المؤلف: محمد نديم فاضل
وظيفة الحروف
وقف علماء النحو في حدهم لحروف المعاني على وظيفتها في الجملة فقالوا: لفظ يدل على معنى في غيره، يربط بين أطراف الجملة، ولم يقفوا عند ماهيته وحقيقة ذاته.
وكان على الحاد أن يُفرق بين الماهية والوظيفية، وأن تكون ألفاظه بعيدة عن العموميات وعن المجاز والمشترك والوحشي. ورحم اللَّه الرازي حين قال: وأحكام اللغات لا تنتهي إلى القطع من الاحتمالات البعيدة. وقال التبريزي: ليس للحرف معنى حتى يقال: إنه مستعمل فيه أو يدل عليه.
والحرف عند علماء الأصول لا معنى له أصلا فهو نظير الحركات الإعرابية: موضوع لمعنى في كير لفظه.
فالحروف أدوات لتوصيل أفعال قاصرة وضعيفة، ولإحداث علاقات، والتعبير عن العلاقات معنى وظيفي لا معجمي، واختصار لعبارات كثيرة.
وهذه عبارة قالها عبد اللَّه بن جفعر لعاصم: هل لكَ بِنا فيه؟ فلا ينجيه منا ما فعل. ولو سألنا القائل بالتناوب عن تفسيره حروف ابن جعفر لانكفأ مبهوتا لا يقطع فيها بيقين.
امتيازات الحروف:
1 – هي أدوات ربط:
ربط ضمير بضمير (أينِ أنت منه؟) و (فكيف أنت له؟).
ربط اسم باسم ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾.
ربط فعل باسم ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ﴾.
ربط فعل بفعل ﴿مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ﴾.
ربط جملة بجملة ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾.
2 – وهي كثيرة الدوران في الكلام مع افتقارها إلى الضمائم لبيان معناها فلا تفيد إلا مع مجرورها كما أشار سيبويه: الحرف ما دل على معنى في غيره ومن ثَم لم ينفك من اسم أو فعل يصحبه. يتعدد مدلولها الوظيفي ولا يتغير مبناها. فيها معنى ثابت أصيل كما قال سيبويه، فالباء: إنما هي للإلصاق والاختلاط ثم قال: فما اتسع من هذا في الكلام فهذا أصله. وقال الزمخشري: اللام للاختصاص، وهذا أصل معانيها. إذاً لمعاني الحروف ثوابت ومتغيرات. وظاهرة تعدد المعنى الوظيفي للأداة يعكس تشابك العلاقات ولا يفهم مدلول الأداة إلا من واقع استعمالها فلا بيئة لها خارج أسيقتها، ولا تحمل معناها حتى تأخذ مكانها في مأمّ تتورده، وفي طريقنا العسوف نسوق هذا المثل: قال الأعشى الكبير:
فأرادها كيف الدخول … وكيف ما يؤتى لها إن الفتاة صغيرة … عِزٌّ فلا يُسدى بها نقف مع اللام – يؤتى لها – والباء يسدى بها – مبهوتين لهذا الاستعمال الذي خرج فيه الشاعر على المألوف الدلالي للحرف أو الرمز العرفي الذي قال عنه أهل اللغة: اللام للتعليل أو التبليغ. والباء للإلصاق أو التبعيض وعلى للاستعلاء ومن لابتداء الغاية وإلى لانتهائها … الخ.
نحن محكومون إذاً أن نلتمس معناها من خلال السياق في النظم الذي وردت فيه. ثم نعود إلى كتاب اللَّه فنقول: اللام مثلاً لما تعددت معانيها: لام الملك والاختصاص والاستحقاق والتسخير والولاية والتمهيد والتذليل والتمكين والتصريف والتاريخ والمدح والذم كما مر بنا.
أليست هذه المعاني مستوحاة من السياق؟ لم اختلفوا في معناها والسياق واحد لم يتغير؟
قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾. قال ابن الحاجب اللام معناها عن. وقال ابن مالك في شرح التسهيل: اللام للتعليل. ونقل البحر عن قتادة: إنها لام التبليغ، ونقل الجمل عن أبي السعود: إن اللام بمعنى (في) كما في قوله: ﴿لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا﴾، وقال الآلوسي: لأجلهم وفي شأنهم فاللام للتعليل وقيل هي لام المشافهة.
أليس هذا من اختلاف الفهوم في توجيه المعنى ما دام السياق واحداً، جاء في بدائع الفوائد لابن قيم الجوزية: إن دلالات الفعل قد تكون متعددة والحروف تبع لهذه الدلالات يُؤتى بها لتناسب هذه المعاني. وُيعقب على قولهأحد المعاصرين: غير أن ابن قيم الجوزية يعد هذا تضمينا وليس هو من التضمين في شيء وإنما هو من تعاور الحروف وإنابة بعضها عن بعض.
أقول: لو سلمنا لهذا الباحث تسليم نظر فهل له في دعواه مُرتَفَق نتوركه أو دليل معه عليه؟ قال الأصوليون: إذا دخل الدليل الاحتمال سقط به الاستدلال. وأسوق هذا الشاهد لنزداد وضوحا: قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ﴾ وقال: ﴿فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ﴾ قال العز: أخبتوا إلى ربهم تابوا وأنابوا عداه بـ إلى ليجمع بين التوبة والتواضع، وقال: وأخبتوا إلى ربهم ضُمن المعنى أنابوا.
وقال الزركشي والجمل: أخبت فلان إلى كذا اطمأن إليه وأخبت له: خضع وخشع. وقال ابن عباس: وأخبتوا إلى ربهم أخلصوا وخضعوا وخشعوا. وتخبت له: تخلص له وتقبله. وقال مجاهد: أطاعوا. وقال قتادة: خشعوا، وقال مقاتل: أخلصوا. وقال الفراء: إلى ربهم ولربهم واحد.
أقول: أخبت إلى: تضمن معنى اطمأن. فالحرف (الى) مع امتداد الصوت وتفريغ النَّفَس وراحة الصدر يفيد اطمئنان القلب وسكون الأعضاء، وهذا المعنى يتفق مع سياق الآية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾.
أما أخبت له نقد تضمن معنى خضع والخضوع فيه كسر النفس، والحرف (لِ) مع الكسرة الخاطفةوالصوت المنقطع ونفثة الصدر السريعة، يفيد خضوع الجارحة الموقوت، وخشوعها المنفعل بإثارةٍ تزول بزوال المؤثر، فقد يتوب العبد إلى ربه ثم يعود إلى ما كان عليه مرة ومرة ومرة. وهذه الذبذبة تتفق مع سياق الآية السابقة لها واللاحقة بها، فمن لحظ هذه اللطائف بقلبه وقدّر هذا النظم البديع بلبِّه، أبصر بعين اليقين أنه تنزيل من حكيم حميد. كيف يقول الفراء: معنى إلى ربهم ولربهم واحد، والسياق بين الآيتين مختلف؟ واللَّه العليم الخبير بخصائص هذه الحروف جعل لكل سياق حرفاً يُنبه إلى ما استودعه من أسرار فيه. فمعاني الحروف تنكشف لمن أَمَّها، وتهيأ لها ونشَّم فيها، فمن طبِن لها أمطته كاهلها وأسلست له غاربها، ومن خبطها وتورطها، أوعرت به سُبُلها.
وإذا كان للسياق دوره في تحديد مدلول الأداة ومعناها الوظيفي فهو – أي السياق – ينهض بتفسير هذه المداليل المتعددة. (فيرث) وهو زعيم نظرية السياق، يؤكد الوظيفة الاجتماعية للغة، ومعنى (الأداة) عند أصحاب هذه النظرية هو في استعمالها أو في الدور الذي تؤديه في الجملة فمعناها لا ينكشف إلا من خلال تسييقها أي وضعها في سياقاتها المختلفة مع عناصر أخرى تتعلق بالمقام كما قلت.
فدراسة الأداة يتطلب تحليلا لهذه السياقات: السياق اللغوي، والعاطفي، والثقافي، والاجتماعي، وسياق المواقف أو بعبارة أخرى: توزعها اللغوي، فمعناها مستفاد من تركيبها لا من نفسها منفردة: والسياق على هذا التفسير يشمل الكلمة والجملة وما قبلها من الجمل وما بعدها.
♦ أقول: –
♦ (أو) في قوله تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾ إنما هي للإباحة في أحد الشيئين فلو انتهيت عن طاعتهما معا لكنت مصيبا. فقدجرت (أو) هنا مجرى الواو لأن النهي إذا دخل في الإباحة استوعب ما كان مباحا باتفاق، وإذا دخل في التخيير ففيه خلاف، ذهب السيرافي إلى أنه يستوعب الجميع كالنهي عن المباح، وذهب ابن كيسان إلى جواز النهي عن كل واحد وجوازه أن يكون عن الجميع، إن قلت للمسافر: صل أربعا أو ثنتين، فالركعتان واجبتان وترك الباقيتين بقصد الترخص. هنا لا تكون (أو) بمعنى الواو لمطلق الجمع كما سبق فالفرق بين التخيير والإباحة هو: جواز الجمع في الإباحة ومنع الجمع في التخيير. وإنما جاز ذلك في هذا الموضع لا لشيء رجع إلى نفس (أو) بل لقرينة انضمت من جهة المعنى إلى (أو).
♦ و (الباء): في قوله تعالى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ إن دخلت على فعل يتعدى بنفسه أفادت التبعيض خلافاً للأحناف، وإن دخلت على فعل لا يتعدى بنفسه أفادت الإلصاق: إلصاق الفعل بمفعوله: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ فأنت لا تقول طفت البيت وإنما بالبيت ولا يسمى من دار ببعض الكعبة طائفا أما من مسح بعض رأسه فيسمى ماسحاً. فهذا ونحوه موضع متناهٍ آخذ بغاية الصنعة من مستخرجه، يُرجى التنبه لأمثاله، وإمعان الفحص عما هذه حاله. فإذاً على دارس كتاب الله، الكاشف عن أسراره، النظر في الحروف ومحلها وسياقاتها، فإن الرجل يقرأ الآية من كتاب اللَّه فيعيا بوجهها فيهلِك فيها. فقول الحوفي: إن الباء في قوله سبحانه: ﴿فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾ متعلقة بـ ناظرة، هو باطل لأن الاستفهام له الصدارة والباء متعلقة بما بعدها أي بـ يرجع.
ومن قال في قوله سبحانه: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾. (عليه) إغراء نقول: إغراء الغائب ضعيف. فالدلالة على المعنىشيء، والاستدلال عليه شيء آخر، ولا يلزم الغلط في أحدهما الغلط في الآخر.
وحين نقول: يحتمل اللفظ هذا المعنى، فهل نريد صلاحيته له من حيث الوضع اللغوي أم من حيث مراد المتكلم؛ حسبما يقتضيه السياق؟ فإنه لا يلزم من صلاحية الوضع أن يكون مراداً من جهة المتكلم وبعض المفسرين كانت طريقتهم في معالجة حروف المعاني أنهم تناولوا شرحها ضمن مفردات الجملة لبيان معناها وإيضاح مدلولها دون ربطها بالسياق والهيكل العام ونظراته الشاملة، فحبسوا شروحهم وقُرَّاءهم في أسر المفردات، فشق على القارئ أن يحيط بمدلولها من خلال الكُليات، والاهتداء بسهولة إلى معالم الفكرة العامة لأنها اختفت وراء دلالات الألفاظ المفردة وغابت خلف عديد من التخريجات والتأويلات لمعان جزئية دون عرضها أو ربطها في هيكل متكامل تتناسق فيه الجزيئات بالكليات، ويأخذ بعضها برقاب بعض.
وحين قال النحاة: (إلى) بمعنى اللام، والباء بمعنى (في) وعن بمعنى على … ردد ذلك المفسرون أو أكثرهم ولم يسألوا عن سبب تناوب هذه الحروف ولم يتعرضوا للعلة التي من أجلها جرى التعاور. فليس التناوب في الحروف إلا أسلوباً من الهروب في مواجهة المشكلة، أو قنطرة للخروج من مأزق. وحين فشا على ألسنة المفسرين واتسع، صار لشياعِهِ كأنه أصل يقاس عليه، فكيف نفزع إليه وهو لضعفه لا يملك أن يكون علة نفسه؟ فخذ منه حِذرك، ولا تغتر من إخلاد من أخلد إليه وقد كشفت لك عن مساوئه. لا بد إذن أن تكون العلة الغائية ضالة البياني أو المفسر، لأنها تسعى لشرح العلاقات بين المضمّن والمضمّن فيه، حين يُحمل المعنى على التضمين، كما تسعى للكشف عما تحمله هذه الحروف من وظائفَ ومعانٍ. ويرى علماء اللغة المحدثون البحث عن هذه العلة ضرورة لتعميق الفهم، ويَرون حرمان أي بحث لغوي منها محاباة للتمرير على حساب العمق في الفهم والإحاطة.
إن الفكر باعتماده على الهوية المجردة للحرف أو الأداة أو اللفظ دون ربطه بالنص، وبواقع له زمان ومكان، وبظروف اجتماعية وتاريخية ونفسية معينة، ينتهي إلى تأملات مجردة، وهذا من مخاطر العقلية المثالية.
لقد كشفت دراسة الألفاظ والأدوات منعزلة عن سياقها أنها فقيرة حين نتناولها في منظور عقلي صِرف، إنها تنفر من التجريد تتعامل مع واقع بذاته، مع وسط اجتماعي أو سياسي أو دعوي … فهي تحتاج إلى جداول إحصائية وتحليل لنمط تطورها. هذا فعل علم يأتي متعديا بـ (مِن) في هاتين الآيتين: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ في الأولى تضمن معنى الكشف فاللَّه يعلم، ولكن يريد أن يكشف للناس … وفي الثانية تضمن معنى الفَرْز.
لنقف مع فعل (أرسل) في الوسط الذي يتحرك فيه، والدور الذي يُؤديه مع مجموعة من حروف المعاني:
1- ﴿لَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا﴾
♦ ﴿نَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ﴾
♦ ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ﴾
♦ ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ﴾
♦ ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ﴾
فالإرسال هنا تضمن معنى التسليط والقهر وإنزال الضُّر والعذاب حتى تعدى بـ (على):
2 – ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ﴾
♦ ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾
♦ ﴿أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً﴾تضمن الإرسال مع الحرف إلى معنى البعث والتوجيه فقد وجهت إليهن دعوة إلى وليمة.
3 – ﴿أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾
♦ ﴿وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ تضمن الإرسال هنا معنى الإطلاق من الأسر أو الحجز أو العذاب مع حرف المعية (مع) ليشدّ أزْره بالعصبة المؤمنة والصحبة الطبية.
4 – ﴿فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ﴾ تضمن الإرساد هنا معنى البث مع الحرف (في)
5 – ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾ تضمن الإرسال هنا مع الباء معنى الإنذار
6 – ﴿وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ﴾ تضمن الإرسال مع اللام معنى الفتح والمنح.
فللسياق دوره وللقرائن شأنها، وتحليل النص في موقف ما أو وسط من الأوساط: اجتماعيا كان أو تاريخيا أو نفسيا أو سياسيا … فإنه يتجاوز الرؤية العرفية إلى كشف البصمات وتحديد المعالم، ولكل رؤية منهجها وفلسفتها، وتمزيق هذه الرؤية أو فصلها سيؤدي إلى تشتتها، وبالتالي سيكون له مظاهر سلبية على الثقافة.
فعلى الباحث أن يجتهد في التحري عن خفايا الفعل وأسراره ضمن النظرة الكلية، والرؤية الشمولية، ليصل إلى الفهم الأكمل والأشمل، ليصل إلى المعنى الدلالي الذي اكتسبه من المقام المنظوم فيه، وهذا لا يخضع لتعليل ولا قاعدة، لأنه عرفي يغلب عليه طابع الاجتهاد، طابع الملاحظة والتأمل الذاتي، (فضرب) معناه المعجمي: لطم، أما معناه الدلالي بعد انتظامه في التركيب فتضمن معنى:
ضرب الفحل: شال بذنبه، وضرب الجرح: اشتد وجعه.
♦ وسعى: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ﴾.
وضرب الدهر بيننا فرَّقنا.
♦ وفرض: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ﴾.
وحجر: ضرب القاضي على يده.
♦ ومثل: ﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾.
وأضرب عن الأمر: عَزَف عنه.
وأضرب في بيته: لم يبرح.
أرأيت إلى التضمين لا يأتيك مصرحاً به مكشوفاً عن وجهه، بل مدلولا عليه بغيره من وجهٍ لا يفطن له إلا من أوتي النظر، ليكون ذلك أعلى لشأنه وألطف لمكانه حتى كان الإفصاح عنه غير سائغ ولا مريح.
المصدر: التضمين النحوي في القرآن الكريم