عضو، أم عضوة؟.. ومسائل لغوية دقيقة

قرار مجمع اللغة العربية ومحل الإشكال

نصّ مجمع اللغة العربية بالقاهرة في أحد قراراته على أنّه:

“لا يجوز في ألقاب المناصب والأعمال اسمًا كان أو صفةً أن يُوصف المؤنث بالتذكير؛ فلا يقال: فلانة أستاذ، أو عضو، أو رئيس، أو مدير”
📖 [في أصول اللغة، 3/59]

ويرى الكاتب أن هذا القرار فيه تخليط لغوي، حيث جمع بين قضايا متفرقة، وجعل حكمها واحدًا رغم اختلاف أصولها.


الفرق بين الأسماء المشتقة والجامدة

الأسماء المشتقة

الأسماء المشتقة مثل اسم الفاعل والمفعول وصيغ المبالغة الأصل فيها أن يُفصل مذكرها عن مؤنثها بالتاء، مثل: (ذاهب/ذاهبة، قائم/قائمة).

إذا كان معنى المشتق مما يغلب أن يقوم به الرجال، فهناك وجهان:

1-         أن يُجرد من التاء مطلقًا (وهو الأفصح).

2-         أو أن يُبقى على الأصل بإضافة التاء.

ومن أمثلة ذلك: (الشاهد/الشاهدة)، (الرئيس/الرئيسة)، (الوكيل/الوكيلة)، (المدير/المديرة).

الأسماء الجامدة

تنقسم إلى قسمين:

1-         أسماء لها مذكر ومؤنث حقيقيان: مثل (حمار/أتان)، (تيس/عنز).

2-         أسماء لا مذكر لها ولا مؤنث حقيقي: مثل (قمر، قلم، شمس، ظلمة).
وهنا لا يوجد قياس ثابت، بل يُرجع إلى السماع عن العرب.

أستاذ” و”تلميذ”: هل يجوز التأنيث؟

كلمة “أستاذ”

·           أصلها فارسي (اُستاد) ومعناها “معلّم”.

·           لم ترد في أشعار الجاهلية، وإنما استُعملت في عصور لاحقة.

·           يمكن جمعها على: “أساتيذ“، “أساتذة“، وأيضًا “أستاذون” باعتبارها في معنى المشتق.

المصادر:

·           “اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي” (1/27).

·           “المعرّب” للجواليقي (ص25).

·           “تاج العروس” (س ت ذ).

كلمة “تلميذ”

·           أصلها عبري (تَلْميد) ومعناها “متعلم”، ثم تطور معناها في العربية إلى “الخادم المتعلم” عند أصحاب الصناعات.

·           تُصرف على أوزان مثل: (تلمذة، تتلمذ له، تتلمذ عليه).

·           ويجوز جمعها على “تلاميذ”، أو “تلميذون”.

📖 المصادر:

·           “رسالة التلميذ” للبغدادي (نوادر المخطوطات، 1/243).

·           “المعرّب” للجواليقي (ص91).


قضية “عضو”: لماذا لا نقول “عضوة”؟

“عضو” في الاستعمال العربي

·           الأصل أن كلمة “عضو” تُطلق على جزء من البدن.

·           مع تطور اللغة، أصبح يُستعمل مجازًا في المؤسسات والهيئات.

·           لذا يقال: “هذا عضو في المجمع”، “هذه عضو في المجمع”.

امتناع “عضوة”

·           لأن التشبيه هنا بالعضو في البدن، وليس هناك في كلام العرب ما يدل على تأنيثه.

·           كما لا يُجمع على جمع مذكر سالم (عضوون)، مما يؤكد أنه لفظ جامد استعمل للمذكر والمؤنث على السواء.

مسألة الأسماء الأعجمية الحديثة: “الكمبيوتر” و”الإنترنت”

·           الأصل في الأسماء الأعجمية الجامدة غير المسماة في كلام العرب هو التذكير، لأنه الأصل في اللغة.

·           لذلك: نقول “هذا الكمبيوتر”، “هذا الإنترنت”، ولا يصح تأنيثها.

قياس العلة وقياس الشبه

·           لا يجوز للمحدثين أن يقيسوا تأنيث “الكمبيوتر” على كلمة “آلة”، لأن العرب لم تستعملها هكذا.

·           بل يبقى الأصل هو التذكير، إلا إذا ورد سماع بخلافه.


نقد قرار المجمع اللغوي

يتبين مما سبق أن مجمع اللغة العربية خلط بين مسائل لغوية متعددة، فساوى بين حكم (أستاذ) و(عضو) و(رئيس)، رغم أن لكل منها أصله المختلف.

·           “رئيس” و”مدير” ونحوها: أسماء مشتقة، يجوز فيها التذكير والتأنيث.

·           “عضو”: اسم جامد مجازي، يستعمل للمذكر والمؤنث دون تغيير.

وبهذا يظهر أن قرار المجمع غير دقيق، لأنه لم يفرق بين هذه الفروق الجوهرية.

📖 المصادر:

·           “الكتاب” لسيبويه (3/198، 199، 256، 319، 400، 401، 402).

·           “أدب الكاتب” لابن قتيبة (ص18).

·           “مقامات الحريري” (ص311).

·           “لجام الأقلام” لأبي تراب الظاهري (ص223225).

·           “معجم أخطاء الكتّاب” للزعبلاوي (ص1314، 404405).


الخلاصة

1-          الأسماء المشتقة (أستاذ/أستاذة، مدير/مديرة) يجوز فيها الفصل بين المذكر والمؤنث.

2-          الأسماء الجامدة ذات المذكر والمؤنث الحقيقي تُفرّق بينها كما في (حمار/أتان).

3-          الأسماء الجامدة المجازية مثل “عضو” تُستعمل للمذكر والمؤنث على السواء ولا تؤنث.

4-          الأسماء الأعجمية الحديثة مثل “كمبيوتر” الأصل فيها التذكير.

وبذلك يتضح أن الحكم يختلف من حالة إلى أخرى، ولا يصح إصدار قرار عام يشملها جميعًا.

 

ترك تعليق