في العربية ألفاظٌ يقل استعمالها، فيغمض معناها، ويحرف مبناها، ومن ذلك لفظ (شوى)، وهذا تفصيل القول فيه: جاء في كتاب "الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة" لابن بسام (ت: 542هـ) بتحقيق الأستاذ إحسان عباس رحمه الله (القسم الثالث المجلد الأول ص152) في رسالةٍ من إنشاء ابن أرقم كتبها جواباً على رسالة للوزير الكاتب أبي محمد ابن عبدالبر (المتوفى سنة 474هـ)،

أ.د. عبدالحكيم الأنيس

شَوى لا سوا

في العربية ألفاظٌ يقل استعمالها، فيغمض معناها، ويحرف مبناها، ومن ذلك لفظ (شوى)، وهذا تفصيل القول فيه:

جاء في كتابالذخيرة في محاسن أهل الجزيرةلابن بسام (ت: 542هـ) بتحقيق الأستاذ إحسان عباس رحمه الله (القسم الثالث المجلد الأول ص152) في رسالةٍ من إنشاء ابن أرقم كتبها جواباً على رسالة للوزير الكاتب أبي محمد ابن عبدالبر (المتوفى سنة 474هـ)، جاء هذا البيتُ بهذا اللفظ:

وكلُّ مصيباتِ الزمانِ إذا أتتْ

فهنَّ سوا ما لم يُصِبْنَ صميمي

 ولفظُ “سوا” هنا مُحرَّفٌ.

والصوابُ: “شَوى”، وهو الأمرُ الهيِّنُ اليسيرُ.

◘ ◘ ◘ ◘ ◘

 والبيتُ المذكورُ ورد في كتاب “الحيوان” للجاحظ (3/83) منسوباً إلى الهذلي، ونصُّه:

(وكنتُ إذا ما الدهرُ أحدث نكبةً

أقولُ: شوىً ما لم يُصِبْنَ صميمي)

 وعلّق المحقِّقُ الأستاذ عبدالسلام هارون على البيت بقوله:

(أنشد ابنُ الأنباري هذا البيت في “الأضداد” 199 وقال: شوى أي هيِّن حقير).

◘ ◘ ◘ ◘ ◘

وورد البيت فيبهجة المجالسلابن عبد البر (ق2 ص357) ضمن خبر عروة بن الزبير أنه أنشده حين أُخبر بوفاة ابنه محمد، ونصُّه:

وكنتُ إذا الأيامُ أحدثن نكبةً

أقولُ شوىً[1] ما لم يُصِبْنَ صميمي

 

والمعنى على هذا أنَّ كلَّ النكبات هينةٌ غير قاتلة غير هذه النكبة بفقد الولد.

◘ ◘ ◘ ◘ ◘

وفيالقاموس(ص1678): (الشَّوى: الأمر الهين… وما كان غير مقتل).

وجاء في حاشية فيه:

(ومنه حديثُ مجاهد:

كل ما أصابَ الصائمُ شوى إلا الغيبة“.

أي كلُّ شيء أصابه لا يُبطل صومه إلا الغيبة، فهي له كالمقتل.

والشوى ما ليس بمقتل. قاله ابن الأثير).

قلتُ: وتتمةُ كلام ابن الأثير: (يُقال: كلُّ شيءٍ شوىً ما سلِمَ لك دينُكَ أي هيِّن). النهاية (2/512).

◘ ◘ ◘ ◘ ◘

وورد البيتُ كذلك أيضاً فيالوافي بالوفيات” (19/550) في ترجمة عروة بن الزبير.

◘ ◘ ◘ ◘ ◘

وقد ذكر خبرَ عروة الأستاذُ محمود شاكر في مقالٍ له عنه بعنوان الحقيقة المؤمنة[2]، ونصُّ البيت في هذا المقال:

وكنتُ إذا الأيامُ أحدثن هالكاً

أقولُ شوىً ما لم يُصِبْنَ صميمي

 وعلَّق الأستاذ محمود شاكر في الحاشية بقوله: (الشوى: اليسيرُ الهيِّن).

◘ ◘ ◘ ◘ ◘

وحبذا إحياء هذا اللفظ بالاستعمال.

وكلُّ شيءٍ سوى التحريف شَوىً.

 


[1] وضبط المحقِّقُ “شوى” بضم الشين!

[2] كان قد نَشره في مجلة “الرسالة” السنة (8)، العدد (348)، 1940م ص383-385، ثم نُشِرَ في “جمهرة مقالات الأستاذ محمود محمد شاكر” (1/111-117).

ترك تعليق