أ. د. أحمد محمد عبدالدايم عبدالله

إعراب آيات من القرآن (1)

1-    قال الله تعالى: ﴿ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ[ق: 1-3].

س: من أي سور القرآن هذه الآيات؟

من سورة “ق“.

وننطقه هكذا “قاف”، وهي سورة مكية – أي نزلت بمكة – وعدد آياتها (45) خمس وأربعون آية، وكلماتها المباركة (375) ثلاثمائة وخمس وسبعون كلمة، وحروفها (1474) ألف وأربعمائة وأربعة وسبعون حرفًا، وسُمِّيت بـ”ق” لافتتاح السورة به.

وفي القرآن الكريم تسع وعشرون سورة افتُتِحَتْ بحروف الهجاء، وتُنطق مقطعة، وهي:

البقرة (الم) وتُنطق: (ألفْ – لامْميمْ)، آل عمران (الم) وتُنطق كسابقتها – الأعراف (المص) وتُنطق: “ألفْلامْ – ميمْ – صادْ”، يونس (الر) وتُنطق: “ألفْ – لامْ – راءْ”، هود (الر)، يوسف (الر)، إبراهيم (الر)، الحجر (الر)، وتُنطق هذه الأربعة كنطق فاتحة يونس، الرعد (المر) وتُنطق: “ألفْ – لامْ – ميمْ – راء”، ومريم (كهيعص) وتُنطق: “كاف – ها – يا – عين – صاد”، وطه وتُنطق: “طا – ها”، الشعراء (طسم)، والقصص (طسم) وتُنطق: “طا – سين – ميم”، والنمل (طس) وتُنطق: “طاسين”، وسور: العنكبوت، والروم، ولقمان، والسجدة (الم) مثل البقرة، و(يس) وتُنطق: “ياسين”، و(ص) تُنطق: “صاد”، وسور: غافر، وفصلت، والشورى، والزخرف، والدخان، والجاثية، والأحقاف أولها (حم) وتُنطق: “حا – ميم”، وتُسمَّى جميعها (الحواميم)، و(ن) وتُنطق: “نون”، وطبعًا منها سورة (ق)

وقد اختلف المفسِّرون في تفسير هذه الحروف المباركة:

1-   فمنهم من قال: هي مما استأثر الله بعلمه، فردُّوا علمها إلى الله ولم يُفسِّروها.

2-   ومنهم من فسرها فقال: إنها حروف يتألف منها اسم الله الأعظم، إلا أننا لا نعرف تأليفه، قال سعيد بن جبير: هي أسماء الله تعالى مقطَّعة، لو أحسن الناس تأليفها، تعلَّموا اسم الله الأعظم.

3-   ومنهم من فسرها: بأنها أسماء للقرآن كالفرقان.

4-   ومنهم من قال: إنها إشارة إلى حروف المعجم، كأنه قال للعرب، إنما تحدَّيتُكم بنظْم من هذه الحروف التي عرفتم.

5-   ومنهم من قال: إنها حروف تدل على ثناءٍ أثنى به اللهُ على نفسه

والذي نختاره هو ما اختاره أبو حيان في (البحر المحيط) أن هذه الحروف من المتشابه الذي انفرد الله بعلمه، ولا يجب أن نتكلَّم فيها، ولكن نؤمن بها.

الإعراب:

ق: هذا الحرف من حروف الهجاء لا إعراب له، وهو موقوف الآخِر، فلا يُقال: إنه مبني؛ لعدم وجود سبب للبناء، ولا يُقال: إنه معرب؛ لعدم دخول عامل عليه حتى يُعرب، هذا إذا لم تُجْعَل اسمًا للسورة، فإنه يصحُّ أن يكون محلُّها الرفع خبرًا لمبتدأ محذوف تقديره: (هذه ق)، ويصحُّ أن يكون محلُّها النصب مفعولًا به لفعل محذوف؛ أي: (اقرأ ق)، ويصحُّ فيها الجرُّ محلًّا على إضمار حرف القسم.

 والقرآن: الواو: واو القسم، وهي تجرُّ ما بعدها، كما أنها حرف مبني على الفتح.

 (القرآن): مقسم به مجرور، وعلامة الجر الكسرة الظاهرة، وكل قسم لا بد له من جواب، والجواب هنا محذوف، يدل عليه ما بعده، وتقديره: “إنك جئتَهم مُنذِرًا بالبعث”، وبعضهم يرى أن الجواب مذكور، هو قوله تعالى: ﴿ بَلْ عَجِبُوا ﴾ [ق: 2]، ومعناه: (لقد عجِبوا).

 المجيد: صفة للقرآن مجرورة بالكسرة الظاهرة.

بل: ورد هذا الحرف في القرآن الكريم على وجهين:

1-    للتأكيد نيابة عن (إن)؛ كقوله تعالى: ﴿ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ ﴾ [ص: 2]؛ أي: إن الذين كفروا

2-    لاستدراك ما بعده، أو للإضراب عمَّا قبله؛ كقوله تعالى: ﴿ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ﴾ [النمل: 36]، وكلٌّ من الوجهين محتملٌ هنا:

فعلى الأول (التأكيد) يكون المعنى: “لقد عجبوا“.

وعلى الثاني (الاستدراك) يكون في الكلام حذف، والتقدير: “إنك جئتَهم مُنذرًا بالبعث فلم يقبلوا بل عجبوا“.

عجبوا: عجب: فعل ماضٍ مبنيٌّ على الضمِّ لاتصاله بواو الجماعة.

وواو الجماعة: فاعل في محل رفع.

أن جاءهم: أن: حرف مصدري مبني على السكون.

جاءهم: جاء فعل ماض مبني على الفتح، والضمير (هم) في محل نصب مفعول به.

 

والمصدر المؤول من (أن والفعل) في محل جر بمن محذوفة، والتقدير: “عجبوا من أن جاءهم”، وحذفُ حرف الجر قياسي مع (أن) المصدرية؛ نحو: (رغبت أن أتعلم؛ أي: في التعلُّم).

 منذر: اسم فاعل من الفعل الثلاثي المزيد بالهمزة في أوله (أنذر)، وهو فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة.

منهم: (من): حرف جر مبني على السكون، والضمير (هم): مبني على السكون في محل جر.

قال: فعل ماض مبني على الفتح.

الكافرون: فاعل مرفوع بالواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم.

 هذا شيء عجيب:

هذا: الهاء للتنبيه مبنية على السكون.

ذا: اسم إشارة مبتدأ مبني على السكون في محل رفع.

شيء: خبر مرفوع بالضمة.

عجيب: صفة مرفوعة بالضمة.

وجملة:هذا شيء عجيب”: جملة اسمية في محل نصب مقول القول.

أإذا: الهمزة حرف استفهام مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.

إذا: ظرف بمعنى (حين) مبنية على السكون في محل نصب، وعامل النصب في (إذا) محذوف تقديره: “أنُبعَثُ إذا مِتْنا“.

متنا: مكونة من الفعل الماضي الأجوف (مات) أُسْنِد إلى ضمير المتكلمين، وهو فاعل مبني على السكون في محل رفع، ولقد حذف حرف العلة من وسطه، وهكذا كل فعل أجوف يحذف من وسطه حرف العلة عند إسناده إلى ضمائر الرفع المتحركة، وهي: (تاء الفاعل، ونا الفاعلين، ونون النسوة).

 

وكُنَّا ترابًا:

كان: فعل ماضٍ ناقص حذف وسطه (الألف) لاتصاله بـ(نا) الدالة على المتكلمين، وهو مبني على السكون.

نا: اسم كان مبني على السكون في محل رفع.

تُرابًا: خبر كان منصوب بالفتحة الظاهرة.

 ذلك رجعٌ بعيدٌ:

ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.

واللام: للبُعْد مبني على الكسر.

والكاف: للخطاب مبني على الفتح.

رجع: خبر مرفوع بالضمة.

بعيد: صفة مرفوعة بالضمة.

 وبالرجوع إلى الآيات الكريمة نجد فيها بعض الجمل التي لها محل من الإعراب، وأخرى لا محل لها:

1-   والقرآن المجيد: جملة اسمية، لا محل لها من الإعراب.

2-   فقال الكافرون: جملة فعلية معطوفة على جملة: “عجبوا أن جاءهم“.

3-    هذا شيء عجيب: جملة اسمية في محل نصب، مقول القول.

4-   ذلك رجع بعيد: جملة اسمية، وهي جواب الاستفهام: “أإذا متنا”، والسؤال والجواب من عند أنفسهم.

     

  قال تعالى في سورة ق: ﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ[ق: 6، 7].

 الإعراب والتحليل:

أفلم: مكونة من ثلاثة:

1-   الهمزة للاستفهام: حرف مبني على الفتح.

2-    الفاء: حرف عطف مبني على الفتح عطفت جملة (لم ينظروا) على جملة أخرى محذوفة تقديرها: “أَعَمُوا فلم ينظروا“.

3-   لم: أداة جزم مبنية على السكون.

 وللعلماء في مثل هذا التركيب رأيان:

الرأي الأول:

أن تكون فاء العطف مؤخَّرة عما تستحقُّه؛ لأنها عطفت جملة الاستفهام على ما قبلها، وأُخِّرت الفاء عن الهمزة؛ لأن همزة الاستفهام لها صدارة الكلام، والأصل “فألم”، والقاعدة أنه عند اجتماع همزة الاستفهام وحرف العطف (الواو – الفاء – ثم) يجب تقدُّم الهمزة، وهذا من المواضع التي تختصُّ بها همزة الاستفهام دون بقية أدوات الاستفهام الأخرى.

 والرأي الثاني:

أن الكلام على أصله، ولا تأخير ولا تقديم، وأن المعطوف عليه محذوف مقدَّر بعد الهمزة، والتقدير يُفهَم من المعنى، وهو فعل مضادٌّ في المعنى لما بعد النفي، ففي مثل: “أفلم يسيروا” يكون التقدير: “أَعَجِزوا فلم يسيروا”، وفي مثل: “أو لم يروا” يُقدَّر: “أَعَمُوا ولم يروا”، والغرض من الاستفهام هنا التعجب.

 ينظروا: فعل مضارع مجزوم بـ(لم)، وعلامة جزمه حذفُ النون نيابة عن السكون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، وواو الجماعة: فاعله مبني على السكون في محل رفع.

 إلى السماء: إلى: حرفُ جرٍّ مبني على السكون، والسماء: مجرور بـ(إلى)، وعلامة الجر الكسرة.

كيف بنيناها: كيف: اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال مُقدَّمة.

 فوقهم: فوق: ظرف مكان غير مُتصرِّف منصوب بالفتحة الظاهرة، وهو مضاف إلى الضمير و(هم) بعده، ومعنى غير متصرِّف: أنه لا يخرج عن إعرابه ظرفًا، إلَّا إذا جُرَّ بحرف الجر (مِنْ)، وهذا الظرف واقع صفة للسماء أو حالًا منها، فعلى الأول هي في محل جر، وعلى الثاني هي في محل نصب.

 بنيناها: جملة فعلية من فعل ماض (بنى)، والفاعل (نا)، والمفعول (ها)، وهذه الجملة الاستفهامية (كيف بنيناها؟) في محل جر بدل من السماء، وهو بدل جملة من مفرد؛ أي: إلى كيفية بناء السماء.

 وزيَّناها: الواو: حرف عطف مبني على الفتح، لا محل له من الإعراب.

 و(زيناها): جملة فعلية من فعل ماض (زين) مبني على السكون، و(نا): فاعل مبني على السكون في محل رفع، (والهاء): مفعول به مبني على السكون في محل نصب، وهذه الجملة معطوفة على الجملة الاستفهامية قبلها، والتقدير: (وكيف زيناها) وهي في محل جر؛ لأنها معطوفة على جملة في محل جر.

 وما لها من فروج: الواو: حالية مبنية على الفتح.

ما: نافية مبنية على السكون.

لها: جار ومجرور في محل رفع خبر مُقدَّم.

من: حرف جر زائد.

فروج: مبتدأ مؤخَّر مجرور لفظًا مرفوع محلًّا، والجملة اسمية في محل نصب حال، وصاحبه السماء، والرابط (الواو) والضمير في (وما لها).

ترك تعليق