أخطاء النسب وتجوّزاته (1) [1]
توجد بعض أخطاء في ألفاظ النسب في لغة الإعلام، ولكن توجد تجوزات شملت أنماطًا متعددة من الألفاظ ربما حكم المتشددون بخطئها.
ولنبدأ بالأخطاء، وهي قليلة، وتشمل ألفاظًا معدودة مثل:
أ- نسبهم إلى كلمة “بيضة” للدلالة على أي شيء يأخذ شكلها بقولهم: “بيضاوي” ومن أمثلة ذلك قولهم:
– “المكتب البيضاوي”.
– “هبطت من الطبق الطائر كبسولة بيضاوية الشكل”.
واللفظ منسوب إلى “بيضاء” لا إلى “بيضة”. والصواب أن يقال: “المكتب البيضي” “كبسولة بيضية الشكل”. وربما كان أقرب إلى طريقة النسب الحديثة زيادة الواو لتصبح الكلمة بيضوي[2].
ب- الخلط بين كلمتي أم وأخ حين النسب. فالكلمة الأولى من المضعف فالنسبة إليها “أمّيّ” وقد رأيت أحدهم ينسب إليها قائلا “أُمَوي”[3]. أما كلمة “أخ” فهي من المعتل الآخر. وقد رأيت أحدهم ينسب إليها “أَخّيّ” والصواب “أَخَوِيّ”، برد لام الكلمة المحذوفة. وشبيه بكلمة “أخ” كلمة “فم” التي نسب إليها أحدهم على “فَمّيّ” والصواب “فَمَوِيّ”.
أما التجوزات فتغطي أنماطًا متعددة من الألفاظ مثل:
أ- النسب إلى وزن فَعيلة.
ب- النسب إلى الجمع على لفظه.
ج- النسب بزيادة الألف والنون.
د- النسب بزيادة الواو.
هـ- النسب بإبقاء تاء التأنيث.
و النسب إلى الصفة مثل كلمة “رئيسي”.
أ- النسب إلى وزن فعيلة:
يكثر في لغة الكُتَّاب اليوم النسب إلى كلمات على وزن “فعيلة” مثل: بديهة، حنيفة “أبو حنيفة”، سليقة، صحيفة، ضريبة، طبيعة، عقيدة، غريزة، قبيلة، كنيسة، مدينة، وثيقة، وظيفة.
ويختلف الاستعمال الحديث في النسب إلى هذه الكلمات:
1- فالنسب إلى أبي حنيفة: حَنَفي، ولا أحد يقول: حنيفي.
والنسب إلى صحيفة: صَحَفي، ولا أحد يقول: صَحِيفي “ولكن قد يقال” صُحُفي بالنسب إلى الجمع، أو صِحَافِي نسبة إلى “صِحَافة”.
والنسب إلى قبيلة: قَبَلي، لا أحد يقول: قَبِيلِي.
والنسب إلى مدينة: مَدَني، ولا أحد يقول: مَدِينِي.
2- أما الكلمات: بديهة وطبيعية وغريزة وكنيسة ووظيفة فينسب إليها المحدثون مع الاحتفاظ بالياء: بديهي وطبيعي وعقيدي وغريزي وكنيسي ووظيفي. وتوجد قلة قليلة تنسب إليها بحذف الياء[4].
3- وأما كلمة ضريبة فلا ترد في الاستعمال الحديث إلا بالياء فيقال: العدالة الضريبية والبطاقة الضريبية والقوانين الضريبية … ولم أسمعها أو أجدها بدون الياء في أي عبارة حديثة.
4- أما كلمة وثيقة فيندر النسبة فيها إلى المفرد، ويفضل المعاصرون فيها النسب إلى الجمع، فيقال: بحث وثائقي، ودراسات وثائقية. وقد ينسبون إلى كنيسة بالجمع كذلك فيقولون كنائسي، كما قد ينسبون إلى عقيدة بالجمع فيقولون عقائدي.
وليس الاستعمال القديم بأكثر استقرارًا أو اطرادًا من الاستعمال الحديث، ففي حين تتحدث المعاجم وكتب النحو عن قاعدة النسبة إلى فعيلة “بشروط” على فَعَليّ وتضرب المثل بصَحَفِيّ وحَنَفي ورَبَعي ومَدَني “نسبة إلى صحيفة وحنيفة وربيعة ومدينة” تجدها تذكر كلمات كثيرة وردت بالنسب مع إثبات الياء، بعضها دون خوف الالتباس بشيء وبعضها مخافة الالتباس بلفظ آخر.
فقد قال العرب في النسب إلى عَميرة: عَميري، وإلى سليقة: سَليقي، وقد جاء عليه قول الشاعر:
ولست بنحوي يلوك لسانه … ولكن سليقي أقول فأعرب
وفرق أبو البركات عبد الرحمن بن الأنباري بين الحنفي والحنيفي، فالأول عنده نسبة إلى مذهب أبي حنيفة، والثاني إلى قبيلة بني حنيفة، وقال السيوطي: “كما فرقوا بين المنسوب إلى المدينة النبوية وإلى مدينة المنصور، فقالوا في الأول: مدني وفي الثاني مديني”[5].
وخوف اللبس الذي تحدث عنه ابن الأنباري والسيوطي هو مدخلنا إلى إجازة النسب إلى فعيلة على لفظها فيما لم يرد فيه سماع صحيح. فإذا كان النسب إلى فَعِيلة على فَعَلي، وإلى فَعولة على فَعَلى، وإلى فَعِل “كمَلِك” على فَعَلي، وإلى فَعَل على فَعَلى. ألا يخشى من كل هذا الوقوع في اللبس؟ فإذا قلنا حَدَقِي لم تعرف أهي نسبة إلى حَدَقة العين أم إلى الحديقة. وإذا قلنا جَزَري لم تعرف أهي نسبة إلى الجزر أم إلى الجزيرة. فضلا عن أن النسبة بحذف الياء في فعيلة ستباعد بين لفظي المنسوب والمنسوب إليه مما قد يوقع في خطأ الضبط بالشكل في النصوص المكتوبة. فمن سيقرأ طَبَعيّ ووَثَقيّ ووَظَفيّ.. ونحوها قراءة سليمة؟ ومن سيدرك المعنى المراد بسهولة ولا يتوقف لمحاولة فهمه؟.
ومن الغريب أن المراجع القديمة لا تستشهد إلا ببضع كلمات نسب فيها العرب إلى فعيلة على فعلي وتعطيها الغلبة فتبنى عليها قاعدة وتخرج من النظر إلى نوعين من الكلمات:
1- النوع الذي وردت النسبة فيه بدون حذف الياء ومن ذلك: الحنيفية. وفي الحديث: “أحب الأديان إلى الله الحنيفية السمحة”، ويقال كذلك: ملة حنيفية، ومنه كذلك سليقية وعميرية وسليمية.
2- النوع الذي لم تتحدث فيه المراجع عن كيفية النسبة إليه وهو الكثرة الكاثرة من الكلمات مثل: حقيبة، خميرة، حريسة، فريسة، لقيطة، حديقة، قسيمة، عشيرة، جريدة، ذبيحة، عصيدة، جبيرة، حصيرة، خريطة، شريعة، قطيعة، خليفة، خميلة، عقيلة، رهينة، سفينة، وديعة، وليمة، خريدة … وعشرات أخرى من الكلمات.
فكيف نعطي الترجيح لأحد الطرفين المتوازنين[6] على الرغم من خروجه على الأصل ونغفل الطرف الآخر على الرغم من معاضدة القاعدة الأصلية له؟.
وإذا كان العرب قد قالوا: رَبَعي ومَدَني وصَحَفي[7] وحَنَفي فهل ورد عنهم أنه لا يقال: ضريبي وطبيعي وبديهي ووظيفي وغريزي … إلخ.
وإذا كان النحاة قد اعتمدوا في بناء قاعدة الحذف على أربع كلمات، فقد أثبت الاستقراء الحديث أن ما ورد عن العرب بإثبات الياء أكثر بكثير من ذلك وقد كان أول من هز القاعدة النحوية، وشكك في صحتها الأب أنستاس ماري الكرملي الذي نشر مقاله في مجلة المقتطف “يوليو 1935″، أثبت فيها أن النسبة إلى فعيلة على وزن “فَعِيليّ” ليست شاذة، ثم عرض مائة وثلاثة شواهد على تأييد رأيه. كما استند في تأييد رأيه إلى قول ابن قتيبة في كتابه أدب الكاتب. إذا نسبت إلى فعيل وفعيلة من أسماء القبائل والبلدان وكان مشهورًا ألقيت منه الياء مثل ربيعة وبجيلة تقول: رَبَعي وبَجَلي وحنيفة حَنَفي، وفي ثقيف ثَقَفي وعتيك عَتَكي، وإن لم يكن مشهورًا لم تحذف الياء في الأول ولا في الثاني[8].
وتقدم أكثر من عضو بمجمع اللغة العربية بمصر باقتراح تعديل القاعدة النحوية، منهم الأمير مصطفى الشهابي الذي قدم بحثًا بعنوان: “ملاحظات لغوية واصطلاحية” تناول فيه النسب إلى فَعيلة وطالب بإثبات يائها في غير المشهور من الأعلام. ثم قدم الأستاذ عبد الحميد حسن بحثًا بعنوان: “مسائل نحوية ولغوية”.
تتطلب النظر” اقترح فيه إبقاء صيغة النسب إلى فَعيلة بفتح فكسر وفُعَيلة بضم ففتح من غير حذف مع المحافظة على ما ورد عن العرب النسب إليه بالحذف، وقدم الأستاذ عباس حسن بحثا بعنوان: النسب إلى فَعيلة وفُعيلة سار في نفس الاتجاه ولخص رأيه في أن النكرات لا يحذف منها شيء؛ لأن علة الحذف القياس على المسموع، مع أن السماع مقصور على المشهور من الأعلام بل إن العرب لم تلتزم فيه الحذف. وما ليس من الأعلام المشهورة يجب فيه إثبات الياء إذ لا سند له من المسموع، وما سمع عن العرب بالحذف يجوز فيه الأمران عملا برأي بعض الأئمة الذين نصوا على جواز تطبيق المطرد على المسموع.
وأخيرًا أصدر المجمع قراره بإجازة الحذف والإثبات. الحذف مراعاة لما سمع بحذف الياء، والإثبات مراعاة للأصل وهو النسب بغير حذف شيء إلا تاء التأنيث ولما سمع بإثبات الياء. وعلى الرغم من أن المجمع لم يمنع حذف الياء فقد وجدت بعض آراء تمنعه فيما لم يسمع عن العرب، واقترح بعضهم أن تكون القاعدة على النحو التالي:
1- القياس المطرد في النسب إلى فَعيلة هو فَعيلي فيما لم يكن علمًا أو كان علمًا غير مشهور.
2- يجوز النسب إلى فَعيلة العلم على فَعَلى إذا اشتهر الاسم شهرة تمنع اللبس.
3- ما ورد عن العرب منسوبًا بحذف الياء يبقى على ما ورد السماع به ويلتزم.
4- ما ورد عن العرب بحذف الياء كان مقصورًا على الأعلام. وقد وردت كلمة طبيعية منسوبة بالياء في المصباح المنير “مادة جبل” وكلمة سليقة بالياء كذلك.
ولعل هذا الرأي هو الأولى بالقبول وهو الذي تطمئن النفس إليه. وقد مال إليه الأستاذ محمد العدناني في كتابه “معجم الأخطاء الشائعة”، والدكتور مصطفى جواد في كتابه “قل ولا تقل”. الذي يقول: “فإذا كانت هذه القاعدة “حذف الياء” لا يبنى عليها إلا في الأعلام، وكثرة الشذوذ منها في الأعلام بأعيانها فكيف يبنى عليها في أسماء الجنس كالبديهة والقبيلة والكنيسة؟ فإذا جاز حذف الياء في العلم؛ فذلك لأن العلم له من الشهرة والاستفاضة ما يحفظه عند الحذف، وله من قوة المنسوب ما يميزه عن غيره ويبعده من اللبس، ثم انتهى إلى قوله: “فقل: بَديهي وقَبيلي وكَنيسي وسَليقي، ولا تقل: بَدَهي وقَبَلي وكَنَسي وطَبَعي”.
ولم يكتف مجمع اللغة العربية بمصر بإقرار المبدأ، بل ثبته في معجمه الوسيط حين ذكر كلمة البديهية، وحين نص على أن الطبيعي: نسبة إلى الطبيعة: ونهج المعجم العربي الأساسي نفس النهج، فذكر: بديهي، وبديهية، وطبيعي، وطبيعيات، وغريزي، ووظيفي … وغيرها.
المصدر: أخطاء اللغة العربية المعاصرة عند الكتّاب والإذاعيين
[1] مِن تَجّوز في الأمر: تَرَخّص وخفّف. وفي حديث علي: تجوّزوا في الصلاة.
[2] انظر ما سيأتي عن زيادة الواو في النسب.
[3] أُمَوِيّ نسبة إلى أُمَيَّة، وليس إلى أُمّ.
[4] كما ورد في صحيفة الأهرام “11/ 1/ 1991”: “ضرورة أساسية وبدهية من بدهيات الحرب”.
[5] همع الهوامع 6/ 126.
[6] على فرض التوازن، وسيرد ما يثبت رجحان كفة الطرف المخالف فيما بعد.
[7] لاحظ أن ابن منظور اعتبر كلمة “صحفي” مولدة.
[8] في أصول اللغة 2/ 58 وما بعدها. معجم الأخطاء الشائعة للعدناني ص152.
جزاكم الله خيرا ونفع بكم وتقبل عملكم وزادكم من فضله ونعمه وعلمه اللهم ٱمين