علم المورفيم
إن التصورات التقليدية لعلم القواعد النحوية قد أقيمت -أساسًا- على ذلك النظام الذي بدعه النحاة اليونان حين وصفوا لغتهم الخاصة التي تعتبر من اللغات الإعرابية إلى حد كبير. وتتضمن الأقسام التي وضعها النحاة اليونان لأنواع الكلمة أشياء مثل العدد، والجنس “التذكير والتأنيث” والحالات التي تتعاور على الكلمة سواء كانت اسمًا أو صفة أو ضميرًا. كذلك تتضمن الفعل من حيث الزمن والصيغة والبناء للمعلوم أو المجهول، ومن حيث إسناده إلى عدد ما من الأفراد أو شخص من الأشخاص. وإن تركيب كثير من اللغات الهندية الأوربية القديمة مثل السنسكريتية واليونانية واللاتينية، وعدد لا بأس به من اللغات الحديثة مثل السلافية slavic واللتوانية lithuanian -إلى حد كبير- ومثل الألمانية -إلى درجة أقل- يسمح بتصنيف أقسام الكلام parts of speech تصنيفا علميا خالصا إلى: أسماء، صفات، ضمائر، أفعال، ظروف، أدوات, حرف جر, روابط, حروف نداء, وهو تقسيم لا يتبع معنى الكلمة، ولكن وظيفتها وسلوكها وصيغتها. إن الاسم له صيغه الخاصة ووظيفته المعينة التي تميزه بوضوح عن الصفة، وكلاهما بدوره متميز عن الفعل. هذه الحدود الحاسمة بين أنواع الكلام ترجع -لدرجة كبيرة- إلى قابلية أواخر الكلمات لأنواع معينة من التصرفات، وللتغيرات الداخلية التي يتميز كل قسم من أقسام الكلام بنوع خاص منها.
ولم يكتشف أن نظام التقعيد للغات الهندية الأوربية القديمة ليس عالميًا، وأنه لا يسري على كل اللغات بلا تمييز، إلا بعد أن طبق على لغات من عائلات مختلفة, مثل الصينية، واللغات الهندية الأمريكية، أو حتى على لغات من نفس العائلة الهندية الأوربية ولكنها ابتعدت عن أصلها الأول مثل اللغة الإنجليزية. وقد حاول علم اللغة الوصفي، وما زال يحاول، “وإن لم تكن كل محاولاته تتم بنجاح حتى الآن” وضع نظام جديد لتقعيد القواعد، وتصنيف الأنواع النحوية التي ربما تشمل اللغات جميعها، أو على الأقل تعطي نتائج مرضية في وصف معظم اللغات التي تدخل تحت كل نوع من الأنواع الأربعة التي سبق الحديث عنها “المبحث رقم10” وهي اللغات التصريفية واللاصقة والمفردة والمركبة.
وإن مصطلح المورفيم كما عرف سابقًا بأنه أصغر وحدة ذات معنى “المبحث رقم8” وكما قسم إلى مورفيم حر ومورفيم متصل بناء على استعماله منفردًا أو متصلا يعتبر واحدًا من ملامح النظام الجديد للتقعيد.
ولكن قبل الدخول في تفصيلات عن المورفيم يستحسن أن ننبه إلى أنه في مقابل ما يسمى بالفون بالنسبة للفونيم توجد وحدة أساسية أو مادة خام هي المورف بالنسبة للمورفيم، وقد عرف المورف بأنه سلسلة من الفونيمات الممكن النطق بها، والتي ربما أدت وظيفة مورفيم في نظام لغة معينة. وهذا يعني أنه بالنظر إلى اللغة الإنجليزية مثلًا، فإن سلسلة الفونيمات sab أو lund ربما كانت مورفات، وإن لم تكن مورفيمات في الواقع لأنها لا تحمل معنى في اللغة الإنجليزية. ولكن هذه السلاسل الفونيمية في نفس الوقت تصلح أن تكون مورفيمًا إنجليزيًا، لأنها تناسب النظام الفونيمي للغة الإنجليزية، وتبدو إنجليزية في شكلها، ولكن تتابعًا صوتيًا مثل shmorpt من ناحية أخرى لا يمكن أن يقوم بدور المورفيم في الإنجليزية، اللهم إلا إذا وقع ضمن الكلمات المقترضة[1].
وقد سبق تعريفنا للمورفيم بأنه أصغر وحدة ذات معنى، وربما كان من الممكن كذلك، أن يوصف بأنه سلسلة من الفونيمات ذات المعنى التي لا يمكن تقسيمها بدون تضييع المعنى أو تغييره، إذا نحن أخذنا تتابعًا مثل posta نجد من الممكن تقسيمه إلى مورفيمين هما: s+post؛ “s هنا تؤدي معنى الجمعية الإضافي”. ومن الواضح أنه من غير الممكن بعد ذلك القيام بعمل أي تقسيمات أخرى لأحدهما: إذا حاولنا st+po فإننا يمكن أن نعطي الجزء الأول معنى لأنه يحمل اسم نهر في إيطاليا، ولكنه معنى مغاير. ومع ذلك فلا يمكن أن نجد معنى للجزء الثاني. وإذا نحن حاولنا أن نقسم الكلمة إلى ost+p لا نجد للجزء الأول نظيرًا في الاستعمال، ونجد الثاني يمكن أن يستخدم جزءًا من صيغة مركبة كبادئة بمعنى عظم bone. ولكن مرة أخرى، لقد تغير المعنى. أما القسمان t+pos فيعطيان صيغتين غير مستعملتين. وعلى هذا فكلمة post يجب أن يحتفظ بها سليمة. إنها تحمل معنى معينًا، وينطبق عليها تعريف المورفيم.
والمورفيم ليس دائمًا مقطعًا واحدًا، أو حتى مقطعًا كاملا. فإن مورفيم الـs الدال على الجمعية يعد فونيمًا، ولكنه ليس مقطعًا. ولكن في كلمات مثل Monongahela، أو crocodile نجد عندنا مورفيمات يتكون كل منها من عدة مقاطع. وإن التتابع الفونيمي الواحد ربما شكل مورفيمات متعددة، فالكلمة post -على سبيل المثال- لها كثير من القيم المورفيمية كما في to post a notice وto establish a post وpost office. وبينما لا يتعرف على الفونيمات إلا من خلال فوناتها، نجد المورفيمات عادة ثابتة ودائمة.
والنظر إلى المورفيمات الحرة free morphemes أو المتصلة bound morphemes نجد بعض اللغويين المحدثين يفضلون استعمال المصطلح format للمورفيم الحر، مخصصين المصطلح مورفيم للنوع المتصل فقط، أو الذي يمكن أن يوصف بأنه يدل على فكرة إضافية. إذا نحن نظرنا إلى المصطلحات النحوية التقليدية نجد أن المورفيم الحر يعادل -على وجه التقريب- ما يعرف بالأصل أو الجذر root أو stem، بينما يقابل المورفيم المتصل ما يعرف بالنهاية التصريفية أو التغيير الداخلي.
والسبب في تفضيل المصطلحين:
formant وmorpheme على مورفيم حر ومورفيم متصل، أنه بينما يناسب المصطلحان الأخيران ذلك النوع من اللغات التي يستعمل الجذور المجردة ككلمات منفصلة “مثل الكلمة الإنجليزية mail التي يمكن استعمالها منفصلة، وأن يوصل بها مورفيم متصل مثل ing, s, ed“, فإنهما لا يناسبان كثيرًا لغات مثل اللاتينية واليونانية والروسية التي لا تستعمل الجذر مجردًا إلا نادرًا في التصنيف القديم أو البلومفيلدي يمكن أن توصف الكلمة الإنجليزية mail بأنها مورفيم حر، حيث إنها يمكن أن تستخدم بنفسها، في حين توصف ing بأنها مورفيم متصل. ولكن كلمات لاتينية مثل[2] “-mur” و”-us” من الضروري اعتبارها من نوع المورفيم المتصل ما دامت كل منها لا يمكن استعمالها مستقلة، ومن ناحية أخرى إذا نحن استعملنا formant في كلتا الكلمتين mail الإنجليزية وmur اللاتينية، وخصصنا المصطلح مورفيم لمثل ing الإنجليزية وus اللاتينية فإننا نكسب فائدة أخرى، وهي شمول المصطلحين الجديدين للفكرة القديمة عن “جذر” يشكل المعنى الأساسي و”لاحقة” تعطي المعنى الثانوي “مورفيم في معناه المقيد” وتعدل من المعنى الأساسي للكلمة أو تبين كيفية استعمالها.
وفيما يخص أنواع الكلام -كما ذكرها علماء اللغة التقليديون- ما يزال علماء اللغة المحدثون يعرفون بها، ولكنهم يقيمون تقسيمهم للكلمات على أساس مجموع الوظيفة والصيغة، لا على أساس المعنى أو التاريخ الاشتقاقي. وهذا يعني أنهم واصفون أكثر منهم معرفين. الاسم noun في اللغة الإنجليزية -على سبيل المثال- قد يعرف على الطريقة التقليدية على أنه “اسم name الشخص أو المكان أو الشيء”، ولكن بالطريقة التقعيدية الوصفية يوصف بأنه كلمة يمكن أن تستعمل في وظائف أو مواقع محددة خاصة، وتتخذ صيغًا معينة. فالاسم من الممكن أن يقع فاعلا أو مفعولا لفعل، أو يقع بعد حرف جر “الـ … يذهب إلى البيت, أرى الـ … , سأذهب بـ … ” كذلك الاسم يتحمل إضافات معينة لإفادة الجمعية مثل s أو es ويفيد معنى الملكية بإضافة s إليه “this is the … ‘ s book, the … s go, the … goes” والفعل الإنجليزي من ملامحه الخاصة أنه يبنى بإضافة s إذا كان للغائب المفرد، ويضاف إليه ing لتكوين اسم الفاعل present participle. أما بناء ماضيه واسم مفعوله past participle فيكون بإضافة d أو ed أو t أو بتغيير داخلي. أما الصفة adjective فتقع دائمًا قبل الاسم أو بعد فعل الكينونة “the man is … , the … man” وكذلك تفيد التفضيل بدرجتيه بإضافة er أو est أو يسبقها بكلمة more أو most. ولكن لا تتصرف غير ذلك.
وإذا كانت الأمثلة السابقة قد وضعت في شكل مبسط إلى أقصى حد فإنها -ولا شك- قادرة على أن تعطينا فكرة لا بأس بها عن الأسس الوصفية الجديدة لتصنيف أنواع الكلام. هذه الطريقة التركيبية الجديدة لتصنيف الكلام قد أقيمت أساسًا على الصيغة والوظيفة، ولا تلقي بالا إلى المعنى الخاص بكل كلمة على حدة. ولكنه ما يزال محل جدل ونقاش اعتبار أو عدم اعتبار هذه الطريقة الحديثة تحسينًا للطريقة القديمة التي تقوم أساسًا على المعنى، وخصوصًا في تطبيقها على اللغات الغربية، وإن كان الظاهر أن الطريقة الحديثة أكثر طواعية للتطبيق من القديمة، مع قبولها للتعديلات الملائمة لتناسب لغات أخرى غير هندية أوربية.
وتمامًا كما وجدنا في علم الأصوات phonalogy أن للفونيم عدة فونات أو ألوفونات “أصوات موضوعية يقع كل منها في مواقع مختلفة يكمل بعضها بعضًا، ومقبولة من جمهور المتكلمين كأشكال مسموع بها” كذلك في المورفيمات يوجد ما يسمى ألومورفات allomorphs أو الصيغ المتنوعة variant forms التي تستعمل في ظروف مختلفة لتعطي المعنى المعين.
وإذا تبعنا الطريقة التقليدية ونظرنا إلى ظواهر اللغة المكتوبة أمكننا أن نقول: إن الأسماء الإنجليزية تشكل جموعها عادة عن طريق إضافة s وأحيانًا قليلة عن طريق إضافة “ox, oxen” en، أو بتغيير نوع العلة في المفرد “man, men“, أو بدون تغيير ظاهر أو مسموع “sheep, sheep“. ولكننا لو استعملنا التقسيم المورفيمي الاصطلاحي وأخذنا في الاعتبار فقط اللغة المتكلمة أمكن للمرء أن يقول: إن “s-” و”z-” و”iz-” عبارة عن التنوعات المنطوقة لمعظم نهايات الجمع “boys, sizes, books, legs” وهي كلها ألومورفات allomorphs تقع في مواقع مختلفة، ولا تتعاور على الموقع الواحد “s حينما ينتهي الاسم بصوت ساكن مهموس مثل books وz حينما ينتهي الاسم بصوت ساكن مجهور، أو علة، أو نصف علة، كما في boys, ladies, legs. أما iz فحينما ينتهي الاسم بـ S أو Z كما في sizes, glasses” أما en في oxen وتغيير صوت العلة في geese وgoose وكذلك في foot وfeet، والتغيير الصفري[3].
zero change الموجود في sheep وdeer فتعتبر كلها ألومورفات استثنائية لمورفيم واحد عام يدل على الجمعية. وهذه الصور الاستثنائية تقع فقط في حالات تخص أسماء معينة من السهل حصرها وتصنيفها، وحيث إن منهج البحث، والمصطلحات الحديثة المستعملة في الوصف المورفيمي كلها وصفية محضة، فإنه يجب تجنب كل الإشارات التاريخية المتعلقة بسبب اختلاف بعض الأسماء في سلوكها عن الأخرى، الوصفيون عادة يقصرون أنفسهم على وصف الظاهرة اللغوية على ما هي عليه في مرحلتها الحديثة.
والفعل الإنجليزي مقسم بالطريقة التقليدية إلى نوعين: ضعيف weak وقوي strong. في الصيغة المكتوبة يشكل ماضي الأفعال الضعيفة وتصريفها الثالث عن طريق إضافة d أو ed “كما في work وworked وكذلك love وloved“.
أما الفعل القوي فيشكل ماضيه وتصريفه الثالث عادة عن طريق تغيير حرف العلة “كما في sung, sang, sing” أو عن طريق بعض إضافات ربما كانت في الآخر أو في غيره “مثل spoken, spoke, speak ومثل brought, brought, bring“.
فإذا أردنا أن نطبق على الفعل تصورنا للمورفيم والألومورف أمكننا أن نقول إن النهايات المكتوبة d أو ed المضافة إلى الأفعال الضعيفة “والتي تنطق عادة كما لو كانت t أو d أو id كما في wrapped التي تنطق wrapt وlighted وloved” هذه النهايات تنحل إلى ألومورفات للمورفيم السابق الإشارة إليه الدال على الماضوية، مع تنوعات موقعية هي “t” بعد الساكن المهموس و”d” بعد الساكن المجهور أو العلة، و”id” بعد ما ينطق t أو d. أما صيغ الماضي التي تشكل من طريق التغيير الداخلي للعلة “sang, sing وwrote, write” فتوصف حينئذ وتصنف على أنها ألومورفات إضافية للمورفيم الماضوي السابق ذكره، ولا حظ كذلك الألومورف الصفري zero allomorph في أفعال مثل hurt وPut وbet.
المصدر: أسس علم اللغة
[1] هذا التعريف له مزية إضافية حيث يكشف عن أن اللغات ما تزال بعيدة عن استخدام كل إمكانياتها في التجمعات الصوتية للفونيمات، وما زال هناك فراغ كبير متروك للغات لتتسع وتنمو.
[2] في اللاتينية “-mur” تعتبر الجذر لكلمة حائط ولكنها لا يمكن استعمالها مستقلة ويجب استعمالها مع لواحق مثل “us-” أو “i-” أو”o-” أو “um-” إلخ.
[3] المصطلح zero change يستعمل عندما لا يكون هناك تغيير مربي في الصيغة من المفرد للجمع مثل: two sheep, one sheep، أو من المضارع للماضي مثل put مع ضمير المتكلم.