ضبط عين الفعل الثلاثي المجرد
ضبط عين الفعل الثلاثي المجرد
نظرة تقعيدية
أولا: نظرة تقعيدية
قل من سلم من المذيعين والمتحدثين من الوقوع في الخطأ في ضبط عين الفعل الثلاثي المجرد. ومعظم السبب في ذلك يرجع إلى ما يأتي:
1- أنه لا توجد قاعدة صرفية مطردة تحكم هذا الضبط، وأن مرده إلى السماع -كما يقول اللغويون- أي الرجوع إلى المعاجم وكتب اللغة، وهو أمر قد لا يتاح للمذيع أو المتحدث في حينه.
2- أنه ندر من المثقفين من استوعب الأحكام التقريبية التي تتعلق بضبط هذه العين، أو ما يسمى بمعرفة الباب لكل فعل من هذه الأفعال.
ولتيسير الأمر على المتعلم أضع بين يديه الأحكام الآتية:
1- حين يكون الفعل سالمًا والماضي بفتح العين فإن المضارع يحتمل ثلاثة أوجه للضبط: ضم العين، كسر العين، فتح العين. فالأول مثل: نصر ينصر، والثاني مثل: صبر يصبر، والثالث مثل: ذهب يذهب.
وليس هناك من قاعدة تحدد ضبط العين في المضارع حينئذ، ولكن يغلب إذا كان في موضع العين أو اللام منه حرف من حروف الحلق “الهمزة، الهاء، العين، الحاء، الغين، الخاء” أن يكون المضارع بفتح العين مثل: ذهب وبحث، وبعث، وجرح، ومدح، ومنح، ورفع، وركع … وفيما عدا هذا يكون اتجاه الضبط في المضارع إلى المخالفة إما إلى الكسرة أو الضم، دون استطاعة القطع بأحدهما من غير الرجوع إلى المعجم.
ولحل هذه المشكلة المزمنة يمكننا أن نستفيد مما قرره بعض اللغويين القدماء من أنه فيما عدا الأفعال المشهورة فإن للمتكلم الحق في الاتجاه إلى الكسر أو الضم. يقول الفيروزآبادي في مقدمة قاموسه بعد أن تحدث عن احتمال ضبط العين في المضارع بالكسر والضم حين يكون الماضي مفتوح العين: على أني أذهب إلى ما قال أبو زيد: إذا جاوزت المشاهير من الأفعال التي يأتي ماضيها على فَعَلَ فأنت في المستقبل بالخيار، إن شئت قلت يفعُل بضم العين، وإن شئت قلت يفعِل بالكسر.
ولعل مما يؤيد ذلك كثرة الأفعال التي وردت في المعاجم بالوجهين، وبعضها مما قرئ به في القرآن الكريم مثل:
– ﴿ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفا ﴾ .
– ﴿ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُون ﴾ .
– ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّه ﴾ .
– ﴿ لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا ﴾ .
– ﴿ فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا ﴾ .
– ﴿ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِه ﴾ .
– ﴿ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا ﴾ .
– ﴿ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ ﴾[1].
فهل نطمع من مجمعنا اللغوي أن يتخذ قرارًا جريئًا في هذا الموضوع يسمح بالاتجاه ناحية الكسر أو الضم، وبذلك يرفع الحرج عن نفوس المتكلمين؟
2- حين يكون الفعل لازما، ودالا على معنى الثبوت والدوام فإنه يغلب مجيئه من باب فَعُلَ يفعُل بضم العين في الماضي والمضارع، مثل صعُب، وصلُب وعذُب، وخبُث، وسمُح، وصبُح، وفصُح، وقبُح، وملُح، وشرُف، وخبُث، وكبُر، وبلُغ، وحصُف، وشرُف، وضعُف، وظرُف، وعنُف، وسهُل، وحلُم، وكرُم، وجبُن، وحسُن ونبُه …
3- حين يكون الفعل مسكور العين في الماضي فإنه يأتي مفتوح العين في المضارع. وغالبا ما يكون الفعل لازما مثل: تعِب، ورغِب، وطرِب، وغضِب، وفرِح، وعهِد، ومرِض، وغلِط، ونشِط، وفزِع، وغرِق، وندِم حتى ماجاء من الصحيح مكسور العين في المضارع فهو مما يجوز فيه الفتح والكسر، مثل: بئس، وحسب..
ولم يرد في اللغة ما يجب كسر عينه في الماضي والمضارع إلا أفعال قليلة كلها من المعتل الأول بالواو مثل وثق به، ورث المال، ولي الأمر …
4- حين يكون الفعل مضعفًا على فَعَل فإن كان الفعل متعديًا فقياسه الضم، نحو: رده يرده، ومده يمده، وسده يسده، وصده يصده. وإن كان لازما فقياسه الكسر نحو: خف يخف، وقل يقل، وشذ يشذ[2].
ثانيا: أفعال يكثر الخطأ في ضبط عينها
هذه قائمة بالأفعال التي لاحظت خطأ المذيعين أو المتحدثين في الإذاعة في ضبطها. وقد جاء الخطأ في بعضها في عين الماضي، وفي بعضها في عين المضارع. وقد ذكرت الصواب جانبها بذكر الباب الصحيح أمام كل منها[3].
1- باب نصر= فعَل يفعُل، باب ضرب = فعَل يفعِل، باب فتح= فعَل يفعَل، باب فرح= فعِل يفعَل، باب كرُم= فعُل يفعُل[4].
2- ورد الفعل من باب فرِح في مثل: برئ من الأمر براءة فهو بريء. أما برأ من مرضه فمصدره البُرْء، والوصف منه بارئ “انظر القاموس المحيط” وقد ذكر اللسان في الفعل ثلاث لغات هي: باب فرح وفتح ونصر[5].
3- أما الفعل ثبُت- بالضم- فقد جاء من الشجاعة وثبات العقل، فيقال: ثبُت الرجل إذا كان شجاعًا، أو عاقلا متماسكًا “تاج العروس واللسان”.
4- بخلاف: حدَّ السيفُ، وحدَّ عليه حدة، وحدَّتِ المرأة حدادًا فتجيء من باب ضرب[6].
5- ذكر اللسان في الفعل لغتين هما نصر وضرب[7].
6- بخلاف ما كان من الظن فهو بالفتح والكسر في المضارع، وما كان من الحَسَب فهو بالضم في الماضي والمضارع.
المصدر: أخطاء اللغة العربية المعاصرة عند الكتّاب والإذاعيين
[1] بالترتيب طه 97، المؤمنون 66، الفرقان 17، الفرقان 67، القصص 19، الفتح 10، الفتح 15، الرحمن 31.
وانظر معجم القراءات القرآنية 4/110، 217، 277، 294، 5/ 12، 6/ 203، 206، 7/ 51.
[2] ديوان الأدب للفارابي في أماكن متفرقة، وخاتمة المصباح المنير، وشذا العرف ص13 وما بعدها.
[3] لا يمكن أن يكون الماضي بالفتح؛ لأن المضارع بالفتح، ولم يرد فعل من باب فتح إلا إذا كان حلقي العين أو اللام.
[4] بخلاف ما كان من الأناة والعقل والسكون عند الغضب فهو من باب كرُم.
[5] بخلاف: روى الحديث فهو من باب ضرب.
[6] أما مجيئها من باب نصر فلغة قليلة -كما جاء في اللسان- ولم يعرفها الأصمعي.
[7] أما مجيئها من باب ضرب فحين تكون من الظُفْر بمعنى: غرز في وجهه ظفره.
ما شاء الله