أ. عبدالرحيم خضر
أهمية الدافعية في تعليم اللغة الإنجليزية للناطقين بغيرها
تعدُّ الدافعية عنصرًا أساسيًّا في تعليم اللغة وتعلمها للناطقين بغيرها، فتشير الدراسات التجريبية إلى أن الطلبة الذين لديهم دافعية عالية يتعلمون اللغة بشكلٍ أسرع وأفضل من الذين يرون دراسة اللغة منفِّرة.
إذًا هناك حاجة إلى علم أصول تدريس ممتعة، والتي يمكن بواسطتها أن تثير الرغبة لدى التلاميذ لتعلُّم اللغة الأجنبية، والشعور بأن تعلُّم تلك اللغة مفيد جدًّا، والفشلُ في إيجاد الدافعية سوف يفرض قيودًا شديدة على عملية التعلم ويُعيقها، وبشكلٍ مثاليٍّ يجب أن تأتي الدافعية من المتعلمين أنفسهم، أو أن تكون مبنية بشكلٍ أساسيٍّ على حسب رغباتهم وحاجاتهم، ولكن من الصعب تحقيق هذا الهدف مع تلاميذَ صغارٍ تتراوح أعمارهم ما بين العاشرة والثامنة عشرة؛ لأنهم غير ناضجين بما فيه الكفاية لفهم الأهداف وراء تعلم اللغة الأجنبية.
إن اهتماماتهم ليست قويَّة، خاصَّةً في المرحلة المتوسطة، عندما يبدؤون بتعلم اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية، فالدافعية (الرغبة) لدى طلبة المدارس الخاصة لا تشكِّل أيَّ مشكلة للمعلمين؛ لأنه توجد لدى الطلبة الدافعية الذاتية لتعلم اللغة الأجنبية، ولكن الوضعَ يختلف عمَّا هو في المدارس العامة الحكوميَّة في الوطن العربي، والتي تحتوي على صفوفٍ دراسيَّة مكتظَّة تحتوي على ما بين ثلاثين إلى أربعين تلميذًا في الصفِّ الواحد، ومعدَّل الدافعية يختلف من طالب إلى آخر؛ حيث إن هناك طلبةً ذوي دافعية عالية، وطلبةً ذوي دافعية ضعيفة في الصفِّ الواحد نفسه؛ ولهذا فإنه يصعب على المعلم اكتشافُ الحوافز والدوافع لكلِّ طالب، وتكون العمليَّة مضيعة للوقت.
غالبًا ما تكون هناك لغة أجنبية واحدة في مقررات الدراسة في المدارس العربية الحكومية، ألا وهي اللغة الإنجليزية، وجميع التلاميذ في معظم البلدان العربية يجب عليهم أن يتعلموا هذه اللغة، ولا خيارَ لهم في هذا المجال.
إذًا قضية الدافعية تنقل(تحول) إلى خلق الرغبة ما بين الطلبة ليتعلموا اللغة الأجنبية (الإنجليزية)، فكيف يمكن تحقيق هذه القضية؟ أيْ خلق الرغبة لدى التلاميذ؟
يمكن تحقيقها عن طريق الدافعية الخارجية التي يرونها، ويكون اهتمام التلاميذ في تعلم اللغة قد تضاءل تدريجيًّا، بمعنى آخر إذا كان المعلمون لا يقدِّمون الحوافز للتلاميذ ليشجعوهم على تعلم تلك اللغة الأجنبية، حتمًا ستكون إنجازاتهم ضعيفة، كلُّ شيء في هذا الخصوص يعتمد على المعلمين، وعلى المقررات الدراسية التي تشتمل على المساندات السمعية والبصرية، ونوعية التدريس، والأنشطة الصفيَّة، والبيئة التعليمية المناسبة.
وبما أن اللغة الإنجليزية في الوطن العربي تُدْرَس كلغة أجنبية في بيئة غير بيئة اللغة الأمِّ، مع قليل من التحفيز من البيئة الحالية – فسوف يعتمد النجاح أو الفشل بشكلٍ كبير على الحوافز المذكورة أعلاه، هذه الحوافز تشكِّل القوة المحرِّكة (الدافعة) التي تجعل العملية التعليمية أكثر فعالية، والمعلم نفسه – كما أسلفنا – يشكِّل العاملَ الدافعيَّ القويَّ؛ لذلك فإن اهتمامات المعلم وكفايته وعمله الجاد الدؤوب هو الذي يحدِّد درجة نجاح أيِّ دورة دراسيَّة لغويَّة.
إنه من الواضح مما ذُكر أن الدافعيَّة الذاتيَّة – وهي الحالة التي يكون الاهتمام بتعلم اللغة الأجنبية آتيًا من التلميذ نفسه – هي الحالة المثالية لاكتساب اللغة بسهولة وبسرعة، ويأتي بعد ذلك الدافعُ الخارجيُّ؛ أي: الذي يأتي الاهتمام بتعلم اللغة الأجنبية من العوامل الخارجية، وهذا العامل مهمٌّ جدًّا لتلاميذ المدارس.
وبمعنى آخر: إن العملية التعليمية لها أثر عظيم على دافعية المتعلمين، وهذه الحوافز (الدوافع) تكون تحت سيطرة المعلم الذي يوجِّه العمليَّة التعليميَّة؛ ليقوِّي اهتمامات التلاميذ في تعلم اللغة، وقبلَ كلِّ شيء على المعلم أن يعطي معلوماتٍ مفصَّلة وواضحةً عن الهدف من تعليم اللغة الإنجليزية، ويربط الأهداف باحتياجات التلاميذ اليومية والمستقبلية، وعليه أن يشرح لهم كيف أن تعلُّم هذه اللغة سيكون مفيدًا لهم في وظائفهم وأعمالهم المستقبلية، وعلى المعلم أن يُظهر اهتمامًا حقيقيًّا نحو طلابه وإنجازاتهم، فلا يوجد شيء محبط للتلميذ أكثر من أن يشعر بأنه مهمل، ولا يقيَّم التقييم الجيد الذي يستحقُّه مِن قِبلِ معلِّمه، وعليه فإن الموقف المشجِّع من قِبل المعلم نحو تلاميذه يجعلهم أكثر اهتمامًا ومحبة لتعلم هذه اللغة.
إن استخدام التقنية التي تمكِّن التلاميذَ من استخدام اللغة على نحو إبداعيٍّ – تشجِّع التلاميذ على المشاركة والتفاعل داخل الصف الدراسيِّ، وفي هذا السياق يمكن أن يقوم المعلمُ بتزويد التلاميذ بمهارات تواصلية فعَّالة، ويعرفهم بحضارة تلك الشعوب التي تتكلم الإنجليزية وتراثهم.
تنوُّع الأنشطة الصفية يلعب دورًا أساسيًّا في تحفيز الطلاب، ويسهِّل اكتساب اللغة الأجنبية وتعليمها، وهذه الأنشطة تخفِّف من التوتر الناتج عن السلوك الشكليِّ (الإجراءات القانونية الشكلية) في داخل الصف الدراسي، وتجعل من التلاميذ المحورَ الأساسيَّ في العملية التعليمية، وتقلِّل من دور المعلم وهيمنته بوصفه محورًا أساسيًّا في هذه العملية؛ حيث إن هذه الأنشطة تعطي التلاميذَ الفرصةَ في التعبير عن أنفسهم، وتبادُل الأفكار والمعلومات ذات الصلة فيما بينهم؛ مما يساعد في تحفيزهم، وتشجع الطلبة الخجولين منهم على محاولة التعبير عن أنفسهم واستخدام اللغة، وهذه الأنشطة تحوِّل التلاميذ من متلقِّين ومستقبلين للمعلومات والمهارات إلى مستخدمين لهذه المهارات.
ومن ضمن الأنشطة التي يمكن أن تقوم بتحفيز التلاميذ: لعب الأدوار، وحل المشاكل والنكات، وعمل المقابلات، والنقاش الصفِّيُّ، والمسابقات في كتابة القصص، وتمثيل المسرحيات القصيرة، وهناك الكثير من الأنشطة التي يجريها أو يبتدعها المعلمون، والتي من الممكن أن يكون لها دور تحفيزيٌّ في تعلم اللغة.
على أي حال، فإن الدافعية لتعلم اللغة الأجنبية (الإنجليزية) تختلف من بلد لآخر؛ لأن الظروف والمواقف باتجاه تلك اللغة هي التي تحدِّد درجة الدافعية نحو هذه اللغة، وعلى سبيل المثال: إن درجة دافعية متعلم اللغة الإنجليزية في ألمانيا تختلف عن درجة الدافعية لتعلم اللغة نفسها في الوطن العربي.
إن متعلمي اللغة في ألمانيا يفضِّلون ويهتمُّون بتعلُّم المحادثة في اللغة الإنجليزية؛ لتساعدهم في البحث عن معلومات أساسية وجوهرية عندما يزورون البلد، وفي الجانب الآخر يرى التلاميذ في الوطن العربيِّ حاجتهم لتعليم المهارات التي تستخدم اللغة الإنجليزية قراءة وكتابة؛ لمساعدتهم لإيجاد وظائف لهم أو متابعة تعليمهم العالي، حتى إن الدافعية في المجتمع نفسه تتفاوت بحسب الاختلافات الجغرافية؛ إذ إن الطلاب الذين يعيشون في المدن الكبرى والذين يتعرضون إلى استعمالات مختلفة أو متنوعة للغة الإنجليزية هم أكثر دافعية من التلاميذ في المناطق الريفيَّة.
كذلك فإن العامل الاقتصاديَّ الاجتماعي له تأثير معتبر في تحصيل التلاميذ؛ فالذين لهم آباء وأمهات متعلمون، غالبًا ما يحققون مستوًى عاليًا من الأداء في اللغة الأجنبية، والعكس هو الصحيح.
وفي الختام، لا يستطيع المعلِّمون الاعتمادَ بالكامل على اهتمام التلاميذ ورغبتهم في تعلُّم اللغة الأجنبية، ونتيجةً لذلك فإن الدوافع (الحوافز) الخارجيَّة تعدُّ من أهم العوامل في نجاح تعلُّم اللغة الأجنبية، وهي عوامل تعويضيَّة لغياب الرغبة العفويَّة لتعلُّم تلك اللغة.