لفظ البسملة، وإعرابها
أ- لفظهـا:
لفظ البسملة المشروع هو: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ عند جميع القراء[1]، وباتفاق أهل العلم؛ فلا يصح أن يقال عند القراءة: باسمك اللهم أقرأ، ولا عند الذبح: باسمك اللهم أذبح…، ولا يصح استبدال لفظ الجلالة “الله” ولا اسمَي “الرحمن” “الرحيم” بغيرها من أسمائه جل وعلا.
ولا يقال: “بَسْمَلَ” إلا لمن قال: بسم الله الرحمن الرحيم، قال عمرو بن أبي ربيعة[2]
لقد بَسْـمَلَتْ ليلـى غداةَ لقيتُها *** فيا حبَّذا ذاك الحبيبُ المُبَسْمِلُ
ب- إعراب ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾:
﴿ بِسْمِ اللَّهِ ﴾: الباء حرف جرٍّ.
(اسم): مجرور بالباء، وعلامة جرِّه الكسرة، وحُذفت منه الألف لفظًا وخطًّا؛ تخفيفًا لكثرة الاستعمال[3]، ولا تُحذف إلا مع لفظ الجلالة؛ ولهذا أُثبتت في قوله تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1][4]
وهو نائب عن المصدر “تَسْميةٍ”؛ كقول القطامي[5]:
أكفرًا بعد ردِّ الموتِ عني *** وبعد عطائِك المائةَ الرِّتاعَا
أي: بعد إعطائك، فأناب “عطاء” عن المصدر “إعطاء“[6]، وهذا كثير في اللغة.
والجار والمجرور ﴿ بِسْمِ ﴾ في محلِّ نصب متعلِّقان بفعل محذوف[7]، قدَّره الكوفيون متقدمًا، نحو: أَبتَدِئُ باسم الله، أو ابتَدِئْ باسم الله، على الأمر، كقوله تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1].
وقدَّره بعضهم متأخرًا؛ نحو: باسم الله أبْتَدِئُ، باسم الله أقرأ.
أو متعلِّق باسم محذوف وقع خبرًا، قدَّره البصريون وأكثر النحْويين متقدمًا؛ نحو: ابتدائي كائن أو مستقر باسم الله، أو ابتدائي باسم الله.
وقدَّره بعضهم اسمًا متأخرًا، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [هود: 41]، فـ﴿ بِسْمِ اللَّهِ ﴾ متعلِّق بـ﴿ مَجْرَاهَا ﴾.
وكل هذه التقادير صحيحة، لكن الأَولى أن يكون المقدَّر فعلًا متأخرًا خاصًّا؛ أي: مناسبًا لما يسمَّى عليه.
فكونه فعلًا؛ لأن الأصل في العمل هي الأفعال، فهي تعمل بدون شروط، أما الأسماء فما يعمل منها كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، إنما يعمل بشروط.
وكونه متأخرًا؛ تيمُّنًا وتبركًا بالبداءة باسم الله، ولإفادة الحصر، وهو إثبات الحكم للمذكور ونفيُه عما عداه؛ أي: أَبتدئ بسم الله وحده دون سواه؛ لأن تقديم ما حقُّه التأخير يفيد الحصر؛ كقوله تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، فالمعنى: لا أقرأ إلا باسم الله، ولا أتوضأ إلا باسم الله، ولا أذبح إلا باسم الله، وهكذا.
وكونه خاصًّا مناسبًا لما يسمَّى عليه؛ ليكون أدلَّ على المقصود، وأبيَنَ للمراد.
فعند القراءة يكون التقدير: باسم الله أقرأ، وعند الوضوء: باسم الله أتوضأ، وعند الذبح: باسم الله أذبح، وهكذا.
ويدل على التخصيص قوله تعالى في الآيتين السابقتين: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ﴾ [هود: 41]، وقوله: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1].
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ومن لم يذبح فليذبح باسم الله))[8].
فقدّر في الآية الأولى اسمًا خاصًّا، وهو ﴿ مَجْرَاهَا ﴾، وفي الآية الثانية فعلًا خاصًّا، وهو ﴿ اقْرَأْ ﴾، وفي الحديث فعلاً خاصًّا وهو “يذبح“.
﴿ اللَّهِ ﴾:[9] لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور، وعلامة جرِّه الكسرةُ الظاهرة على آخره.
﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾: صفتان للفظ الجلالة، كل منهما مجرورة، وعلامة جرها الكسرة الظاهرة على آخرها.
المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »
[1] انظر: “الإقناع” (1 /163).
[2] انظر: “ديوانه” ص(498).
[3] انظر: “معاني القرآن وإعرابه” للفراء (1/1-2)، “مشكل إعراب القرآن” لمكي (1 /65-66).
[4] انظر: “معاني القرآن وإعرابه” للفراء (1/1-2)، “مشكل إعراب القرآن” لمكي (1 /65-66).
[5] انظر: “ديوانه” (41).
[6] انظر: “جامع البيان” (1 /116).
[7] ذكر ابن القيم في “بدائع الفوائد” (1 /25) عدة فوائد لحذف العامل في ﴿ بِسْمِ اللَّهِ ﴾.
[8] أخرجه من حديث جندب بن عبدالله رضي الله عنه البخاري في العيدين (985)، ومسلم في الأضاحي – باب وقتها (1960