لا يظنن ظانٌّ أن دافعي إلى التعرض لِلُغة الإعلام بالنقد والتصويب هو محاولة الانتقاص من منشئي هذه اللغة ومستعمليها. أو التقليل من الجهد الكبير الذي يبذلونه في تقديم أفكارهم مكتوبة أو مسموعة. أو أفكار غير مقروءة بلغة صحيحة.
وإنما دافعي الأساسي لهذا النقد هو الأخذ بيد من ينشد الكمال اللغوي من أصحاب القلم واللسان، وبخاصة المذيعون، ومعدو البرامج الإخبارية، ورجال الصحافة، لما أعرفه من أثر لغة الإعلام في الارتقاء بلغة الناس، أو الانحدار بها، وإذا كانت لغة المذيع الإنجليزي ما تزال تتخذ معيارًا للصواب اللغوي فإننا نتطلع إلى اليوم الذي تصبح فيه لغة المذيع العربي معيارًا للصواب اللغوي هي الأخرى. وإذا كان كُتَّابُ الصحافة- من بين رجال الإعلام- يتمتعون بميزات كثيرة، منها حصولهم على الوقت الكافي لتنقيح ما يكتبون ومراجعته. ثم وجود المصحح أو المراجع الذي يتلافى ما قد يند عنهم، وأخيرًا ما تستره الكتابة من عورات؛ لأن معظم الأخطاء يأتي في الضبط بالشكل، وهو ما لا يظهر أثره في المادة المكتوبة- فإننا يجب أن نلتمس بعض العذر للمذيع الذي قد لا تتاح له فرصة المراجعة والضبط والذي قد لا يستطيع أن يخفي من زلاته اللسانية ما تخفيه الكتابة.
وإذا كان عبد الملك بن مروان- وهو من هو- قد أجاب حينما سئل عن إسراع الشيب إلى رأسه فقال: شيبتني مواقف الخطابة وتوقع اللحن، فإن توقع اللحن من كُتَّاب الصحافة ومذيعي الأخبار ليس بالأمر الغريب أو العجيب.
وإذا كانت الصحة اللغوية مطلبًا عسرًا حتى على المتخصصين، فلابد أن نقدر مدى صعوبتها على غير المتخصصين، سواء كانوا من كتاب المقالات، أو قارئي النشرات، أومذيعي الربط، أو مقدمي البرامج. ولهذا رأيت من واجبي أن آخذ بيد هؤلاء جميعًا، وأن أقدم لهم العون والمساعدة، وأن أضع أمامهم بعض الهفوات التي قد لا يتنبهون إليها، ولا يفطنون إلى وقوعها منهم.
وما أظن أن أحدًا على وجه الأرض يمكن أن يدَّعِيَ لنفسه العصمة من الخطأ اللغوي، وبخاصة إذا لم يأخذ فرصته من المراجعة والتدقيق والضبط بالشكل.
وأمامنا الأمثلة الكثيرة من كبار الأدباء والمثقفين والمتحدثين وقدامى المذيعين الذين لم ينج أحد منهم من الوقوع في الخطأ.
– ومازلت أذكر للمرحوم الأستاذ عباس العقاد خطأ وقع فيه في أحد أحاديثه الإذاعية، حين قال: وجاء القرن التاسعُ عشر، مع أن كتب النحو تنص على أن الوصف من العدد المركب يبنى على فتح الجزأين.
– وفي حديثه الديني صباح الأحد 25/ 11/ 90 قال الشيخ جاد الحق على جاد الحق شيخ الجامع الأزهر: ومجالس الغَيْبة والنميمة، بفتح الغين وسكون الياء، وصحتها: الغِيبة بكسر الغين ومد الياء. وفي حديث آخر له بتاريخ 9/1/90 قال شيخ الأزهر: من صفاتٍ ومهامٍّ، مع أن كلمة مهام ممنوعة من الصرف.
– وفي جلسة افتتاح مجلس الشعب ألقي الدكتور أحمد فتحي سرور- بعد انتخابه رئيسًا للمجلس- كلمة قصيرة أخطأ فيها بضعة أخطاء لغوية منها: عطف منصوب على مرفوع، ونصب الفاعل، وضم راء تجربة، وقطع همزة الوصل، مع أن الصحف المصرية كانت حريصة على أن تبرز ضمن مواهبه أنه متحدث من الطراز الأول، وأنه يجيد فن الحوار1 الأخبار 13/ 12/ 1990.
ومعظم الصحفيين- إن لم يكن كلهم- حينما يقفون أمام الميكرفون ويتحدثون إلى الناس- وما أكثر أحاديثهم وتعليقاتهم بمناسبة حرب تحرير الكويت- تأتي لغتهم إما فصحى مثخنة الجراح بالأخطاء والتجاوزات اللغوية، وإما عامية فجة. ولا أريد أن أسمي أحدًا، ولكن يكفي أن أقول إن كثيرًا منهم يملكون أسماء لامعة، ويرأسون مجالس إدارات أو هيئات تحرير، ومنهم أصحاب أعمدة يومية أو أسبوعية، بل منهم أدباء وكتاب مشهورون.
فهل نلوم المذيعين حتى الكبار أو المخضرمين منهم إذا ندت عنهم كلمة، أو زلوا في ضبط أخرى؟ ومن ذلك:
1- قول سامية صادق: إنه لنا نعم الأب والجِدّ، بكسر الجيم.
2- قول أحمد سمير: فأردُوه قتيلا، بضم الدال، وقوله: قد خسر مباراتِه.
توهما أن الكلمة من جمع المؤنث السالم وقوله: أصعب الحلْقات بسكون اللام، والصواب فتحه.
3- قول محمود سلطان: ملايينٌ من الناخبين، بصرف ملايين، وقوله: نَشَبت أعمالُ عنف، بفتح الشين، وقوله: لاقُوا حتفهم، بضم القاف، وقوله: ثلاث ماءة قتيل، بدلا من ثلاث مائة.
4- قول درية شرف الدين: مضى على إقراره أكثرَ من قرن، بنصب أكثر مع أنها فاعل مرفوع.
5- قول زينب سويدان: بتحديد يومَ الثالثِ عشر من يناير، بنصب يوم مع أنها مضاف إليه، وجر الثالث مع أنها مبنية على الفتح لتركبها مع عشر، وقولها: يتسنى لها توجيهَ طاقاتها، بنصب توجيه مع أنها فاعل مرفوع.
ولم ينج المذيع القدير كمال خليل- الذي كان يلقبه زملاؤه في إذاعة الكويت بسيبويه لم ينج هو الآخر من بعض الهفوات: ومن ذلك قوله: إن من حق كل دولة البقاءُ..، برفع اسم إن المتأخر، وقوله: إلى الخامسِ عشر من يناير القادم، بجر الخامس بالكسر. وتأتي معظم ملاحظاتي على كمال خليل من عدم التزامه بنطق الأعداد باللغة الفصحى حين قراءته لأسعار العملات والذهب بخلاف ما إذا جاءت في صلب نشرة الأخبار، وعدم مراجعته للنشرة قبل قراءتها- ربما لفرط ثقته في نفسه- مما أوقعه في كثير من الزلات البصرية، كما حدث في نشرة السابعة صباح 20/ 11/ 90 حينما قال:
أ- وقعت عن إعلان … على إعلان عدم اعتداء.
ب-يقوم الدكتور بطرس غالي.. يُقَدّم الدكتور بطرس غالي.
ت-التي تدعو إلى بَذْ … نَبْذ استخدام القوة.
ومع قسوة كتاب الأعمدة اليومية والأسبوعية من أمثال أحمد بهاء الدين،،أنيس منصور، ونجيب محفوظ، وعبد المنعم مراد- مع قسوتهم على المذيعين[1] فإنهم لا يقسون على زملائهم في المهنة، الذين ينافسون المذيعين ورجال الإعلام المسموع في أخطاء اللغة -إن لم يكونوا يفوقونهم- مع تمتعهم بالميزات التي سبق أن ذكرتها. ومن ذلك ما كتبه أحمد بهاء الدين -شفاه الله- في عموده اليومي: يوميات في 1/ 4/ 1989: خلال رحلة الرئيس مبارك الماضية إلى أوربا أغرقنا المذيعون والمذيعات في التليفزيون بالنطق الخاطئ لأسماء أشهر الأماكن والعواصم والأشياء.. وبعض المسئولين في التليفزيون يعتبرون مأساة اللغة العربية في التليفزيون غير مهمة … كلا يا سادة. مفهوم أن يخطئ وزير مثلا … ولكن الذين وظيفتهم الكلام باللغة العربية يجب أن يتلقوا الدروس، أو تكتب لهم المادة مع التشكيل الدقيق.
وما كتبه نجيب محفوظ في وجهة نظر بالأهرام بعنوان، لغتنا والإذاعة: من حين لآخر تثار مشكلة اللغة العربية في التليفزيون، كيف تلقى على الناس متعثرة بأخطاء النحو والنطق، وكيف تعمل على نشر الخطأ على أوسع نطاق بقوة التليفزيون وهيمنته على الحواس والأذواق.
وما كتبه محمود عبد المنعم مراد في مجلة أكتوبر بعنوان: لغتنا المسكينة، وإن كان قد جمع بين وسائل الإعلام المكتوبة والمنطوقة حين قال:
كتبت كما كتب كثيرون غيري عن جرائم انتهاك لغتنا العربية في صحفنا ووسائل إعلامنا المسموعة والمرئية … وقد يرى البعض أن هذه مسائل شكلية غير ذات أهمية، وهنا تكمن المصيبة الكبرى. إن إهدار اللغة هو إهدار لشخصيتنا وتراثنا وثقافتنا ولواحد من أهم مقومات أمتنا. إنه استهانة وعبث خطير لا يمكن أن نمل الكتابة عنه، ولفت النظر إليه.
مع هذه القسوة لم أجدهم يتعرضون لأخطاء كتاب الصحافة، ولم أجد أحمد بهاء الدين ينبه إلى ما صار ظاهرة في صحيفة الأهرام من تسرب الخطأ إليها حتى في عناوينها الرئيسية مما جعلني أكتب إلى الأهرام منذ سنوات قائلا: إذا كان الأستاذ على النجدي ناصف في أهرام9/3/ 1975 قد شكا المذيعين إلى جريدة الأهرام وطالبهم بأن يتحروا الصواب في كل ما ينطقون حتى لا يصبحوا عامل تحريف للغة، فإنني أشكو الأهرام لنفسها بعد أن لاحظت مؤخرا كثرة الأخطاء اللغوية فيها بصورة لم تعرف عنها من قبل. ومن ذلك ما جاء في مربع الصفحة الأخيرة الذي تقدمه الأهرام كل يوم بعنوان: وجهة نظر، ففي عدد 10/ 3/ 1975 عبارتان خاطئتان هما:
أ- ومن هؤلاء التسعة: الأمين والأمينين المساعدين.
ب-وألا يعد إشراك هؤلاء التسعة …
وفي عدد 10/ 4/ 1975 عبارتان خاطئتان هما:
أ- لم تجد مكانا لإقامة مجمع سياسيّ جديد سوي في الشريط الأخضر.
ب-نهر التايمز.
وفي عدد 13/ 4/ 75 عبارة خاطئة هي: في اللحظة الذي انتهى فيها مجلس الوزراء …
ومن عناوين الأهرام الخاطئة: الطالبات تكتسحن المراكز الأولى في الثانوية العامة، وصحتها: يكتسحن.
وكذلك: إبك أيتها الحرية، وصحتها: ابكي، بهمزة وصل، وياء المخاطبة:
ومن عناوين الأخبار التي ضحكت لها كثيرًا إطلاقها على صدام حسين: ألعوبان المبادرات، وهي تعني ألعبان.
ومن أخطاء الصحافة وكُتّاب المقالات فيها ما يأتي:
1- ما ورد في مقال للأستاذ موسى صبري في آخر ساعة وهو:
أ- كأنه زئر نساء.
ب-أنت تفرطين في رجل رائع دون أن تدرين.
ت-وبقي أن يخصصوا عامودًا كل أسبوع لعرض أزياء الباشا.
2- وفي صفحة الأدب بمجلة أكتوبر كتب محرر الصفحة الأستاذ فتحي الإبياري بتاريخ 11/ 11/ 1990 يقول: ورب مأساة النظام العراقي. بتعريف مجرور رب، ويقول: وتفهم لغة القرن الواحد والعشرين.
3- وفي مقاله الأسبوعي بالأهرام الذي يشغل عمودين من الصفحة الأدبية كل يوم أربعاء كتب الدكتور غالي شكري مقالًا في 12/ 12/ 1990 لفت نظري فيه كثرة الأخطاء والهفوات اللغوية، من مثل قوله:
أ- بالرغم من أنه مازالت هناك بعض المصطلحات النقدية الغامضة … إلا أن مصطلح الحداثة….
ب-هل الحداثة إذا اتجاه أم مدرسة أم رؤيا؟ وفي هذه الجملة خطآن لا خطأ واحد.
ت-بين أواخر الأربعينات وبداية الخمسينات.
و بالإضافة إلى استخدامه كلمة الورقة بمعنى البحث وهي ترجمة غالطة لكلمة Paper الإنجليزية التي تعد من المشترك اللفظي. فهي تأتي بمعنى الورقة، وبمعنى البحث أو المقال أو الدراسة المتعلقة بموضوع معين كما جاء في معجم أكسفورد الكبير. والمناسب هنا المعنى الثاني لا الأول.
4- وفي مقال: للمرأة رأي، في أخبار اليوم 17/ 11/ 90 كتبت سميحة طاهر تقول: إنه إيزاء هذا التصرف تعني: إزاء.
5- وفي الصفحة الأولى من الأخبار 29/ 11/ 90 وردت الجملة: أحدث هذا العدد رد فعل عكسي ضد المرشح.
6- وفي الصفحة الأولى من الأهرام 21/ 1/ 91 وردت الجملة: أن ثلاثة صواريخ من الخمسة الذين أطلقتهم العراق لم تدمر.
7- وفي مجلة آخر ساعة 5/ 12/ 1990 رسالة من طرابلس كتبها أسامة عجاج، وقد ورد فيها الأخطاء الثلاثة الآتية:
أ- من خلال استعراض المبادرتين التي قدمهما العقيد القذافي.
ب-مع استبدال القوات العراقية بقوات دولية.
ت-طرق كل الأبواب واستنفاذ كل الأغراض.
1 تعليق