ما هو الإعراب في اللغة العربية؟
الإعراب هو:
تغيير أحوال أواخر الكلم؛ أي: تحوُّلها من الرفع إلى النصب أو الجر أو الجزم.
ومثال ذلك كلمة (محمد):
قال تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﴾ [الفتح: 29]، بالرفع.
وقال سبحانه: ﴿ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﴾ [محمد: 2]، بالجر.
وفي الأذان يقول المؤذِّن: أشهد أن محمدًا رسول الله، بالنصب[1].
ويخرُج بقولنا في تعريف الإعراب: “هو تغيير أحوال أواخر الكلم”: ما إذا كان التغيير في أول حرف من حروف الكلمة، أو في الحروف الوسطى من الكلمة، فإن هذا لا يُسمَّى إعرابًا.
ومثال ذلك: الفعل (قال)، فإنه يقال فيه عند بنائه للمجهول: (قيل)، فتتغير حركة أوله (القاف) من الفتحة إلى الكسرة، وكذا يتغير أوسطه من كونه ألفًا إلى كونه ياءً، بينما آخر حرف فيه (اللام) لم يحدُثْ فيه تغيير، فهو مفتوح في الحالينِ؛ ولذا لم يكن هذا إعرابًا.
لاختلاف العوامل الداخلة عليها؛ أي: إن هذا التحوُّل الحاصل لأواخر الكلم، من الرفع إلى النصب، أو الجر، أو الجزم – سببُه هو تغيير العوامل، والعوامل جمع عامل، والعامل هو: الذي يؤثر في الكلمة فيجعلها مرفوعة؛ نحو:
الابتداء في قوله تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﴾ [الفتح: 29][2].
أو منصوبةً؛ نحو: (إن) وأخواتها في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ﴾ [الأحزاب: 56]، وقوله سبحانه: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 18][3].
أو مجرورةً؛ نحو: حرف الجر (في) في قوله تعالى: ﴿ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ [البقرة: 187]، وقوله سبحانه: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ﴾ [الملك: 16][4].
أو مجزومةً؛ نحو: حرف الجزم (لم) في قوله تعالى: ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 3، 4][5].
• لفظًا أو تقديرًا؛ يعني: أن هذا التغيير الذي يُحدِثه العامل قد يكون تغييرًا:
• لفظيًّا وهو: ما لا يمنعُ مِن التلفظ به مانع؛ نحو: كلمة (رحمة) من قوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ﴾ [البقرة: 157]، وقوله سبحانه: ﴿ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 218]، وقوله عز وجل: ﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ ﴾ [الأنعام: 147].
فلو تأمَّلت هذه الآيات الثلاث، لوجدتَ أن كلمة (رحمة) في الآية الأولى مرفوعةٌ بضمة ظاهرة متلفَّظٍ بها على آخر الكلمة، وفي الآية الثانية منصوبة بفتحة ظاهرة متلفَّظٍ بها كذلك، وفي الآية الثالثة مجرورة بكسرة ظاهرة متلفَّظ بها أيضًا.
وقد يكون تغييرًا تقديريًّا، وهو: ما يمنع من التلفظ به مانعٌ، والموانع ثلاثة:
الموانع الثلاثة التي تمنع من ظهور الحركة هي:
1- التعذُّر: ومعناه: استحالة النطق بالحركات؛ فهو أمر غير ممكن، ويقع هذا المانع في الأسماء والأفعال المضارعة المنتهية بالألف[6].
ومثال الأسماء: كلمة (الهدى) في قوله سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ﴾ [النجم: 23]، وقوله سبحانه: ﴿ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا ﴾ [الجن: 13]، وقوله عز وجل: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ﴾ [التوبة: 33].
فتأمَّل كلمة (الهدى) في هذه الآيات الثلاث، تجِدْ أنها كانت مرفوعة في الآية الأولى بضمة مقدَّرة، وأنها كانت منصوبة في الآية الثانية بفتحة مقدرة، وأنها كانت مجرورة في الآية الثالثة بكسرة مقدَّرة، وسبب التقدير في الأحوال الثلاثة هو التعذُّر.
ومثال الأفعال المضارعة المنتهية بالألف: الفعل (يرى) في قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ﴾ [العلق: 14]، وقوله عز وجل: ﴿ قَالَ لَنْ تَرَانِي ﴾ [الأعراف: 143][7].
2- الاستثقال: ومعناه أن النطق بالحركات ممكن، ولكنه صعبٌ، ويقع هذا المانع في الأسماء المنتهية بياءٍ مكسورٍ ما قبلها[8]، وفي الأفعال المضارعة المنتهية بواو أو ياء.
فمثال الأسماء المنتهية بياء: كلمة (الداعي) في قوله تعالى: ﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ ﴾ [القمر: 6]، وقوله سبحانه: ﴿ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ ﴾ [القمر: 8].
فتأمَّل كلمة (الداعي) في هاتين الآيتينِ فستجد أنها مرفوعة في الآية الأولى بضمة مقدرة، وأنها مجرورة في الآية الثانية بكسرة مقدرة، والمانع من ظهور الحركة في الآيتين هو الثقل.
ومثال الفعل المضارع المنتهي بياء: الفعل (يمشي) في قوله عز وجل: ﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا ﴾ [الملك: 22]، فالفعل (يمشي) في هذه الآية مرفوعٌ بضمَّة مقدرة، منع من ظهورها الثقل.
ومثال الفعل المضارع المنتهي بواو: الفعل (يدعو) في قوله سبحانه: ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ ﴾ [يونس: 25]، وقوله سبحانه: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الشورى: 25]، فالفعلان (يدعو، ويعفو) مرفوعان بضمة مقدرة، منع من ظهورها الثقل.
3- المناسبة: وذلك يكون في الأسماء المضافة إلى ياء المتكلم[9]، والمراد بها مناسبة ياء المتكلم؛ إذ الياءُ المضاف إليها الاسمُ يناسبها قبلها الكسرة دائمًا؛ ولذا يتعذَّر الإتيان بحركة الإعراب حينئذٍ، فتقدر؛ نحو كلمة (ربي) في قوله سبحانه: ﴿ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ﴾ [الأنعام: 77]، وقوله عز وجل: ﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [الأنعام: 15]، وقوله عز وجل: ﴿ قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ﴾ [الأنعام: 57].
فتأمَّل كلمة (ربي) في هذه الآيات الثلاث، تجد أنها رُفعت في الآية الأولى بضمة مقدَّرة، ونُصبت في الآية الثانية بفتحة مقدرة، وجُرَّت في الآية الثالثة بكسرة مقدرة، وقد منَع من ظهور الحركة في كل هذا: اشتغالُ المحلِّ بحركة المناسبة للياء.
ومن خلال الكلام على هذه الموانع الثلاثة يتبين لنا:
أن الحركات الثلاث (الضمة، والفتحة، والكسرة) لا تظهر مطلقًا إذا كان المانع هو التعذُّر أو المناسبة.
وهذا بخلاف ما إذا كان المانع هو الاستثقال، فإنه في هذه الحال تقدَّر الحركة في موضعين فقط، هما الرفع والجر، كما مثَّلنا.
أما النصب، فإن الفتحة تظهر فيه لخفَّتِها، ومثال ظهورها في الأسماء قولُه تعالى: ﴿ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ ﴾ [الأحقاف: 31]، وقوله سبحانه: ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ ﴾ [آل عمران: 193]، ومثال ظهورها في الأفعال المضارعة المنتهية بياء قولُه تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]، وقوله سبحانه: ﴿ الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ﴾ [الإسراء: 1]، ومثال ظهورها في الأفعال المضارعة المنتهية بواوٍ قولُه تعالى: {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} [النمل: 92]، وقوله سبحانه: ﴿ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ﴾ [النمل: 40].
ومن خلال الكلام السابق أيضًا يتضح لنا أن الإعراب لا يدخل إلا الأسماء والأفعال المضارعة فقط، أما الحروف والأفعال الماضية والأفعال الأمر، فإنها دائمًا مبنية، وسيأتي إن شاء الله في باب الأفعال بيانُ ما يُبنَى عليه الفعل الماضي والفعل الأمر.
[1] ففي هذه الأمثلة الثلاثة تغيَّر حال آخر كلمة (محمد) (الدال) من الرفع بالضمة، إلى النصب بالفتحة، إلى الجر بالكسرة، وهذا هو الإعراب.
[2] فكلمة (محمد) هنا مرفوعة، والذي عمِل فيها الرفعَ هو أنها وقعت مبتدأً.
[3] فالكلمتان (الله، والمساجد) هنا منصوبتانِ، والذي عمل فيهما النصبَ هو (إن، وأن)، على الترتيب.
[4] فالكلمتان (المساجد، والسماء) هنا مجرورتانِ، والذي عمل فيهما الجرَّ هو حرف الجر (في).
[5] فالأفعال (يلد، يولد، يكن) هنا مجزومة، والذي عمل فيها الجزمَ هو حرف الجزم (لم).
[6] وتسمَّى هذه الأسماء المنتهية بالألف الأسماء المقصورة.
[7] فالفعل (يرى) في الآية الأولى كان مرفوعًا بضمة مقدرة، وفي الآية الثانية وقع منصوبًا بفتحة مقدرة، والمانع من ظهور الحركة في الآيتين هو التعذر.
[8] وتسمى هذه الأسماء: الأسماء المنقوصة.
[9] ولا يكون في الأفعال.