لغة الإعلانات
أ. أيمن بن أحمد ذو الغنى
اللوحاتُ الإعلانيَّة، واللافتاتُ الطرقيَّة، من أرقى أدوات التواصُل بين المعلِن والمُستهلِك، وقد تبوَّأتِ اليومَ منزلةً سامِيَة في مَيدان الإعلام التجاري، وصار لها حضورٌ فعَّال في حياة العامَّة، فأنَّى التفَتَ المرءُ يقعْ بصرُه على إعلانٍ ما، وتتنافسُ هذه اللوحاتُ في شدِّ الأنظار وجذبِها إليها؛ من خلالِ الألوان الزَّاهية، والأضواء الباهرة، والعبارات المنمَّقة، ومن خلالِ الاعتماد على صُوَر بعض الشخصيَّات الجماهيرية المحبَّبة.
ومما يحسُن التنويهُ به، ما نراه من توظيفٍ لهذه الوسيلة الحضاريَّة في توجيهِ المجتمع التوجيهَ الإيجابيَّ البنَّاء، الذي يتغيَّا مصلحةَ المواطن، والارتقاءَ بمستوى وَعْيه، كاللوحاتِ التي تحذِّر من التدخينِ وتُظهر مضارَّه، في صور تَعرِضُ عاقبةَ المدخِّنين الوَخيمةَ، أو تلك التي تبيِّن نتائجَ السُّرعة المُفرطة في قيادة السيارات وأخطارَها، في صور معبِّرة مؤثِّرة.
أما الظاهرةُ الغريبةُ التي بدأت تشيعُ وتنتشِرُ عبر هذه اللوحات، فهي اللغةُ المعبِّرةُ عن مضمون الإعلانات، فبدَلَ أن نستفيدَ من هذه الوسيلة الإعلاميَّة المهمَّة للارتقاء بلغة الناس والجيل الجديد؛ باستعمال عباراتٍ إعلانيَّة فصيحة، وجملٍ تشويقيَّة صحيحة، بدأنا نرى لغةً تجاريَّةً إلى الرَّكاكة والضَّعف، بل الأنكى أن الإعلانات صارت تُكتَب باللغة العاميَّة الدارجة، وبعباراتٍ في غاية الإسفاف والانحدار، دونَ مراعاةٍ لذوق الناس، ولا احترامٍ لعقولهم، وهذا أمرٌ خطير، جِدُّ خطير!
إن اللغةَ العربيَّة الفُصحى هي لغةُ ديننا الحنيف، وكتابِ ربِّنا العزيز، ولغةُ تراثنا العلميِّ والثقافيِّ، وهي بعدُ لغتُنا القوميَّة التي نعتزُّ بها ونفتخِر، وهي لغةٌ عبقريَّة حيَّة، قادرةٌ على العَطاء والتجدُّد، وهي رِباطٌ وَثيقٌ يجمع هذه الأمة، من محيطِها إلى خليجِها، وإن اختلفَت أقطارُها وتباعَدَت، ومن هنا أن قال أميرُ الشعراء أحمد شوقي:
ويَجمَعُنا إذا اختَلَفَت دِيارٌ بَيانٌ غيرُ مُختَلِفٍ ونُطْقُ
فإذا ما تهاوَنَّا في شأنِ الفُصحى، ورَضِينا بنشر العاميَّة مكتوبةً، في إحدى أهم وسائل الإعلام، فإن هذا سيُرسِخُ الضَّعفَ اللغويَّ عندنا، وسيعمِّق الهُوَّة بيننا وبين الفُصحى إلى أغوارٍ سحيقةٍ بعيدة، وسيزيد الطِّين بِلَّةً، والخَرقَ اتِّساعًا، في وقتٍ نحن أحوجُ ما نكون فيه إلى ما يوحِّد صفوفَنا، ويؤلِّف بين قُلوبنا، ويجعلُنا جسدًا واحدًا.
وبعدُ، فإن وِزارات الإعلام في بلادِنا ومجامعَ اللغة العربيَّة، ما انفَكَّت تَعقِدُ الندوات، وتُصدِرُ التوصيات والقرارات؛ بضَرورة اعتماد الفُصحى لغةً للإعلام في وسائله المختلِفَة، وتؤكِّد ضرورةَ مراقبةِ لغةِ الإعلانات، واستعمالِ اللغةِ السليمة فيها. ولم يبقَ إلا أن توضعَ هذه التوصياتُ والقَراراتُ في قيدِ التنفيذ والممارسة؛ لنحافظَ على لغتنا العربيَّة سليمةً معافاة، ومن ثَمَّ نحافظُ على هُوِيَّتنا وأصالتِنا.