“نظرة جديدة“
جـ – أثر القلْب المكاني في وزن الفِعل.
تواضَع علماء اللُّغة على اتخاذ المعيار “فعل” قالبًا تصبُّ فيه، أو يُقاس عليه كل ما مِن شأنه أن يَقبل القِياس، أو يخضع للوزن.
وتعدَّدتِ الأوزان بتعدُّد الفروع التي تستخدمها، فكان هناك الميزان الصَّرفي، والميزان التَّصغيري، والميزان العَروضي، والميزان المقطعي.
إلاَّ أنَّ كلمة “فعل” كانتِ الأساس الذي بُنيتْ عليه كلُّ الموازين السابقة، كما سيتَّضح مِن هذه المقارنة بيْن الموازين المختلِفة.
اتَّخذ علماء الصَّرْف لهم ميزانًا صرفيًّا مكونًا مِن ثلاثة أحرُف (فعل) لبيان الأحوال المختلِفة للكلمة المراد وزْنها، مِن حيث:
• عدد حروفها وترتيبها.
• ما يُصاحِب الحروف مِن حرَكات وسَكَنات.
• بيان الأصْلي والزائد مِن هذه الحروف.
• بيان المقدَّم والمؤخَّر مِن أحرُفها الأصلية.
• بيان المحذوف منها ومكان حذْفه.
• بيان أصول الحروف المتبقيَّة منها.
وعلماء الصَّرْف يقابلون الحرْف الأوَّل مِن الحروف الأصليَّة بالفاء، ويُسمُّونه فاء الكلمة.
ويُقابلون الحرْفَ الثاني مِن الحروف الأصليَّة بالعين، ويسمُّونه عينَ الكلمة.
ويقابلون الحرْفَ الثالث والأخير مِن الحروف الأصليَّة باللام، ويسمُّونه لام الكَلِمة.
ولما كانتْ هناك كلمات رباعيَّة الأصول وخماسيتها؛ فقدْ زادوا على (فعل) لامًا ثانية، فأصبح (فعلل) للرُّباعي المجرَّد، ولامًا ثالثة، فأصبح الوزن (فَعْلَلَّ) أو (فَعْلِلل) للخُماسي المجرَّد، نحو: “جحمرش” للمرأة العَجوز.
والسِّمة الأساسيَّة التي تُحرِّك الميزان الصَّرْفي، هي البحْث عن أصْل الكلمة وتحديدها، إلا أنَّ ذلك الأصْل قد يكون فرضيًّا، ومع ذلك فقد أصرُّوا على استعمالِه، سواء أكان موافقًا للاستعمال اللُّغوي أم غير موافِق له.
لذلك نرَى أنَّ الميزان الصَّرْفي، قد يكون موافقًا للأصل، وكان الأصلُ مطابقًا للواقع المستعمل في اللُّغة، وذلك في وزن مثل (نصر – انتصر – استنصر – قُلْ – قِ) حيث وزنها على الترتيب (فَعْل – افْتَعَلّ – اسْتَفْعَلَ – فُلْ – عِ).
وقد يكون موافقًا للأصل الفرْضي الذِّهني، وهذا الفرْض لا يؤكِّده الاستعمال ولا المنطق، ذلك يتمثَّل في وزن مثل (قال – سعى – يصوم)، حيث كان وزنُها على (فعل) (فعل يِفْعُل).
ولم يكُن الوزن – كما هو واضح – موافقًا للاستعمال، الذي يفرِض علينا أن يكون أوَّل الميزان في قال (الفاء) متحركًا بالفتحة الطويلة؛ كي يطابقَ أوَّل الكلمة (فا)، وكان المنطق أن يكونَ الوزن (فال)، وهذا يفرض علينا أن يكونَ عين الميزان متحرِّكًا بالفتحة الطويلة – أيضًا – في الكلمة الثانية – سعى – كي يطابقها، وكان المنطق أن يكون الوزن (فعى).
أمَّا كلمة (يصوم) فالصاد – وهي فاء الكلمة – نراها متحرِّكة بالضمَّة الطويلة، وكان المتوقَّع أن تحرك فاء الميزان أيضًا بالضمَّة الطويلة؛ كي تتطابق الكلمتان فيكون (يصوم) على وزن (يَفُول).
إلاَّ أنَّ علماء الصرف – كما قلت – لم يلتزموا المنطقَ في وصفهم لوزن مِثل هذه الكلمات، وإنما لجؤوا إلى الافتراض الذِّهني فرأوا:
أنَّ: (قال) وزنها (فَعَل) لأنَّ الألف أصلها واو (قَوَلَ) بتحريك الواو.
وأنَّ: (سعى) وزنها (فعل) لأنَّ الألف أصلها ياء (سعي) بتحريك الياء.
وأن: (يصوم) وزنها (يفعل)؛ لأنَّ الواو أصليَّة سكنت وتحرَّكتْ فتحتُها إلى الحرْف الصحيح قبلها.
مع ملاحظة أنَّ الفاءَ في الميزان ساكِنة، والعين مضمومةٌ على عكس واقِع الكلمة الذي يتمثَّل في ضمِّ فاء الكلمة بضمَّة طويلة، ينتُج عنها واوٌ ساكِنة، ويتَّضح لنا مراعاةُ الأصْل المفترَض في وزن كلمات، مثل: (ازدان – ازدهر – اصطبر)، حيث الوزنُ فيها جميعًا (افتعل) مع عدمِ وجود التاء مطلقًا في الكلمات الثلاث، إلا أنَّ العلماء افترَضوا أنَّ التاء موجودةٌ أصلاً، حيث قُلِبت دالاً في ازدان وازدَهر، وقلبتْ طاء في اصطبر والأصل: (ازتين – ازتهر – اصتبر)[2].
يرتبِط الوزنُ المقعطي بالمقطع اللُّغوي، الذي هو أصغرُ كُتلة نطقيَّة يُمكن أن يقِف عليها المتكلِّم، فكلمة (كتب) يمكن تقسيمُها إلى ثلاثةِ مقاطِع متساوية هي (ك) (ت) (ب)، بمعنى أن تكونَ الكاف مع فتحتِها مقطعًا مستقلاًّ، والتاء مع فتحتِها مقطعًا ثانيًا، والباء مع فتحتِها مقطعًا ثالثًا.
يوضِّح لنا ذلك كتابة الكلمة هكذا كتابة صوتيَّة: (KA – TA – BA)
والوزن المقطعي، لا علاقةَ له بالتصوُّر الفرْضي لأصول الكلِمة؛ لأنَّه يَعتني فقط باستعمالِ الكلمة الواقِعي، فكلمة (قال) تنقسِم على مقطعين فقط على الرَّغْم من ثلاثية حروفها، هما (قا)، و(ل) بمعنى أن تكونَ القاف مع فتحتِها الطويلة التي تنتج عنها الألِف مقطعًا، واللام مع فتحتِها مقطعًا ثانيًا:
يتَّضح لنا ذلك مِن كتابة الكلمة كتابةً صوتية (QAA – LA)، وإذا أردْنا أن نطبِّق الوزن المقطعي على (كتب)، فإنَّنا نجد الميزان الذي يُطابقها مكونًا مِن ثلاثة مقاطع أيضًا، هذا الميزان هو (فَعَل) ومقاطعه بالكتابة الصوتيَّة: (FA – A – LA)، أما إذا أردْنا وزن كلمة (قال)، فإنَّنا نرَى ميزانها مكونًا مِن مقطعين فقط، أحدُهما طويل، والثاني قصير، هذا الميزان وهو (قال – ل) ومقاطعه بالكتابة الصوتية (QAA – LA) أي: أنَّ هذا الميزانَ يُطابِق الواقع المستعمل.
يقول الدكتور “أحمد كشك” عن الوزنِ المقطعي: هذا الوزنُ المقعطي قرين عِلم الأصوات، ولم يكُ بدعًا تمامًا على الثقافة العربيَّة، فقد أحسَّ بعضُ العلماء بوزن كلمة “اضطرب” بُعدًا عن تصوُّر مُرْضٍ غير مستعمل، حيث وزنها بزِنة (افطعل)، ولم يقل (افتعل) بناءً على أنَّ الطاء كان أساسها الفرْضي تاءً، ووزن كلمة “ازدجر” على زِنة (افدعل) فلم يسرْ إلا وراء الواقِع اللُّغوي المستعمل موازيًا له[3].
وهكذا حاول كثيرون تَطبيقَ فِكرة الوزن المقطعي، على وزنِ الكلمات العربيَّة، بعيدًا عن الفرْض الذهني البعيد عنِ الواقع الاستعمالي لها.
الفرْق بيْن الوزن الصَّرفي والوزن المقطعي:
يُمكننا مِن خلال قراءة استعمال الوزنين أن نُدرِك ما بينهما مِن فروق منها[4]:
1- الوزن الصَّرْفي يعتمد أساسًا على فكرة الأصول، حيث تجعل المثال المفترَض أساسًا حاكمًا لما هو موجود.
أمَّا الوزن المقطعي فإنَّه يرفُض هذه الفِكرة، ولا يعتمد إلا على أساس الواقع المستعمل فعلاً.
فمثلاً، الفعل “نام” يُقابله الوزن الصَّرْفي بزنة “فعل”، حيث يفترض أنَّ الألف في “نام” منقلِبة عن أصْل واوي هو “نوم”، في حين أنَّ الوزن المقطعي لا يرَى الألف إلا حرْف مدّ، نتجتْ مِن ضبْط النون بالفتحةِ الطويلة؛ لذلك وزنها عندَهم (فال).
2- الوزن الصَّرْفي مِن صُنع علماء الصرف، ومِن أجل هذا جاء طوعَ فِكرتهم، تلك الفكرة التي تربط الدراسةَ الصرفية عندَهم بمجموعة معيَّنة مِن الكلمات، وهي في عُرفهم الأسماء المتمكِّنة المعربة، والأفعال المتصرِّفة؛ لذلك فإنَّ الكلمات المبنية كأسماء الشرْط، والضمائر، وأسماء الأفعال، والأفعال الجامِدة، والحروف لا يَقبلها الدرس الصَّرْفي، ومِن ثَمَّ فلا وزنَ لها؛ لأنَّ الوزن الصرفي لا يزِن كلَّ كلمات اللغة، وإنَّما يتعامل مع الكلمات التي قبلتْها الدراسةُ الصرفية مِثل (كاتب وكتب)، ولا يستطيع وزنَ مِثل (من) و(ليس).
أمَّا الميزان المقطعي: فيرى أنَّ كل كلمة صالِحة للدرْس الصَّرْفي، دون استثناء، ومِن هذا فإنَّه بإمكان هذا الميزان أن يزنَ كلَّ كلمة واردة في اللُّغة العربيَّة.
3- وأهم هذه الفُروق، ما يواجهه الناشئةُ مِن صِعاب؛ لأنَّ فكرة الفرْض والمقابلة لا يستوعبها الصغيرُ بيُسْر وسهولة.
• أمَّا الوزن المقطعي فهو وسيلةٌ سهلة الإدراك، كان يُطبِّقها شيوخُنا في مراحل التعليم الأولى حينما ينغِّمون الكلمة، ونردِّدها وراءَهم يقول الشيخ (و – ز – ن) بالاستراحة في نُطق كل حرف، ونحن نردِّد وراءه بصوت جماعي على طريقة النُّطق المقطعي نفسها.
3- الوزن العَرُوضي:
صنَع أهلُ العَروض للعَروض أوزانًا خاصَّة به، بنوها على الميزان الصَّرْفي (فعل)، حيثُ زادوا على هذه الصِّيغة فجعلوا لها صدورًا وأعجازًا ولواحِق، فكان لكلِّ بحر مِن بحور الشعر العربي وزنٌ خاص به، هذه الأوزان لا تخرُج عن نوعين:
1- أوزان خماسيَّة نحو (فعولن – فاعلن).
2- أوزان سُباعية نحو (مستفعلن – فاعلاتن – مفاعيلن – متفاعلن – مفاعلتن – مفعولات – مستفع لن – فاع لا تن).
والعَروضيُّ غير الصَّرفي في تعامله مع وحدات اللُّغة، حيث إنَّ الصرفي ينظُر إلى الكلمة باعتبارها وحدةً مستقلة لا عَلاقةَ لها بما قبْلها أو بما بعدَها.
أمَّا العَروضيُّ، فإنه يقطِّع الجملة (البيت الشعري) مقاطعَ توازي أوزانه، ولا عِبرة للكلمة عندَه، وإنما قد يكون مقطعه مكونًا مِن جزأين مِن كلمتين مختلفتين، أو مكونًا مِن كلمة وجزء مِن كلمة أخرى… إلخ.
نرَى ذلك في تعامُل الصَّرْفي والعَرُوضي في كلمات الشاعِر أحمد شوقي:
قُمْ لِلْمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَّبْجِيلاَ =كَادَ الْمُعَلِّمُ أَنْ يَكُونَ رَسُولاَ
الصَّرْفي يتعامل مع الوحدات الآتية كل منها مستقلَّة عن الأخرى:
(قم، معلِّم، وف، تبجيلاً، كاد، المعلم، يكون، رسولاً).
حيث يزنها هكذا:
(فل – مُفَعّل – فَعِّ – تفعيلاً – فَعَل – المُفَعّلُ – يفْعُل – فَعُولاً).
وأمَّا العَرُوضي فيُقسِّم البيت إلى مقاطع عَروضيَّة هكذا:
قمللمعل – لموففهت – تبجيلا – كادلمعل – لم أنيكو – نرسولا
ووزنها عنده هكذا:
مُتْفَاعلن – مُتَفَاعلن – مُتْفَاعل – مُتْفَاعلن – مُتَفَاعلن – مُتَفَاعل.
حيث نلاحظ أنَّ المقطع الأوَّل مكوَّن من (قم للمعل) كلمة وجزءٌ كبير مِن كلمة أخرى.
والمقطع الثاني (لم – وفه – التـ) مكوَّن مِن باقي كلمة المعلم (لِمِ) إضافةً إلى كلمة (وَفَّه) وجزء مِن كلمة (التبجيلا) (التـ)، والمقطع الثالث مكوَّن من بقية كلمة (التبجيلا) وهو (تبجيلا)، وهكذا.
ولقد استعار علماء الصَّرْف هذا المعيار العَروضي لمعالجة بعضِ قضايا جموعِ التَّكْسير، والممنوع مِن الصرف، لتقليل الأوزان، فقد فرَضوا لصيغة منتهى الجموع وزنَين فقط:
الوزن الأول: (مفاعل) وهو كل جمْع وسطه ألِف بعدها حرْفان:
الوزن الثاني: (مفاعيل) وهو كل جمْع وسطه ألِف بعدها ثلاثة أحرُف، دون النظر إلى الحروف الأصليَّة والزائدة.
فمثلاً: كلمة خمائل وزنها: مفاعِل.
وكلمة فراديس وزنها: مفاعيل.
وكذلك كل ما يُشبههما مِن كلمات على صِيغة منتهى الجُموع، أمَّا إذا أردْنا وزنهما صرفيًّا فإنَّه يكون على (فعائل فعاليل).
وقد يَلْتقي الوزنان (العَرُوضي والصَّرْفي) في وزن مثل: (منازل – مدارس)، فوزنهما عروضيًّا (مفاعل)، وكذا الوزن الصَّرْفي.
وأيضًا (متاريس – مصابيح)، فوزنهما عروضيًّا (مفاعيل)، وكذلك الوزن الصَّرْفي.
وميزة استعمال الوزن العَرُوضي في مِثل هذه الأبواب تَظْهَر في تقليل الأوزان، وإلا فإنَّ الأمر يكون شاقًّا إلى حدٍّ بعيد.
انظر إلى وزن الكلمات الآتية: عروضيًّا ثم وزنها صرفيًّا؛ لترى الحِكمة من اتخاذ الوزن العَروضي فيها:
عجائز ستائر عرائس منابر مداخل مساجد |
وزنها جميعًا مفاعل وهو وزن عَرُوضي | عصافير ثعابين شياطين غضاريف مصابيح مجانيق مراجيح |
وزنها جميعًا مفاعيل وهو وزن عَرُوضي |
أما إذا أردنا وزنها صرفيًّا، فسوف يكون على التوالي:
(فعائل – فعائل – فعائل – مفاعل – مفاعل – مفاعل) و(فعاليل – فعاليل – فياعيل – فعاليل – مفاعيل – فعاليل – مفاعيل).
فقد تعدَّدتِ الأوزان واختلفت؛ نظرًا لاختلاف بِنية الكلمة وحروفها الأصليَّة والزائدة، ومواضع الزِّيادة فيها، ومِن هنا كان الوزن العَرُوضي أخصرَ وأسهل.
4- الوزن التصغيري:
الوزن التصغيري مصطلحٌ خاص بباب التَّصغير، نقصد به تقليلَ أوزان هذا الباب التي نشأ مِن تصغير الكلمات، إذا التُزِم فيها بالميزان الصَّرْفي.
انظر تصغير الكلمات الآتية ووزنها الصرفي:
رَجل أَحمر كَاتب مَسجد ثَعلب عصفور مصباح | رُجَيل أُحَيمر كُوَيتب مُسَيجد ثُعَيلب عُصَيفير مُصَيبيح | وزنها الصَّرْفي وزنها الصَّرْفي وزنها الصَّرْفي وزنها الصَّرْفي وزنها الصَّرْفي وزنها الصَّرْفي وزنها الصَّرْفي | فُعَيل أُفَيعل فُوَيعل مُفَيعل فُعَيلل فُعَيليل مُفَيعيل |
وقد تعددتِ الأوزان، وصار لكلِّ كلمة وزن، وهكذا يشقُّ الأمر ويطول؛ لذلك جاء العلماء بثلاثة قوالبَ تنتظم جميع الأوزان، دون التمسُّك بالوزن الصرفي، حيث يتم:
ضمُّ الأول دون النظر إلى كونه أصليًّا أم زائدًا.
فتْح الثاني دون النظَر إلى نوعه أيضًا.
زيادة ياءٍ تكون ثالثةً ساكنة… إلخ.
وقد يتَّفق للكلمة وزنُها الصَّرفي مع التصغيري، فمثلا كلمة “قليم” وزنُها الصَّرْفي “فعيل”، وكذلك وزنُها التَّصغيري.
وقدْ يختلف الوزنانِ الصَّرْفي مع التصغيري، وهذا غالبٌ كثير – مِثال ذلك:
كلمة “كُوَيتب” تصغير (كاتب)، وزنها الصرفي “فويعل” أمَّا وزنها التَّصغيري فهو “فعيعل”، وهكذا كل ما كان شبيهًا بها.
وكذلك كلمة “مصباح”، تصغيرها “مُصَيبيح”، وزنها الصَّرْفي “مفيعيل”، أمَّا وزنها التصغيري فهو “فعيعيل”.
وخُلاصة الأمر أنَّ الوزن التصغيري، يَعتبر أولَ الكلمة المصغَّرة بمثابة فاء الكلمة المضموم مهما كان، وثانيها عين الكلمة المفتوح، وثالثها ياءَ زائدة ورابعها لامَ الكلمة، وذلك إذا كانتْ ثلاثيَّة، مثل (قلم – قليم – وزنها – فعيل).
أمَّا إذا كانتْ رباعية، فأوَّلها فاءُ الكلِمة، وثانيها عينُ الكلمة، وثالثها ياءٌ زائدة، ورابعها عينٌ ثانية، كأنَّ الكلمة مضاعَفة، ثم اللام، نحو: (كاتب) تَصغيرها (كويتب) على وزن (فُعَيعِل)، وهكذا.
ب – الميزان الصرفي:
سبق لنا القول عندَ حديثنا عن أنواع الأوزان: إنَّ للصرفيين معيارًا يسمُّونه: الميزان الصرفي، ويسمُّونه التمثيل أو القالب، وهذا الميزان الصَّرفي معيارٌ لفظي، وقدِ اصطلح على اتخاذه مِن أحْرُف الفعل (ف ع ل).
ويُستعمل هذا الميزان (ف ع ل) لبيان أحوالِ الكلمة المراد وزنُها، من حيث:
• عدد أحرفها.
• ترتيب هذه الأحرُف.
• ما يُصاحب هذه الأحرُف مِن الحرَكات والسَّكَنات.
• بيان ما هو أصليٌّ وما هو زائِد.
• بيان المقدَّم والمؤخَّر مِن أحرفها الأصليَّة.
• بيان أصْل المنقلِب.
• بيان المنحذِف مِن حروفها، وبيان مكان حذْفه.
ويُقابَل الحرفُ الأوَّل من حروف الكلمة الأصلية بالفاء؛ لذلك يُسمَّى بفاء الكلِمة.
ويُقابَل الحرفُ الثاني مِن حروف الكلمة الأصليَّة بالعين؛ لذلك يُسمَّى عين الكلمة.
ويُقابَل الحرفُ الثالث مِن حروف الكلمة الأصليَّة، باللام؛ ولذلك يُسمَّى بلام الكلِمة.
هذا إذا كانتِ الكلمة ثلاثيَّة.
أمَّا إذا كانتِ الكلمة رباعيَّة الأصول، فإنَّهم يَزيدون على الوزن لامًا ثانية، فيَصير الوزن “فعلل”، نحو “دحْرَج”، حيث قُوبلت الدال بالفاء، والحاء بالعين، والرَّاء باللام الأولى، والجيم باللام الثانية.
أمَّا إذا كانتِ الكلمة خماسيَّةَ الأصول، فإنَّهم يَزيدون على “فعلل” لامًا ثانية، فيصر الميزان “فعْللل” نحو: “جحمرش” للمرأة العجوز، حيث تُقابل الجيم بالفاء، والحاء بالعين، والميم باللام الأولى، والراء والشين باللامين: الثانية والثالثة.
طريقة الوزن:
أولاً: إذا كانتِ الكلمات مزيدة:
1- تجريد الكلمات مِن أحرُف الزيادة، مثل الفِعل (استغفر – انتصر).
فإنهما يَصيران (غفَر – نصَر) بعد التجريد.
2- مقابلة الحروف الأصليَّة بالميزان الصَّرفي (فعل).
3- إنـزال الحروف الزائدة – كما هي – في مكانها داخلَ الميزان، فيصير وزن (استغفر – استفعل) و(انتصر – افتعل).
4- ثم يأخذ الوزن حركاتِ ضبط الموزون، فمثلاً لو كان “استغفر” مبنيًا للمجهول فيكون ضبطه (اسْتُغْفِرَ) بضمِّ أوَّله مع ثالثه وكسْر ما قبل آخِره، وبالتالي فإنَّ وزنه يُضبط الضبطَ نفْسه، فيصير الوزن (استُفعِل).
ثانيًا: إذا كانت الكلمة مزيدًا فيها بالتضعيف:
1- التضعيف بتَكْرار الحرْف في موضعه، مثل (قدّم – كسّر – عظّم) ضعَّفنا الحرْف المقابِل له في الميزان: ليصير (فَعّل) في كلٍّ منها.
2- التضعيف بتَكْرار الحرْف في غير موضعه، مثل:
(اخشوشن – اعشوشب – اغدودن).
الأصل في هذه الأفعال:(خشن – عشب – غدن) حيث تَكرَّرت الشينُ في الأولى والثانية، والدال في الثالثة، وهي حروفٌ تقابل العينَ في الميزان.
في هذه الحالة يجِب تَكْرار العين في مواضعِ تَكْرار هذه الحروف (بعد الواو)، فيصير الوزن (افعوعل) فيها جميعًا.
ثالثًا: إذا كانتِ الكلمة قد حدَث فيها بعضُ التغييرات بالقلْب أو الإعلال، فإنَّ العِبرة بالأصل، وذلك نحو:
(ازدهر – اصطنع – اذّكر – اطّلع).
الأصل فيها على الترتيب (ازتَهر – اصتنع – اذتكر – اطتلع) فوزنُها جميعًا “افتعل”.
أمَّا نحو: (اتعد – اتسر) فالأصل فيهما (اوتعد – ايتسر) ووزنهما (افتعل) أيضًا.
رابعًا: إذا كان الفِعل ثلاثيًّا مضعَّفًا نحو (مدّ – شدّ – أزّ – أمّ – رنّ).
فالأصل فيها (مدد – شدد – أزز – أمم – رنن)، فالوزن فيها (فعل) ولا عِبرةَ إلا بالأصل، فلا يصحُّ أن يقال وزن (مدَّ – فعَّ) بتضعيف العين، وإنما لا بدَّ مِن العودة إلى الأصل بفكِّ التضعيف.
خامسًا: إذا كانتِ الأفعال قد حدَث فيها تغييرٌ بالحذْف، فإنها تُوزن حسبَ طبيعتها الجديدة (بعد الحذف)، ولا يعمل حساب الأصْل هنا، ويضبط باقي الميزان حسبَ ما يقابله من حروفٍ موجودة، ويحذف مِن الميزان مقابل المحذوف مِن الكلمة نحو:
(قُمْ – بِعْ – قِ – اعْفُ) قم أصلها (قام) حذف عين الكلمة فصار الوزن (فل) بحذف عين الميزان أيضًا، مع تشابُه الضبط بينهما، وكذلك بع، أمَّا (قِ) فأصل الفعل (وقى) حُذِف فاؤه ولامه وبقي عينه، إذًا (قِ) وزنها (عِ)، وأمَّا فعل الأمر (اعف) فأصله (عفا) حذف لام الفِعل، إذًا وزنه (افع).
سادسًا: إذا حدَث في الكلمات نوعٌ مِن التغيير في مواقِع الحروف (أي: حدَث فيها قلْب مكاني)، فيجب مراعاةُ ذلك عندَ الوزن، حيث لا بدَّ أن يطابق الميزان الأصل، فمثلاً: كلمة (جاه) ليس العِبرة بوضعها الحالي، وإنَّما العبرة بأصلها، فالأصل فيها (وجه) الواو فاء الكلمة والجيم عينها، والهاء لامها، بمعنى أنَّ جاه قلبت واوها ألفًا (فاء الكلمة) لعلَّتها، وانفتاح ما قبلها، وتقدّم عين الكلمة (الجيم) على فاء الكلمة (الواو) وبقي (الهاء) لام الكلمة مكانه، وأصْبح الوزن (عفل)، وسوف نخصِّص جانبًا مِن هذا الفصل للحديث تفصيلاً عن القلْب المكاني فيما يأتي – إن شاء الله.
جـ – أثر القلب المكاني على وزن الفعل:
ونَعني به تقديمَ مواقع بعض حروف الكلمة على بعضِها الآخَر، كتقديم عينِ الكلمة على فائها، أو تقديم اللام على العَيْن، وتوسطها بينها وبيْن الفاء، أو تقدُّم لام الكلمة على فائها وعينها.
ولمَّا كان الوزنُ يطابق أصلَ الكلمة، فإنَّ أي تغيير يقَع عليها لا بدَّ مِن أن يؤثِّر بالتالي في وزنها، فتقديم حرْف مِن حروف الكلمة الأصليَّة أو تأخيره، يؤدِّي بالضرورة إلى تقديم مقابلِه في الميزان أو تأخيره.
وكثيرًا ما نرَى الحرف يحتلُّ موقعًا غير الذي له في كثيرٍ مِن الكلمات، وقد يكون ذلك لاعتباراتٍ صرفيَّة أو صوتيَّة معيَّنة، أو لضرورة تجبُرنا على التغيير والقلْب، أو قد يكون اتباعًا للُغة مِن لُغات بعض القبائل العربيَّة.
كقول بعضهم: (امضحل) في اضمحل، (واكرهف) في اكفهر، ويقول الحجازيُّون: “عميق” بينما يقولها التميميون: “معيق” حيث قرأ ابنُ معسود “مِن كل فج معيق”.
صور القلْب المكاني في الكلمات وتأثير ذلك على الوزن:
أ – توسط “لام” الكلمة بيْن الفاء والعين:
بمعنى حدوثِ تغيير في مواقِع حروف الكلِمة، وبالتالي تتغيَّر مواقع حروف الميزان الصَّرْفي، وفي هذه الصورةِ يتحوَّل الميزان مِن “فعل” إلى “فلع”، ومِن أمثلة ذلك:
1- ناء: فعلٍ ماض بمعنى بعُد، ومضارعه “يناء” بمعنى “يَنْأَى”، وهذا الفعل مقلوبٌ مِن الفعل (نأى) الذي وزنُه فعَل، حيث تقدَّمتِ الألف اللينة (لام الكلمة) واحتلَّتْ موقع الهمزة (عين الكلمة)، وتأخَّرت الهمزة فأصبح الوزن “فلع”.
2- شاكٍ، ولاثٍ: وهما اسمَا فاعل، والفِعل الماضي منهما “شاك – لاث”، والمفترض فيهما لأنَّهما أجوفان: أن يأتي اسمُ الفاعل على (شائك – ولائث) بقلْب حرْف العِلَّة همزة بعدَ ألف فاعِل، ووزنهما (فاعل)، إلا أنَّ الهمزة (عين الكلمة) تخلَّتْ عن موقعها للام الكلمة، فتوسَّطت اللام بيْن الفاء والعين، تطرَّفتِ الهمزة فقُلِبت واوًا، فأصبحتِ الكلمات (شاكو – لاثو) على وزن “فالع”، ثم أُعِلَّت الكلمات إعلالَ قاضٍ، فصارتَا (شاكٍ – لاثٍ) على وزن “فال”.
3- قوس: تُجمع هذه الكلمة على جمْعين: أقواس: ولا شيءَ فيه.
وقِسي، وهذا حدَث فيه الآتي:
المفترَض فيه أنَّ جمعه على “قووس”؛ لأنَّ كل ما كان مفردُه على فَعْل، قد يُجمع على فُعول، نحو:
شعْب وشُعوب، وفهد وفُهود، ومعنى هذا أنَّ القاف في “قِسي” هي فاءُ الكلمة، والسِّين هي اللام، والياء، مقلوبةٌ عن الواو في “قووس” حينما تطرَّفت، وهي عن الكلمة؛ لأنهم استثقلوا وقوعَ الواو مضمومةً بعد “ضمة” متلوة بواو أُخرى ساكِنة؛ ولذلك قدَّموا السين (لام الكلمة)، وأخَّروا الواو المتحرِّكة (قسوو)، فأصبح وزنها “فلوع”.
4- رَاءَ بمعى رأى: وزنها “فلع”؛ لأنَّ اللام قدمت إلى موضِع العين، وأصل راءَ رأَى، قدِّمت الياء فصارتْ “ريأ” فلمَّا تحرَّكتِ الياء وانفتَح ما قبلها انقلبتْ ألفًا فصارت “راء”[5].
5- الحوباء: وهي النفْس، وزنها “فلعاء” أصلُها حبواء، قدِّمت اللام إلى موضِع العين، ومنه نقول:
حابيت الرجلَ؛ أي: أظهرتُ له خلافَ ما في “حوبائي”[6].
6- ميدان: اختلف في وزنه:
أ – قيل وزنه “فَعْلان” مِن ماد يميد إذا تلوَّى واضطرب، ومعناه أنَّ الخيل تجول فيه وتَتثنَّى متعطفة، وتضطرب في جولانها.
ب – وقيل وزنه “فَلْعَان” مِن المدَى وهو الغاية؛ لأنَّ الخيل تَنتهي فيه إلى غايتِها من الجرْي والجولان، وأصلُه “مديان” فقدِّمتِ اللام إلى موضع العَين، فصار “ميدانًا”، كما قيل في جمع “باز” بيزان، والأصل “بزيان”، ووزن “باز” فلع، و”بيزان”: فلعان، وأصلُه بزى وزنه فعل، تحرَّكت الياء وانفتَح ما قبَلها فقُلِبت ألفًا، ثم قدِّمتِ اللام على العين فقيل: “باز”.
جـ – وقيل وزن ميدان “فَيْعَال” مِن مَدن يمدن إذا أقام، فتكون الياء والألِف فيه زائدتين، ومعناها أنَّ الخيل لزمتِ الجولان والتعطُّف فيه دون غيره[7].
7- طوفان: قيل وزنه “فلعان” مِن طفا يطفو إذا علا، قدِّمتِ اللام إلى مكان العَين. وقيل وزنه “فلعان” مِن طفا يطْفو إذا دار.
ب – تقدُّم عين الكلمة على الفاء واللام:
في هذه الصورة يتحوَّل الميزان الصَّرْفي للكلمة مِن “فعل” إلى “عفل”، ولهذه الصورة نماذجُ كثيرة منها:
1- أينُق: جمْع ناقة وزنها “أعْفُل”، الأصل أنْوُق على وزن “أفْعُل”، استثقلوا الضمَّةَ على الواو فحذفوها، فسكنتْ وقبَلها ساكن، فأوجبتِ العلَّةُ تقديمَها إلى موضِع الفاء، فصار اللفظ “أونُق”، فثقل اللفظ بالواو لوقوعها بعدَ الهمزة، فأبدلوا منها الياء؛ لأنَّها أقربُ إلى الهمزة مِن الواو[8].
2- الأُوار: شدَّة الحر، مقلوب مِن “وأرت”، ووزنه “عُفَال”.
3- آبار: جمْع بِئر، وهو فِعْل وعندَ الجمْع يصبح أفعال، مِثل حِمْل أحْمال، وكان القياس أن يكون جمع بِئر على أبْأر قدمت الهَمْزة (عين الكلمة) على الباء المقابلة (للفاء)، فصار أابار على أعْفال، ثم اجتمعتْ همزتان ثانيتهما ساكِنة، فقلبت مدَّة مِن جنس حركة الأولى، وحركة الأولى “فتحة”، فقلبت الثانية ألفًا فصارتْ “آبار” على “أعفال”.
4- آدر: جمع دار، كما تُجمَع على دُور ودِيار، وأدْؤر وآدور، أما آدر فالأصلُ فيه أن يكون (أدْوُر) على أفْعُل، ثم همزتِ الواو المضمومة فصارتْ (أدْؤُر) ثم قدِّمتِ الهمزة الثانية (عين الكلمة) على الدال (فاء الكلمة)، فصارتْ أادر، اجتمعتْ همزتان ثانيتهما ساكِنة فقُلِبت مَدَّة مِن جنس حركة الأولى، وحركة الأولى فتْحة، فقلبت الثانية ألفًا. فصارتْ آدر على (أعفل).
5- أَيِس: بمعنى سَئِمَ أو قَنَط وزنه “عَفِل”، قدِّمت العين (الهمزة) على الفاء (الياء)؛ لأنَّ الأصل “يئِس” على وزن “فعل”.
جـ – تقدُّم لام الكلِمة على فائها:
وفي هذه الصورة يتحوَّل الميزانُ مِن فَعَل إلى لَفَع، قال علماء الصَّرْف: إنَّ “أشياء” الأصْل فيها “شيئاء”، التي وزنها فعلاء، وهو ممنوعٌ مِن الصرْف لألف التأنيث الممدودة، ثم قدِّمت الهمزة الأولى (لام الكلمة) على الشِّين (فاء الكلمة)، فصارتْ “أشياء” على وزن (لفعاء).
د – تأخُّر فاء الكلِمة عن العين واللام:
ويتحوَّل الميزانُ في هذه الصُّورة من “فعل” إلى “علف”، ومثال ذلك قولهم:
“الحادي عشر”، فلفظ “الحادي” اسم فاعِل مقلوب مِن “واحد”، و”الحادي”، أصل حروفه (الحادو) تطرَّفت الواو إثْر كسْر ما قبْلها فقُلبت ياءً، فصارت “الحادي”، وهذه الياء المنقلِبة عن الواو، التي هي فاءُ الكلمة في (واحد) (فاعل) تأخَّرت فأصبحتْ (الحادي) على وزن “العالف”.
د – تأثيرات أُخرى على الميزان الصرفي:
خلافاتٌ في الميزان ناشِئة عن خِلاف في أصْل الكلمة:
ونَعني بهذا العنوان أنَّ الكلمة الواحِدة قد يكون لها أكثرُ مِن وزن؛ أي: لم يتَّفق علماء الصرْف على وزن واحد لها، ومنشأ الخِلاف في ذلك هو اختلافُهم في فَهم أصول الكلمة.
ولذلك أمثلة كثيرة:
1- أوَّل: قال الكوفيُّون: أصله “أوأل” على وزن “أفعل”، وقال البصريُّون: أصله “وَوَّل” الفاء والعين، واوان على وزن “فوعل” قُلِبت الواو الأولى همزة.
2- دَيمُومَة وقيدود[9]: قال الكوفيون: ديمومة وقيدود (فعلولة وفعلول) الياء مبدَلة مِن الواو.
وعند البصريِّين: ديمومة على “فَيْعِلولة” مِن مضاعف دام يدوم، وإنَّما حُذِفت الواو التي هي عينُ الفِعل؛ لأنَّها اجتمعتْ هي والياء، والسابِق منهما ساكِن فوجَب الإدغام، فاستثقلوه فحذَفوها، ومثلها: فرس قيدود؛ أي: سهل القياد، أصلُها قيودود على “فيعلول”؛ لأنَّه من قاد يقود.
3- توراه: أصلُها عندَ البصريِّين ووْريَة، ووزنها “فَوْعِلة” مَن ورى الزند إذا قدَح النار، استثقلوا اجتماعَ واوين في أوَّلها فقَلبوها تاءً كما قلبت في تراث وتجاه، وتكلة وتخمة، أصلهنَّ الواو ثم قُلِبت الياء التي هي اللام ألفًا؛ لتحرُّكِها وانفتاح ما قبلها، فصار وزنها “توعلة”.
أمَّا عند البغداديِّين: فيقول ابنُ جني[10] (توارة وتولج عندَ البغداديِّين) تفعل، ومِن ذلك تُخَمَة، وأصلها وخمة؛ لأنَّها فعلة مِن الوخامة، وتكأة أنها فعلة مِن توكأت).
4- ملك: وزن “مَعَل”؛ لأنَّ فاءه محذوفة ألزمت التخفيف، أصله مَأْلَك.
5- إنسان: قيل وزن إنسان “فِعْلان” مِن الإنس الذين هم البشَر، وقيل: وزنه “إفعلان” مِن النسيان؛ لأنَّه عُهِد إليه فنسي.
6- وأصل ابن: بنو، وقعتِ الواو الأخيرة وقبْلها فتحة، فوجَب إعلالها بالقلْب أو الحذْف، فكان الحذف أخفَّ، فاجتلبوا لها همزةَ الوصل، وأسْكنوا الياء، ونقلوا الإعرابَ الذي كان في اللام المحذوفة إلى العين وهي النون، كما فَعَلوا ذلك في أب وأخ، فصار وزن ابن (افعا)، أمَّا بنت فوزنها (فعت)، التاء فيها عوض عنِ الواو المحذوفة، والهاء هاء التأنيث؛ لأنَّك تقول ابن وابنة، وكذلك أخت وزنها “فعت”[11].
7- وأما أيّم [12]: فوزنها “فيعل”، والجمْع أيَامَى “فَعَالى”، والأصل أيائم فعائل فقُدِّمت الميم.
8- براء: مَن قال إنَّه ممنوعٌ مِن الصرف، فإن وزنه “فعاء”، والأصل فيه بُرءاء (فعلاء)؛ لأنَّه محذوف اللام، وهذا ما حَكاه الفرَّاء[13]، وقال غيره: براءٌ، بالتنوين مصروف، ووزنه فعال[14].
9- ” فمْ” مَن قال: بزيادة “الميم”، فالوزن أيضًا “فم” الفاء فاء الكلمة، وسقطتِ العين واللام؛ لأنَّ الأصل “فوه” فعل، والميم زائدة نـزلتْ في مكانها بالميزان، فصار الوزن (فم)، وقال ابن القطَّاع الميم في فم ليستْ زائدة، وإنَّما هي عوضٌ عن الواو التي هي العين، ووزنه على أن تُقيم العوض مقامَ المعوّض منه “فع”، ولامه محذوفة لتحرُّكها وانفتاح ما قبْلها، وهي الهاء في “فَوه”[15].
10- “طوفان” إذا كانتْ مِن “طاف يطوف”، إذا دار فوزنه “فَعَلان”، أمَّا إذا كانت من “طفا يطفو”، إذا علا، قدمتِ اللام إلى مكان العَين، فوزنه “فلعان”.
11- اللات: وزْن اللات على اللفظ “فعة”، والأصْل (فعلة)؛ لأنَّ لات لوية حُذفت الياء فبَقيت لوة، وفتحت الواو لمجاورة الهاء فانقلبت ألفًا، وهي مشتقَّة مِن “لويت” على الشيء إذا أقمتُ عليه، وقيل: هي “لوهة” وزنها فِعلة من “لاه” السراب يلوه إذا لمَع وبرق، قلبت الواو ألفًا لتحرُّكها وانفتاح ما قبْلها وحذَفوا الهاء لكثرةِ الاستعمال، واستثقال الجمْع بين هاءين.
_____________________________________
[1] نشر في كتابنا: “الصرف الوافي” (الجزء الأول) 1415 – 1995). (ص: 32 وما بعدها).
[2] راجِع في هذا كتاب “مِن وظائف الصوت اللغوي”، د. أحمد كشك (ص: 20).
[3] راجع كتاب ” من وظائف الصوت اللغوي (ص: 24 “.
[4] راجع في هذا: “كتاب وظائف الصوت اللغوي” (ص: 26).
[5] “أبنية الأسماء والأفعال والمصادر” لابن القطاع (ص: 365).
[6] “أبنية الأسماء والأفعال والمصادر” لابن القطاع (ص: 363).
[7] المصدر السابق (ص: 365).
[8] يقول ابن خالويه في كتاب “ليس”، ليس في كلام العرب في جمْع ناقة أنق، إلاَّ في شيء رواه الأصمعي، هو قول الغنوي:
بَرَعَ الجِيَادُ إِذَا جَرَيْنَ كَأَنَّهَا=أَنُقٌ مُشَكَّلَةٌ بِأَعْلَى سَبْسَبِ
فإنْ كان جمع الناقة فإنَّه غريب، ما سُمِع بمثله، فعلى هذا تُجمع الناقة على: ناقات ونوق، وأيانق وأنيق، وأنيقات وأنوقات، وأونق وناق ونياق، على عشرة أوجه، انظر كتاب “ليس” (ص: 77).
[9] الديمومة: الأرْض البعيدة الأقطار، وفرَس قيدود سهْل القياد “أبنية الأسماء والأفعال والمصادر” (ص: 361).
[10] “سر صَناعة الإعراب” (2/161)، 162).
[11] راجع “أبنية الأسماء والأفعال والمصادر” (ص: 366).
[12] الأيِّم مِن النساء التي لا زوجَ لها، بكرًا كانت أو ثيِّبًا، جمْع الأيِّم من النِّساء أيايم، وأيامى، فأمَّا أيايم فعَلى بابه، وهو الأصل، “اللسان” (14/530).
[13] أسنده ابنُ القطَّاع للفرَّاء، انظر “أبنية الأسماء والأفعال والمصادر” (ص: 364).
[14] أسنده اللِّسان لابن جِني.
[15] “أبنية الأسماء والمصادر” (ص: 366).