تقليد ممجوج
يتأذَّى السمع عندما يطلُّ علينا أحدُهم عبر الشاشات متحدثًا بلهجةٍ لا يُتقِنُها – غير لهجته الأصلية – ظنًّا منه أن في ذلك نوعًا من التطور، أو التحضُّر الذي يُظهِره بحال أفضل، ويغيب عن باله أن ما يقوم به ليس سوى تملُّقٍ مستهجَنٍ، ربما لا يروق إلا له نفسه وقلةٍ ممن هم على شاكلته.
وإن حالَه في ذلك مشابهٌ لحكاية الغُرابِ الذي حاول جاهدًا تقليد مشية غيره من الطيور، فلم يُفلِح وأضاع مشيتَه الأصلية، فانتهى به الحال إلى ما هو عليه الآن من مشية عرجاء متعثِّرة.
من غير الإنصاف بطبيعة الحال أن يُقاس على أمثال هؤلاء مَن وُلِدوا وتربَّوا مع ذويهم في غير بيئتهم الأصلية، فاكتسبوا عادات ولهجة مجتمعهم، أو بعضًا منها، وإنما اللوم على الكبار الذين يَلْوُون ألسنتهم لإجبارها على النطق بغير ما ألِفته من الكلام، ليخرجوا علينا بمزيج غريب مستهجَن من عبارات وجُمَل تعافها النَّفْس، أو أولئك الذين لا يطيب لهم الحديث إلا إذا بالغوا بحشوِه بكلمات ومصطلحات غربية – لغير ضرورة في أغلب الأحيان – لحدٍّ لا يطاق، قد يدفع بالمتابع لتغيير القناة، وحتى لو كان في الموضوع المطروح بعضٌ من الفائدة.
إن رأى الفردُ في لهجتِه بعضًا من الكلمات الغريبة، صعبة الفهم على الجماعة أو جمهور المستمعين، وأراد أن يرقى بلهجته نحو الوضوح، فإن التغيير المحمود الذي يمكن القيام به هو الاتجاهُ بها إلى النطق الفصيح، فلغتُنا العربية الفصحى هي الأجدر والأقدر على التعبير عن كل ما يدور في الرؤوس من أفكار، وهي الملكة المتوَّجة على كل ما عداها من لهجات العرب.