أ. عبدالله بن محمد بن بدير
نحو منهج للفصحى
ما هو منهج الفصحى؟
منهج الفصحى هو: منهج تعليمي للغة العربية، لكنه تجديدي غير تقليدي، منهج يمكن الطفل من فهم اللغة العربية الأصيلة، والتعبير بها عن الحاجات والأمور المعاصرة.
أولا: الفلسفة الفارقة بين منهج الفصحى ومناهج تعليم اللغة العربية المعتادة:
التعليم الصحيح للغة العربية يكون بالاستعمال اليومي لها، واتخاذها أداة للتعبير والحوار، فيما نسميه نحن «الدرس السلوكي» ويسمونه هم “التواصل الوظيفي” أو “التغطيس”[1].
ما هو الدرس السلوكي؟
موضوع التعليم في الدرس السلوكي – سواء كان ذلك الموضوع لغوياً أم أخلاقياً أم علمياً – يتحول إلى مهارة سلوكية يمارسها المجتمع التعليمي، ويوظّف المزاولةَ الحياتية لها في إتقانها، وفي تحصيل الخبرة بمناحيها التطبيقية الصحيحة النافعة للفرد والمجتمع.
وعندما يتعلق الدرس السلوكي باللغة العربية فهو يعني اعتمادها لغة للحياة، فهي الوسيلة الوحيدة للمتعلم لـ “الإفصاح” عن حاجاته ومشاعره، وهي الوُصلة الوحيدة التي يتواصل بها مع المجتمع التعليمي استماعا وتحدثا، لذا فإننا نختار تسمية هذا المنهج للغة العربية بـ “منهج الفصحى” لأنه يلزم المتعلم بـ “الإفصاح” باللغة العربية.
من ثَم فإنه لا يُسمح للمتعلم ولا لغيره من الموجودين في بيئة المجتمع التعليمي باستخدام أي لغة في الحديث سوى اللغة العربية، سواء كان ذلك في:
1 – موضوع الدرس.
2 – أم في أي شأن يعرض من شئون الدراسة، كامتداح ولد لنجابته وحفز آخر لغفلته.
3 – أم في أي حاجة من حاجات الحياة كالحاجة إلى الماء أو الخلاء أو فتح النافذة أو إيقاد المصباح.
4 – أو في أي حدث يقع كضياع الطلاسة أو انقطاع الكهرباء هلم جرا.
5 – أو في التعبيرات الانفعالية العارضة، كالتألم (= حَسّْ، وليس: أَيّ)، والتعجب (= وَيْ، وليس: هَهْ).
والمهم هو عدم السماح باستخدام أي لغة أخرى في الحديث عامية أو غيرها.
مما يدفع المتعلم إلى حفز قدراته كلها للتعلم ليستطيع التعبير عن حاجاته، والتفاهم والتفاعل مع أعضاء المجتمع التعليمي.
وسواء كان ذلك من الطلاب أم من المعلمين أم من الإدارة والعمال، فالمجتمع التعليمي يجب أن يكون مجتمعا لغويا متحدا.
إذا نحن هنا أمام منهج يعتمد اللغة العربية لغة حياة وليست لغة قواعد ونصوص.
شروط التعليم في منهج الفصحى:
1 – كفاءة المعلمين، وقدرتهم على الحوار بعربية صحيحة.
2 – الدرس السلوكي، بالممارسة العملية والاكتساب الفطري.
3 – التزام المجتمع التعليمي بعدم الخروج عن اللغة العربية في الحوار.
4 – التعليم – أساساً – في سن الاكتساب الفطري للغة، من يوم إلى ست سنوات.
5 – وجود المتعلم في المجتمع التعليمي للفصحى عددا كافيا من الساعات اليومية، (خمس ساعات).
أهمية منهج الفصحى ونتائجه المذهلة:
النتائج المباشرة:
1 – الطفل الذي يتعلم اللغة العربية بالشروط السابقة يستطيع أن يتقن اللغة العربية فهما وتعبيرا.
2 – تنشأ لديه رغبة قوية وجامحة للقراءة، لسهولة فهمه للكلام المكتوب، فهو كلام فصيح.
3 – يتذوق القرآن الكريم والنصوص الأدبية، ويدرك روعة بلاغتها، ويفهم دقائق معانيها.
4 – يتفوق دراسيا بشكل ملحوظ، حتى في المواد غير اللغوية كالرياضيات والعلوم.
النتائج غير المباشرة:
القضاء على الازدواج اللغوي:
إن الإفصاح بالعربية الفصحى يربط بين جانبي لغة المجتمع، الجانب الرسمي والجانب الدارج، مما يقضي في الأجيال التالية على مشكلة الازدواج اللغوي، أما “استعمال العامية في درس العربية -فضلا عن أنه يفقدنا شرطَ التغطيس الضروري في تعليم اللغات (الدرس السلوكي)- فإنه يجعل من مجتمع التعليم ميداناً خصباً للازدواج اللغوي، ويتخذ في قلوب أولادنا حقولا بكرا يستنبت فيها كافة الازدواجات السلوكية، التي تترسخ بعد ذلك في مجتمعنا الكبير.[2]“
القضاء على الازدواج اللغوي:
منهج الفصحى يعلم الأجيال بلغة القرآن والسنة ويغرس في وعيهم ثقافة السلف، فيربطهم بذلك “رباطاً وثيقاً عميقاً بثقافته الحقة، وتنشئ فيه روحا مشتركة تتصل بالرعيل الأول من المسلمين، وتُحسّ من كلام الله تعالى ما كانوا يُحسّون”[3].
وهو مع ذلك يتمثل جوانب الحياة المعاصرة بقدرته على التعبير عنها على وَفق الأصول اللغوية لعصر القرآن والسنة، وقدرته على التعاطي معها على وَفق الأصول الثقافية لذلك العصر الشريف، مما يخرج جيلا من الأمة متماسك الثقافة غير ممزق الانتماء.
تقريظ عبقرية الدنان ونقد إنجازاته:
كان عبد الله بن مصطفى الدنان هو الرجل الذي اكتشف هذه الفلسفة التجديدية، وعمل على تطبيقها على أولاده أولاً، ثم في حضانة تلو الأخرى بعد ذلك، وهو الذي كشف بالدليل العملي إمكانية نجاح التطبيق رغم هيمنة العامية على المجتمع العام، ثم وضع الأسس النظرية لهذه التجربة، مبينا شروط نجاحها.
من ثَم استحق أستاذنا عبد الله بن مصطفى الدنان أن تسخو له النفوس بلقب العبقرية والتجديد، لما أبانه بالتجربة من إمكانية تعليم الفصحى في سن المهد والطفولة المبكرة[4]بالتلقي الشفوي، العفوي، والتعليمي، من أشخاص مدربين يتقنون استخدام اللغة في الحوار اليومي استخداما صحيحا، دونما حاجة إلى الدرس النظري، الذي لا يحسنه غير الكبار إن أحسنوه.
لقد اقتحم الدنان غمار الحل الذي كان يبدو مستحيلاً، وغيّر مفهوم تعليم اللغة العربية السائد برمته، وأبان أن المشكلة كامنة في حلولهم، مشكلة الضعف اللغوي كامنة في حلهم لهذه المشكلة بالدرس النظري، لماذا لا نرجع إلى بادية بني سعد لنتعلم اللغة في الطفولة بالمشاركة الحية في السلوك اللغوي الطبيعي الذي هو جزء من سلوكيات وحاجات الحياة؟
الدنان يواجه مشكلة مستعصية بمقاربة مرنة:
وأما عن المشكلة التي كانت تبدو مستعصية، وهي وجود بيئات عامية أقوى سيطرة على حياة المتعلم، مما يؤدي إلى إهدار جهود تعليم اللغة بالطريقة السلوكية، فإن الدنان أوجد الحل، فالطفل يتعلم أكثر من لغة، وعندما نوفر له الساعات الكافية لتعلم الفصحى فسوف يتعلمها جنبا إلى جنب بجوار العامية، وقد هيأ الله عقله الخطير لعدم الخلط بين قواعد كلتا اللغتين[5]، وقد كان تفكيرنا قبْل الدنان يقف عند هذه النقطة لا يتجاوزها إلى إمكانية إيجاد حلول جديدة.
حالتنا البائسة قبل الدنان:
قبل الدنان كان بعث اللغة العربية حلماً صعب المنال، كانت هناك عدة مشكلات تحول دون تحقيق ذلك الحلم الجميل:
1- اعتماد تعليم اللغة على الدرس النظري.
2- سيطرة اللهجات العامية على لغة الحياة التقليدية.
3- سيطرة المصطلحات والأسماء الوافدة، والأساليب الأجنبية المترجمة؛ على لغة التعليم والثقافة.
فالطفل ينشأ في بيئته العامية ليتعلم عامية عشيرته، ثم يلتحق بسلك التعليم ويطالع قنوات الإعلام فيجد العلم والثقافة مصوغين بلغة أخرى هي خليط متنافر من لغة أمته ولغة مستعمريه!
ويبقى الطفل ثم الإنسان المسلم ممزقا بين لغتين وثقافتين لا رابط بينهما (العامية التقليدية، والعربية المعاصرة التي سيطرت على ألفاظها وأساليبها الصبغة الغربية الوافدة)، ثم هما جميعا تتجاذبانه بعيدا عن لغته وثقافته الحقة الأصيلة التي تعبر عن جذوره ووجهته، فبينما كانت الأولى (العامية) تغذي ملكاته – في المهد – بغير اللغة التي سيتلقى بها التوجيه من كلام ربه، ويتكيف بها مع دينه ونبيه؛ جاءت الثانية (العربية المعاصرة) لتوجهه – عبر قنوات التعليم والإعلام – إلى أوربة، وتعرضه على حياض ثقافتها.
وتبقى – لذلك – نصوص الكتاب والسنة بعيدة المرام عن إدراك المسلمين، وكلما قوي سلطان الثقافتين العامية والغربية ازداد المسلمون عن ذوق القرآن والسنة بعدا، والمراقب يرى أن سلطانهما آخذ في ازدياد.
نقد إنجازات الدنان:
ورغم انبهارنا بإنجازات الدنان، وتقريظنا لعبقريته، واحتذائنا خطاه؛ فإن ذلك لا يمنعنا من نقد عطائه، وتكميل إنجازاته العظيمة.
ما أهمله أستاذنا الدنان:
فأستاذنا الدنان لم يهتم بالمشكلة الثالثة وهي سيطرة الصبغة الغربية الوافدة على مفردات وأساليب العربية المعاصرة، بل لقد صاغ الرجل مفردات اللغة الوافدة وأساليبها في منهجه للفصحى – وإن هو لم ينص على ذلك – فما دام الكلام يأخذ مواقعه النحوية، ويضبط بما يجب ضبطه به نحوا؛ فهو فصيح! الأمر الذي يقتضينا النظر في بواعث هذا الأستاذ الكبير.
بواعث أستاذنا الدنان:
كان أستاذنا الدنان يقلقه حالة الضعف اللغوية والعلمية للطلاب العرب _وهو الرجل الذي أمضى أكثر من ستين عامًا في التربية معلمًا ومدرسًا وأستاذًا جامعياً_ واكتشف أن السبب هو وجود لغتين مختلفتين لدى الطالب العربي: لغة المهد (العامية)، ولغة الكتاب المدرسي (الفصحى المعاصرة)، ومن هنا سجل نقده الآتي:
“الواقع التعليمي واللغوي للتلميذ العربي يسير سيرا معاكسا لطبيعة الخلق، لأنه:
أولًا: لا يتقن لغة المعرفة وهي اللغة العربية، قبل السادسة، أي في الفترة الفطرية لتعلم اللغات.
وثانيا: لأنه يتعلم لغة المعرفة – وهي اللغة العربية – بعد بدء ضمور قدرة الدماغ الهائلة على تعلم اللغات، فيبذل جهدا كبيرا لتعلم لغة المعرفة، كما ينفق [في تعلمها] وقتا طويلا، هو بحاجة ماسة إليه لتعلم المعرفة.
وهكذا يبقى ضعيفا في اللغة العربية، وفي فهم المعرفة المكتوبة بهذه اللغة. انتهى.
إن الباعث على منهج فصحى الدنان هو تهيئة الطفل العربي لكتاب المدرسة، ليستطيع تلقي ما فيه من المعارف من غير أن تحول بينه وبين ذلك الصعوبات اللغوية، من ثم فهو يقول في أسى:“إن التلميذ العربي يشبه الصياد الذي ذهب إلى البحر ونسي شبكة الصيد“[6].
وبرغم أن الرجل سجل بإعجاب شغف ابنته “لونة” في طفولتها الأولى بترداد آيات القرآن الكريم، وعزا ذلك إلى تعلمها للفصحى؛ إلا أنه لم يكن يؤسس لمنهج لغة عربية بمستوى لغة عصر التنزيل من حيث الأصالة، قابل للتطبيق في حوارات حياتنا اليومية الحية من حيث المعاصرة.
كان الدنان يريد تخريج الأطفال على المستوى اللغوي للكتاب المدرسي، ونحن نريد تخريجهم على المستوى اللغوي للكتاب السماوي، ولكنه أعطانا المفتاح الذي كان مفقودا.
ملخص نقدنا لأستاذنا الدنان:
ويتلخص نقدنا لأستاذنا الدنان في:
1 – اقتصاره على الجانب النحوي من اللغة، فهو يحتفل فقط بإعراب الكلمة في جملتها بما يقتضيه موقعها، مما أدى إلى قصور في جوانب أخرى كجانب قواعد الوقف والوصل مثلا.
2 – مبالغته في الجانب النحوي بما يَخرج عن عرف اللغة العربية أصلا، وذلك في وقفه على العبارة بإظهار الحركة التي يقتضيها الإعراب، والواجب أن يقف بالسكون.
3 – اقتصاره على عربية العصر الحديث، بغرض تأهيل الطفل لعربية الكتاب المدرسي، مما أخل بسائر المميزات الاصطلاحية للغة عصر التنزيل، مع كونها في غاية الأهمية لإنجاز حوار دارج بسيط كالذي يدعو إليه أستاذنا الدنان، فلم يُعن مثلا:
أ- بتصرفات اللغة ذكرا وحذفا وتقديما وتأخيرا هلم جرا. مثل: ﴿ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ﴾ [النساء: 176]، قَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَ.
ب- ولا بتعابيرها المسكوكة، مثل: صَهْ، وَىْ! حَسّْ!! مَهْيَمْ؟ صَكَّةُ الْأَعْمَى، إِمَّا لَا.
ج- ولا بعباراتها الوظيفية، مثل: لِيَهْنِكْ، وَيْحَكْ، هَلُمْ، سَوَّهْ! مُرّْ! وَإِنَّكَ لَهُنَاك؟! وَلَا زَعَماتِك!
د- ولا باختياراتها التعبيرية، مثل: أَخِّرْ عَنِّي، أَبْصِرْ شَأْنَكَ، دَعْنَا مِنْك! عَلَى رِسْلِك! مَا يُولِعُكَ بِكذا؟
ه- ولا بمسالكها التخاطبية، مثل: حُجَيَّاكَ ما في يَدي؟ إمَّا هَلَكَ الْهُلْكُ، بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ.
و- ولا بإسناداتها التركيبية، مثل: حَمِيَ مِنْ ذَلِكَ أَنَفا، لَمْ يَرُعْنِي إِلَّا…
ز- ولا بأساليب السَّوق والترصيف، مثل: البخاري (5224): “وَلَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ”، ومسلم (537): “فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ”. وأحمد (23388): “وَاللَّهِ إِنِّي لَأُرَاكَ جَلِيسَ سَوْءٍ مُنْذُ الْيَوْمِ، تَسْمَعُنِي أَحْلِفُ وَقَدْ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَنْهَانِي”، لم يقل: وَلَا تَنْهَانِي.
4 – ولم يُعن أيضًا بإحياء المعاني اللغوية للحروف، كمعنى اللام في: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ﴾ [الأحقاف: 11]. ومعنى من في: ﴿ وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ ﴾ [الزخرف: 60].
5 – كما لم يُعن كذلك بتسمية الأشياء المستجدة التي يكثر وجودها حول الطفل بأسماء عربية، ولم يلفت إلى أهمية ذلك، مثل البسكويت، الآيس كريم، الشوكولاتة، الشيبسي، الكاراتيه، الكيك، البازل، البمبز، الكوتشي، الشبشب، البرمودا، الفستان، البلوزا، التوكا، الشامبو، البانيو، الدش، الشاشة، الريموت، الريسيفر، الفيلم، اللاب، الأيباد، الكاميرا، الألبوم، الكومودينو، الأباجورا، الفريزر، الميكروويف، هلم جرا.
وهي أسماء أعجمية ذات كثرة كاثرة كما ترى، ولا بد من دخولها في أحاديثنا التعليمية مع الطفل، مما يسهم في تعليمه عربية مشوهة، أو “سقيه لبنا مغشوشا” كما يعبر أستاذنا الدنان.
إنه لا يغني عن العربية شيئا أن نضع على الكلام الأعجمي الحركات الإعرابية، وقد سعيت للبرهنة على ذلك بقرض هذه الأبيات الثلاثة مزاوجا بين العربية والإنجليزية، ضابطا كليهما بالنحو العربي:
لَا تَشْرَبِ الْ (وُوتَرَ) ( بِتْ … وِينَ) الطَّعَامْ
(دُنْتِ) الْإِسَاءَةَ (تُو) صَدِي … قِكَ وَالْخِصَامْ
أَنَا نَاصِحٌ (تُو يُو) … فَكُنْ لِي، وَالسَّلَامْ
الفرق بين منهج الفصحى ومناهج تعليم اللغة العربية المعتادة:
في الطريقة والمحتوى:
يختلف منهج الفصحى عن مناهج تعليم اللغة العربية المعهودة في:
1 – الطريقة، فمنهج الفصحى عملي تكتسب فيه مهارات اللغة من خلال الممارسة العملية للحوار الطبيعي حول الأنشطة العادية، والحوار المصمم حول الأنشطة الموجهة.
2 – وكذلك يختلفان في المحتوى، فمنهج الفصحى يتمتع بلغة أصيلة معاصرة، تعبر بشكل طبيعي عن تراثنا، كما تعبر أيضا عن عصرنا.
فهو يعمل على التعبير عن الأغراض العصرية بأساليب وتقاليد اللغة العربية المعيارية، بعد تعريب أسماء المسميات المستجدة، وإحياء أسماء المسميات القديمة، وعمل المقاربات اللغوية اللازمة مثل إعطاء كل فرد من أفراد الحقل الدلالي الواحد اسما يخصه لتتحقق سهولة التفاهم[7]، مثلا:
يقول الوالد لابنه وهما خارجان:
• وَيْحَكَ أَتَلْبَسُ النَّعْلَةَ (الشبشب) وَقَدْ أَمْطَرَتِ السَّمَاءْ؟ (يلاحظ الوقف بالسكون)
• حَسَنًا! سَأَلْبَسُ النَّعْلَ (الصندل) إِنَّنِي أُحِبُّهَا! (يلاحظ تأنيث “النَّعْل” في “أُحِبُّهَا” وفي “وَلَا هَذِهْ” الآتية)
• وَلَا هَذِهْ! عَلَيْكَ بِالثُّبَّاتِ (الكوتشي) فَإِنَّهُ أَحْزَمْ.
مميزات لغة منهج الفصحى:
تختلف لغة منهج الفصحى عن لغة مناهج تعليم اللغة العربية المعهودة:
1 – لغة منهج الفصحى مستلة – في المسميات والأغراض القديمة- من لغة عصر التنزيل، ومبنية – في المسميات والأغراض الجديدة- على لغة عصر التنزيل؛ لتبقى لغة القرآن حية، ويتعمق الشعور بها لدى المتعلمين، أما لغة المناهج المعهودة فغالبا ما تبنى على العربية بدون تحديد زمني، مما يجعل كثيرا من كلمات القرآن غريبة بيننا، من مثل – واقتصرنا على التمثيل من قصار السور- ﴿ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1]، ﴿ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ﴾ [الفلق: 3]، ﴿ اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ [الإخلاص: 2]، ﴿ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ ﴾ [العلق: 15].
2 – لغة منهج الفصحى مستوعبة لمسميات وحاجات العصر لكن بطريقة مخصوصة هي تعريبها بما يتماشى مع لغة عصر التنزيل، ولغة المناهج المعهودة غالبا ما تترك ما من التراث للتراث وما من العصر للعصر، ولا تتحاشى من الغزو الكاسح للأعجمي والدخيل في المفردات والأساليب.
3 – لغة منهج الفصحى مبنية من العبارات الوظيفية، والاختيارات التعبيرية، والمسالك التخاطبية، والنظم التركيبية، وأساليب السَّوق والترصيف؛ التي اصطلح عليها المتكلمون في عصر التنزيل، وهيئوها لإنجاز الحوار وإسعاف التفاهم.
أما لغة المناهج المعهودة فمبنية غالبا من القواعد التجريدية، التي تصلح لعربية أي عصر، ولا تعبر عن الخصوصية والعبقرية المتفردة للغة عصر التنزيل.
لغة المناهج المعهودة مبنية أيضا على النصوص السردية الرسمية كالخطب والقصائد والرسائل التي لا تعطينا مكنة الحوار العادي السهل، من ثَمَّ فهي لا توقفنا على دارجة الفصحاء التي كانوا يتحاورون بها في عصر التنزيل، والتي تؤهلنا لخوض الحوار الفصيح وتعلم اللغة بالطريقة الصحيحة التي كشف عنها أستاذنا الدنان، وهي طريقة الممارسة اللغوية الحياتية للغة المدروسة أثناء الدرس على الأقل، فهذه الطريقة تقتضي أن يكون الحوار حول أي شيء في موضوع الدرس أو خارج موضوعه بالفصحى، فما دام هناك كلام بين المعلم والطلاب فلابد أن يكون بالفصحى، إذا نحن نحتاج إلى لغة حوار سهلة وجاهزة، تكون غنية بالعبارات الوظيفية التي تنجز التخاطب، وهذا أمر لا تتيحه القواعد والنصوص الرسمية التي يتكون منها المنهج الاعتيادي.
وحتى النصوص الحوارية القليلة التي توجد في مناهجنا الاعتيادية، فهي لا تصلح لأنها غير منتقاة بحيث تفي بالمهم من العبارات الوظيفية للحوار، وغير موجهة بحيث يضمن المنهج تدرب المتعلم على هذه العبارات بالشكل الكافي.
ناهيك عن أن المنهج أصلا لم يصمم لتكوين المهارة السلوكية للغة، ولم يضع لذلك التدريبات والوسائل التعليمية الملائمة، ولا أعطى في تقويماته النهائية الأولوية الازمة لهذه الناحية، ولا حتى أعد المعلم القادر على محادثة تلاميذه بالفصحى!
أهداف منهج الفصحى:
1 – التعليم السلوكي للغة، بحيث يترجم التعليم إلى سلوك هو “الإفصاح”.
2 – تعليم فصحى عصر التنزيل.
3 – جعل فصحى عصر التنزيل شاملة للغة عصر التنزيل ولغة العصر موافقة بينهما.
4 – جعل فصحى عصر التنزيل صالحة لمجتمع لغوي متكامل، باشتمالها على جوانب اللغة الثلاثة: العلمية، والأدبية، والدارجة.
5 – جعل فصحى عصر التنزيل لغة حية، تُمارس في شئون الحياة داخل المجتمع التعليمي، تمهيدا لجعلها لغة المجتمع بأسره في أجيال تالية.
ثانيا: أدوات منهج الفصحى:
لما كان منهج الفصحى يزاول اللغة ويبني بها الملكة، فقد اتخذ الأدوات الملائمة لهذه الغاية، ويمكن أن نلخص تنوعاتها في أهم مظاهرها، وهو المزاولة الشفهية والحوار اليومي.
على النقيض تجد المناهج الاعتيادية تعمل على فهم القواعد وحفظ المفردات ومعانيها، لذا تجد أن أهم أدواته هي الاستظهار والتطبيق التحريري.
عند التصميم:
تختلف أدوات منهج الفصحى عن أدوات المناهج الاعتيادية منذ الإعداد لتصميم المنهج، فلا بد من تصميمه على لغة الحوار إضافة إلى لغتي العلم والأدب.
فعند تصميم المنهج لا بد من رعاية خصيصته الفارقة التي ذكرناها مرارا، وهي أنه منهج “يزاول اللغة ويبني بها الملكة” فلا بد أن يولي اللغة الحوارية التخاطبية الحية أكبر قيمة في محتواه، دونما تقصير في النواحي السردية، وذلك بأن:
1 – يحلل “دارجة عصر التنزيل” وهي لغة الحوار المصطلح عليها في ذلك العصر، ويسجل أدواتها التعبيرية، من العبارات الوظيفية، والاختيارات التعبيرية، والمسالك التخاطبية، والنظم التركيبية، وأساليب السَّوق والترصيف، ثم يعيد صوغ هذه الأدوات في حواراتنا المعاصرة.
2 – يحلل العاميات المعاصرة لاكتشاف العبارات الاصطلاحية السائدة في خطابنا ومقابلتها بما ذكرناه في النقطة السابقة من البدائل الفصحى المناسبة.
3 – يحلل قواعد النحو والصرف لصياغتها صياغة حسية؛ لبناء قواعد نحو وصرف حسية يستطيع المتعلم المشافه إدراك سماتها الفارقة بحاسة السمع، إلى درجة الاقتدار على تكوين ملكة يحتذيها في إفصاحه باللغة.
عند التعليم[8]:
تفسير المفردات:
التفسير في المستويات الدنيا من الحضانة:
1 – التفسير نوع من الشرح، نحتاج فيه إلى استخدام أدوات التوضيح والتشويق العامة كالإيحاءات المتنوعة التي بيناها هناك، لكن التفسير مع هذا يختص بأدوات توضيح وتشويق أخرى نستخدمها معه، من أجل ذلك أفردناه بهذا العنوان الفرعي.
2 – والحق أنه يمكننا اختصار أدوات التوضيح والتشويق الجديدة في أداتين رئيسيتين تحتهما أنواع كما يلي:
3 – الاستحضار للواقع (في الأسماء)، ويكون هذا الاستحضار بـ :
أ: استحضار ذات الشيء، عندما يكون ذلك ممكنا ولو مع بذل جهد محتمل، كأن نتجه بالأولاد نحو النافذة لنشير إلى الشجرة وحن نردد: شجرة! شجرة! أو أن نخرج بهم إليها في الفناء؛ لأن ذلك يجعل التعليم واقعيا راسخا.
ب: استحضار صورة الشيء، وذلك حيث يصعب استحضار الشيء بعينه في الواقع، مع انتفاء الحرج الشرعي في التصوير، ويكون التصوير الأفضل هو التصوير المتحرك (فيديو) لما فيها من الصوت والحركة، مثلا: شلَّال.
ج : استحضار صوت الشيء، إذا أتينا بصورة غير متحركة (ليست فيديو) فسيكون الصوت ظهيرا جيدا معها، مثلا: مطر، نشير إلى الصورة ونشغل الصوت. وعندما يتعلق الأمر باسم يحرم تصويره شرعا فسينفرد الصوت وحده، مثل: طفل.
د : استحضار المعنى! عندما يكون المسمى معنويا، وليس حِسِّيًّا كالمسميات السابقة، وذلك مثل: «عَوْنٍ» في جموع السكون، س: كيف نفسر للأولاد قولنا: «عَوْنٌ عَوْنُ؟ … أَعْوَانُ!»؟؟ جـ : نستدعي موقفا تعاونيا، مثل: «مَنْ يُعِينُنِي عَلَى نَقْلِ الْمِنْضَدَةِ؟ أَيْنَ الْأَعْوَانُ؟ يَا عُمَرُ، كُنْ عَوْنًا لِي!».
4 –تصميم المواقف الحقيقية (في الأفعال)، مثل:
أ : موقف بسيط مثل: نخلع نعلا أو قلنسوة أو قفازا ونحن نرد: خَلَعَ، خَلَعَ.
ب : موقف مركب مثل: تصميم مواقف حقيقية بين الأولاد تتحقق فيها القصة القصيرة للفعل، وهذه الوسيلة من أنفع وسائل التفسير، بل لولاها لكان موضوع إحياء العربية الفصحى لغة للحوار اليومي أمرا خياليا مستحيل التحقيق، فهي تكشف للأولاد بهذا البيان الاستعمالي البديع عن معنى كلمة يصعب على أكثر الكبار استجلاء معناها بالبيان النظري المعتاد، وهي الفعل «شَرِكَ» انظر النشيد الأيسر، فالموقف الحقيقي جعل الفعل «شرِك» كلمة واقعية مستخدمة بسهولة في لغة الأولاد اليومية.
شَرِكَ
شَرِكَتْنِي أُخْ تِي
فِي أَكْلِي مَرْحَى
مَرْحَى بِكِ يَا أُخْتِي
5 – ومن الأمثلة التي تجمع بين أنواع من وسائل التوضيح والتشويق العامة والخاصة:
1 – أثناء التَّرداد نؤكد ربط اللفظ بالمعنى مستخدمين.
6 – الإيحاء الحركي، كأن:
أ : نتشمم بأنوفنا بالتذاذ ونحن نردد: مِسْكٌ، مِسْكُ.
ب : نربِّت على أكتافنا ونحن نردد: كَتِفٌ، كَتِفُ.
ج : ونمشي بضعف وتثاقل ونحن نردد: هَرِمٌ ، هَرِمُ.
د : نتراجع في خوف ونحن نرد: فَزِعٌ، فَزِعُ.
ه : نفغر أفواهنا مشدوهين ونحن نردد: فَغَرَ،فَغَرَ .
و : ونديم النظر منجذبين ونحن نردد: هَطَعَ، هَطَعَ .
2 – الاستحضار للواقع مع الصورة، ونبذل في ذلك الجهد المناسب، ، فهذا من أنفع الوسائل لتفسير المعاني، بوضوح وسهولة مثلا:
أ : نربِّتَ على جذع شجرة مجاورة ونحن نردد: جِذْعٌ، جِذْعُ.
ب : أو نخرج نصف جنيه من جيوبنا مع ترديد: نِصْفٌ، نِصْفُ. هلم جرا.
ج : نصنع لهم الـ (كاستر)، ونخفيه، ثم نقدمه لهم ونحن نردد: سِرِ/ سِرِ >> سِرِطْرَاطْ.
د : عند تناولنا الدجاج نقدم لهم الـ (الزلمُكّة)، ونحن نتنادى بها «زِمِكَّى! زِمِكَّى!» وهكذا.
3 –نعمل على تصميم مواقف حقيقية بين الأولاد تتحقق فيها القصة القصيرة لكل فعل، من هنا يتحقق الأولاد من معنى كلمة تصعب على أكثر الكبار كالفعل «شَرِكَ»، ويستخدمونها بسهولة في لغتهم اليومية.
4 –الاستعانة بتسجيلات صوتية مناسبة، كأن نشغل صوت طفل رضيع أثناء ترديد: طِفْلٌ ، طِفْلُ.
التفسير في المستويات العليا من الحضانة:
أهم نصوصنا على الإطلاق هي نصوص الوحي القرآن والسنة، وإذا كانت المناهج الاعتيادية تشرح مفرداتهما شرحا معجميا، فإن منهج الفصحى يعمق الشعور اللغوي والروحي في نفس المتعلم بهذه النصوص الشريفة بما يغرسه قبلا في ملكاته من معرفة بحالات هذه المفردات الإعرابية والاشتقاقية، ومزاولته لها في نصوص التعليم، ومخاطبات الحياة.
مثلا:
1 – كَانَ الْفَأْرُ يَضْحَكُ وَيُغَنِّي، فَلّمَّا سَمِعَ مُوَاءَ الْقِطِّ خَنَسَ وَعَاذَ بِجُحْرِهِ.
2 – خَرَجْنَا إِلَى الرِّحْلَةِ فِي فَلَقِ الصُّبْح، وَعُدْنَا إِلَى الْمَنْزِلِ فِي غَسَقِ اللَّيْل.
3 – الْكَهْرُبَاءُ مُنْقَطِعَة، نُرِيدُ أَنْ نُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ ثُمَّ نَرْجِعَ سَرِيعًا قَبْلَ أَنْ يَقِبَ اللَّيْلُ، إِذَا وَقَبَ اللَّيْلُ والْمَصَابِيحُ مُطْفَأَةٌ فَلَنْ نَرَى شَيْئًا.
كل هذا وكثير غيره يجعل الطفل يقترب من لغة ﴿ أَعُوذُ ﴾ [الناس: 1]، ﴿ الْخَنَّاسِ ﴾ [الناس: 4]، ﴿ غَاسِقٍ ﴾ [الفلق: 3]، ﴿ وَقَبَ ﴾ [الفلق: 3].
ويمكن ملاحظة الكلمات التي رسمنا تحتها خطا في النص التالي وعلاقتها بمفردات القرآن:
“وأَنِفُوا أَنْ يُحْمَلُوا قَسْرًا على أَمْرٍ يَكْرَهُونَهُ، وَهُمُ الذين ما خضعوا لِذِي سُلْطَانٍ أبدا، لم يَدِنْهُمْ كِسْرَى، ولا استعبدَهم قَيْصَرُ، فكيف يَرُبُّهُم ذلك الْمَرْءُ الحَبَشِيُّ الْأَسْوَدُ! فَشُغِلُوا بما أَهَمَّهم مِنْ ذلك، حتى كان سَمَرَ نَوَادِيهم، وَحَدِيثَ رُكْبَانِهم، فَكَأَنَّهُمْ فِي بَعْضِ مَجَالِسِهِمْ قَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض.
• نَحْنُ مَعَاشِرَ الْعَرَبِ مَا خَضَعْنَا لِذِي سُلْطَانٍ أَبَدَا!
• وَاللهِ مَا دَانَنَا كِسْرَى!
• وَلَا اسْتَعْبَدَنَا قَيْصَرْ!
• فَكَيْفَ يَرُبُّنا ذَلِكَ الْمَرْءُ الْحَبَشِيُّ؟!
• أَوَلَوْ كَانَ أَسْوَدَ مَشْقُوقًا أَدِيمُ وَجْهِهْ!
• هَيْهَاتَ!! هَيْهَاتْ!!
• وَايْمُ اللهْ! لَقْدْ مَنَّتْ أَبْرَهَةَ نَفْسُهُ أَمْرًا لَا يَكُونْ!
فَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ ذَلِكَ، حَتَّى أَهَاجَ الغَيْظُ رَجُلًا مِنْ بَنِي كِنَانَةَ؛ فَحَمَلَهُ عَلَى أَنْ دَخَلَ القُلَّيْسَ فَأَحْدَثَ فِيَهَا، ثَمَّ لَطَّخَ بِعَذِرَتِهِ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ هَيْكَلِهَا، وَمَوَاضِعِ التَّقْدِيسِ مِنْهَا.”
تعليم القواعد الحسية للنحو والصرف:
مثال من رياض الأطفال:
1- غُرْفَةٌ وَغُرْفَةٌ وَغُرْفَةٌ؟؟← غُرَفُ!
2- لُعْبَةٌ وَلُعْبَةٌ وَلُعْبَةٌ؟؟ ← لُعَبُ!
3- رُكْبَةٌ وَرُكْبَةٌ وَرُكْبَةٌ؟؟ ← رُكَبُ!
4- صُورَةٌ وَصُورَةٌ وَصُورَةٌ؟؟ ← صُوَرُ!
الأداء مع الأطفال:
ملحوظة: لا يجوز في درس الجموع أن نخلط بابا من الجمع بآخر، فلا يجوز استحضار شيء مما مضى من جموع الفتحة، هنالك باب من الجمع وههنا باب آخر، وخلط باب بغيره سيعرقل التعليم.
1 – يقول أحد الوالدين أو المعلمة المساعدة: غُرْفَةٌ وَغُرْفَةٌ وَغُرْفَهْ؟؟ بنبرة استفهام قوية، وتعبيرات وجه موحية مثيرة للفضول.
2 – نصل الأولى والثانية بتاء منونة، فيكون صورة النطق هكذا: «غُرْفَتُنْ»، أما الأخيرة فنقف عليها بالهاء الساكنة هكذا: «وَغُرْفَهْ».
3 – ستجيب الأم أو المعلمة المساعدة: غُرَفْ!
4 – إذا لم يكن ثم معلم مساعد، نستحث – بتكرار الخطوة الأولى – الأولاد النجباء أن يجيبوا، إذا كنا واثقين أنهم سيجيبون بالصواب.
5 – وإلا فنجيب نحن في الوقت المناسب، قبل أن تفتر حماسة الأولاد.
6 – وأيا ما كان الأمر فعلينا أن نردد هذا السؤال الأول وإجابته عدة مرات، مع تغيير الصوت، والتحول من أول الفصل إلى آخره ثُم إلى وسطه، والتركيز مرة على الأولاد ومرة على البنات، كل هذا وغيره الكثير مما سيهتدي إليه القارئ بموهبته التربوية؛ لكيلا يفقد الأولاد حماستهم مع تكرار نفس السؤال.
7 – ثم ننشد والأولاد ينشدون وراءنا عدة مرات، مع توضيح الحروف والحركات جدا:
غُرْ/ فَـ / ـهْ … غُرَ/ فُـ / ـنْ
غُرَفٌ! غُرَفُ!
8 – الغرض من كل هذا التَّكرار ترسيخ أسلوب الحلّ في الوعي الباطن للأولاد، بما يعزز من قدرتهم على التعرف ذاتيا على حل الأسئلة التالية.
9 – نتبع نفس الأسلوب في إلقاء السؤال التالي، وتأخذين وقتا أقل في تَكراره.
10 – في نهاية النماذج الأربعة، ننشد جميعا النشيد فقط، خاليا عن الأسئلة.
غُرَفٌ! غُرَفُ! لُعَبٌ! لُعَبُ!
رُكَبٌ! رُكَبُ! صُوَرٌ! صُوَرُ!
11 – نراوح بين النشيد الأول، المحتوي على المفرد والجمع، والنشيد الآخِر المقتصر على الجمع فقط.
12 – نحرص على إعطاء فرصة كبيرة للتكرار، فالتكرار الصحيح هو الذي يربي المَلَكَات.
13 – نثير المنافسة الحميدة بين الأولاد والبنات أي الفريقين سيكون أفضل إنشادا.
14 – نتيح وقتا في النهاية للمواهب الفردية، تختارين فيه نجباء الفصل للإنشاد، إلى أن يتم تمكين النشيد وسائر أهدافه في نفوس الأولاد.
15 – نتناول أسماء جديدة على نفس الميزان، مع الحرص على كون مسمياتها محسوسة قريبة من مدركات الأطفال:
نُقْطَهْ | نُقْطَهْ نُقَطٌ نُقَطُ
قُمْرَهْ | قُمْرَهْ قٌمَرٌ قٌمَرُ
حُفْرَهْ | حُفْرَهْ حُفَرٌ حُفَرُ
نُزْهَهْ | نُزْهَهْ نُزَهٌ نُزَهُ
حُجْرَهْ | حُجْرَهْ حُجَرٌ حُجَرُ
استحثاث التلاميذ على الأداء اللغوي:
الاستماع الصحيح له أهمية كبيرة في بناء «الكفاية اللغوية» للأولاد، فمن خلاله ترتسم الصيغ ومعانيها في وجدانهم، وتسجل المفردات والمركبات في «مِلْغَاتِهم»، أعني في ملكاتهم اللغوية، ولكن يبقى دور «الأداء اللغوي»، الذي ندرب فيه الأولاد على نطق واستخدام «كفايتهم اللغوية»، في حوار حقيقي ينجحون في إنجازه.
إذن لا بد أن نشرك الأولاد معنا في الكلام، لينخرطوا في الحوار معنا باندفاع وانفعال طبيعيين غير مفتعلين.
ويمكننا أن نوجز الطرق التي ندمج بها أولادنا في إنجاز «أداء» لغوي فيما يلي:
1 – أداء بسيط: ويكون ذلك بترداد كلامنا بحروفه، وهو أداة أساسية في منهجنا وغيره من المناهج، غير أننا نكسبه:
أ : نوعا من الأصالة باختيار الكلمة الأصيلة.
ب : ونوعا من الصدق بربط الكلمة بسياق لغوي واقعي مناسب ومفهوم للأولاد.
ج : ونوعا من الجاذبية بإدراج غالب كلامنا في قوالب إنشادية.
2 –أداء مركب: يعتبر الأداء المركب هو المختبر الحقيقي لاختبار وتحسين مدى قدرة أولادنا على استخدام «كفايتهم» اللغوية بنجاح في إنجاز «أدائهم اللغوي»، أعني: مدى قدرتهم على إخراج ما يرتسم في الملكات ليُنطق على الألسنة.
وينقسم الأداء المركب إلى هذه الأقسام:
أ : الحوار المثار بالأسئلة، مثلا:
• مَاذَا فَعَلَتْ أُخْتِي؟
• شَرِكَتْكْ.
• فِي أَيِّ شَيْءٍ شَرِكَتْنِي؟
• فِي أَكْلِكْ.
• مَاذَا أَقُولُ عِنْدَمَا تُرِيدُ أُخْتِي أَنْ تَشْرَكَنِي فِي أَكْلِي؟
• مَرْحَى! مَرْحَى! بِكِ يَا أُخْتِي!
شَرِكَ
شَرِكَتْنِي أُخْ تِي فِي أَكْلِي مَرْحَى مَرْحَى بِكِ يَا أُخْتِي |
ب : الحوار المثار بالأدوار: في هذه الطريقة نختار حوارا قصيرا سهلا، مكونا من:
(1) مقولة رئيسية سائلة.
(2) ومقولة ثانوية مجيبة.
الصعوبة النسبية تكون في المقولة الرئيسية، وهي التي ننطقها نحن أولا لإعطاء الأولاد فرصة الاستماع قبل المحاكاة، وأما الأولاد فعليهم إجابتنا بالمقولة السهلة.
وبعد نجاح الحوار وتَرداده جماعيا، نبدأ في مزاولته فرديا، بنفس الطريقة، لكن مع زيادة أنه قبل بداية الحوار الفردي نقول للطفل: هَذَا دَوْرِي! ثم نسأل بالمقولة الرئيسية، وهو يجيب بالمقولة الثانوية، وبعد الانتهاء نعكس الدور ليتم تبادل المقولات، فنقول للطفل: جَاءَ دَوْرُكْ! على الطفل عند ذلك أن يسأل بالمقولة الرئيسية، لنجيب نحن بالمقولة الثانوية، ثم نقول: جَاءَ دَوْرِي! ونكرر إلى المدى المناسب.
مستويات إنجاز الحوار:
لإدماج الأولاد في الحوارات بشكل متدرج يُسَهِّل نجاحهم في إنجاز الحوار؛ يجب إبراز الحوار لهم في عدة مستويات قبل تعريضهم لصعوبات موقف الحوار الفردي المباشر، ويتم هذا التدريج -في شكله الكامل[9]– هكذا:
1 –الحوار بيننا نحن الكبار أولا، الوالدين أو المعلمة والمعلمة المساعدة، مع تَكرار يسمح بإدراك الأولاد لشكله، وإشراك الأولاد بترداد المقولات واحدة واحدة بشكل منفصل، لا بشكل الحوار.
2 –الحوار بيننا وبين الأولاد جماعيا، ففي هذا المستوى يشترك كل الأولاد في التجاوب معنا، مما يجعل نجباءهم يجيبون، فيساعد ذلك سائر الأولاد على المشاركة بمضاهاة النجباء.
3 –الحوار الفردي بيننا وبين النجباء أولا، ثم نعكس الأدوار، حيث يؤدي النجيب المقولة الرئيسية مرة ونحن مرة.
4 –الحوار بالدور المعكوس بيننا وبين الأولاد جماعيا، حيث يؤدي الأولاد جميعا المقولة الرئيسية مرة ونحن مرة.
5 –العودة إلى الحوار الفردي بيننا وبين سائر الأولاد، ثم نعكس الأدوار، حيث يؤدي الطفل المقولة الرئيسية مرة ونحن مرة.
6 –الحوار الفردي بين ولدين نجيبين، ثم نعكس الأدوار، حيث لا نشارك نحن إلا بالتوجيه وإدارة النظام.
7 –الحوار الفردي بين جميع الأولاد، حيث نؤاخي بين ولدين ولدين، نجيب وعادي، مع إعطاء الدور الأول للنجباء، ثم نعكس الأدوار.
وواضح أن هذا التدريج يتعلق بحوار الأداء المركب، حيث إن هذا النوع من الحوارات هو الذي يمثل صعوبة ما على الأولاد، أما حوار الأداء البسيط، فالتدريج فيه بسيط مثله، فهو يقتصر على أننا نبدأ، مستخدمين ما يلزم من إيحاءات وأدوات الشرح والتفسير، والأولاد يرددون، مع التَّكرار.
ثالثا: ملخص الخصائص والفروق:
تلخيص الفروق بين منهج الفصحى والمناهج الاعتيادية:
1 – في منهج الفصحى نتعلم اللغة عمليا من خلال الحوار الواقعي، وفي المناهج المعهودة نتعلمها نظريا من القواعد والمفردات والنصوص.
2 – في منهج الفصحى نتعلم اللغة في سياقاتها الطبيعية حيث نتحاور حول الأشياء في واقعها، وفي المناهج المعهودة نتعلمها غالبا بمعزل عن السياق حيث نكتفي بالقواعد التجريدية والنصوص التاريخية.
3 – في منهج الفصحى نتعلم اللغة اكتسابا في السن المناسبة من عمر الطالب لاكتساب اللغة (الحضانة أساسا والابتدائية تكميلا)، وفي المناهج المعهودة نتعلمها نظريا في السن المناسبة لتعلم النظريات (من الابتدائية إلى الجامعة).
4 – في منهج الفصحى نتعلم اللغة قبل التعليم فتساعدنا في التعليم، وفي المناهج المعهودة نتعلمها مع التعليم فتعوق التعليم.
5 – في منهج الفصحى نتعلم اللغة من أجل التعبير عن الحاجات الطبيعية للمتكلم، ومن أجل كونها وسيلة للتعلم، وفي المناهج المعهودة تُجعل غالبا غاية دراسية بذاتها، فتكون بذلك موضوعا إضافيا للتعليم يزيد أعباءه.
6 – غاية منهج الفصحى غاية عملية سلوكية، تعتني بالحوار الدارج في أمور الحياة وتربط بينه وبين روعة النصوص السردية البليغة، مع الاحتفاظ لكل مستوى بمميزاته الخاصة التي لا توهن من الصلات العميقة بينهما، ولكن المناهج المعهودة تبدو دائرة في فلك الناحية النظرية التجريدية، لا تعير السلوك اللغوي الدارج أدنى اهتمام.
7 – يعمل منهج الفصحى على محاصرة الازدواج اللغوي والقضاء عليه في النهاية، بما يوفره من مستويات لغوية متنوعة ومتكاملة تصلح لمجتمع لغوي متنوع ومتكامل، وهي المستويات العلمية والأدبية والدارجة، أما المناهج العادية فلا تقدم خطة جادة للقضاء على الازدواج اللغوي.
تلخيص الفروق بين منهج فصحى أستاذنا الدنان، ومنهج الفصحى الذي نريده:
1 – غاية منهجنا تأهيل الطالب لفهم الكتاب السماوي، وغاية أستاذنا الدنان تأهيله لمجرد فهم الكتاب المدرسي.
2 – في منهجنا نربط برباط وثيق بين لغة العصر ولغة التاريخ؛ لأننا نبني هذه على تلك، كما لو أن العرب الأوائل ما زالوا أحياء يتحدثون بلغتهم الأولى في عصر جديد، فهم يضعون بسليقتهم أسماء جديد لكل مسمى جديد، ويسوقون بملكاتهم أحاديث طريفة لكل حادث طريف، وهذا الربط اللغوي له غاية الأهمية في الربط النفسي والانتمائي بين خلف الأمة وسلفها، ولكن في منهج أستاذنا الدنان ينفك الارتباط اللغوي ما بين تاريخنا وواقعنا، لغزارة ما يعتمده من: الأسماء الأعجمية، والأساليب المترجمة.
3 – يعمل منهجنا للفصحى على محاصرة الازدواج الثقافي، وتمثل الصالح من التنوعات الثقافية القائمة لإدراجه ضمن ثقافتنا في النهاية، وذلك بما يوفره من ارتباط وثيق قائم على الامتداد الطبيعي بين ما هو أصيل وما هو معاصر؛ حيث يوفر الوسيط اللغوي الموحد الذي يحتضن هذا الارتباط، ببنائه للغة معاصرة قائمة على لغة عصر القرآن والسنة، أما منهج أستاذنا الدنان فلم يُعن بإحياء لغة السلف واكتفى بالعربية المعاصرة، ومن ثَم تبقى الازدواجية الثقافية قائمة بين ما هو تراثي وما هو معاصر.
هذا والحمد لله أولاً وآخراً ظاهراً وباطناً
المصدر: شبكة الألوكة
[1] تعرف هذه الطريقة باسم التواصل الوظيفي (functional notional &communicative approach) أو التغطيس أو الحمام اللغوي أو الاستغراق (Immersion or Submersion) انظر “نظرية تعليم اللغة العربية بالفطرة والممارسة تطبيقاتها وانتشارها” لعبد الله بن مصطفى الدنان (ص: 198)، وأصحاب هذه التسميات يقصرون هذه الطريقة على تعليم اللغة، ونفضل نحن تسميتها بـ “الدرس السلوكي”، وجعلها فلسفة تعليمية شاملة لتعليم اللغة وغيرها.
[2] انظر مقالتنا “الفصحى الدارجة” منشورة حتى تاريخ الثلاثاء، 17 ربيع الأول، 1439، على مدونات عبد الله بن بدير.
[3] المرجع السابق.
[4] يقول الدنان: كشف العلماء اللغويون النفسيون أن الطفل يولد وفي دماغه قدرة هائلة على اكتساب اللغات، هذه القدرة الهائلة تمكن الطفل من كشف القواعد اللغوية كشفا إبداعيا ذاتيًا، وتطبيق هذه القواعد ومن ثم إتقان اللغة. هذه القدرة تمكن الطفل من إتقان لغتين أو ثلاث لغات في آن واحد. هذه القدرة الهائلة تبدأ بالضمور بعد سن السادسة وتتغير برمجة الدماغ تغيرًا بيولوجيا من تعلم اللغات إلى تعلم المعرفة. ا. هـ..
[5]ونُرى أن ذلك مرهون بمستوى التمايز بين خصائص اللغتين، في كافة العناصر من مفردات وأساليب وقواعد نحوية وصرفية وصوتية، وإلا فإن ضعف التميز في بعض هذه العناصر –وهو الأمر الذي وقع فيه الدنان نفسه_ سيضعف من التمايز بين اللغتين مما يعرض الطفل للخلط بين خصائصهما، كما سجل بعض التربويين.
[6] يقول الدنان عن منهجه: يحقّق ما يلي:
1 – اختصار الحصص المخصّصة للغة العربية في المنهج الدراسي.
2 – تخصيص الوقت المختصر لتعليم الرياضيات والحاسوب واللغة الأجنبيّ.
3 – إنشاء جيلٍ عربيٍّ محبّ للعلم والمعرفة والمطالعة والبحث متعلّقٍ بلغته عاملٍ على نشرها.
4 – إشاعة محبّة اللغة العربية وإدراك حلاوتها وبلاغتها، وذلك بتكريس حصص اللغة العربية للمطالعة وتنمية القدرة على النقد الأدبي من خلال مناقشة أفكار القصص والقصائد والنصوص الأدبية الأخرى.
5 – تحقيق مستوى عالٍ من التعلّم الذاتي لأن الطلبة يفهمون ما يقرأون.
6 – عدم حاجة الطلبة في المراحل التعليمية إلى استظهار الملخصات المعدّة للكتب، والتوجّه بدلًا من ذلك إلى الكتاب نفسه لفهمه فهمًا عميقًا وتلخيصه تلخيصًا ذاتيًّا.
7 – اختصار سنةٍ جامعيةٍ كاملةٍ بحيث يتمكّن الطالب من التخرّج من الجامعة خلال ثلاث سنوات وليس أربعًا كما هو الواقع الآن. انتهى “نظرية تعليم اللغة العربية بالفطرة والممارسة تطبيقاتها وانتشارها” لعبد الله بن مصطفى الدنان (ص: 196).
[7] يقول الإمام محمد الخضر حسين: “ولواضع المصطلحات أن يقصر اللفظ المشترك على أحد معانيه … ولواضع المصطلحات فيما إذا اختلفوا، ولم يظهر وجه لترجيح رأي على غيره: أن يأخذ بالرأي الذي يناسب الاصطلاح …”، انظر: موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين، (6/ 1/ 236).
[8] من كتابنا في فصحى الحضانات تحت الإعداد.
[9] بحسب مستوى الأولاد يمكن اختصار بعض الخطوات.