الفونيمات الثانوية النبر- التغنيم- المفصل
…
إن الملامح التي تدخل تحت الجانب الأكوستيكي[1] لا الجانب الإنتاجي للأصوات هي: درجة الصوت pitch وعلوه loudness وكيفية تنغيمه timbre. أما الأول فيعتمد على نسبة تردد الموجات الصوتية frequency of sound waves، وأما الثاني فعلى سعتها amplitude وأما الثالث فعلى تركيب النغمة الأساسية fundamental tone مع النغمات التوافقية overtones المرتبطة بها.
“إن كيفية تنغيم الصوت هي التي تعيننا على تمييز أصوات الأشخاص”.
إن أصوات العلة، والأصوات الساكنة تكون ما يسمى بجزيئات الكلام speech segments ولهذا توصف بالتالي بأنها فونيمات جزئية أو تركيبية[2] segmental phonemes. يوجد إلى جانب ذلك ملامح صوتية إضافية تؤثر على الأصوات الكلامية أو مجموعاتها، وهذه يطلق عليها أسماء الفونيمات الإضافية أو الثانوية secondery أو supra segmental ومن أهم أنواعها النبر stress” accent”، والتنغيم intonation والمفصل juncture.
والنبر معناه أن مقطعًا من بين مقاطع متتابعة يعطي مزيدًا من الضغط أو العلو “نبر علوي stress accent” أو يعطي زيادة أو نقص في نسبة التردد “نبر يقوم على درجة للصوت pitch accent”. أما التنغيم فهو عبارة عن تتابع النغمات الموسيقية أو الإيقاعات في حدث كلامي معين، وأما المفصل فهو عبارة عن نقطة الاتصال أو عدم الاتصال “سكتة كلامية pause of silence” بين مقاطع الحدث الكلامي الواحد هذه الوحدات الفونيمية الثلاثة قد تكون في بعض الأحيان مهمة للمعنى تمامًا كأهمية الواحدت الصوتية “العلل والسواكن” في الحدث الكلامي.
وبالنظر إلى النبر على سبيل المثال نجده غير مؤثر ألبتة في تغيير المعنى في بعض الحالات، كما إذا نطقت كلمة police بوضع النبر على المقطع الثاني كالمعتاد، أو بوضعه على المقطع الأول كما ينطقها بعضهم، ولكن الفرق الدلالي يبدو في كلمات مثل presént، présent وكذلك مثل permit، pérmit وكذلك مثل black bird، blackbird.
وفي الإنجليزية -كما هو معروف- أربع درجات من النبر هي أولي Primary، وثانوي secondary، وثالثي tertiary، وضعيف weak. ولتوضيح هذه الأنواع نمثل بالكلمات merger، given، weather التي تتحمل نبرًا أوليًا على المقطع الأول، وضعيفًا على الأخير، والكلمات windfall، Baseball التي تتحمل نبرًا أوليا على المقطع الأول، وثالثيا على المقطع الأخير. والكلمات Artifact وgenerate التي تتحمل نبرًا أوليًا على المقطع الأول، وثالثيا على الأخير، وضعيفا -أو لا يوجد نبر بالمرة- على المقطع المتوسط. ويظهر النبر الثانوي عادة في مجموعات الكلمات مثل fine man، red house، حيث يقع النبر الأولي على الكلمة الثانية، والنبر الثانوي على الكلمة الأولى، وفي الكتابة الفونيمية الضيقة تمثل هذه الدرجات إما بأرقام 1، 2، 3، 4، أو بوضع علامة فوق الحرف المنبور هكذا:[3] è، ê، é، é “اقرأ من اليمين إلى اليسار”.
وبينما يعتبر موضوع النبر في معظم الأحيان مرتبطًا بقوة الصوت أو علوه ترتبط درجة الصوت بالنغمات الموسيقية. في الصينية مثلا تعد درجة الصوت أو نغمته جزءًا متأصلا من الكلمة، وقيمته الفونيمية تعادل تمامًا قيمة أصوات العلل، أو الأصوات السواكن، في هذه اللغة، يمكن أن تنطق kan shu بألحان متعددة فتعني مرة “اقرأ كتابًا” ومرة “اقطع خشبًا” و”كذلك Fu تنطق بأربعة ألحان مختلفة فتعني مرة “رجل” ومرة “حظًا سعيدًا” ومرة “مقر الوالي” ومرة “غني” وفي اللغة السويدية تستعمل نغمة نازلة إلى جانب نغمة مركبة. فكلمة مثل anden مع النغمة البسيطة النازلة تعني “البط” ومع النغمة المركبة تعني “النفس” أو “الروح”. ومن الدارسين من يدعي أن توقيعات الطبول المعينة عند الإفريقيين إنما هي محاكاة لنغمات الكلمات في اللغة المحلية.
وفي اللغة الإنجليزية نادرا تعد درجة الصوت أو التنغيم وحدات فونيمية، وغالبا ما يظهر أثرهما في العبارة أو الجملة، لا في الكلمة المنفردة، ولكن بمساعدة الموقف ربما سبب التنغيم اختلافا في المعنى يمكن أن يوصف بأنه فونيمي، وهناك مثال بين لاقى رواجا بين اللغويين، وهو يمثل هذه الظاهرة، خير تمثيل وذلك قولك: what are we having for dinner mother مع نطق الكلمة الأخيرة وتنغيمها إما كصيغة خطاب، أو كاحتمال فرضي كما لو كان يسأل عما سوف يحتويه طعام الغذاء وهناك نماذج أخرى بقصد المزاح مثل: what is coming up the street? what are you reading.shakespeare بتنغيمها كما لو كان الشاعر هو المخاطب.
وإنه ليقال: إن في الإنجليزية أربع درجات للصوت: منخفض low، ومتوسط mid، وعال high، وعال جدا extra high. وتمثيل درجات الصوت معقد نوعًا بسبب اختلاف المتكلمين في استعمالهم لهذه الدرجات وحتى الكلمات ذات المقطع الواحد تتعرض لتغيرات في درجة الصوت، من بدايتها إلى نهايتها ومن الممكن استعمال كلمة “go” مرة في جملة محادية غير انفعالية مثل: I am going to go there tomorrow واستعمالها مرة ثانية في سؤال عادي من نوع Go there? ويمكن استعمالها في مقام الإنكار وعدم التصديق! Go there وأخيرا تستعمل كفعل أمر! Go. إن go الأولى من الممكن أن يقال عنها إنها تستعمل نغمة متوسطة عادية على امتداد طولها، أما الثانية فتستعمل نغمة عالية، وأما الثالثة فتبدأ منخفضة وتنتهي عالية، أما الرابعة فتبدأ عالية وتنتهي منخفضة.
ولكن -كما قلنا- يوجد تنوع كبير بين الأفراد في ذلك، ومن الأسلم ألا يحاول المرء وضع قانون صارم يحدد طريقة النطق، ومن ناحية أخرى، فإن كل لغة لها -بالنسبة لكل مجموعة من الكلمات أو الجمل- نماذج للتنغيم intonation متميزة تماما إلى الحد الذي يمكن الشخص من أن يتعرف على اللغة المتكلمة أمامه حتى إذا لم يميز فعلا واحدة من كلماتها.
أما المفصل juncture -ويسمى أيضا الانتقال transition- فهو عبارة عن سكتة خفيفة بين كلمات أو مقاطع في حدث كلامي بقصد الدلالة على مكان انتهاء لفظ ما أو مقطع ما وبداية آخر، ولكن بعض الكتاب يدعي أن اختلاف الدلالة لا يتكون من الوقفة، بقدر ما يتكون من إعطاء قيم مختلفة للسواكن والعلل، وكذلك مخالفة التنغيم، إن الانتقال الحاد بين night وrate في night rate “يسمى عادة مفصل مفتوح open juncture، ويوضح في الكتابة عن طريق علامة زائد” يقابل الانتقال الخفي muddy transition بين r، t في nitrate “يسمى كذلك مفصل ضيق close juncture ويعبر عنه في الكتابة عن طريق علامة ناقص”.
وقد أدى الخلط في الماضي في أماكن الفصل إلى تغيرات تاريخية مثلan ewt التي تطورت إلى a newt، ومثل a napron التي تطورت إلى an apron. وحتى في عصرنا الحاضر نجد الفصل هو الذي يساعدنا على أن نميز بين an icebox وa nice box وبين light housekeeper وlighthouse keeper. بالإضافة إلى التنغيم والسياق. وحتى في الحالات التي لا يلعب فيها المفصل “وكذلك النبر والتنغيم” دورا فونيميا، فإنه يؤدي دورا ملحوظا في التفريق بين نطق الأجانب، ونطق أبناء اللغة.
والمقطع syllable عبارة عن قمة إسماع peak of sonority، غالبا ما تكون صوت علة[4]، مضافا إليها أصوات أخرى عادة -ولكن ليس حتما- تسبق القمة، أو تلحقها، أو تسبقها وتلحقها، ففي ah قمة الإسماع -كما هو واضح- هي a، وفي it هي i، وفي do هي o، وفي get هي e.
وإن التقسيم المقطعي syllabic division ليرتبط ارتباطًا وثيقا بالمفصل، حيث إنه توجد عادة وقفة غير محسوسة غالبا بين المقطعين وهذه الوقفة قد تعادل أحيانا المفصل المفتوح “الانتقال الحاد”.
وتميل اللغات إلى اتخاذ نماذج مقطعية معينة توصف أحيانا بأنها نماذج مقبولة canonical forms “على الرغم من أن النماذج المقبولة تتضمن أحيانا عوامل أخرى غير التقسيم المقطعي”. وفي اللغة الإنجليزية يشيع المقطع س ع س أو ع س “مثل al، er، gen والمقطع يسمى مقفولا closed حينما ينتهي بساكن، ومفتوحا open حينما ينتهي بعلة”، وفي لغات أخرى مثل الإسبانية والإيطالية واليابانية والإندونيسية يفضل النموذج س ع “كما في ge-ne-ra-le بدلا من ge-ne-ral”، وهذا يؤدي إلى اختلاف أساسي في المفصل، واختلاف في تلوين صوت العلة، حيث إن العلة في مركزها الحر Free position في نهاية المقطع تنال حظًا أكبر من البروز والرنين الصوتي والاستمرار، مما لو كانت في موضع مقيد checked position “أي متبوعة بصوت ساكن في نفس المقطع”. وهذا الاختلاف في النظام المقطعي للغات -على الرغم من النظرة إليه على أنه نادرا ما يكون فونيميا، بمعنى أن يؤدي إلى تغيير المعنى- أساسي لاكتساب طريقة النطق المطابقة لنطق أصحاب اللغة[5]. وأحسن طريقة للتعود على النطق الصحيح للنغمات الصوتية وللوقفات الموجودة في لغة أجنبية هي نطق الكلمات أو مجموعة، ببطء مقطعا مقطعا، مع الوقفات الصحيحة بين كل مقطع ومقطع. وبالتدريج يزيد المرء من سرعة نطقه للحدث الكلامي حتى يصل إلى السرعة العادية.
وهناك سمتان إضافيتان في اللغات تتقاسمان طبيعة صوتية وفونيمية وهما التنوعات الحرة Free variations، والتجمعات الصوتية sound combinations المسموح بتكوينها في لغة معينة.
أما التنوعات الحرة فتعني السماح -على قدم المساواة- بنطقين اثنين كما يحدث في كلمات مثل either التي تنطق كأنها تشتمل على العلة ee في feet أو العلة i في sigh. وكلمة tomato التي تنطق كأنها تشتمل على الساكن th في thing أو this. وهناك احتمال قوي أن كل كلمة حينما تنطق بنطقين فكل نطق يمثل طبقة اجتماعية أو لهجة محلية ربما يكون أصلها التاريخي قد نسي بمرور الزمن. ولكن محاولة الرجوع إلى الوراء لاكتشاف أصول الكلمات إنما هو في الحقيقة من عمل علم اللغة التاريخي لا الوصفي،
فإن الأخير يسجل ببساطة الحقيقة المتعلقة بتعايش نطقين، ويمضي قدمًا لوصف كل منهما ولا يتعدى ذلك.
أما التجمعات الصوتية وبخاصة تجمعات السواكن consonant clusters، والمواقع التي يمكن أن تقع فيها، فتختلف من لغة إلى أخرى. اللغة الإنجليزية مثلا تسمح بتجمع نهائي للسواكن مثل ذلك الموجود في pests، desks، في حين أن لغات أخرى كثيرة ربما لا تتسامح في مثل ذلك. ولكن الإنجليزية ترفض تجمعات أولية مثل nr التي توجد في الروسية، أو sdr “تنطق zdr” التي تقع في الإيطالية. وحيث إن هذه التجمعات مسموح بها في الإنجليزية في موقعيات غير تلك في الكلمة، أو في الكلمات المتتابعة “مثل unravel وhisdrawl” فإن المتعلم الإنجليزي ينصح بأن ينطق الكلمة الإنجليزية أو الكلمات المتتابعة مسقطًا الصوت أو الأصوات التي تسبق التجمع الصوتي المطلوب نطقه.
ولعل مما يجب ملاحظته أن النظام الفونيمي لأي لغة، والتجمعات الصوتية المسموح بها فيها، رغم أنها أشياء قد تكونت بالفعل، ليس هناك ما يمنع من اقتراض لغة “ربما كانت كلمة استخدام أنسب هنا” فونيمات لغة أخرى، أو تجمعاتها الصوتية المسموح بها حين اقتراضها بعض كلمات منها، وحينئذ تحدث عملية تجنيس naturalization لهذه الأصوات أو التجمعات الأجنبية. اللغة الإنجليزية مثلا لا تملك الصوت الطبقي المهموس الاحتكاكي ach الموجود في اللغة الألمانية، ولكن ذلك لم يمنع كثيرًا من الناس من نطق اسم Bach نطقًا صحيحًا.
وهناك تجمعان صوتيان ممنوعان في الإنجليزية في الموقع الأولي بالنسبة للكلمات الأصلية وهي ts وshm، ومع ذلك فاسم الذباب المعروف testse، وكذلك الكلمة schmo المقترضة من الييدية yiddish، والعالم الألماني schmidt كل هذه الكلمات ينطقها المثقفون الإنجليز، وحتى غير المثقفين منهم نطقًا صحيحًا.
هذه النماذج التي قدمناها لا تخرج عن أن تكون نظرة عامة للقضايا التي عرضناها والتي يسلم بها على المستوى العالمي، وليس هناك أي صوت أو تجمع صوتي في أي لغة لا يمكن أن يكتب المتكلم الأجنبي نطقه الصحيح بشرط توفير القدر الضروري من الوقت، ووجود الانتباه الكافي، وبذل الجهد المطلوب.
المصدر: أسس علم اللغة
[1] شرح المؤلف في كتابه Glossary of Linguistic Terminology هذا المصطلح بقوله: إنه دراسة الجانب الصوتي للكلام كما تستقبله أذن السامع، والموجات الصوتية التي تصحبه “مادة acoustic phonetics” “المترجم”.
[2] الكلام عبارة عن سلسلة كلامية، أو مجرى مستمر خلال زمن معين، وبناء على هذا يمكن أن يجزأ المجرى إلى فونيمان أو ألوفونان منفصلة.
[3] لاحظ الفرق بين green house, greenhouse.
[4] بينما تكون قمة الإسماع عادة صوت علة، توجد لغات كثيرة يمكن فيها للام والراء والميم والنون، وحتى السين والزاي، أن تقطع قمة إسماع مكان العلة، وتكون محور المقطع. ففي التشيكية كلمات مثل: pin, krst, حيث تقوم الراء واللام بدور قمة الإسماع مؤدية وظيفة العلل.
[5] إذا نطق ناطق مثلا الكلمة الإسبانية ge-ne-ral تبعًا للتقسيم اللفظي الإنجليزي للكلمة ge-ne-ral فإنه سوف يفهم، ولكنه سينظر إليه على أنه أجنبي.