أ. د. جابر قميحة
الكلمات الأجنبية في لغة وسائل الإعلام
وبعد هذه النماذج التي قدَّمناها آنفًا، بقيت ظاهرة خطيرة جدًّا وهي: “تسلل الكلمات الأجنبية” إلى لغة وسائل الإعلام، وبتعبير أدق: استِدعاء العاملين بالإعلام من صحفيِّين ومذيعين للألفاظ الأجنبية واستخدامها فيما يذيعون، وخصوصًا البرامج الحرة غير المقيدة، أي غير المكتوبة، وهي التي تعتمد على الحوار والمناقشات العفوية التقائية.
ولو كانت هذه الكلمات تمثل مصطلحات عِلمية لقلنا: ربما رجع السبب إلى المجمع اللغوي الذي لم يُترجِم أو يعرب هذه المصطلحات، أو لقلنا: فلنلتمس العذر لهؤلاء؛ فثمة احتمالٌ مؤَدَّاهُ أنهم لم يطَّلعوا على أعمال المجمع، إن كان المجمع قد قام بترجمة هذه المصطلحات، أو تعريبها.
ولكن المؤسف حقًّا أنها كلمات وعبارات عادية من لغة التعامل، ولها في العربية مقابل أو أكثر من مقابل، ولا أستطيع أن أفسر ذلك إلا بأنه من رواسب “عقدة الخواجة“، وأن وراءه شعورًا بالنقص والإفلاس اللغوي، مما دفع المتحدِّث إلى أن يَفزع إلى بعض الكلمات الأجنبية للتغطية عليه، ولإيهام الآخرين بأهمية ذاته.
ومن مُشاهداتي الخاصة لمتحاورين في التلفاز المصري[1] – وكان الموضوع عن الكتاب والمكتبات الجامعية – أنقل العبارات الآتية على لسان أحد الأساتذة الكبار.
• والمكتبات الجامعية عندنا الوقتي.. حاجة تكسف فرى بور very poor، تسألني عن الحل؟ أؤول لك (أقول لك) الحل الحئيأه “الحقيقة” very easy.. مش مشكلة.
• لكن الـ Level مش هوَّهْ.
• • •
وفي برنامج عن السياحة في التلفاز المصري[2] استضيف فيه شخصية فنية كبيرة – كان حوارًا التقطت منه هذه العبارات: بلاجات مصر ممتدة – والحمد لله – من الغرب للشرق، ومن الشمال للجنوب، والعريش beach بالذات كل شيء فيه blue: سَمَا، ومَيَّة (أي سماء وماء).
والرملة؟
• لأ.. الرملة بيضة.. ونقية.
• • •
وقلت لنفسي – في أسى – لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله: أخَلَتْ لغتنا من الكلمات الآتية:
• فقيرة جدًّا.
• الحل سهل للغاية.
• المستوى.
• الشاطئ.
• الأزرق – والزرقة – والزرقاء.
حتى يلجأ هذا المفكِّر الكبير إلى اللغة الإنجليزية مقترضًا؟ وأكرِّر القول: إنها بقايا “عقدة الخواجة” والشعور بالنقص والإفلاس اللغوي.
• • •
ولا عجب أن تَستشريَ هذه الظاهرة في وسائل الإعلام عند الصحفيِّين والمذيعين ورجال الفكر؛ لأنها انعكاس منكود لما يدور ويروج في جامعتنا، ومَعاهدنا العِلمية؛ يقول الدكتور أحمد بيبرس[3]:
إن الهجمة شرسة على لغتنا في معاهدنا العِلمية، وبدون أن ندري شاعت كلمات أجنبية تردِّدها الألسن، ففي مجالس الأقسام، وفي قاعات الدراسة، وبين الأروقة، وفي المدرجات يتردَّد كم هائل من الكلمات استمعنا إليها، وسجَّلنا طائفة منها، وفي مجال الدراسة كانت لنا هذه العينة:
Encyclopedia – Seminar – Course – Intensive Course – Ordinary Course – Standard and Level – Team work – Paper – Slides – Chapter or Paragraph – Style – Test – Order – Permission – Tension – Interested – Harmony – Impression – Maximum – Minimum.
معناها على الترتيب: دائرة المعارف – حلقة بحث – مقرَّر – مقرَّر مكثَّف – مقرر عادي – مستوى – فريق عمل – مقالة أو بحث – شرائح مصوَّرة – فصل أو فقرة – أسلوب – اختبار – أمر – إذْن – توتر – راغب أو مهتم – تناغم – انطباع – حد أعلى – حد أدنى[4].
• • •
وفي الصحف كثيرًا ما نقرأ مثل الكلمات الآتية، وهي النُّطق العربي لكلمات أجنبية:
ريبورتاج Reportage بدلاً من تحقيق صحفي أو تحقيق مصوَّر.
مانشيت Manchette بدلاً من: العنوان الكبير.
جورنال Journal بدلاً من صحيفة.
فيتو Veto بدلاً من: حق النقض.
كامب Camp بدلاً من: مخيم.
كاميرا Camera بدلاً من: آلة تصوير[5].
• • •
ويَكثر مثل ذلك في الإعلانات المنشورة في الصحف[6]، وقد يكون الإعلان من أوَّله لآخره باللغة الإنجليزية في صحيفة عربية لا يَقرؤها الأجانب، مثل هذا الإعلان الذي نُشر في جريدة الأهرام بتاريخ 6 من نوفمبر 1987، ونصه:
Vito
Vito,s,, is back
Now open every night
The place where you can drink
Eat, dance, and have a Glorious time
For Reservation call (…..)
Hayatt El-salam Cairo
• • •
ومثل هذه الكلمات الأجنبية في الإعلانات التلفازية أكثر من أن تُحصى، وقد يكون الإعلان كله أحيانًا باللغة الإنجليزية مع أنه يُخاطب عربًا لا أجانب، كهذا الإعلان الذي يكرَّر على شاشة التلفاز المصري من عدة سنوات، وما زال يذاع حتى الآن، ويَحفظه الأطفال الصغار: [7]
Just one Maccroni, Maccroni Noor,,
[1] أكتب معتمدًا على الذاكرة، وللأسف لا أتذكر التاريخ بالتحديد، وإن كان ذلك من أربع سنين، وأتذكر أسماء المتحاورين، ولكن لا أجد داعيًّا لذكرها حتى لا يفسَّر ذلك بأنه لون من التشهير.
[3] الواقع اللغوي والهوية العربية.
[4] أحاول في عرضي لهذه الظاهرة أن أكون في نطاق وسائل الإعلام بقَدر المستطاع؛ لأن الظاهرة تحوَّلت إلى مرض أصاب لغة المجتمع العام في الأندية والحفلات ودوائر المثقفين والأسواق والمعاملات، مما يحتاج إلى دراسات أوسع مدى.
[5] انظر: بيبرس: مرجع سابق (ص: 34).