فالتخلص من التقاء الساكنين قديمٌ قِدمَ لغتنا العربية، والشواهدُ عليه كثيرة من شعرنا الجاهلي والقرآن الكريم والحديث الشريف وأقوال العرب، أما في القرآن الكريم فقد أخذت ظاهرة التقاء الساكنين اهتماما عند الدارسين على مر العصور.

د. إبراهيم عوض

التعبير البارز (لام الابتداء) ([1])

ويدخل تحت ما أسميته بـ(التعبير البارز ( لام الابتداء؛ إذ هي تفيد التوكيد، ومع أن المتنبي لا يُكثر منها إكثارًا مطلقًا، فإنه يستخدمها – فيما يخيل إليَّ – أكثر من غيره.

 كذلك فإنه يستعملها في مواضع يقل استعمالها فيها، وهذا هو ما يميزها عند المتنبي، إن الغالب مثلًا إدخالها على خبر (إن) أو الفعل المضارع بعد (حتى)، أما المتنبي، فإنه في معظم المرات التي استخدمها فيها قد أدخلها على المبتدأ نفسه، أو على الفعل الماضي؛ في أول الكلام أو بعد (حتى)؛ فمن الأبيات التي دخلت فيها لام الابتداء على المبتدأ، قولُه:

احمَدْ عفاتك لا فُجِعْتَ بفقدهم ♦♦♦ فلَتَرْكُ ما لم يأخذوا إعطاءُ

••••

ولَلتَّركِ للإحسانِ خيرٌ لمحسنٍ ♦♦♦ إذا جعلَ الإحسانَ غير ربيبِ

••••

وسيفي لَأنت السيف، لا ما تسلُّه  =لضرب ومما السيف منه لك الغمدُ 

ورمحي لَأنت الرمح لا ما تبله  = نجيعًا ولولا القدح لم يثقب الزندُ 

••••

لَوفدُ نميرٍ كان أرشدَ منهمُ ♦♦♦ وقد طردوا الأظعان طردَ الوسائقِ

••••

لَحبُّ ابن عبدالله أولى، فإنه ♦♦♦ به يُبدأ الذكرُ الجميلُ ويختمُ

••••

يا أختَ معتنقِ الفوارس في الوغى ♦♦♦ لَأخوكِ ثَم أرقُّ منك وأرحمُ

 

ويمكن أن يضاف إلى ذلك البيت التالي، الذي أدخل فيه لام الابتداء على الخبر، لكني – لتقدُّم الخبر فيه وحلوله محل المبتدأ – قد ألحقته بالأبيات السابقة التي دخلت فيه اللام على المبتدأ، قال الشاعر:

وأَمَا وحقُّك وَهو غايةُ مقسمٍ ♦♦♦ لَلْحقُّ أنتَ، وما سواك الباطلُ

أما دخول لام الابتداء على الفعل الماضي، سواء كان في أول الجملة أو كان مسبوقًا بـ(حتى)، فإليك هذه الأمثلة عليه:

لَعممتَ حتى المدن منك ملاءُ = ولَفُتَّ حتى ذا الثناء لفاءُ 

ولَجُدْتَ حتى كدت تبخل حائلًا=للمنتهى، ومن السرور بكاءُ

••••

لَأبقى يماك في حشايَ صبابةً ♦♦♦ إلى كلِّ تركيِّ النجارِ جليبِ

••••

لَعظمت حتى لو تكون أمانةً ♦♦♦ ما كان مؤتمنًا بها جِبرينُ

••••

عدوِّي كل شيءٍ فيك حتى ♦♦♦ لَخِلْتُ الأكمَ مُوغرةَ الصدورِ

••••

حذرًا عليه قبل يوم فراقه ♦♦♦ حتى لَكِدْتُ بماء جفني أشرقُ

ويدخل في استعماله (لام الابتداء) على نحو غير شائع المثال الآتي؛ حيث يورد جواب (لو) فعلًا ماضيًا عاريًا عن اللام، ثم يعطف عليه فعلًا ماضيًا آخر مسبوقًا بها، وكان المتوقع أن يكون جواب (لولا) نفسه مسبوقًا بها، أو أن يأتي المعطوف عليه عاريًا هو أيضًا عنها بحيث يتسق المعطوف والمعطوف عليه:

لو يكونُ الذي وردت من الفج  =عةِ طعنًا أوردته الخيل قبلا

ولكشفت ذا الحنين بضربٍ =طالما كشف الكروب وجلَّى

 

 



([1]) تسمى هذه اللام في مواضع أخرى بـ(اللام المزحلقة)، و(لام القسم)، وقد آثرت من باب الاختصار أن أسميها في كل الأحوال بـ(لام الابتداء).

ترك تعليق