكن المستخدم في لغة الإعلام إدخاله
على المأخوذ كما في العبارات:
• إلغاء مجلس الوزراء، واستبداله بمجلس مصغر.
• مع استبدال القوات العراقية بقوات دولية“، والصواب أن يقال: “واستبدال مجلس مصغر به”، واستبدال القوات الدولية بقوات عراقية[3]“.
5- تستعمل اللغة العربية “ثمة” ظرفًا بمعنى هناك وعلى
هذا يبدو الخطأ في استعماليها الآتيين في لغة الإعلام:
أ– إضافتها إلى ما بعدها، كقولهم:
“كذلك ثمَّة شعورٍ متزايد بأن … “
والصواب: “ثمة شعورٌ … “.
ب– الجمع بينها وبين “هناك” التي في معناها في جملة واحدة، كقولهم: “ليس ثمة هناك ما يدعو إلى القلق“،
والصواب حذف أحد الظرفين.
-6إذا اجتمعت همزة الاستفهام وحرف العطف “ثم، الواو، الفاء” فالاستعمال العربي جار على البدء بحرف الاستفهام وإتباعه بحرف العطف كما يبدو من الآيات القرآنية الآتية:
{أَفَلا تَعْقِلُونَ}
{أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ
آمَنْتُمْ بِهِ} .
{أَوَلا يَذْكُرُ
الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْئاً} .
وبهذا يبدو خطأ من يعكس الترتيب فيقول:
“وأليس
من الممكن..”، “ثم أليس من المعقول … “، “وألا يعد إشراك
هؤلاء التسعة2، “وألا يكفي العالم العربي ما به من انقسام“[4].
7- من التعبيرات الشائعة الآن في لغة الإعلام قولهم:
•اعتذر عن الحضور.
•الكويت تعتذر عن المشاركة في مؤتمر القمة الطارئ.
والصواب: “اعتذر عن عدم الحضور، أو “عن غيابه”، و”الكويت تعتذر عن عدم مشاركتها..” ذلك أن الاعتذار يكون عن ذنب أو خطأ، أو فعل يستحق الاعتذار عنه، وهو في حالتنا هذه عدم الحضور، أو عدم المشاركة[5].
8- ويشيع كذلك في لغة الإعلام النمط التركيبي الآتي:
بالرغم
من خطورة الموقف … إلا أنه مازال من الممكن تجنب نشوب الحرب“.
والمسموع الفصيح في مثل هذا أن يقال:
“بالرغم من خطورة الموقف/ وعلى الرغم من خطورة الموقف … فإنه مازال من
الممكن..”.ومع
ذلك أجاز المجمع اللغوي أن يحذف حرف الجر فيقال: “رغم خطورة الموقف..”
أو “رغمًا عن خطورة الموقف“[6].
9- وكثيرًا ما يأتي النقد في صياغة عناوين المقالات، حين يؤدي
اختصارها وتكثيفها إلى غموض ربما أدى إلى فهم خاطئ لها. ومن ذلك العنوان التالي
الذي ورد في صحيفة الأهرام: “عرفات يتوقع ضربات انتقامية للفلسطينيين.
في الدول العربية[7].
وصحة العبارة: “ضد
الفلسطينيين” بدليل ما جاء في صلب المقال ونصه: “صرح ياسر عرفات … بأن
ثمة عمليات عسكرية إسرائيلية يجري الإعداد لها الآن ضد كل من تونس والجزائر واليمن
الجنوبي والعراق، لضرب الفلسطينيين … “.
10- من المعروف أن مجرور “رب” لابد أن يكون نكرة. ولكن
بعض الإعلاميين قد خالف هذا التركيب حين أدخل رب على اسم معرفة في قوله: “رب
ضارة نافعة، ورب مأساة النظام العراقي تجعل قادة العرب والشعوب العربية تستيقظ من
سباتها“[8].
والصواب أن تعدل العبارة ليكون مدخول “رب” نكرة كأن يقال: “ورب مأساة كمأساة النظام العراقي..”.
[1] انظر في ذلك: علم الدلالة 1982 ص38. ولاحظ الصيغة العامية الظاهرة على هذا التعبير في استعماله مفردًا مع أنه جمع في الفصحى.
[2] لاحظ أن ذلك كان خلال حرب الخليج، وكانت كل الأخبار تحمل أنباء عن التدمير، والقتل، وإسقاط الطائرات، وإطلاق الصواريخ.. وغيرها.
[3] ورد في بعض الاستعمالات القديمة والحديثة إدخال الباء على المأخوذ. وقد تبنى مجمع اللغة العربية قرارًا بإجازة ذلك. ولست مع هذا الرأي إذ لا بد من تثبيت موضع الباء منعًا للبس، ولا يصبح إطلاق الأمر كما فعل المجمع بإجازة إدخال الباء على كل من المأخوذ والمتروك.
[4] الأخبار، المقال الرئيس بقلم سعيد سنبيل ص1، 22/ 1/ 91.
[5] في ديوان الأدب 20/ 403: “واعتذر عن ذنبه”، وفي لسان العرب، عذر: واعتذر من ذنبه: تتصل”، وفي المصباح المنير: واعتذر عن فعله: أظهر عذره وفي الوسيط: اعتذر إليه: وطلب قبول معذرته … واعتذر من ذنبه … واعتذر عن فعله. تتصل، واحتج لنفسه“.
[6] الألفاظ والأساليب 1/ 45، 46.
[7] ظاهرة العبارة أن الفلسطينيين هم الذين سيقومون بالضربات الانتقامية ولكن المراد غير ذلك.
[8] فتحي الإبياري -صفحة الأدب- “مجلة أكتوبر 11/11/1990“.