الشيخ عبدالله بن حمد الشبانة
شخبطات ومشخبطون
يكتب بعض الكتاب من مدمني الكتابة – إن صح التعبير – كلاماً غريباً وعجيباً لا طعم له ولا لون ولا رائحة. ويظنون مع ذلك أنهم قد أحسنوا إلى القارئ وقد خدموه وهم في حقيقة الأمر وواقع الحال إنما أساؤوا إليه وسرقوا وقته الثمين، وبلبلوا فكره وشوشوا ذهنه بكتاباتهم الغثة الهشة المتداعية. بل إنهم قد أساؤوا إلى أنفسهم قبل إساءتهم إلى القارئ. وسرقوا أوقاتهم هم قبل سرقة وقته! ولكن من يستطيع أن يفهمهم ذلك؟ أو بلهجة أقوى وأكثر حزماً من يستطيع أن يردعهم عن مقارفة ذلك؟
ذلك العبث بعقول القراء وأوقاتهم جريمة يجب أن تضم إلى قائمة الجرائم التي يعاقب عليها القانون. وبلبلة أفكار الناشئة والراغبين في المعرفة والثقافة والتشويش على أذهانهم مسألة في غاية الخطورة لا ينبغي أن يترك من يمارسها حرًّا طليقاً بلا رقيب ولا حسيب.
إن ذلك الصنف من الكاتبين معاول هدم في جدران الذوق واللغة والأدب والعلم، فهل ننتظر حتى يأتوا على تلك الجدران من أساسها، أم أن واجب الدفاع عن لغتنا وذوقنا ومقدراتنا يحتم علينا أن نتصدى لكل من يحاول العبث بشيء منها؟
إنني أقرأ بعض “شخبطات” القوم فلا أرى إلا شناعة وقلة بضاعة في علم أو أدب أو لغة أو فكر. وأرثي حال أمة يتصدر “المشخبطون” واجهات صحفها ومجلاتها ويتسمُّون بالكتاب الملتزمين فيها، ويتلقون من بعض الناشئة رسائل الإشادة والإعجاب بهم وبما يكتبون. إن ذلك التجاوب مع كتاباتهم من قبل بعض “الناشئة” هو بداية الخطر والمؤشر على تأثير شخبطاتهم على العقول الغضة والأفكار الصغيرة.
فأوقفوا الخطر عن أن يمتد فيعم ويطم. وامنعوا غير القادر من أن يمارس تعلم الحلاقة في رؤوس اليتامى. وقيسوا الكتابة باعتبارها فنًّا راقياً على بقية المهن التي لا يُقبل لممارستها إلا المجيد لها المتخصص فيها. اعتبروها مهنة من المهن التي تعتبر مزاولتها بلا شهادة تثبت دراستها نوعاً من التزوير الذي يعاقب عليه. ففي ذلك نوع من الحماية لناشئة الأمة “المستصحفين والمتكاتبين” الذين لا يفرق الواحد منهم بين البصرة وبصرى، وبين المبرد وبشار بن برد، وبين سلمان الفارسي وأبي فراس، وبين الضاد والظاء في كل ما يكتب.
إننا نريد أدباً راقياً وفكراً متألقاً ولغة رنانة طنانة وأسلوباً مشرقاً بليغاً بلا ركاكة ولا ضعف ولا أخطاء. نريد أدباً كأدب الرافعي والعقاد والمازني والمنفلوطي وأضرابهم من عمالقة الأدب والكتابة. نريد كتابة ثرة متدفقة مليئة بالأفكار والرؤى والإبداع الحقيقي ذات أسلوب مشرق أخَّاذ لا كتابات هؤلاء المفتقرين لأبسط مستلزمات الكتابة وأصولها.
فإن يكونوا قادرين على ذلك فحيهلاً بهم وأهلاً وإلا فالانزواء خير لهم ولنا ولعموم الأمة. ولنا في كبار أدبائنا وكتابنا غنية، والسلام.