د. عبدالله معروف
الباعث المعرفي على دراسة اللسان العربي
“الملخص”:
نروم – من خلال هذه الورقة – البحثَ في الدوافع المعرفية التي جعلت اللُّغويين العرب يُقعِّدون لسانهم، وينشئون علومًا استفاد منها مَنْ جاء بعدَهم في الدراسات اللِّسانية الحديثة، وهذا أمرٌ جليٌّ لا يُنكره إلَّا جاحدٌ، فلماذا فكَّر اللُّغويون الأوائل في إنشاء علومٍ للعربية؟ وما هي العوارض المعرفية التي حدَّدت منهجهم في الدراسة؟ وما هي العلوم اللِّسانية التي وضعوها ابتداءً؟
تقديم:
لقد كان اهتمامُ اللُّغويين العرب بدراسة اللِّسان العربي من اهتمامهمبالقرآن الكريم، وهذا يظهر بجَلاءٍ في خُطب مؤلَّفاتهم؛ إذ تجدهم يؤكِّدون على أن الغرض من هذه المصنَّفات خِدْمةُ كتاب الله عز وجل؛ ومِنْ ثمَّ فالنصُّ المخصوص بالوصْفِ هو الكتاب المنزَّل باللِّسان المبين، وما ورُود كلام العرب إلَّا للاستشهاد به في تفسير الظواهر، والاستدلال على الاطِّراد في القواعد.
وحِرْصًا من العرب على الحفاظ على لسانهم المبين الذي اختاره الله عز وجل وِعاءً لهذه الرسالة الخاتمة – ولاسيَّما بعد دخول الأعاجم فيالإسلام، وانتشار اللَّحْن على مستويات متعدِّدة (الصوتية والنحوية وغيرها) – عَمَدَ اللُّغويون إلى جمْع لسانهم لحفْظِه من التشويه والتحريف، ولفَهْمِ القرآن الكريم، والوقوف على معانيه، والإحاطة بدقائقه، أضِفْ إلى هذا رغبة اللُّغويين في أن يلتحق بهم غيرُ العرب في تعلُّم اللِّسان العربي؛ ليسهُل عليهم التعامُل مع القرآن تلاوةً وفهمًا ودراسةً، وبهذا كان لنزول كتاب الله عز وجل دورٌ أساسيٌّ في نشأة العلوم اللِّسانية العربية؛ حيث عَكَفَ العلماءُ على دراسةِ أصواتها ومفرداتها، ووصْفِ تراكيبها، وألَّفُوا في ذلك كُتبًا لضبْطِها وروايتها، ووضعوا القواعد التي تَصِفُ هذا اللِّسان وصْفًا مُحكمًا ودقيقًا.
وقد انْتهج علماءُ العربية للقيام بذلك منهجًا مُتميِّزًا في البحث اللُّغوي، مُعتمدين على ذوقهم، وإعمال العَقْل، ودقَّة الملاحظة، وكان ذلك في إطار الدراسة القرآنية، فكان لهم فَضْلُ السَّبْق في الوقوف على كثيرٍ من الظواهر الصوتية والصرفية والنَّحْوية التي أفادت المحدثين إفادةً جمَّةً، ولاسيَّما الغرب، فسبقت الأمةُ العربيةُ غيرَها من الأُمَم في التقعيد اللِّساني بمستوياته الصوتية والصرفية والنَّحْوية والدِّلالية.
وحسبُنا في هذا المقام أن نتناول الدافع وراء ظُهور الدرس الصوتي (علم الأصوات)، والدرس النَّحْوي (التركيب) عِلْمَين من علوم اللِّسان العربي، ونضع بهذا العمل البسيط الأساسَ لطرْح أسئلة عن الأُسُس المعرفية الأولى والإشكالات التي انبنى عليها هذا الصَّرْحُ الكبيرُ من العلوم، والكَشْف عن سرِّ بقاء هذا اللِّسان حيًّا دون عِلَّةٍ ولا نَقْصٍ على مرِّ العصور، فإنْ أصبْنا بعضَ الذي رُمْنا إليه فهو المبتغى، وإلَّا فحسبُنا إثارة الإشكال؛ لأنَّ معرفة الإشكال فتحٌ مِن الله، وعِلْمٌ في حدِّ ذاته.
1) الباعث على جَمْع القرآن الكريم وإعجامه:
مِن الأكيد أن الدافع إلى نشأة عِلْم اللِّسان عند العرب – كما سبقت الإشارة – مرتبطٌ بنُزُولِ القرآن الكريم وفسادِ السليقة؛ لاختلاط أقْحاحِ العرب بالعَجَم، وإسلام الموالي؛ فقد ذكَر ابنُ جنِّي أنَّ رجلًا لحَنَ بحضْرة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: ((أرشِدُوا أخَاكُمْ؛ فَقَدْ ضَلَّ))[1]، فعدَّ اللَّحْنَ في الكلام ضلالةً؛ لأنه قد يُؤدي إلى لَحْنٍ في القرآن، وقد أورد ابنُ عساكر أن أعرابيًّا قَدِم زمن عمر بن الخطاب، فقال: من يُقْرئني ممَّا أُنزل على نبيِّه صلى الله عليه وسلم؟ فأقْرأه رجلٌ من سورة براءة: ﴿ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ﴾ [التوبة: 3] بكسر ورسولِه، فقال الأعرابيُّ: أوقد بَرِئ اللهُ من رسوله؟ إنْ يَكُن اللهُ قد بَرِئ من رسولِه، فأنا أبرأُ منه، فبلغ عمرَ مقالةُ الأعرابي فدعاه، فقال: يا أعرابي، أتَبْرأُ مِن رسول الله؟ قال: يا أمير المؤمنين، إني قدمْتُ المدينةَ، ولا عِلْمَ لي بالقرآن، فسألتُ مَنْ يُقْرئني، فأقرأني هذا سورةَ براءةٍ، وقصَّ عليه الخبرَ، فعَلَّمَه عمرُ، ثم قال: لا يُقرئ القرآنَ إلَّا عالمٌ باللُّغة[2]!
فاشترط الخليفة عمر على مُقْرئ القرآن العِلْمَ باللِّسان العربي؛ لأنه وِعاءُ القرآن الكريم الذي يُعَدُّ دستورَ المسلمين، ويشمل شريعتَهم ودليل عباداتهم ومعاملاتهم، وهذا الدستور صالحٌ لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، ومَتْنُه محفوظٌ بأمر الله عز وجل؛ يقول تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، محفوظٌ بعُمُومه لفظًا ومعنًى، وقد قيَّد له اللهُ عز جل رجالًا عَكَفُوا على خِدْمته لتحقيق مُرادِ الله تعالى في استمراره؛ فهذا عثمانُ رضي الله عنه سعى في جمْع مَتْنِه بعدَ حروب الرِّدَّة في مصحف سُمِّي باسمه، وكان الخطُّ الذي كُتِبَ به خاليًا مِن النقط؛ لهذا لم يكُنْ في مَأْمَنٍ مِن التصحيف والتحريف، على الرغم مِن كون جمْع المتْنِ اللَّبِنةَ الأساسيةَ في التَّقْعيد للِّسان، ويُعَدُّ أبو الأسود الدؤلي أوَّلَ مُشتغِلٍ بهذا المتْن؛ حيثُ وضَعَ أساسًا للحركات الإعرابية باستعمال النقط؛ فقد روي أنه قال لكاتبه: “خُذِ المصحفَ وصِبْغًا يُخالفُ لونَ المداد، فإذا فتحْتُ شفتي فانقُطْ واحدةً فوقَ الحَرْف، وإذا ضممْتُها فاجعل النُّقْطة إلى جَنْب الحرف، وإذا كسرْتُها فاجعل النُّقْطة في أسْفَلِه، فإنْ أتْبعْتُ شيئًا من هذه الحركات غُنَّةً فانقُطْ نُقْطتَين”، فابتدأ بالمصحف حتى أتى على آخره، وانتشرت هذه الطريقة في ضَبْط القرآن الكريم إعرابًا إلى نهاية القَرْن الثاني الهجري عندما اقترح الخليلُ الحركاتِ الإعرابيةَ المتداولة اليوم؛ فجعل الضمَّ واوًا صغيرةً فوق الحرف، والكسرةَ ياءً مردودةً تحت الحرف، والفتحةَ ألِفًا مائلةً فوق الحرف، ووضَعَ علاماتٍ للهمزة والتشديد والرَّوم والإشمام[3]، كما عمِل تلامذةُ أبي الأسود الدؤلي على الفصْلِ بين الحروف المتشابهة في الصُّوَر بوضْع النُّقَطِ عليها أزواجًا وأفرادًا؛ فوضع نصْرُ بنُ عاصم الليثي، ويحيى بن يَعْمُر للباء واحدةً في الأسفل، وللتاء اثنتين من أعلى، وهكذا في بقية الحروف على ما نجده اليوم[4].
هكذا كان نزولُ القرآن وتكفُّلُ اللهِ عز وجل بحفْظِه – الدافعَ للاعتناء به كتابةً وإعرابًا، مِنْ خلال الاهتمام بفنِّ الخطِّ وتطويره، والحركات الإعرابية؛ حيثُ سخَّر الله عبادَه لخِدْمة وجَمْع مَتْنِه في مصحفٍ، وإعجامِ حروفه المتشابهة بوضْع نُقَطٍ عليها لبيانها، وضبْطِ إعرابه بإنشاء حركاتٍ إعرابيةٍ لألفاظه؛ لتلافي اللَّحْن، والمساهمةِ في ضَبْطِ الدِّلالة لما تقوم به الحركةُ الإعرابيةُ من دورٍ مُهِمٍّ في بيان رُتْبة الكَلِم وتحديد المعنى.
هذا بخصوص المصحف وحفظه.
ولما كانت تلاوةُ القرآن الكريم وتجويدُه أمرًا تعبُّديًّا مأمُورًا به جُلُّ المسلمين، فإنَّ هذا استدعى الاهتمام بأصواته وصفاتها، وحيثُ إنَّ القرآن مُنزَّلٌ بلسان عربيٍّ فإنَّ أصواته هي أصوات اللِّسان العربي، وهذا أدَّى إلى ظهور عِلْم الأصوات.
2) علم الأصوات العربية، دواعي الظهور والنشأة:
أمر اللهُ عز وجل عبادَه بترتيل القرآن العظيم، وإجادةِ نُطْقِه دون لَحْنٍ وتحريفٍ في التلفُّظ بأصواته، وهذا أمرٌ لا يُتاح إلَّا بالدُّرْبة والمشافهة وفق قواعدَ مُحدَّدةٍ ومُقرَّرةٍ يستطيع بها غيرُ ذي السليقة العربية نُطْقَ الأصوات العربية بالكيفية السليمة؛ ولهذا ظَهَرَ عِلْمٌ جليلٌ يُيسِّر قراءة القرآن بإعطاء كلِّ حرفٍ منه حقَّه ومُستحقَّه في مَخْرجه وصفاته، وهذا العلمُ لم يستأثر به علماءُ التجويد والقراءات فقط، بل اهتمَّ به علماء اللِّسان أيضًا فنجده أساسًا لبعض الدراسات المعجمية، وعند علماء الصرف وعلماء النحو وغيرهم، ولا ضيرَ ما دام الكلُّ يعمَل لخدمة كتاب الله عز وجل ودينه.
وقد وُسِمَتْ مصنفاتُ علماء القراءة والتجويد والرَّسْم والضَّبْط بأنها أكثرُ الكُتُب احتفاءً بالمادة الصوتية العربية؛ وذلك لابتغائها الدِّقَّة في تأدية كلمات القرآن الكريم قراءةً وتدوينًا إلى حدٍّ جعل بعضَ الباحثين يذهبون إلى أن هذه المؤلَّفات انفردت بالدرس الصوتي وأغْنَتْهُ[5]، على أنها أفادتْ من علم النحو عامَّةً، ومن كتب سيبويه خاصَّةً؛ يقول برجستراسر: “كان علم الأصوات في بدايته جزءًا من النحو، ثمَّ استعاره أهلُ الأداء والمقرئون”، وزادوا فيه تفصيلاتٍ كثيرةٍ مأخوذة من القرآن الكريم[6].
والحقُّ أن القراءات والتجويد يمثلان الجانب التطبيقي الوظيفي للدراسات الصوتية، وقد ظهرت في مرحلةٍ مبكِّرةٍ من تاريخ حضارتنا العلمي صَدْعًا بالأمر الإلهي: ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 4]، وصولًا إلى الوجه الأمثل لهذه التلاوة، ووصْفًا لأوجه الأداء المختلفة التي تبدَّت في القراءات القرآنية، وانطوى عليها الرسم العثماني للمصحف، لكنها اقتصرتْ بادئ الأمر على المشافَهة والتلقين دون الكتابة والتدوين، ثمَّ ظَهَرَتْ مصنَّفات القراءات القرآنية التي عنيتْ ببيان وجوهِ الأداء المختلفة معزوَّةً إلى ناقليها، ووجوه الأداء هذه تشتمل على الكثير من الظواهر الصوتية، كإدغام المتماثلين والمتقاربين وإظهارهما، ونبْر الهمْز وتسهيله وإبداله وحذفه، وإمالة الألف والفتحة وفتحهما…، إلى غير ذلك مما يدخل تحت ما يُدعى اليوم بعلم وظائف الأصوات[7].
ويُعتبر كتابُ أبي عبيد القاسم بن سلام (224هـ) الذي جعل القرَّاء خمسةً وعشرين قارئًا – أولَ كتابٍ في القراءات[8]، أمَّا أولُ كتابٍ وصلنا في هذه الفنِّ فهو: كتاب السبعة لابن مُجاهد (324هـ) شيخ الصَّنْعة، وأول من سبَّع السبعة، وجاءت بعده كتب القراءة تقفو أثَرَه، وتنهَل من مَنْهَلِه على اختلاف عدد القُرَّاء في كلٍّ منها[9].
أما فنُّ التجويد فأولُ مَن صنَّف فيه – على ما يبدو – موسى بن عبيدالله ابن خاقان (325هـ) صاحب القصيدة الخاقانية في التجويد[10]، وهي تضمُّ واحدًا وخمسين بيتًا في حُسْن أداء القرآن الكريم[11]، وقد شرحها الإمام الداني (444هـ) صاحب التصانيف العديدة في القراءات والتجويد، ولعلَّ من أهمها في هذا الباب رسالته: “التحديد في الإتقان والتجويد”[12]، التي ضمَّنها بابًا في ذِكْر مخارج الحروف وآخَرَ في أصنافها وصفاتها، ثم أتى على ذكر أحوال النون الساكنة والتنوين عند جميع حروف المعجم، وأفرد بابًا لذكْر الحروف التي يلزم استعمال تجويدها وتعمد بيانها وتخليصها؛ لتنفصل بذلك من مشبهها على مخارجها[13].
ومِن أقدم ما وصَلَنا بعد القصيدة الخاقانية رسالة: “النبيه على اللَّحْن الجلي واللَّحْن الخفي”؛ لأبي الحسن علي بن جعفر السعيدي المقرئ (461هـ)، وهي ذات موضوع طريف يتعلَّق بنُطْق الأصوات العربية، ويكشف عن الانحرافات النطقية الخفية التي يُمكن أن يقعَ فيها المتكلِّمُ، لاسيَّما قارئ القرآن الكريم؛ حيث يتطلَّب الأمرُ عنايةً خاصَّةً بأداء الأصوات[14].
ومما ينحو نحوَها كتابُ بيان العيوب التي يجب أن يتجنَّبها القُرَّاء، وإيضاح الأدوات التي بُني عليها الإقراء لابن البناء (471هـ)، وهو لا يقتصر على بيان الانحرافات النُّطْقية في الأصوات والعَجْز عن أدائها وبيان كيفية علاجها، إنما يتجاوز ذلك إلى معالجة موضوعاتٍ أخرى تتعلَّقُ بكيفيات الأداء، وبيان العادات الذميمة المتعلِّقة بالهيئات والجوارح، مع توضيح معايب النُّطْق الخاصة ببعض الأصوات، ممَّا يدخل في بابي أمراض الكلام، والأصول الواجب مراعاتها عند القراءة[15].
على أن أوسعَ ما وصَلَنا في علم التجويد كتاب: “الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق التلاوة”[16]؛ للإمام المقرئ أبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي (437هـ) صاحب التصانيف الجليلة في علوم القرآن والعربية، وقد جمع فيه صاحبُه فأوعى، ثم زاد فأربى على كلِّ مَنْ تقدَّمَه، وفي ذلك يقول: وما علمت أنَّ أحدًا من المتقدِّمين سبقني إلى تأليف مثل هذا الكتاب، ولا إلى جَمْع مثل ما جمعتُ فيه من صفات الحروف وألقابها ومعانيها، ولا إلى ما أتبعتُ فيه كلَّ حرفٍ منها من ألفاظ كتاب الله تعالى، والتنبيه على تجويد لفظه والتحفظ به عند تلاوته[17].
وتتابعت بعد ذلك رسائل التجويد تقفو أثرَ ما تقدَّم، ولعلَّ أبرزها ما وضعه الإمام ابن الجزري (833هـ) المقرئ المشهور، وله في هذا الباب أكثرُ من أَثَرٍ، من ذلك كتابه: “التمهيد في علم التجويد”[18]، وقد تناول فيه كلَّ مسائل التجويد، وضمَّ إليها بابًا في الوقْف والابتداء، وآخرَ في معرفة الظاء وتمييزها من الضاد[19]، ومن ذلك أيضًا قصيدته المعروفة بالمقدِّمة الجزرية، وهي أرجوزةٌ في ثمانية ومائة بيت في التجويد والرسم والوقف والابتداء …، وقد تداولها مَن خلفه بشروح عديدة[20]، أذكر منها: “الحواشي المفهمة في شرح المقدمة”؛ لأحمد بن الجزري (827هـ) ابن الناظم، و”الدقائق المحكمة في شرح المقدمة الجزرية”؛ لزكريا بن محمد الأنصاري (926هـ)[21].
ولم يستأثر علماء التجويد والقراءة بالتأليف والاهتمام بالدرس الصوتي، بل كان للُّغويين السَّبْقُ إليه، ولعلَّ أولَ فكرٍ صوتيٍّ وصَلَ إلينا من جيلِ الرُّواد المتقدِّمين ما يتمثلُ في تلك الإرهاصات اللِّسانية الأولى التي يُعَدُّ أبو الأسود الدُّؤلي رائدًا من رُوادِها، وعَلمًا من أعلامها، فقد حاول هذا العالم أن يَضَعَ رموزًا لجانب مُهِمٍّ من جوانب الدرس الصوتي، ونعني به: الحركات، ذلك أن العرب – ومعَهُم السَاميون – لم يُعيروا هذا الجُزءَ مِن الأصوات اهتمامًا ذا بالٍ، ممَّا أدَّى إلى وقوع الخطأ في تِلاوةِ القرآن الكريم، فعزم أبو الأسود على وضْع الحركات منْعًا لهذا الخطأ.
وقد جَرَتْ بعْدَ هذه المحاولة التي نهض بها هذا العالم – محاولاتٌ أُخَرُ لا تقِلُّ عنها أهميةً وشأنًا، منها على سبيل المثال: محاولة يحيى بن يَعْمُر، ونَصْر بن عاصم، التي هدفتْ إلى إصلاح نظام الكتابة العربية عن طريق وضْعِ نظامِ الإعجام والنَّقْط؛ وذلك من أجل التمييز بين الحروف المتشابهة في الرسم؛ كالحاء، والجيم، والخاء، وغيرها …، ممَّا يُؤدي إلى تَيْسير عملية القراءة، ودَفْع اللَّبْس في نُطْق الحروف التي يجمعها رَسْمٌ واحدٌ متشابه[22].
أما الخليل بن أحمد فيُعدُّ “إمام علماء الأصوات العرب؛ فقد قدَّم للفكر الصَّوتي العربي أهمَّ أُسسِه ومبادئه …، وكان الخليل مِن أوائل العرب والمسلمين الذين قدَّموا دراسةً دقيقةً للجهاز الصوتي، وهو الحَلْق والفم إلى الشفتين، وتقسيمه إياه إلى مناطق ومخارج، ويختصُّ كلٌّ منها بحرفٍ أو مجموعة حروف …”، وقدَّم الخليل أولَ تصنيفٍ للأصوات العربية حسب مخارجها، فابتدأَ بحروف الحَلْق، وتدرَّجَ في الصُّعُود حتَّى انتهى بحروف الشفتين، وجاء تلميذُه سيبويه، وأضاف إلى مخارج الأصوات طريقةَ نُطْقِها مِن حيث الشدَّةُ والرَّخاوةُ، وما بينهما، ووضع الأوتار الصوتية، وما ينتج عنها من جهْرٍ أو هَمْسٍ.
وقدَّم ابن جنِّي لمحاتٍ بارعةً في مجال الدَّرس الصوتي، وكان أحد العلماء العرب القدامى الذين التفتوا إلى القيمة التعبيرية للصَّوْت، فقال: “اللُّغة أصواتٌ يُعبِّر بها كلُّ قومٍ عن أغراضهم”[23]، وقد بيَّن ابن جني مفهوم الصِّلة بين اللفظ والمعنى في أربعة أبواب من كتابه: “الخصائص”[24]، فهو في باب الاشتقاق الأكبر يُشير إلى أن أصوات المادة الواحدة – مهما كان ترتيبُها – ترتدُّ إلى معنًى واحدٍ، وأخذ يُعزِّز هذه النظرية بكثيرٍ من الشواهد[25]، ولكنه يستدرك بأن العلاقة بين الألفاظ ومعانيها لا تطَّرد في كلِّ الألفاظ، وتحتاج إلى إحاطة تامَّةٍ، وتلمُّسٍ ذكيٍّ[26]، وتحدَّثَ في موقعٍ آخرَ في “الخصائص” بأن تقارب الأصوات ناتجٌ عن تقارب المعاني، فكلُّ كلمةٍ اشتركتْ مع أخرى بحرفين، وتقارَبَ مخرجُ الحرف الثالث فيهما – أدَّى ذلك التَّشابه الصوتي إلى تشابُه المعنى، فقال: “من ذلك قوله سبحانه وتعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ﴾ [مريم: 83]؛ أي: تُزعِجُهم وتُقلِقُهم، فهذا في معنى تهزُّهم هزًّا، والهمزة أُخت الهاء، فتقارَبَ اللفظان لتقارُب المعنيين، وكأنهم خصُّوا هذا المعنى بالهمزة؛ لأنها أقوى من الهاء، وهذا المعنى أعظمُ في النفوس من الهزِّ[27].
وقد أفاد ابنُ جني في آرائه الصوتية من كتاب سيبويه وكتب القراءات، فقد صرَّح في أول كتابه “المحتسب” أنه أفاد مِن كتاب أبي حاتم السجستاني في القراءات، وكتاب أبي علي محمد بن المستنير قُطرب[28]، كما أفاد من معاني القرآن للفرَّاء، واعتمد على ما كتب مجاهد في الشواذ، واحتجَّ بالقراءات على آرائه وتفسيراته الصوتية[29].
مِن خلال هذا المحور حاولنا بيان ارتباط علم الأصوات العربي بقراءة المتْن القرآني؛ لأن تلاوته هي الدافع وراء اهتمام اللُّغويين والقرَّاء بوصف الأصوات والتقعيد لها، ولم يكن التقعيد الصوتي هو العلم الذي ظهَر بظهور القرآن، بل يُمكننا القول: إن القرآن دفعَ العرب إلى العناية بعلومٍ شتَّى تهمُّ كلَّ مستويات الدرس اللِّساني، ومن بينها النحو.
3) النحو العربي: دواعي النشأة والتطور:
3 – 1- علم النحو:
يُعرف علم النحو بأنه: “علم بأصول تُعرفُ بها أحوالُ الكلمات العربية؛ مِن حيث الإعرابُ والبناء”؛ أي: من حيث ما يُعرض لها في حال تركيبها، فبه نعرف ما يجب أن يكون عليه آخرُ الكلمة من رفعٍ، أو نصْبٍ، أو جرٍّ، أو جزْمٍ، أو لزوم حالةٍ واحدةٍ بعد انتظامها في الجملة، فهو يُراقب الوظيفة التي تشغلها الكلمة في التركيب: أهي فاعلٌ، أم مفعولٌ، أم مبتدأٌ، أم خبرٌ …، فالعنصرُ النَّحْويُّ يُساعد على فَهْم وظيفة كلِّ كلمة في التركيب؛ لأنه يهتمُّ بدراسة العلاقات المطَّردة بين الكلمات في الجملة، والوصول إلى معناها ودلالتها[30]، و”النحو نظامٌ من المعاني والعلاقات التي تتحكَّم في معنى الجملة العربية”[31]، وإذا ما استطاع الدَّارسُ أنْ يُحلِّلَ الجملةَ، وأن يفهمَ مكوناتها فإنَّه يأمن اللَّبْس، والإعراب في اللغة العربية يقوم بدورٍ رئيسٍ في تحديد الوظائف النحوية للكلمات من خلال حركاته التي تُفرِّق بين كلمة وأخرى بالاشتراك مع العنصر الصَّرفي الذي يُميِّز الاسمَ من الفعل والحرف، اقرأ الآية الكريمةَ الآتيةَ: ﴿ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ﴾ [التوبة: 3]، فهذه الآية – كما ذكرنا – أخطأ في قراءتها كثيرون، ولعلَّ خطأَهم كان ناتجًا من عدم فَهْم التركيب، ومن عدم القدرة على فَهْم الوظائف النحوية للكلمات، وقد أخطأ بعضُ العرب قديمًا في ضبطها فعطفوا (رسوله) على المشركين، فكان المعنى: أن الله بريء من المشركين ومِن الرسول! فهذا لم يُرِدْهُ الله، ولن يرِيدَه، وهي قراءةٌ إنْ أصرَّ عليها إنسانٌ تُخرِجهُ من الملَّة؛ لهذا فإن ظهور النحو كان بباعثٍ دينيٍّ يتجلَّى في حِرْص المسلمين على قراءة القرآن قراءةً سليمةً وفَهْمِ دلالته، وخاصةً بعد فشوِّ اللَّحْن الذي أخذ في الظُّهور منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم -كما أشرنا – غير أنه كان لا يزال قليلًا في صدْر الإسلام، وكلَّما تقدَّمنا مُنحدرين اتَّسع شيوعُ اللَّحْن على الألسن، خاصةً بعد تعريب غير العرب…، وكل ذلك وغيره جعل الحاجة تمسُّ في وضوح إلى وضْع تقعيد يُعرف به الصوابُ مِن الخطأ في الكلام خشيةَ دخول اللَّحْن وشيوعه في تلاوة آيات الذِّكْر الحكيم؛ هذا دَفَعَ إلى التفكير في وضْع النحو، وتقرير قواعد تنتظم في قوانين قياسية من استقصاء دقيق للعبارات والتراكيب الفصيحة وأوضاعها الإعرابية.
وقد اختلفت الآراء فيمن نسبتْ إليهم الخطواتُ الأولى في وضْع النحو العربي؛ يقول السيرافي: “اختلف الناس في أول من رَسَم النحو، فقال قائلون: أبو الأسود الدؤلي، وقيل: هو نصر بن عاصم، وقيل: بل هو عبدالرحمن بن هرمز، وأكثرُ الناس على أنه أبو الأسود الدؤلي”، وتضطرب الروايات في السبب المباشر الذي جعل أبا الأسود يُؤلِّف في النحو لأول مرة، فمن قائل: إنه سمِع قارئًا يقرأ الآية الكريمة: ﴿ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ﴾ [التوبة: 3] بكسْرِ اللام في رسولِه، فقال: ما ظننتُ أمرَ الناس يصل إلى هذا، واستأذن زياد بن أبيه والي البصرة “45-53هـ”، وقيل: بل استأذن ابنه عبيدالله واليها من بعده “55-64هـ” في أن يضعَ للناس رسْمَ العربية، وقيل: بل وفد على زيادٍ، فقال له: إني أرى العربَ قد خالطت الأعاجمَ، وتغيَّرت ألسنتُهم، أفتأذن لي أن أضع للعرب كلامًا يعرفون به كلامَهم؟
وقيل: بل إن رجلًا لحن أمام زياد أو أمام ابنه عبيدالله، فطلب زياد أو ابنه منه أن يرسم للناس العربية، وقيل: إنه رسمها حين سمِع ابنته تقول: ما أحسنُ السماءِ! وهي لا تُريد الاستفهام؛ وإنما تُريد التعجُّبَ، فقال لها قولي: “ما أحسنَ السماءَ!”، وفي رواية أنه شكا فسادَ لسانها لعلي بن أبي طالب، فوضع له بعض أبواب النحو، وقال له: انحُ هذا النحو، ومن أجل ذلك سُمِّي العلم باسم النحو.
وقد يُشرك بعضُ الرواة معه في هذا الصنيع تلميذيه نصر بن عاصم وابن هرمز؛ إذ يقول الزبيدي: “أول من أصَّلَ النحو وأَعْمَل فِكْرَهُ فيه أبو الأسود ظالم بن عمرو الدؤلي، ونصر بن عاصم، وعبدالرحمن بن هرمز، فوضعوا للنحو أبوابًا، وأصَّلوا له أصولًا، فذكروا عوامل الرفع والنصب والخفض والجزم، ووضعوا باب الفاعل والمفعول والتعجُّب والمضاف”[32].
وذهب بعض الباحثين – منهم شوقي ضيف[33] – إلى أنَّ هذا مِن عَبَث الرواة الذين ظنُّوا أنه وضع النحو، وهو إنما رسم إعراب القرآن الكريم عن طريق نقْط أواخر الكلمات فيه، وحمل هذا الصنيع عن أبي الأسود تلاميذُه من قُرَّاء الذكر الحكيم، وفي مقدمتهم نصر بن عاصم وعبدالرحمن بن هرمز ويحيى بن يعمر، وعنبسة الفيل، وميمون الأقرن، فكلُّ هؤلاء “نقطوا المصحف، وأُخِذ عنهم النَّقْط، وحُفِظ وضُبِط وقُيِّد وعُمِل به، واتُّبِع فيه سُنَّتُهم واقتُدي فيه بمذاهبهم”[34]، وأضافوا إلى ذلك عملًا جليلًا أحاطوا به لفظ القرآن الكريم بسياجٍ يمنع اللَّحْن فيه، مما جعل بعض القدماء يظنُّ أنهم وضعوا قواعد الإعراب أو أطرافًا منها، وهم إنما رسموا في دِقَّة نقط الإعراب لا قواعده، كما رسموا نقط الحروف المعجمة مِن مثل: الباء والتاء والثاء والنون.
وعلى الرغم من هذا التردُّد بين الرواة والمؤرِّخين في الحسم في واضع هذا العلم، إلَّا أن المتفق عليه بينهم أن مرحلة الوضْع والتكوين كانت للمدرسة البصرية، ولم تظهر المدرسة الكوفية إلَّا في طور النشوء والنمو، لينضج العلم ويستوي على سُوقه في ظلِّ النقاشات بين المدرستين “البصرية والكوفية” ليعرف العلم تطوُّرًا مُهِمًّا في طور الترجيح والبسْط في التصنيف بظهور مجموعة من المدارس؛ كالبغدادية، والأندلسية، والمصرية، والشامية، ويصعُب الفصلُ بين هذه الأطوار تاريخيًّا؛ لأنها متداخلةٌ، ولا يتأتَّى إلَّا بتحديد طبقات الروَّاد مُرتَّبةً[35]؛ فمن روَّاد المدرسة البصرية نجد: ابن أبي إسحاق، وعيسى بن عمر الثقفي، وأبي عمر بن العلاء، ويونس بن حبيب، والخليل بن أحمد، وسيبويه، والأخفش وتلاميذه، والمبرِّد وأصحابه، وأمَّا رواد مدرسة الكوفة فمنهم: الكسائي وتلاميذه، وهشام بن معاوية الضرير، والفراء وثعلب وأصحابه، وأمَّا رواد المدرسة البغدادية فمنهم: ابن كيسان، والزجَّاجي، وابن علي الفارسي، وابن جنِّي، أمَّا في الأندلس، فقد برز ابن مضاء القرطبي، وابن عصفور، وابن مالك، أمَّا المدرسة المصرية فمن روَّادها: ابن الحاجب، وابن هشام[36].
ولعلَّ الداعي إلى ظهور هذه المدارس هو تعدُّد الاجتهادات والأدلة في القضايا النحوية، وما سُمِّي بالتعليل النحوي، ومن أجلِّ ما استدلَّ به النحاةُ القراءاتُ القرآنيةُ ليقدِّم المتْنُ القرآنيُّ خِدْمةً جليلةً لتطوير النحو بعد أن كان الهدفَ في نشأته.
3 – 2) نشأة المدارس النحوية:
كان اهتمام النُّحاة بالقراءات القرآنية جليًّا؛ فَهُم من أخذوا بشروط القراءة المقبولة – غالبًا – ولكنَّهم قبلوا القراءة النادرة والشاذة – أحيانًا – بعد أن أخضعوها لمقاييسهم، فَهُم مثلًا لم يقبلوا “قراءة أحد من القرَّاء إلَّا إذا ثبت أخذُه عمَّن فوقَه بطريق المشافهة والسَّماع، حتَّى يتَّصِل الإسناد بالصحابي الذي أخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم”[37].
ومع ذلك وجدتُ ابن الجزري يقبل كلَّ قراءة؛ “لأنَّ القراءة سُنَّةٌ متَّبعة يلزم قبولُها والمصير إليها”[38]، ورغم أنَّ سيبويه يُخضِع أحيانًا القراءات للقياس النحوي، فهو يرى مثلًا أنَّ (ما) في قوله تعالى: ﴿ مَا هَذَا بَشَرًا ﴾ [يوسف: 31] عاملةٌ عمل (ليس) في لغة أهل الحجاز، إلَّا أنَّ بني تميمٍ يرفعون الخبر إلَّا مَنْ عرف منهم كيف هي في المصحف[39]، ولكنَّه يُشاطِر التميميِّين رأيَهم في عدم إعمال (ما)، ويرى ذلك هو الأقيس؛ لأنَّها حرف، وليست فعلًا، فهي لا تُشبِه (ليس) من ناحية الفعلية، ولا من ناحية الإضمار، وفي ذلك يقول: “وأمَّا بنو تميم فيُجرونها – (أي يُجرُون الحرف ما) – مَجرى: أما وهل، وهو القياس؛ لأنَّها ليستْ بفعلٍ، وليستْ “ما” كـ”ليس”، ولا يكون فيها إضمارٌ”[40].
والأخْذ بالقياس في القراءات عند سيبويه لا يمنعه من أنْ يُصرِّح في كتابه أنَّ القراءة سُنَّة، وليست مجالًا للاجتهاد والاختيار، وفي مثل ذلك يقول: “فأمَّا قوله عزَّ وجل: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، فإنَّما جاء على: زيدًا ضربتُه – وهو عربي كثير – وقرأ بعضهم: ﴿ وَأَمَّا ثَمُودَ فَهَدَيْنَاهُمْ ﴾ [فصلت: 17] إلَّا أنَّ القراءة لا تُخالَف؛ لأنَّها السنَّةُ[41]، وإنْ رأى الرَّفع في (ثمود) أجود، واستعانَ سيبويه بالقراءات النَّادرة والحروف المخالفة في بناء أصوله مثلما استعان بالقراءات المعروفة، وهو من طوَّعها – كسائر المصادر – لمقاييسه، وتوزَّعت في مواقع مختلفة من كتابه.
فأجاز بقراءة بعضهم[42]: ﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 284] [43] نَصْبَ (يَغْفِرَ) التي عطفت على جواب الشَّرط بإضمار (أنْ) بعد الفاء[44]، وأجاز بقراءة ناس من الكوفيِّين[45]: ” ﴿ ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيَّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ﴾ [مريم: 69] “[46] نَصْبَ (أيَّهم) على الإضافة.
وعدَّ هذه القراءات مقياسًا يقيس عليه؛ كقياسه مع الخليل قولهم: “لاسيَّما زيدٌ” على: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةٌ ﴾ [البقرة: 26] برفع (بعوضة)[47] حتَّى إنَّه في مواضع يعدُّها أصلًا يخرج عليها القراءة المشهورة، كما فعَل في قوله تعالى: ﴿ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 23]، قال: “فرفعه من وجهين: على شيء لديَّ عتيد، وعلى: ﴿ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخٌ ﴾ [هود: 72][48]، يريد: أنَّ (عتيد) مرفوعٌ على النَّعت من (ما)، أو على أنَّه خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: هو عتيد[49].
عمومًا، إنَّ سيبويه كان وفيًّا لسنَّة القراءة، لا يبخل عن وصف بعضها بالقوة – إنْ توفَّرت لها شروط القوة أو الحسن – إنْ وافَقت الذَّائع المعروف مِن كلامِ العربِ الذي يُتوخَّى فيه ضبط لغة القرآن، وصونها مِن التَّحريف، أمَّا الأخفش (سعيد بن مسعدة ت211هـ)، فقد عُرِف باحترامه رَسْمَ القرآن[50]، ومع ذلك ما كان ليتورَّع عن رفض كثيرٍ من القراءات المشهورة ووصفها باللَّحْن[51]، بل قل اعتمد في كثيرٍ من الأحيان على القراءات النَّادرة التي انفرد برواية كثيرٍ منها[52]، وفضَّلها على المشهورة؛ إذ يرى مثلًا أنَّ نَصْبَ (طائفة) الثانية من قوله تعالى: ﴿ يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةً قَدْ أَهَمَّتْهُمْ ﴾ [آل عمران: 154]، وهي من القراءات التي انفرد بها، ومع أنَّ الأخفش ليس ذا موقفٍ واحدٍ من القراءات النادرة والشاذة؛ إذْ كان يُخضِعها لمقياسه، يقبل بعضها، ويرفضُ بعضَها الآخر، وما كان ليرفض قراءة الجمهور، فهو يفضِّل في قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ ﴾ [الأنعام: 154] فتحَ النون، على قراءة بعضهم بالرَّفع[53]، مكتفيًا بالقول: “وفتحه على الفعل أحسن”[54].
أمَّا المبرِّد محمد بن يزيد (ت285هـ)، فأخضع القراءات المشهور منها والنَّادر إلى مقياسه النَّحْوي ضاربًا الصَّفح عن سنَّتها متعلِّلًا بضرورة التَّحليق بأسلوب القرآن، وحَمله على أشرف المذاهب في العربيَّة[55]، إضافة لذلك دعا لتجنُّب الأخذ بالقراءات الشاذة لما في ذلك من ضَرَر على اللغة والنحو، ومن هنا كان قوله المعروف: “إذا جعلتَ النَّوادرَ والشَّواذَّ غرضَكَ كثرتْ زَلَّاتُكَ “[56]، ومع ذلك فإنَّ رفض المبرِّد بعض القراءات – حتَّى المشهور منها – ووصفه لها باللَّحْن والغلط والقبح، وعدم الجواز[57]، وحَمْل بعضها على الضَّرورة الشعريَّة[58] – لا يعني أنَّه لم يرتضِ قراءاتٍ أخرى، فهو ارتضى كلَّ ما وافق مذهبه، فقراءة ابن عباس: ﴿ لَمْ يَمْسَسْهُ نَارٌ ﴾ [النور: 35] [59] بعدم إلحاق تاء التَّأنيث للفعل مقبولةٌ عنده؛ لأنَّ فاعله مؤنَّث غير حقيقي[60]، يضاف إلى ذلك أنَّ المبرِّد اعتدَّ بالحروف المخالفة وخرَّجها، خرَّج حرف أُبَي: ﴿ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُوا ﴾ [الفتح: 16][61] على معنى: “إلَّا أن يُسلمُوا وحتَّى يُسلمُوا”.
ومجملُ القول: فإنَّ المبرِّد قَبِلَ ما وافق مذهبه النَّحْوي، ورفض ما لم يوافقه، ووقف من بعضها موقف الحذر، واحتجَّ لِمَا أخذه أحيانًا بالقرآن والشَّعر.
والكسائي النحوي والقارئ هو من احتجَّ بالقراءات، وأيَّدَ بها كلَّ ما ينتهي إليه من لغات العرب وأشعارها، دون أن يخرج على المقياس النَّحْوي، فقرأ (يقول) في قوله تعالى: ﴿ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولُ الرَّسُولُ ﴾ [البقرة: 214][62]بالرَّفع، ثمَّ عاد إلى النَّصب[63]، وعُرف عنه أنَّه ما كان ليتشدَّد في موقفه من الرَّسْم القرآني[64]، عندما كان يُقبِل على تَخريج القراءات، ومع ذلك كان يقف من بعض القراءات موقِفَ الحذر، فيقول مثلًا: لا أعرف[65]، أمَّا القراءات النادرة فقبِلَها، بل قُل: وبنى عليها بعضَ القواعد الجديدة، فأجاز قراءة (أطهرَ) بالنَّصب وخرَّجها على الحال[66].
وهكذا فالكسائي كغيره من النُّحاة ما كان يطعن في القراءة – ولو كانت بعيدة – بل كان يجد لها مَخْرجًا يجعلها مقبولةً في الاستعمال النَّحْوي واللُّغوي.
والفرّاء يحيى بن زياد (ت207هـ) نحوي شُغِف بلغة القرآن وقراءاته، بل قُل: هو من أكثر النحاة ولعًا بفنونه، ومن أقواله: “الكتابُ أعربُ وأقوى في الحجَّةِ من الشِّعْر”[67]، وهو من ارتضى القراءات المشهورة، ما خلا بعضَها[68] التي أعمل فيها مقياسه فأباها، وإن كان موقفه العام التَّسليم والإجلال، أمَّا القراءات غير المشهورة، فهي عندَهُ ثلاثةُ أنواع: الحروف المخالفة، والقراءات الأحادية وغير المشهورة، والوجوه النحويَّة التي أجازها في الآيات، وكان معظمُها قراءاتٍ شاذَّةً، واستخدمَ في حديثهِ عَنِ القراءات: (قراءة بعضهم)، وأكثَرَ مِن استخدامها إكثارًا واضحًا، ومن ذلك قوله في قراءة قوله تعالى: ﴿ كَبُرَتْ كَلِمَةٌ ﴾ [الكهف: 5] [69] ورفعها بعضُهم[70].
أمَّا ثعلب أبو العباس أحمد بن يحيى (ت391هـ) فتبع أساتذته في كلِّ ما يقولون، وسار على نهجهم في النظر إلى القراءات، بل قُل: كان يفوقهم احترامًا لها؛ قال: “إذا اختلف الإعرابان في القراءات لم أفضِّل إعرابًا على إعرابٍ، فإذا خرجتُ إلى كلام النَّاس فضَّلت الأقوى”[71]، أمَّا القراءات النادرة فموقفه لا يخرج عن موقف سابقيه في قبولها، فتراه يذهب إلى ما ذهب إليه سيبويهِ في حذف المبتدأ لـ(شيخ) في حرف ابن مسعود: ﴿ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخٌ ﴾ [هود: 72] [72]، قال: “إذا كان مدحًا أو ذمًّا استأنفوه” [73]، ويسير على نَهْج الكسائي في تخريجه لقراءة الحسن[74]: ﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ﴾ [النساء: 148] [75] ببناء (ظلم) للمعلوم، قال: “قال الكسائي: هذا استثناء يعرض، ومعنى يعرض: استثناء منقطع”[76].
من هذا المنظور فإن ثعلبًا ما كان ليخرج عن دائرة القبول للقراءات المشهور منها والنادر عن أساليب سابقيه في معالجتهم لها وإخضاعها للقياس، بل كان مثلَهم في إخضاعها للقواعد النَّحْوية، وتطويعها بما يُناسب المقياس النَّحْوي الذي يرى فيه كغيره مِن النُّحاة الفيصلَ في عملية القبول والرَّفْض لهذه القراءة أو تلك.
وختامًا، فإن القراءات القرآنية مَتْنٌ للدَّرس اللِّساني؛ لأنَّها – وإنْ تفاوتت النَّظْرة إليها، واختلفت الآراء في رفضها وقبولها – أحدثت نوعًا من التفاعُل البنَّاء بين النُّحاة واللُّغويين، وما الاختلاف فيها إلَّا السبيل والمنطلق إلى لسان قرآني سليم من كلِّ زلَلٍ أو لَحْنٍ قد يقع فيه مَن يجهل القراءات القرآنية، فالقرآنُ الكريمُ الذي جاء على سبعة أحرف كلٌّ منها شافٍ وافٍ، لا سبيلَ لتخطئة قراءاته إذا ما توافرتْ لها شروطُ القراءة الصحيحة.
خلاصة:
خلاصة القول: إنَّ للقرآن الكريم وخدمته الفضلَ الكبيرَ في ظهور علوم اللِّسان العربي؛ فلولا القراءات القرآنية ما ظهرت الدراسات الصوتية، وهذا الوصف الصوتي الدقيق لأصوات اللِّسان العربي من حيث المخارج والصفات، كما أنَّ نزول القرآن وما تعرَّض له في لحْنٍ في التلاوة أدَّى إلى نَقْطه وإعرابه، والتفسيرات التي انبنى عليها هذا الإعرابُ كانتْ أساسَ النحو في اللِّسان العربي، وقد أدَّى هذا التلازُمُ بين النحو والقرآن وقراءاته إلى تطوُّر الدرس النحوي حتى تعدَّدتْ مذاهبُه.
والنحويُّ لا غِنى له عن القرآن؛ إذ هو مادة استشهاده للقواعد النحوية؛ لأنَّ مَتْنَه جمع فصيح لسان العرب، ووحَّد لهجاته فخلَّص العربية من شتات اللهجات الكثيرة، وجعل من اللِّسان العربي لسانًا عالميًّا تنطق به الأممُ؛ إذ تغلْغلَ في الهند والصين وأفغانستان، وحسبنا ما نعلمه من مشاهير العلماء من تلك البلاد، مثل: البُخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، والقزويني، وغيرهم الكثير، يُضاف إلى ذلك أنَّ القرآن الكريم كان له الفضلُ الكبيرُ في تقعيد اللِّسان وضبْطِـه، بل بفضله ساد اللِّسانُ العربيُّ وضُبِطت قواعدُه، واتَّصلت حلقاتُ عصوره، وحُفِظت وحدَتُه.
هكذا يكون الجواب المنتقى للسؤال الذي يحيل إليه العنوان، أن الحِفاظ على القرآن الكريم لفظًا ومعنًى كان الدافع وراء دراسة العرب لغتهم والتقعيد لها، ولم تقتصر عقولُهم على الإبداع في علم الأصوات والنحو فقط، بل برعوا في الصرف وصناعة المعاجم، وقعَّدوا للدلالة، واكتشف الخليلُ المقاطعَ الصوتيةَ في وصفه لأوزان الشعر، وسنفرد لهذه العلوم مقالاتٍ أخرى فيما سيأتي إن شاء الله تعالى.
المراجع:
• تاريخ العربية؛ تأليف سيد عبدالرحمن العبيدي وآخرين، دار الكتب للطباعة والنشر.
• أبجد العلوم؛ صديق بن حسن القنوجي (1307هـ)، أعدَّه للطبْع عبدالجبار زكار، وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية، دمشق، 1988.
• الإتقان في علوم القرآن؛ لجلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي، ط3، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، 1951م.
• أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي؛ د. عبد الصبور شاهين، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط1، 1408هـ-1987م.
• المدارس النحوية؛ شوقي ضيف، الطبعة السادسة، دار المعارف، مصر.
• تهذيب تاريخ ابن عساكر؛ ابن عساكر، تحقيق صلاح الدين المنجد.
• البحر المحيط؛ لمحمد بن يوسف بن علي بن حيان الأندلسي، مكتبة النشر الحديثة بالرياض، (من دون تاريخ).
• تاريخ التراث العربي؛ د. فؤاد سزكين، ترجمة د. محمود حجازي ود. فهمي أبو الفضل، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1977م.
• التفكير الصوتي عند الخليل؛ د. حلمي خليل، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، ط1، 1988م.
• التنبيه على حدوث التصحيف؛ حمزة الأصفهاني (360هـ)، تحقيق محمد أسعد طلس، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، 1388هـ – 1968م.
• التيسير في القراءات السبع؛ أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني (444هـ)، بعناية أوتوبرتزل، مصورة دار الكتاب العربي ببيروت، ط3، 1406هـ – 1985م.
• الجامع لأحكام القرآن؛ لمحمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، ط3، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، القاهرة، 1967م.
• الخصائص؛ لأبي الفتح عثمان بن جنِّي، تحقيق: محمد علي النجار، ط2، دار الهدى، بيروت، (من دون تاريخ).
• الدراسات اللهجية والصوتية عند ابن جني؛ د. حسام سعيد النعيمي، وزارة الثقافة والإعلام، العراق، 1980م.
• الدقائق المحكمة في شرح المقدمة الجزرية في علم التجويد؛ زكريا بن محمد الأنصاري (926ه)، تحقيق د. نسيب نشاوي، دمشق، 1400هـ، 1980م.
• الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة؛ مكي بن طالب القيسي (437هـ)، تحقيق د. أحمد حسن فرحات، دار الكتب العربية، دمشق، 1393هـ – 1973م.
• علم الأصوات العام: أصوات اللغة العربية؛ د. بسام بركة، مركز الإنماء القومي، بيروت، 1988م.
• علم اللغة: مقدمة للقارئ العربي؛ د. محمد السعران، دار النهضة العربية، بيروت.
• علم اللغة العام: الأصوات؛ د. كمال محمد بشر، دار المعارف بمصر، 1975م.
• غاية النهاية في طبقات القراء؛ ابن الجزري (833هـ)، بعناية ج، برجستراسر، مكتبة المتنبي، القاهرة.
• في الأصوات اللغوية: دراسة في أصوات المد العربية؛ د. غالب فاضل المطلبي، وزارة الثقافة والإعلام، العراق، 1984م.
• القاموس المحيط؛ لمجد الدين الفيروزابادي، المكتبة التجارية الكبرى بمصر.
• القراءات القرآنية: تاريخ وتعريف؛ د. عبدالهادي الفضلي، ط1، دار المجمع العلمي بجدة، 1399هـ/ 1979م.
• الكامل في اللغة والأدب؛ لمحمد بن يزيد المبرد، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، والسيد شحاتة، مطبعة دار نهضة مصر.
• كتاب العين؛ الخليل بن أحمد الفراهيدي (175هـ)، تح: د. مهدي المخزومي، د. إبراهيم السامرائي، دار الهجرة، إيران – قم، ط1، 1405هـ.
• كتاب سيبويه؛ أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر (180هـ)، تح: عبدالسلام هارون، عالم الكتب، بيروت، 1385هـ – 1966م.
• كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون؛ مصطفى بن عبدالله الرومي المعروف بحاجي خليفة (1017هـ)، دار الفكر، بيروت، 1402هـ ـ 1982م.
• اللغة العربية: معناها ومبناها؛ تمام حسان، الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة، ط2، 1979م.
• مباحث في علوم القرآن؛ د. صبحي الصالح، دار العلم، بيروت، 1969م.
• مجالس ثعلب؛ لأبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب، تح: عبدالسلام هارون، ط2، دار المعارف بمصر، 1375هـ/ 1956م.
• المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها؛ لأبي الفتح عثمان بن جني، تح: علي النجدي ناصف، وعبد الفتاح شلبي، القاهرة، 1389هـ/ 1969م.
• مختصر في شواذ القرآن من كتاب البديع؛ للحسين بن أحمد بن خالويه، عني بنشره: ج.برجستراسر، المطبعة الرحمانية، مصر، 1934م.
• المفصل في علم العربية؛ الزمخشري (538هـ)، دار الجيل، بيروت، ط2.
• المقتضب؛ أبو العباس المبرد (285هـ)، تح: محمد عبدالخالق عضيمة، عالم الكتب، بيروت، مصورة عن نسخة القاهرة 1963م.
• النشر في القراءات العشر؛ ابن الجزري (833هـ)، تصحيح: علي محمد الضباع، دار الكتب العلمية، بيروت.
المصدر شبكة الألوكة
[1] أورده ابن جني في الخصائص: ج2، ص 8.
[2] تهذيب تاريخ ابن عساكر: ج7، ص 108.
[3] انظر: المحكم للداني، ص6.
[4] انظر: تاريخ العربية، ص 6.
[5] الأصوات ووظائفها، ص 88.
[6] نقلًا عن كتاب الخليل بن أحمد الفراهيدي: أعماله ومنهجه، ص 149.
[7] علم اللغة العام: الأصوات، ص 28 – 29، وعلم الأصوات العام، 7، 176.
[8] النشر: 1/ 34، وكشف الظنون: 2/ 1317.
[9] يُراجع فيها: النشر: 1/ 34، 35، وكشف الظنون: 2/ 1317 – 1322، وتاريخ التراث العربي: 1/ 17، 36.
[10]كشف الظنون: 1/ 354، وأبجد العلوم: 2/ 188.
[11]حقَّقها الدكتور علي حسين البواب مع مقتطفات من شرحها للداني في مجلة المورد العراقية مج 14 عدد 1 سنة 1985، وانظر: تاريخ التراث العربي: 1/ 29ـ30.
[12]كذا ورد اسمها في كشف الظنون: 1/ 355، وغاية النهاية: 1/ 503.
[13]تجويد التلاوة للداني ورقة: 98/ أ.
[14]نشرت هذه الرسالة بتحقيق د. غانم قدوري حمد في مجلة المجمع العراقي سنة 1985، مج 36، ج2/ 240 ـ 287.
[15]عرَّف الكتاب وحقَّق نصَّه د. غانم قدوري حمد في مجلة معهد المخطوطات العربية سنة 1987، مج 31، ج1/ 7 ـ 58.
[16] حقَّقه د. أحمد حسن فرحات سنة 1973 بدمشق، ونشرته دار الكتب العربية.
[17] الرعاية: 42.
[18] حققه د. علي حسين البواب، ونشرته مكتبة المعارف بالرياض 1985.
[19] التمهيد في علم التجويد: 165، 209.
[20] ذكرها صاحب كشف الظنون: 2/ 1799، 1800.
[21] حقَّقه د. نسيب نشاوي رحمه الله، ونشره بدمشق 1980.
[22] د.محمد جواد النوري: فصول في علم الأصوات، 1991، ص 32 – 33.
[23] – ابن جني؛ الخصائص: 1/ 33.
[24] – المصدر نفسه: 2/ 113 – 133 و133 – 139 و145 – 152 و152 – 168.
[25] انظر: المصدر نفسه: 2/ 136 وما بعدها.
1 – أصوات [ج ب ر]: فهي أينما وقعت دلَّتْ على القوة والشدة.
2 – أصوات [ق س و]: تدل على القوة والاجتماع كيفما اختلف ترتيبها.
3 – أصوات [ر ك ب]: تدل على الإجهاد والمشقَّة، مهما يكن ترتيبها.
4 – أصوات [س ل م]: تدل على الإصحاب والملاينة كيفما اختلف ترتيبها.
[26] – نفسه: 2/ 138.
[27] – ابن جني؛ الخصائص، مصدر سابق: 2/ 146.
[28] انظر في هذا الصدد: المحتسب، ج1، ص: 35.
[29] الدراسات اللهجية والصوتية عند ابن جني، ص 59 -66.
[30] – د. محمود السعران؛ علم اللغة: مقدمة للقارئ العربي، بيروت، دار النهضة العربية، د. ت، ص 233
[31] – د. تمام حسان؛ اللغة العربية: معناها ومبناها، مرجع سابق، ص 35.
[32] شوقي ضيف؛ المدارس النحوية، ص 11.
[33] نفسه، ص 13.
[34] المحْكم في نقط المصاحف، ص6.
[35] انظر في هذا الصدد: “نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة”؛ للشيخ الطنطاوي، ص 284، والمدارس النحوية؛ لشوقي ضيف، ص 13، 16.
[36] انظر في هذا الصدد: شوقي ضيف، المرجع السابق.
[37] مباحث في علوم القرآن؛ د. صبحي الصالح ص250.
[38] النشر في القراءات العشر 1/ 10، 11.
[39] كتاب سيبويه: 1/ 28.
[40] كتاب سيبويه: 1/ 28.
[41] كتاب سيبويه: 1/ 74.
[42] قراءة ابن عباس والأعرج، البحر المحيط: 2/ 360.
[43] البقرة 2 / 284 (فيغفرُ).
[44] كتاب سيبويه: 3/ 90.
[45] قراءة معاذ الهراء، وطلحة بن مصرف؛ مختصر في شواذ القرآن ص 86.
[46] مريم 19 / 69. (أيُّهم).
[47] قراءة رؤبة بن العجاج؛ مختصر في شواذ القرآن ص 1.
[48] هود 11 / 72 (شيخًا).
[49] كتاب سيبويه: 2/ 106.
[50] حرصه على رسم القرآن في معاني الأخفش ص 61، 62.
[51] معاني القرآن للأخفش ص 247.
[52] من الروايات التي انفرد بها رواية (فاطِرُ) (الأنعام 6 / 14)، و(أقولُ لكُما) (الأعراف 7 / 22).
[53] قراءة يحيى بن يعمر، المحتسب: 1/ 234.
[54] معاني القرآن للأخفش، ص 203.
[55] الكامل في اللُّغة والأدب: 3/ 39.
[56] الأشباه والنظائر: 3/ 49.
[57] إعراب القرآن للنحَّاس: 1/ 184.
[58] المقتضب: 2/ 171.
[59] النور 24 / 35. (تَمْسَسْهُ).
[60] الجامع لأحكام القرآن: 12/ 262.
[61] الفتح 48 / 16. (يسلمون).
[62] البقرة 2 / 214 (يقولَ).
[63] معاني القرآن للفراء: 1/ 133.
[64] الجامع لأحكام القرآن: 14/ 352.
[65] معاني القرآن للفرَّاء: 2/ 377.
[66] جامع البيان عن تأويل آي القرآن: 15/ 415، 416.
[67] معاني القرآن للفراء: 1/ 14.
[68] موقفه في معاني القرآن للفرَّاء: 2/ 81، 82.
[69] الكهف 18 / 5. (كَلِمَةً).
[70] معاني القرآن للفرَّاء: 1 / 269
[71] الإتقان في علوم القرآن: 1 / 83.
[72] هود، 72. (شيخًا).
[73] مجالس ثعلب: 2/ 360.
[74] مختصر في شواذ القرآن ص 30.
[75] النساء، 4/ 148. (ظُلِمَ).
[76] مجالس ثعلب: 1/ 270.