القلب المكاني
يعرض الصرفيون لموضوع القلب المكاني بمناسبة عرضهم لموضوع الميزان الصرفي. والواقع أنه ظاهرة لغوية واضحة في اللغة العربية ولا يصح إنكارها. ونحن نلحظها كل يوم في لغة الأطفال الذين لا يستطيعون نطق الألفاظ الكثيرة التي يسمعونها كل يوم فيقلبون بعض حروفها مكان بعضها الآخر. ونلحظها أيضا في لغة العامة، وأوضح مثال عليها كلمة «مسرح» التي تنطق كثيرا: مرسح. فلو أننا وزناها بعد القلب لكان الوزن: معفل.
ولكن كيف نعرف أن في كلمة ما قلبا مكانيا؟
يقول الصرفيون إن هناك طرائق يمكننا اتباعها لمعرفة القلب المكاني، وهذه الطرائق هى:
1 ـ الرجوع إلى المصدر، فمثلا الفعل: ناء يناء حدث فيه قلب لأن مصدره: نأى، وعلى هذا يكون وزنه فلع.
2ـ الرجوع إلى الكلمات التي اشتقت من نفس مادة الكلمة، فمثلا كلمة: جاه فيها قلب مكاني، وذلك لورود كلمات مثل: وجه، وجاهه، وجهة.
وإذن فكلمة: جاه وزنها: عفل
ومن أشهر أمثلتهم في ذلك كلمة قسىّ: ما وزنها؟
المفرد هو: قوس | فعل |
الجمع هو: قووس | فعول |
♦ قدمت اللام مكان العين لتصير: قسوو = فلوع
♦ قلبت الواو الأخيرة ياء تبعا لقواعد الإعلال لتصير: قسوى.
♦ قلبت الواو الأولى ياء تبعا لقواعد الإعلال وأدغمت في الثانية لتصير: قسىّ.
♦ قلبت ضمة السين كسرة لتناسب الياء لتصير: قسىّ.
♦ قلبت ضمة القاف كسرة لعسر الانتقال من ضم إلى كسر لتصير: قسىّ.
♦ وإذن فإن كلمة «قسىّ» مقلوبة عن «قووس».
♦ وإذن فإن وزن كلمة: قسىّ = فلوع
3 ـ أن يكون في الكلمة حرف علة يستحق الإعلال تبعا للقواعد التي ستعرفها، ومع ذلك يبقى هذا الحرف صحيحا أي دون إعلال، فيكون ذلك دليلا على حدوث قلب في الكلمة. فمثلا الفعل: أيس. فيه حرف علة هو الياء، وهو متحرك بكسرة وقبله فتحة، وحرف العلة إذا تحرك وانفتح ما قبله قلب ألفا؛ وعلى ذلك كان ينبغى أن يكون الفعل هكذا: اس.
أما وقد بقي على: أيس، فهذا دليل على أن هذه الياء ليس مكانها هنا وإنما في مكان آخر، فإذا عدنا إلى المصدر وهو: اليأس، عرفنا أن هذا الفعل مقلوب عن يئس.
وإذن فوزن أيس هو عفل.
4 ـ أن يترتب على عدم القلب وجود همزتين في الطرف. وهذا يحتاج إلى بيان.
أنت تعلم أن الفعل الأجوف؛ أي الذي عينه حرف علة، تقلب عينه همزة في اسم الفاعل. أي يقلب حرف العلة همزة تبعا لقواعد الإعلال. فنقول:
قال | قائل على وزن فاعل |
باع | بائع على وزن فاعل |
سار | سائر على وزن فاعل |
وإذا طبقنا هذه القاعدة على فعل أجوف مهموز اللام قلنا:
جاء | جائي على وزن فاعل |
شاء | شائي على وزن فاعل |
واجتماع الهمزتين في نهاية الكلمة ثقيل في العربية، ولذلك قال الصرفيون إن الكلمة حدث فيها قلب مكاني، وذلك بأن انتقلت اللام ـ التي هى الهمزة ـ مكان العين قبل قلبها همزة، فتكون الكلمة:
جائي على وزن | فالع |
شائي على وزن | فالع |
ثم نحذف الياء كما نفعل في كل اسم منقوص لتصير:
جاءٍ | فالٍ |
شاءٍ | فالٍ |
5 ـ أن نجد أن كلمة ما ممنوعة من الصرف دون سبب ظاهر. وأشهر أمثلتهم على ذلك كلمة: أشياء.
هذه الكلمة ممنوعة من الصرف كما هو معروف، إذ تقول:
أشياء ـ أشياء ـ بأشياء.
والمعروف أيضا أن وزن «أفعال» ليس ممنوعا من الصرف، بدليل كلمة «أسماء» التي تشبه كلمة «أشياء»، فأنت تقول: أسماء ـ أسماء ـ بأسماء.
إذن ما السبب في منع كلمة «أشياء» من الصرف؟
يقول الصرفيون إن هذه الكلمة ليست على وزن «أفعال»، وإنما هى على وزن آخر من الأوزان التي تمنع من الصرف، وذلك لأن مفردها هو: شيء وأن الجمع منها هو شيئاء، على وزن فعلاء. وأنت تعلم أن ألف التأنيث الممدودة تمنع الاسم من الصرف. وهم يقولون إن كلمة شيناء في آخرها همزتان بينهما ألف، والألف مانع غير حصين، ووجود همزتين
في آخر الكلمة ثقيل كما ذكرنا، لذلك قدمت الهمزة الأولى التي هي لام الكلمة مكان الفاء، ويكون القلب على الوجه التالي:
شيئاء | فعلاء |
أشياء | لفعاء |
وعلى هذا نستطيع أن نفهم السبب في منع كلمة «أشياء» من الصرف.
ومهما يكن من أمر فإن «القلب المكاني» ليس منكورا باعتباره ظاهرة لغوية، غير أنه يحتاج إلى دراسة منهجية غير تلك التي تعرضه بها كتب الصرف العربية.
1 ـ زن الكلمات الآتية:
اتقى ـ استشار ـ انكسر ـ امّحى ـ قام ـ يدور ـ أنار ـ اطمأنّ ـ جعفر ـ مقول مبيع ـ امش ـ غضنفر ـ وسوس ـ ابار ـ حادى.
2 ـ هات المضارع والأمر من الأفعال الآتية ثم زنهما:
غزا ـ سار ـ بعثر
وجد ـ قضى ـ كوى
وشى ـ رأى ـ أشار
3 ـ زن الكلمات المكتوبة بخط واضح:
﴿إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ * هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ، وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا، وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ﴾