الاسم والفعل والحرف
الاسم:
يقصد به: ما دلَّ على معنى في نفسه، وليس الزمن جزءًا منه، مثل “محمد، خالد، النَّدى، الزرع، البهجة”.
والعلامات التي يتميز بها الاسم عن كل من الفعل والحرف خمس هي:
1- الجر: مثل قولنا “عَلَى البَاغِي تدورُ الدَّوائر”.
2- التنوين: مثل “قوةٌ خيرٌ من ضعف، وصراحةٌ خيرٌ من نفاق”.
3- النداء: مثل “يا محمد، يا خالد” ومن ذلك قول القرآن: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} الآية الأولى من سورة “التحريم”. وقوله: {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ} الآية 48 من سورة “هود”..
4- أل: كما جاء في قول المتنبي:
الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفني … والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ
5- الإسناد للاسم: بمعنى أن يكون الاسم متحدثًا عنه، بأن يكون مثلا مبتدأ وله خبر يتحدث عنه به، أو أن يكون فاعلا أو نائب فاعل ويتحدث عنه بالفعل، كقولنا “أخذتُ موضعي بين شَبابِ الوطنِ فنحن جميعًا مسئولون عن مستقبله” فالتاء في “أخذتُ” اسم، دل على ذلك إسناد الفعل “أخذ” إليها، والضمير “نحن” اسم، دل على ذلك أيضًا الإسناد إليه، حيث أكمله الخبر “مسئولون”.
يقول ابن هشام: وهذه العلامة هي أنفع علامات الاسم، وبها تعرف اسميَّة “ما” في قوله تعالى:
{قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ} الآية 11 من سورة الجمعة.، {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} الآية 96 من سورة النحل. ألا ترى أنها قد أسند إليها “الأخيرية” في الآية الأولى، و”النفاد” في الآية الثانية، و”البقاء” في الآية الثانية، فلهذا حكم بأنها فيهن اسم موصول ا. هـ.
تلك علامات الأسماء، وينبغي التنبه للملاحظتين الآتيتين:
الأولى: أنه ليس من اللازم أن تكون هذه العلامات أو واحدة منها موجودة فعلا في الاسم، بل المقصود أنه بالإمكان قبولها وإن لم توجد فيه بمعنى أن الاسم يمكن أن يقبلها أو واحدة منها وإن لم توجد فيه.
الثانية: لا يعني ذكر هذه العلامات الخمس أنه لا بد لكل اسم أن يقبلها جميعًا، ولكن يكفي أن يقبل واحدة منها فقط، ليعلم أنه اسم، فبعض الأسماء يقبل العلامات الخمس، مثل كلمة “رجل” وبعضها الآخر يقبل أربعا منها مثل “محمد” فإنه لا تدخل عليه “أل”، وبعضها الآخر يقبل واحدة فقط مثل بعض “الضمائر” فإنها لا تقبل إلا الإسناد، تقول “ظُلِمْتُ وأنتَ شاهِدٌ”.
وخلاصة الأمر في ذلك أنه يكفي في تمييز الاسم مجرد قبول علامة من العلامات، كما أنه يكفي من ذلك علامة واحدة فأكثر.
الفعل:
يقصد به: ما دل على معنى في نفسه والزمن جزء منه، مثل: “ثَابَرَ، تَفَوَّقَ، يُثَابِرُ، يَتَفَوَّقُ، ثَابِرْ، تَفَوَّقْ”.
والفعل يأتي في ثلاث صور هي: “الماضي، المضارع، الأمر” ولكل منها علامة تميزه.
فالماضي: علامته أحد أمرين:
1- قبول تاء التأنيث الساكنة -وهي حرف- مثل: “من حقّ الأمّ التكريمُ والاحترامُ، فقد حملتْ ابنَها وغَذَّتْه ومنحتْه العطفَ والرعاية”.
2- تاء الفاعل -وهي اسم ضمير- سواء أكانت للمتكلم أم المخاطب تقول “أخلصتُ إليك فرَعيتَ إخلاصي ووفيتُ لك فاحترمتَ وفائي”.
المضارع: علامته مجموع أمرين:
1- قبول الحرف “لمْ” في أوله، كقول القرآن: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}[1].
2- أن يكون مبدوءًا بحرف من أربعة: “الهمزة، النون، الياء، التاء”.
وهي ما يطلق عليها حروف “أَنَيْتُ”، وتسمى أيضًا “أحرف المضارعة” وهذه الحروف يبدأ بها المضارع، فتجيء مضمومة إذا كان عدد أحرف الماضى أربعة أحرف، مثل: “أُجاهد، أُقْدم، نُحرّر” وتكون مفتوحة فيما عدا ذلك مثل “تَهدِي، يَنْصَح، يَرْتَقِي، يَنْتَصِر، يَستمع”.
والأمر: علامته مجموع أمرين:
1- أن يدل على الطلب: بأن يكون معناه موجها للمخاطب يطالبه بفعل شيء ما، مثل “عامِل النَّاس بما تُحِبُّ أنْ يُعاملوك به” ومثل “استفْتِ قلبَك ولو أفتاك المُفْتُون”.
2- أن يقبل ياء المخاطبة، فالفعلان السابقان “عَامِلْ، استفْتِ” يمكن إسنادهما إلى ياء المخاطبة، كقول الطبيب مخاطبا إحدى الممرضات: “عامِلِي المرْضى برفْق، وخُذي رأيي قبل تنفيذِ العلاج”
الحرف:
هو ما لا يظهر معناه في نفسه، بل مع غيره.
فالحروف “الواو، الفاء، لا، بلْ، ليت، لعلَّ” لا يظهر معناها ولا يتضح إلا إذا انضم إليها غيرها من الأسماء والأفعال في الجمل، كأن تقول مثلا “ظهر الحقُّ والباطلُ فاتَّبعتُ الأوّل لا الأخيرَ”.
وعلامة الحرف التي يتميز بها عن الاسم والفعل أنه لا يقبل شيئًا من علامات الأسماء ولا الأفعال، فالحرف “بلْ” مثلا -من حروف العطف- لا يتصور معه تنوين أو جر أو غيرهما من علامات الأسماء، كذلك لا يتصور معه تاء التأنيث أو تاء الفاعل أو “لمْ” أو ياء المخاطبة من علامات الأفعال.
هذا.. وفي نهاية هذا الموضوع ينبغي معرفة عدة أمور جانبية تتفرع على ما سبق من معرفة الأسماء والأفعال والحروف وهي:
أولا: من شعر الفرزدق يهجو أعرابيًّا من “بني عذرة” قدَّم إليه عبد الملك بن مروان الشعراء الثلاثة “جريرًا والفرزدق والأخطل”، ففضل جريرا على صاحبيه، قال:
يا أَرْغَمَ اللهُ أنفًا أنت حامِلُه … يا ذا الخنَى ومقالِ الزُّورِ والخَطَلِ
ما أنتَ بالحكَم الترْضَى حكومَتُه … ولا الأصيلِ ولا ذي الرّأيِ والجدلِ
ففي البيت الأول دخل حرف النداء على الفعل في “يا أرغم” وهي من علامات الأسماء، والرأي أن المنادى اسم محذوف، والتقدير “يا هذا أرغم الله” أو أن “يا” حرف للتنبيه لا للنداء، ومثل ذلك أيضا قول القرآن: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} [2]، وقول الرسول: “يا رُبَّ كاسيةٍ في الدُّنيا عاريةٌ يوم القيامة” حيث دخلت “يا” في الآية على الحرف “ليت” وفي الحديث على الحرف “رُبّ”.
وفي البيت الثاني دخلت “أل” على الفعل في “التُرضَى”، وهي من علامات الأسماء.
وقد علق ابن هشام على هذا البيت الثاني بقوله: ذلك ضرورة قبيحة، وإن استعمال مثل ذلك في النثر خطأ بإجماع ا. هـ.
__________
1 أرغم الله أنفا: الرغام هو التراب، ومعنى العبارة: عفر أنفه بالتراب والمقصود: الإذلال والإهانة. الخنى: الفحش. الخطل: سوء الرأي. الجدل: قوة الحجة في المناقشة.
ومعنى البيتين: إنك ذليل مهان فاحش، كلامك زور ورأيك فاسد، فلست كفئا للحكم بين الناس، فلا أنت شريف، ولا ذو رأي سليم أو حجة مقبولة.
والشاهد في البيتين: دخول بعض علامات الأسماء على الأفعال، إذ دخل حرف النداء “يا” على الفعل “أرغم” ودخلت “أل” على “ترضى”.
والرد على ذلك أن “يا” لم تدخل على الفعل، بل دخلت على منادى محذوف وهو اسم، أو هي للتنبيه لا النداء، وأما دخول “أل” على الفعل فهو -كما قال ابن هشام- ضرورة قبيحة.
ثانيا: دخلت تاء التأنيث على حروف ثلاثة هي “رُبَّ، ثُمَّ، لا” فجاء في نصوص فصيحة قولهم “رُبَّتَ، ثُمَّتَ، لاتَ” والتاء علامة للفعل الماضي.
والرأي أن هذه التاء -كما ترى- محركة، بخلاف ما إذا جاءت مع الفعل فإنها تكون ساكنة، وهذه التاء -مع هذه الحروف- لا تفيد التأنيث الحقيقي، بل هي لتأنيث اللفظ فقط، بمعنى أنها تدل على أن لفظ هذه الحروف مؤنث دون أن تفيد معنى التأنيث بوجود شيء مؤنث.
ثالثا: الكلمات “لَيْسَ، عَسَى، نِعْمَ، بِئْسَ” أفعال ماضية -في أحسن الآراء- إذ تقبل علامة الماضي وهي تاء التأنيث، تقول: “ليستْ الآمالُ قريبةً، لكن عستْ أن تتحقَّق” وتقول “نعمت الأخلاقُ الفضائل وبئست الانحرافاتُ الرَّذائلُ” ومن ذلك قول الشاعر:
نعمتْ جزاء المتَّقين الجنَّة … دارُ الأمانِي والمُنَى والمِنَّة[3]
رابعا: الكلمتان “هاتِ، تعالَ” من أفعال الأمر -في أحسن الآراء- إذ تقبلان علامة فعل الأمر وهي الدلالة على الطلب مع قبول ياء المخاطبة، وتقول الطالبة لزميلتها “تَعَالَيْ إليَّ اليومَ وهاتِي معكِ المحاضراتِ والمراجع”.
ومن ذلك قول امرئ القيس:
إذا قلتُ هاتِي نَوِّليني تمايَلَتْ … عليَّ هَضِيمَ الكَشْحِ رِيَّا المخلخل[4]
قال ابن هشام:
والعامة تقول: “تعالِي” بكسر اللام، وعليه قول بعض المحدثين: “أبو فِرَاس يخاطب حمامة”:
أيا جارتَا ما أنصفَ الدَّهرُ بيننا … تعالِي أقاسِمْك الهمومَ تعالِي[5]
والصواب الفتح، كما يقال: “اخْشَيْ واسعيْ” ا. هـ.
المصدر: النحو المصفى
[1] الآية 3، 4 من سورة “الإخلاص”.
[2] من الآية 26 من سورة “يس”.
[3] الأمانيّ: جمع أمنيّة -بتشديد الياء فيهما- والأمنية والمنى بمعنى واحد هو الرغبة الشديدة. المنة: العطية والهبة، فالجنة موضع الرغبة من الناس، وهي هبة من الله للناس.
وفي البيت دليل على أن كلمة “نعم” فعل ماضٍ لقبولها تاء التأنيث الساكنة في “نعمت”.
[4] هضيم الكشح: نحيلة الخصر. ريا المخلخل: ممتلئة الساقين.
الشاهد في البيت: أن كلمة “هات” فعل أمر، إذ دلت على الطلب وقبلت ياء المخاطبة، فاستخدمها الشاعر “هاتي”.
[5] ورد هذا البيت ضمن مقطوعة شعرية لأبي فراس الحمداني، أولها قوله:
أقول وقد ناحت بقربي حمامة … أيا جارتا لو تعلمين بحالي