الأسماء الستة
1- الأسماء الستة وإعرابها
2- عددها، خمسة أو ستة، من استعمال العرب لها
3- الصفات العامة لإعرابها بالحروف
4- الصفات الخاصة بكل من الكلمتين “ذو، فم”
الأسماء الستة وإعرابها:
هذه الأسماء هي: “أب، أخ، حم، فم، ذو، هن”، ويقصد بكلمة “حم” -كما جاء في قطر الندى- أقارب زوج المرأة كأبيه وعمه وابن عمه، على أنه ربما أطلق على أقارب الزوجة. ا. هـ.
وعلى هذا فالأكثر في اللغة أن يقال: “حموها” والقليل في اللغة أن يقال: “حموه” وأما كلمة “هن” فهي كناية عما يستقبح ذكره، أو هي كناية عن العورة في الرجل والمرأة.
هذه الأسماء السابقة ترفع بالواو نيابة عن الضمة، وتنصب بالألف نيابة عن الفتحة، وتجر بالياء نيابة عن الكسرة، نقول: “أخوك رِحمُكَ وقوتُك فهو جديرٌ بعطفِك ونُصرتك”، وتقول: “فقد الرّسول أباه وهو في بطن أمه فاستقبل الحياة يتيما”، وتقول: “لا تسخرْ مِنْ ذي الحاجة فربَّما احتجْت يوما مثلَه”. فكلمة “أخوك” في المثال الأول مبتدأ مرفوع بالواو، وكلمة “أباك” في المثال الثاني مفعول به منصوب بالألف، وكلمة “ذي الحاجة” في المثال الثالث مجرورة بحرف الجر “من” وعلامة الجر الياء.
عددها من استعمال العرب لها:
يصف بعض المعربين هذه الأسماء بأنها “ستة” ويصفها آخرون بأنها “خمسة” وكلا الفريقين مصيب في وصفه، فما حقيقة الأمر في هذا الموضوع وما أساسه العلمي؟
ينبغي أن يعلم -باختصار شديد- أن العرب الفصحاء الذين اعتمد عليهم النحاة في وضع القواعد لم يكونوا قبيلة واحدة متحدة النطق دائما وإنما كانوا مجموعة من القبائل المختلفة النطق أحيانا في المسلك اللغوي الواحد، مما يترتب عليه في دراسة النحو وجود آراء مختلفة -حول المسألة الواحدة- وكل رأي يعتمد على نطق عربي فصيح لإحدى القبائل الموثَّقة.
وخير مثال للفكرة السابقة هذه الأسماء التي معنا، فقد ورد فيها عن العرب الفصحاء الاستعمالات الثلاثة الآتية:
الأول: الاستعمال المشهور “لغة التمام”.
وهو إعرابها بالحروف، حيث تستعمل في حالة الرفع بالواو، وفي حالة النصب بالألف، وفي حالة الجر بالياء، وإنما سميت “لغة التمام” لأن كلمة “أب” على حرفين فقط، والأسماء المعربة في اللغة تبدأ بثلاثة أحرف، فإذا انضم إلى هذين الحرفين الواو أو الألف أو الياء في الإعراب فقد تمت الكلمة وكملت بهذه الحروف، ويستعمل هذا الاستعمال ستة أسماء هي التي سبقت معرفتها في أول هذا الموضوع.
الثاني: لغة القصر
ويكون بإلزامها الألف دائما رفعًا ونصبًا وجرًّا، فهي اسم مقصور تقدرعليه الحركات الثلاث -كما سيعلم في إعراب المقصور- مثلها في ذلك مثل الكلمات “هُدَى، مصطفَى، مَرْمَى” ومن ذلك قول الراجز مما هو منسوب لرؤبة بن العجاج:
إن أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها[1]
ومن أمثال العرب “مُكْره أخاك لا بطل”[2]
والذي يستعمل هذا الاستعمال كلمات ثلاث هي “أب، أخ، حم”.
الثالث: لغة النقص
ويكون باستعمالها على حرفين فقط: فهي ناقصة عن ثلاثة أحرف، وهذا أقل عدد للكلمات العربية المعربة، وحينئذٍ تعرب بالعلامات الأصلية، فتشكل بالضمة رفعا والفتحة نصبا والكسرة جرا، ومن ذلك قول القرآن ﴿ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً ﴾ الآية 78 من سورة يوسف. وقول الرسول: “من تعزى بعزاء الجاهلية فأعِضُّوه بهَنِ أبيه ولا تكنوا” جاء في حاشية الصبان “ج1 ص69” نسبة الحديث إلى النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، وقد ورد في الجامع الصغير للسيوطي بلفظ: “إذا رأيتم الرجل يتعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه..” وكلتا الروايتين دليل لما نحن فيه. وقول رؤبة يمدح عديّ بن حاتم الطائي:
بأبِه اقتدى عَدِيّ في الكَرَم … ومن يُشَابِهْ أَبَهُ فما ظلم[3]
والذي يستعمل هذا الاستعمال أربع كلمات هي “أب، أخ، حم، هن”
فما علاقة ذلك كله بعدد هذه الأسماء وكونها خمسة أو ستة؟
إن بعض النحاة يرى أن كلمة “هن” لم يستعملها العرب الاستعمال الأول “التمام” ولا الاستعمال الثاني “القصر” ولم تستعمل إلا الاستعمال الأخير فقط “لغة النقص” ورتب على ذلك أن الأسماء التي تعرب بالحروف خمسة لا ستة.
إعراب البيت:
بأبه: الباء حرف الجر، أب: مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة الظاهرة و “أب” مضاف وضمير الغائب مضاف إليه مبني على الكسر في محل جر، والجار والمجرور متعلق بالفعل “اقتدى”، اقتدى: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر، عدي: فاعل مرفوع بالضمة، في الكرم: جار ومجرور متعلق بالفعل “اقتدى”، من: أداة شرط جازمة تجزم فعلين، وهما فعل الشرط والجواب، يشابه: فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بالسكون، والفاعل ضمير مستتر، أبه: أب: مفعول به منصوب بالفتحة، وضمير الغائب مضاف إليه مبني على الضم في محل جر، فما ظلم: الفاء واقعة في جواب الشرط، ما: حرف نفي، ظلم: فعل ماض مبني على الفتح لا محل له من الإعراب والفاعل ضمير مستتر، والجملة في محل جزم جواب الشرط.
وهناك رأي مقابل لهذا الرأي، وهو أن العرب الفصحاء استعملوا كلمة “هن” على لغة “التَّمام” وسمع عنهم مثل “هَنُوكَ مِمَّا يَعِيبُك” وقولهم أيضًا “استُرْ هَنَا أهْلِك” فهو أيضًا يعرب بالحروف، فالأسماء التي تعرب بالحروف إذن ستة لا خمسة.
جاء في ابن عقيل: وأما “هن” فالفصيح فيه أن يعرب بالحركات الظاهرة على النون ولا يكون في آخره حرف علة، والإتمام جائز، لكنه قليل جدا وأنكر الفراء جواز إتمامه، وهو محجوج بحكاية سيبويه الإتمام عن العرب ومن حفظ حُجَّةٌ على من لم يحفظ. ا. هـ.
الصفات العامة لإعرابها بالحروف:
المقصود بأنها “عامة” أنه يجب أن تتوافر في كل هذه الأسماء السابقة فليست خاصة باسم منها دون الآخر.
وهذه الصفات تلخصها عبارة واحدة هي: “أن تكون هذه الأسماء مفردة مكبرة مضافة لغير ياء المتكلم”.
وهذه العبارة المجملة تحمل الصفات الآتية تفصيلا:
أ- أن تكون هذه الأسماء مفردة لا مثناة ولا مجموعة.
ب- أن تكون هذه الأسماء مكبرة لا مصغرة، مثل “أُبَيّ، أخي”.
ج- أن تكون مضافة لاسم ظاهر مثل “أبو العباس” أو لضمير مثل “أخوك”.
د- أن تكون مضافة لغير ياء المتكلم.
هذه الصفات الأربع يجب توافرها مجتمعة في الأسماء الستة لتعرب بالواو رفعًا وبالألف نصبًا وبالياء جرًّا.
– جاء في القرآن: ﴿ إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ الآية 8 من سورة يوسف..
• وجاء في الحديث: “ولو كنت متخذًا خليلًا لاتَّخذت أبا بكر خليلا” [4]
فالكلمات “أخوه، أبينا، أبانا” في الآية معربة بالحروف وهي مستوفاة للشروط الأربعة السابقة، والأولى مرفوعة بالواو، والثانية مجرورة بالياء، والثالثة منصوبة بالألف، وكلمة “أبا بكر” في الحديث معربة أيضا بالحروف، لاستيفائها الشروط، وهي منصوبة بالألف “مفعول به” للفعل “اتخذ”.
فإذا لم تتوافر إحدى هذه الصفات أو أكثر، فإن الاسم لا يعرب إعراب الأسماء الستة، بل يكون له إعراب آخر على حسب نسبته إلى باب غير هذا الباب مما لا داعي هنا لتفصيل القول فيه المقصود بأنها “خاصة” أنها يجب أن تتوافر في هاتين الكلمتين فقط بالإضافة إلى الشروط العامة السابقة.
• ذو:
تقول “ذو الفضل، ذو العلم، ذو الخلق، ذو ثروة، ذو نجابة، ذو إحساس” ففي هذه الأمثلة وأشباهها تعرب “ذو” بالحروف -بالواو رفعًا وبالألف نصبًا وبالياء جرًّا- لاستيفائها الصفات العامة السابقة بالإضافة إلى الصفتين الخاصتين التاليتين:
أ- أن تكون بمعنى صاحب، يعني إذا قلت: “ذو خلق” فهو بمعنى “صاحب خلق” وإذا قلت: “ذو ثروة” فهو بمعنى “صاحب ثروة”.
ب- أن تكون مضافة لاسم ظاهر فقط، لا لضمير، فإن إضافتها لضمير لا يكاد يستعمل في اللغة، قال المتنبي:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله … وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم[5]
وقال زهير:
ومَنْ يَكُ ذا فَضْلٍ فيبخلْ بفضله … على قومِهِ يُستَغنَ عنه ويُذْممِ[6]
• فم:
تقول: “فُو المنافِق يُخْرِجُ الكذب، فمِنْ فِيهِ تَخْرُجُ نَارُ الضغائن” وتقول: “أَغلِق فاك عن الكلام الضَّار” فهي في “فو المنافق” مبتدأ مرفوع بالواو، ثم استعملت في “من فيه” مجرور بالحرف “من” بالياء، أما في “أغلق فاك” فهي مفعول به منصوب بالألف، ولكي تعرب هذا الإعراب يجب أن تتجرد من الميم، فكلمة “فم” لا تعرب بالحروف
إعراب البيت:
من: أداة شرط جازمة تجزم فعلين، فعل الشرط والجواب، يك: فعل مضارع ناسخ يرفع المبتدأ وينصب الخبر، فعل الشرط، مجزوم بسكون النون المحذوفة للتخفيف، وأصله “يكن” واسمه ضمير مستتر، ذا فضل: ذا خبر “يك” منصوب بالألف، لأنه من الأسماء الستة، فضل: مضاف إليه مجرور بالكسرة، فيبخل: الفاء: حرف عطف، يبخل: فعل مضارع معطوف على “يك” مجزوم بالسكون، والفاعل ضمير مستتر تقديره “هو”، بفضله: الباء: حرف جر، فضله: مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة، وفضل مضاف وضمير الغائب مضاف إليه مبني على الكسر في محل جر، والجار والمجرور متعلق بالفعل “يبخل”، على قومه: على: حرف جر، قومه: قوم: مجرور بالحرف “على” قوم مضاف وضمير الغائب مضاف إليه، والجار والمجرور متعلق بالفعل “يبخل”، يستغن: فعل مضارع جواب الشرط مجزوم، وعلامة جزمه حذف حرف العلة، عنه: جار ومجرور نائب فاعل الفعل “يستغن”، ويذمم: الواو: حرف عطف، يذمم: معطوف على الفعل “يستغن” مجزوم بالسكون وحرك بالكسر من أجل القافية، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره “هو”.
بل بالحركات الأصلية، وهذا بالإضافة إلى الصفات العامة التي سبق شرحها.
قال عمر بن أبي ربيعة:
قالتْ ورأسِ أبي ونعمةِ والدي … لَأُنَبِّهَنَّ الحيَّ إن لم تَخرجِ
فخرجْتُ خوف يمينها فتبسَّمتْ … فعلمتُ أن يمينها لم تحرج
فلثمتُ فاها آخِذًا بقُرونها … فعلَ النزيفِ بِبَرْدِ ماءِ الحشرجِ[7]
ويدل البيت الأخير على إعراب “فو” بالحروف، وذلك في جملة “لثمت فاها” حيث خلت الكلمة من الميم، واستوفت الشروط العامة الأخرى، وهي في البيت “مفعول به” منصوب بالألف.
المصدر: النحو المصفى
[1] الشاهد في هذا البيت في الشطر الأول “إن أباها وأبا أباها” بتكرار كلمة “أبا” ثلاث مرات ملتزمة الألف، وهي أولا في وظيفة النصب، لأنها اسم “إن” والثانية في وظيفة نصب أيضا، لأنها معطوفة عليها، والثالثة في وظيفة الجر، لأنها مضاف إليه، وقد التزمت جميعا الألف، وهذه لغة بعض العرب في استعمال بعض الأسماء الستة.
[2] مثل يضرب لمن يقوم بعمل عظيم حتمت عليه الظروف القيام به لا بطولة حقيقية.
ويستدل به على إلزام بعض الأسماء الستة الألف، فكلمة “أخاك” في وظيفة للرفع إذ هي مبتدأ، ومع ذلك التزمت الألف.
إعراب المثل: مكره: خبر مقدم مرفوع بالضمة، أخاك: مبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر، و “أخا” مضاف والكاف مضاف إليه، لا بطل: لا: حرف عطف، بطل: معطوف على “مكره” والمعطوف المرفوع مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
[3] الشاهد في البيت مجيء كلمة “أب” ناقصة عن ثلاثة أحرف. فتعرب بالحركات الأصلية، وهي في الشطر الأول من البيت مجرورة في “بأبه” وعلامة جرها الكسرة على الباء، وفي الشطر الثاني في “يشابه أبه” مفعول به منصوب بالفتحة على الباء.
[4] من حديث في صحيح البخاري، الجزء الخامس، باب فضائل أصحاب النبي.
[5] العقل فهم وتقدير وإحساس، والجهل غباء وترك وبلادة، وصاحب العقل يشقى بتقديره وإحساسه وإن كان في النعيم، وصاحب الجهل يسعد بغبائه وبلادته وإن كان في الشقاء وهذا البيت للمتنبي، وقد سيق للتمثيل به لا الاستشهاد؛ فإن المتنبي -في رأي النحاة- لا يستشهد بشعره.
وموضع التمثيل به: استعمال كلمة “ذو” مضافة للاسم الظاهر في قول الشاعر “ذو العقل” وهي بمعنى “صاحب” وقد استوفت الشرطين الخاصين بها فأعربت بالحروف، فهي في البيت مبتدأ مرفوع بالواو.
[6] استعمل الشاعر: “ذو” من الأسماء الستة في “ذا فضل” حيث استوفت شرطي إعرابها بالحروف، وهي في البيت خبر “يكن” منصوبة بالألف.
[7] لم تحرج: لم تأثم، بمعنى أنها يمين غير صادقة، النزيف: من عطش عطشًا شديدًا حتى يبست عروقه، الحشرج: النقرة في الجبل يصفو فيها الماء، القرون: خصل الشعر.
1 تعليق