معنى الوحي وأنواعه
معنى الوحي لغة وشرعا:
لغة: يقال وحيت إليه وأوحيت: إذا كلّمته بما تخفيه عن غيره. والوحي:
الإشارة السريعة، ويكون ذلك على سبيل الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجرّد وبإشارة ببعض الجوارح. فمادة الكلمة إذا تدل على معنيين أصليين هما الخفاء والسرعة، ولذا قيل في معناه: الإعلام الخفي السريع الخاص بمن يوجّه إليه بحيث يخفى على غيره. وهذا المعنى اللغوي للوحي يشمل:
1- الإلهام الغريزي: كالوحي إلى النحل؛ قال الله تعالى: ﴿ وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ﴾ [النحل: 68].
2- الإلهام الفطري؛ كالوحي إلى أمّ موسى: ﴿ وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ ﴾ [القصص: 7].
3- وسوسة الشيطان وتزيينه الشر في نفس الإنسان: ﴿ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ ﴾ [الأنعام: 121].
4- الإشارة السريعة على سبيل الرمز، كإيحاء زكريا عليه السلام لقومه: ﴿ فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ﴾[مريم: 11].
5 – وما يلقيه الله إلى ملائكته من أمر ليفعلوه:﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [الأنفال: 126].
ووحي الله إلى أنبيائه قد روعي فيه المعنيان الأصليان لكلمة الوحي وهما:
الخفاء والسرعة، وهذا معنى المصدر. ويطلق الوحي على متعلّقه وهو ما وقع به الوحي، أي اسم المفعول: وهو ما أنزله الله تعالى على أنبيائه وما عرّفهم به من أنباء الغيب والشرائع والحكم، ومنهم من أعطاه كتابا، أي تشريعا، ومنهم من لم يعطه.
شرعا: أما التعريف الشرعي للوحي إلى الأنبياء فقد عرفوه بأنه: إعلام الله تعالى لنبيّ من أنبيائه بحكم شرعي ونحوه. أو: هو كلام الله تعالى المنزل على نبي من أنبيائه. وهو تعريف له بمعنى اسم المفعول، أي: للموحى به.
وعرّفه الشيخ محمد عبده في رسالة التوحيد، فقال: «عرفان يجده الشخص من نفسه مع اليقين بأنه من قبل الله بواسطة أو بغير واسطة، والأول بصوت يتمثّل لسمعه أو بغير صوت. ويفرّق بينه وبين الإلهام، بأن الإلهام وجدان تستيقنه النفس فتنساق إلى ما يطلب من غير شعور منها من أين أتى، وهو أشبه بوجدان الجوع والعطش والسرور».
وهو تعريف للوحي بمعنى المصدر، وبدايته تشمل ما يسمّونه بحديث النفس أو الكشف، ولكن التفريق بين الوحي وبين الإلهام في عجز التعريف ينفي هذا ويفسر معنى الوحي الشرعي: على ما يتلقاه النبيّ من خارج نفسه نازلا عليها من السماء، قال تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ﴾ [النمل: 6].
أنواع الوحي:
للوحي أنواع ثلاثة، ذكرها الله تعالى في الآية الكريمة: ﴿ وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ [الشورى: 51].
فالوحي أولا: إلقاء المعنى في القلب، وقد يعبّر عنه بالنّفث في الرّوع قال صلّى الله عليه وسلّم: «إن روح القدس نفث في روعي: إن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، ألا فاتقوا الله وأجملوا في الطلب» [1]
وهو- بالضم- القلب والخلد والخاطر.
وثانيا: الكلام من وراء حجاب، وهو أن يسمع كلام الله من حيث لا يراه، كما سمع موسى عليه السلام نداء ربه من وراء الشجرة قال تعالى:
﴿ فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ﴾[القصص: 30].
وثالثا: هو ما يلقيه ملك الوحي المرسل من الله تعالى إلى رسول الله، فيراه متمثلا بصورة رجل أو غير متمثل، ويسمعه منه أو يعيه بقلبه. وهذا النوع الثالث أشهر الأنواع وأكثرها وقوعا، ووحي القرآن كلّه من هذا القبيل، وهو المسمّى:
(الوحي الجلي) قال تعالى: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 193 – 195].
[1] رواه أبو نعيم في الحلية (10/ 27) بسند صحيح عن أبي أمامة رضي الله عنه، والبغوي في شرح السنة (4/ 304) وفي إسناده رجل مجهول.