المعجم العربي
مدخلٌ:
في الخزانةِ العربيةِ الإسلاميَّة كنوزٌ علمية عديدة، وفي صدارتِها المعاجمُ العربية القديمة؛ إذ مِن خلالها تم الحفاظُ على الثروةِ العربية لقرونٍ من الزمن؛ حيث تُشكِّل المعاجمُ القديمة مرجعًا أساسيًّا للغة العربية عبر العصور، ويتمثل دورُها الأساسي في الحفاظ على هذه الثروةِ اللفظية، وصيانة التراث الحضاريِّ بشتى أنواعه، ولولا هذه المعاجمُ لاندَثَرت هذه الثروةُ؛ لكون علماء اللغة ومستعمِليها لا يستغنون عن الرجوع إلى هذه المعاجم، فهي صناعة لُغَوية، ووسيلة هدفُها جمع اللغة ووصفها.
لقد نشأ المعجمُ العربيُّ معتمدًا على مفهوم الفصاحة، ومؤسسًا على معاييرَ ومبادئ محدَّدة، ومصادر متنوِّعة؛ حيث برزتِ المدارسُ المُعْجَمية في التصنيف والتأليف لتحقق الفوائد والثمرات التي يجنيها مستعملُ المعجَم على مرِّ العصور التي قطعها مجال التأليف المعجمي.
فما هو تعريف المعجم؟
وما عَلاقة نشأته بمفهوم الفصاحة؟
وما أسباب تأليف المعاجم وفوائدها؟
وكيف بدأت نشأة المعجم العربي؟
وما مصادره المتنوعة؟
وكيف نكشف عن معاني الألفاظ في المعاجم؟
وما أسس تصنيف المدارس المعجمية؟
أولًا: تعريف المعجم:
1/ 1 المعجم لغةً:
يتَّضِح من مشتقات كلمة (عجم) أنها لا تفيد الوضوح، بل تدلُّ على الغموض، فكيف يكون المعجم مِن مشتقاتها؟ والمعروف أن من أهدافه الأساسية التيسير والتسهيل[1]؟!
وقد أُطلِقت لفظة المعجم على الكتاب الذي يراعَى في ترتيبه وبنائه ترتيبُ الحروف، وهذا كله يقودنا إلى تعريف المعجم في اصطلاح اللُّغويين، فما هو المعنى الاصطلاحي للمعجم؟
1 /2 المعجم اصطلاحًا:
هو كتابٌ يضمُّ ألفاظ اللغة العربية مرتَّبةً على طريقة معيَّنة، مشروحة شرحًا يُزيل إبهامَها، بالإضافة إلى احتوائها على ما يناسبها من المعلومات التي تفيد الباحث وتعِين الدارسَ على الوصول إلى مرادِه، فهو يُعْنَى بالدرجة الأولى بمصطلحات موضوعٍ أو علم معين؛ لذلك تبقى مسألةُ وضع المعاجم عملًا لا ينتهي في أي لغةٍ من اللغات، بهدف مسايرةِ هذه اللغة وقدرتها على تحقيق مطالبِ الفكر والحضارة في شتى المجالات الفكرية والعلمية والاجتماعية…، ويمكن القول: إن المعجم قائمةٌ من المداخلِ المعجمية التي تصنِّف بشكل أو بآخر تجاربَ المجتمع، باعتباره موضوعًا متسلسل الأفكار، يعبر عن فكر المعجميِّ والمنهج الذي اتخذه في ترتيبه أو توضيحه أو تفسيره.
كما يُمثِّل “المعجم” مرجعًا يشتملُ على مصطلحاتِ علمٍ ما، مرتبة ترتيبًا خاصًّا، مع تعريف كل كلمة، أو ذِكرِ مرادفها أو نظيرها في لغة أخرى، أو بيان اشتقاقها أو استعمالها، أو معانيها المتعدِّدة.
وقد يكون المعجم أحاديَّ اللغة، أو ثنائي اللغة، أو متعدد اللغات، وقد يكون عامًّا أو متخصصًا، وقد يكون وصفيًّا أو تاريخيًّا أو مِعياريًّا، وقد يكون معجم مفردات أو مصطلحات، كما قد يكون معجمَ مترادفات أو ترجمات أو تعاريف، وقد يكون معجمًا كَميًّا مرتبًا حسب حروف الهجاء، أو مخارج الحروف، أو معنويًّا مرتبًا حسب المعاني.
ولقد سُمِّيت “المعاجم” باسم “القواميس“، ولا بد من التمييز بينهما، على اعتبار أن هناك نوعًا مِن العَلاقة بين مصطلح “معجم” ومصطلح “قاموس”، ويتمثَّل ذلك في كون المصطلحينِ كثيرًا ما يتم الخلط بينهما، فقد جاء في “لسان العرب” ما يلي:
“قمس الرجل في الماء: إذا غاب فيه، وقَمَسَتِ الدَّلْوُ في الماء إذا غابت فيه…، القاموس: البحر العظيم، وكل معجم لُغَوي يدل على التوسع يقال له: قاموس”[2].
وكلمة قاموس تَعنِي وسط البحر أو معظمه، لتعني أخيرًا كل كتاب لُغَوي يحتوي على طائفةٍ من الكلمات المرتَّبة والمشروحة؛ ولهذا فمِن الضروري الفصلُ بين المصطلحين “المعجم والقاموس”؛ لأن القاموس يُستعمل للدلالة على كتاب أو تأليف له هدفٌ تربوي وثقافي، يجمع بين دفَّتَيْه قائمةً من الوحدات المعجمية التي تحقق وجودها بالفعل في لسان من الألسنة، ويخضعها لترتيب وشرح معين، ويقابلها في الفرنسية (Dictionnaire).
أما مصطلح “معجم”، فهو أنسب للدلالة على المجموع المفترض واللامحدود من الوحدات المعجمية التي تمتلكها جماعة لُغَوية معيَّنة بكامل أفرادها، بفعل القدرة التوليدية الهائلة للغة، ويقابلها في الفرنسية Lexique)).
ثانيًا: الفصاحة ونشأة المعجم العربي:
2/1 الفصاحة في اللغة:
خلوُّ الشيء مما يشوبُه، وأصله في اللبن، يقال: فصُح اللبن، إذا ذهب عنه اللِّبَأُ؛ أي: الرغوة التي تُغطِّي سطحه، وأفصح الأعجميُّ بالعربية، وفصح لسانه بها: إذا خلصت لغتُه من اللُّكنة، وأفصح الصبح: إذا أضاء؛ يقال: أفصح الصبي في منطقه: إذا بان وظهر كلامه[3].
فالمعنى اللُّغوي للفصاحة هو البيان والوضوح، فكل ما كان بيِّنًا واضحًا فهو فصيح، سواء أكان كلامًا أم غيره[4]، يقول تعالى: ﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا ﴾ [القصص: 34]؛ أي: أَبْيَنُ مني قولًا.
2/2 المعاني الاصطلاحية للفصاحة:
الفصيحُ مِن الألفاظ عبارةٌ عن الألفاظ البيِّنة الظاهرة المتبادرة إلى الفهم، والمأنوسة الاستعمال بين الكتَّاب والشعراء؛ لمكان حسنها، وهي تقع وصفًا للكلمة، والكلام، والمتكلم، حسَب استعمال الكاتب للفظةِ وحدَها، أو مسبوكة مع أخواتها[5].
فالفصاحة اللُّغوية عند النُّحاة واللُّغويين العرب القدماء كانَتْ تعني السليقة؛ أي: التكلُّم باللغة دون تعلُّم.
والفصاحة والسليقة والمَلَكة: مصطلحاتٌ استعملها النُّحاة العرب القدماء، وتُطلَق عندهم على معنًى واحد في مَيدان الدراسات اللُّغوية، وتعنِي عندهم تعلُّمَ اللغة من المحيط في الصغر ودون معلِّم، وهي مقابلةٌ للَّحن الذي فشا على ألسنة المولَّدين، ولم تَزَلِ العربُ في جاهليتها وصدرٍ من إسلامها تبرَعُ في نطقِها بالسجية، وتتكلم على السليقة، حتى فتحت المدائن… فوقع الخلل في الكلام، وبدا اللحن على ألسنة العوام.
و”الكلامُ الفصيحُ ما كان واضحَ المعنى، سهلَ اللفظ، جيِّدَ السَّبك؛ ولهذا وجب أن تكون كلُّ كلمة فيه جاريةً على القياس الصرفي، بيِّنةً في معناها، مفهومةً عذبة سلسة.
وإنما تكون الكلمةُ كذلك إذا كانَتْ مألوفة الاستعمال بين النابِهين من الكتَّاب والشعراء؛ لأنها لم تتداوَلْها ألسنتُهم، ولم تَجْرِ بها أقلامُهم، إلا لمكانِها مِن الحسن باستكمالها جميع ما تقدَّم من نعوت الجودة وصفات الجمال.
والذوقُ السليم هو العمدةُ في معرفةِ حسن الكلمات وسلاستها، وتمييز ما فيها من وجوه البشاعة ومظاهر الاستكراه؛ لأن الألفاظَ أصواتٌ، فالذي يطرب لصوت البلبل، وينفرُ من أصوات البوم والغربان، ينبو سمعه عن الكلمة إذا كانت غريبةً متنافرة الحروف، ألا ترى أن كلمتَي (المُزنة) و(الدِّيمة) للسحابة الممطرة، كلتاهما سهلة عذبة يسكن إليها السمع، بخلاف كلمة (البُعاق) التي في معناهما؛ فإنها قبيحةٌ تصُكُّ الآذان، وأمثال ذلك كثير في مفردات اللغة، تستطيع أن تدركه بذوقك”[6].
ويشترط في فصاحة التركيبِ – فوقَ جريان كلماته على القياس الصحيح وسهولتها – أن يسلَمَ من ضَعف التأليف، وهو خروجُ الكلام عن قواعد اللغة المطَّردة؛ كرجوع الضمير على متأخر لفظًا ورُتبةً، كما يشترط أن يسلم التركيب من تنافر الكلمات المؤدِّي للثقل في السمع، وصعوبة أدائها باللسان؛ كقول شاعر (من الرجز):
وقَبْرُ حربٍ بمكانٍ قَفْرٍ *** وليس قُرْبَ قبرِ حربٍ قَبْرُ
فمع أن كل كلمة منه لو أُخذت وحدَها كانت غيرَ مستكرَهة ولا ثقيلة، لكن اجتماع كلماته وقُرب مخارج حروفها، يُحدِثانِ ثقلًا ظاهرًا.
ويجب أن يَسلَمَ التركيبُ من التعقيد اللفظي، وهو أن يكون الكلامُ خفيَّ الدلالة على المعنى المراد بسبب تأخير الكلمات أو تقديمها عن مواطنها الأصلية، أو بالفصل بين الكلمات التي يجب أن تتجاور ويتصل بعضها ببعض، فإذا قلت: (ما قرأ إلا واحدًا محمدٌ مع كتابًا أخيه)، كان هذا الكلام غير فصيح لضعف تأليفه؛ إذ أصله: (ما قرأ محمدٌ مع أخيه إلا كتابًا واحدًا)، فقدِّمت الصفة على الموصوف، وفُصل بين المتلازمين، وهما أداة الاستثناء والمستثنى، والمضاف والمضاف إليه.
ويجب أن يسلم التركيب من التعقيدِ المعنويِّ، وهو أن يعمدَ المتكلِّم إلى التعبير عن معنى فيستعمل فيه كلمات في غير معانيها الحقيقية، فيُسِيء اختيار الكلمات للمعنى الذي يريده، فيضطرب التعبير ويلتبس الأمر على السامع؛ مثال ذلك أن كلمة (اللسان) تُطلق أحيانًا ويُراد بها اللغة؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾ [إبراهيم: 4]؛ أي: ناطقًا بلغة قومه، وهذا استعمالٌ صحيح فصيح، فإذا استعمل إنسانٌ هذه الكلمة في الجاسوس، وقال: (بثَّ الحاكمُ ألسنتَه في المدينة)، كان مخطئًا، وكان في كلامه تعقيدٌ معنويٌّ[7].
2/3 الفصاحة والجنس العربي:
مِن المزاعم أن الفصاحة – أو ما يسمى بالسليقة – كان لها عند القدماء ارتباطٌ وثيق بالجنس العربي؛ ولذا كان يُعتَقد أن غير العربي لا يُمكِنه تعلُّم العربية، ولو وُلِد ونشأ في بيئة عربية، وإلى هذا المعنى يُشير إبراهيم أنيس – بعد أن عرَّف السليقة عند المحدثين – بقوله: إن الأقدمين مِن علماء العربية قد سيطَرَتْ عليهم فكرةٌ أخرى، ورأَوا أمر الكلام بالعربية يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالجنس العربي؛ ولذا يُنكِرون على الفارسي أو اليوناني إمكانَ إتقان هذه اللغة كما يُتقِنها أهلها من العرب، كأن هناك أمرًا سِحريًّا يمتزج بدماء العرب، ويختلط برمالهم وخيامهم، وهو سرُّ السليقة العربية، يورثه العرب لأطفالهم، وتُرضِعه الأمهات لأطفالهن في الألبان؛ ولذا لم يتورَّع الرواة في الأخذ عن صبيان العرب والرواية عنهم[8].
وكيف يمكن للعلماء العرب أن يقولوا بأن الفصاحة طبعٌ عند العربي وهم يُشاهِدون مِن حولهم أعاجم قد صاروا فصحاء، وعربًا يَلحَنون في كلامهم؟ فلو كانوا يعتقدون أن الفصاحة للعرب بالطبع، لحددوها بالجنس العربي، فكل مَن كان عربيًّا فهو فصيح، ولو عاش وسط الأعاجم، ولكن تحديدهم لرقعة الفصاحة لم يكن على هذا الأساس، بل أبعدوا قبائل كثيرةً بحجَّة التأثر بغيرِها من الأمم المحيطة بها.
فالفصاحة عادةٌ لا أكثر ولا أقل، كما هو ثابت عند ابن جِنِّي؛ أي: إن السليقة اكتسابٌ وتعوُّد، ولو أنها كانت في نظره طبعًا أو سجيةً – أو (نحيزة) كما كانوا يقولون – لَما جعل ابن جني في أبواب خصائصه بابًا عنوانه (باب العربي الفصيح ينتقل لسانه)، والانتقال في نظره إما أن يكون إلى لغةٍ أخرى فصيحة أو فاسدة؛ فإذا كان الانتقال إلى لغة فصيحة جرى الاحتجاج بكلامِه بها، وإن كان إلى لغةٍ فاسدة لم يحتجَّ بكلامه[9].
2/4 الفصاحة والأعراب:
كل ما يمكن أن نقوله في هذا المجال هو أن العرب – بدوهم وحضرهم – كانوا أمةَ الكلام والخطابة والشِّعر، والتاريخُ يُحدِّثنا أنهم كانوا يهتمون أشد الاهتمام بالشعر وبالكلام عامةً، وكانوا جميعًا في مستوًى متقاربٍ من التذوق وفهم الشعر والخطابة؛ فالفصحى التي نقضي نحن السنين الطِّوالَ في تعلمها كانت لغةَ المنشأ عندهم، والشعر وأنواع الأدب عندهم كانت تعبِّر عن حياتهم اليومية، وكان يفهمها العامة والخاصة، فالشعر عندهم – وهو بالفصحى عندنا اليوم – كان أشبهَ ما يكون بالشعر الشعبي الذي يقال باللهجات العامية.
ارتبطت الفصاحةُ عند القدماء ارتباطًا وثيقًا بالأعراب وبالبادية، حتى بدا للكثيرِ من الدارسين المحدَثين أن النُّحاة العرب كانوا يربِطون الفصاحة بالأَعراب لا لشيء إلا لأنهم أعرابٌ.
وهناك جوابٌ آخر للتساؤل عن سبب ربط الفصاحة بالبداوة، نجده عند القدماء، يقول ابن جني في الخصائص: “بابٌ في ترك الأخذ عن أهل المدر كما أُخذ عن أهل الوبر”:
“علةُ امتناع ذلك ما عرض للغات الحاضرة وأهل المدر من الاختلال والفساد والخطل، ولو عُلم أن أهل قريةٍ باقون على فصاحتِهم، ولم يعترض شيءٌ من الفساد للغتِهم، لوَجَب الأخذ عنهم كما يُؤخَذ عن أهل الوبر، وكذلك أيضًا لو فشا في أهل الوبر ما شاع في لغةِ أهل المدر من اضطراب الألسنة وخبالها، وانتقاض عادة الفصاحة وانتشارها، لوجَب رفض لغتها وترك تلقِّي ما يَرِدُ عنها، وعلى ذلك العمل في وقتنا هذا؛ لأنَّا لا نكاد نرى بدويًّا فصيحًا، وإن نحن آنَسْنا منه فصاحةً في كلامه، لم نكد نعدِمُ ما يُفسِد ذلك ويقدح فيه، وينال ويَغُضُّ منه”[10].
أما ربط النُّحاة واللُّغويين الفصاحةَ بالجنس العربي، فلا أساسَ له من الصحة؛ إذ لم نجد نَحْويًّا واحدًا ربط الفصاحة بالجنس العربي، بل ربَطوها بالمنشأ اللُّغوي، وقد وجدناهم أخذوا عن الكثير من العَبيد السُّود.
وبالجملة، فمنهج النحاة العرب القدماء منهجٌ علمي تؤيده المناهج اللسانية الحديثة التي تُعنَى بما يسمى بالمدوَّنة المغلقة.
ثالثًا: أسباب تأليف المعاجم وفوائدها:
يمكن إجمال هذه الفوائد فيما يلي:
• العناية بفهمِ آيات القرآن الكريم، من خلال تفسير آياته، بمراجعة المؤلَّفات في غريب القرآن، من خلال تفسير الألفاظ العربية في القرآن وتوضيح معناها، مع ذكر الشواهد الشِّعرية فيها.
• تفسيرُ الألفاظ العربية الواردة في الأحاديث المرويَّة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين.
• معرفةُ المراد بألفاظ بعض الفقهاء في المُتُون، وربطها بالتعريفات الاصطلاحية عندهم، وذلك من خلال المؤلَّفات الخاصة بغريب ألفاظ الفقهاء.
• فهم مفرداتِ القصائد الشِّعرية العربية والقِطَع النثرية؛ لتدوين اللغة العربية خشيةَ ضياع شيء من مفرداتها، لا سيما في حياة فصحائها.
• ضبط الكلمات، ومعرفة نطقها الصحيح.
• بيان أصل الكلمة واشتقاقاتها وتصريفاتها، وجموعها ومصادرها، وتاريخها وتطورها، واختلاف استعمالها.
• تحديد أماكن بعض المواقع الجغرافية والمدن التاريخية.
• حفظ كمٍّ هائل من الشواهد الشِّعرية، من خلال جمع أشعار بعض الصحابة.
• اكتساب ثروة لُغوية كبرى، لا سيما عند تعدُّد مدلولات الكلمة واختلاف معانيها[11].
رابعًا: نشأة المعجم العربي:
يعدُّ التأليف في غريب القرآن النواةَ الأولى لتأليف المعاجم، وقد عُرِف عن ابن عباس رضي الله عنه اهتمامَه بتفسير الألفاظ الغريبة في القرآن، وتوضيح معناها، وذكره لبعض الشواهد الشِّعرية، وقد ألَّف بعدَه عددٌ من العلماء في هذا المجال؛ حيث الاقتصار على الألفاظ الغريبة، وذكر بعض الأشعار المؤيِّدة لمعناها.
وقد جرى جمع ألفاظ اللغة العربية على مراحل ثلاث:
المرحلة الأولى: عرَفت هذه المرحلة تدوينَ ألفاظ اللغة وتفسيرها بدون ترتيب، وقد جرى هذا الجمعُ بفضلِ ارتباط الرواة والعلماء منذ أواخر القرن الهجري الأول، وكان السماع عن الأعراب من المصادرِ الأساسية التي اعتمدها الرواة في جمع اللغة، ويعدُّ “كتاب النوادر في اللغة” لأبي زيدٍ الأنصاري، من أفضل الكتب اللُّغوية التي تُمثِّل هذه المرحلة؛ ذلك أن المؤلف يُورِد فيه النصوص الشِّعرية والنثرية الغريبة، فيشرحها ويعلق عليها من غير ترتيب.
المرحلة الثانية: وهي مرحلةُ تدوين اللغة مرتبةً في رسائل متفرقة صغيرة محدودة الموضوع، مبنيَّة على معنى من المعاني، أو على حرف من الحروف؛ مثل كتاب المطر لأبي زيد الأنصاري، وللأصمعي كتب؛ منها: كتاب الإبل والخيل، وكتاب أسماء الوحوش وصفاتها، وكتاب النخل والكرم، وكتاب النبات والشجر.
وهناك رسائل أخرى جُمعت فيها ألفاظ اللغة دون مراعاةِ معانيها، وهي تجمع اسم الحرف الذي يجمع بين هذه الأصول، فيقال: كتاب الخاء، وكتاب الجيم، ومِن أشهر ما وصل إلينا من رسائل هذا النوع كتابُ الهمز لأبي زيد الأنصاري، وكتاب الجيم لأبي عمرو الشيباني.
وهناك رسائل أخرى جُمِعت فيها الألفاظ التي تربط بينها رابطةٌ أخرى غير رابطة المعاني أو الحروف؛ مثل الكتب التي ألِّفت في الأضداد؛ مثل “الجون” الذي يطلق على الأسود والأبيض، والفعل “شرى” الذي يدل على البيع والشراء.
المرحلة الثالثة: وهي مرحلةُ وضعِ المعاجم العامَّة الشاملة المنظمة، وأول مَن وضع المعجم هو الخليل بن أحمد الفراهيدي، وكان الهدفُ الأساسي من هذا كلِّه هو خدمةَ القرآن ونصوص التشريع، وصون اللغة من الخطأ، وحفظها من الضياع[12].
وتعتبر قضية الترتيبِ من أهم القضايا التي عرَفها تاريخ القاموس العربي القديم؛ إذ هو الطريقةُ أو المنهج الذي يتبعه صانعُ المعجَم لتنظيم الثروة اللفظية المختارة من الكلمات والتعابير الاصطلاحية والسياقية، وعرضها في المعجم، بحيث يستطيع القارئ العثور على مرادِه بكل سرعة ويسرٍ.
ويعتبر المعجَميون العرب من السبَّاقين إليه، حتى أصبح اختصاصًا على يدهم دون غيرهم، ونهجًا يُقتَدى من النحاة والمعجميين، على الرغم من افتراض كون الأمم الأخرى – مثل الآشوريين، والصينيين، واليونان – لهم اهتمامٌ باللغة؛ فالآشوريون اهتمُّوا باللغة ومفرداتها وقواعدها، وعرَفوا المعاجم قبل العرب، فقد ابتَكَروا معاجم خاصة بلغتهم ذات ترتيب يُغاير ما عُرِف عند العرب من ترتيب، فتركوا نظام الكتابة الترميزية القديمة، واستبدلوا بها نظام الإشارات المقطعية أو الألفبائية.
خامسًا: مصادر التأليف المعجمي العربي:
5/1 القرآن الكريم والقراءات القرآنية:
ألفاظ القرآن الكريم هي لبُّ كلام العرب وزُبْدته، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء، والفرقانُ العزيز الذي نزل بلسان عربي مبينٍ في أعلى درجات الفصاحة، فكانت أمةُ العرب في أمسِّ الحاجة إليه؛ إذ استَشْهَدوا به في كثيرٍ من المواطن، وقبِلوا كلَّ ما جاء فيه، وحقيقة الكتاب أنه (ما نقل إلينا بين دفتَي المصحف بالأحرف السبعة المشهورة نقلًا متوترًا).
والقراءاتُ القرآنية هي الوجوهُ المختلفة التي سمَح النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقراءةِ نصِّ المصحف بها قصدًا للتيسير، والتي جاءت وَفْقًا للهجة من اللهجات العربية، يقول ابن الجزري: “قد تتبعتُ صحيح القراءةِ وشاذَّها وضعيفها ومنكرها، فإذا هي يرجعُ اختلافها إلى سبعة أوجه، لا يخرج عنها؛ وذلك:
إما في الحركات بلا تغير في المعنى والصورة، نحو: ﴿ بالبُخْل ﴾ [13]؛ بأربعة، ويحسب بوجهين.
أو متغير في المعنى فقط؛ نحو: ﴿ فتلقَّى آدم من ربه كلمات ﴾[14].
وإما في الحروف بتغير المعنى لا الصورة؛ نحو: ﴿ تبلو ﴾ [15]، و﴿ تتلو ﴾ [16].
أو عكس ذلك؛ نحو: ﴿ الصراط ﴾ [17]، و(السراط).
أو بتغيرهما؛ نحو: ﴿ وامضوا ﴾ [18]، (واسعَوا).
وإما في التقديم والتأخير؛ نحو: ﴿ فيَقتلون ويُقتلون ﴾ [19].
أو في الزيادة والنقصان؛ نحو: ﴿ وصَّى ﴾ [20]، و(أوصى).
فهذه سبعة لا يخرج الاختلاف عنها”[21].
5/ 2 الحديث النبوي:
وهو المصدر الثاني بعد القرآن، ويعدُّ استعماله مصدرًا في تأليف المعجم، فهو مندرِجٌ لذلك في اللغة التي يتكلَّمها الناس، والغايةُ الأساسية من استعمال الحديث هي الاستشهاد، والمشهور بين المتأخِّرين أن القُدامى لم يستشهدوا بالحديث، فبنَوا عليه أنهم يرفضون الاستشهاد به، فلا يستندون إليه في إثبات ألفاظ اللغة، أو وضع قواعدها، ثم حاولوا تعليل ذلك[22]. وقد أشار إلى ذلك أحمد الإسكندري بقوله: “مضَتْ ثمانية قرونٍ والعلماءُ مِن أول أبي الأسود الدؤلي إلى ابن مالكٍ لا يحتجُّون بلفظ الحديث في اللغة إلا الأحاديث المتواترة”[23].
وقد أجمل أحمد مختار أسبابًا كثيرةً تحمل الشك في صحة ما نُسب إلى الأقدمين مِن رفضهم الاستشهاد بالحديث؛ ومن ذلك:
• أن الأحاديث أصح سندًا مِن كثير مما يُنقَل من أشعار العرب.
• أن مِن المحدِّثين مَن ذهب إلى أنه لا تجوز الرواية بالمعنى إلا لمن أحاط بجميع دقائق اللغة[24].
وقد حاول المتأخِّرون أن يُعلِّلوا هذا الرفض المزعوم، وانتهوا إلى أنه يرجع لسببين:
الأول: أن الرواة جوَّزوا النقل بالمعنى.
الثاني: أنه وقع اللحن كثيرًا فيما روي من الحديث؛ لأن كثيرًا من الرواة كانوا غير عربٍ بالطبع[25].
5/3 المأثور من كلام العرب:
ويشمل شِعرَ العرب وأمثالَهم وحِكَمَهم وأقوالهم السائرة.
5/3/1 الشعر:
لقي الشعر اهتمامًا كبيرًا من اللُّغويين، واعتبروه الدِّعامة الأُولى لهم، حتى لقد تخصَّصت كلمة الشاهد فيما بعد وأصبحت مقصورة على الشِّعرِ فقط؛ ولذلك نجد كتبَ الشواهد لا تحوي غير الشِّعر، ولا تهتم بما عداه، وقد كان اللُّغويون يستشهدون بالشعر المجهول قائلُه، إن صدر عن ثقةٍ يعتمد عليه؛ ولذا اعتبروا الأبيات التي وردت في كتاب سيبويهِ أصح الشواهد، فاعتمد عليها خلفٌ بعد سلفٍ، مع أن فيها أبياتًا عديدة جُهِل قائلها…، وحديثُنا عن الشاهد الشِّعري يجرُّنا إلى الحديث عن قضية الضرورة الشِّعرية، أو ما يسمى بضرورة الشعر، حينما يحاول اللُّغوي أو النَّحْوي أن يستبعد البيت من مجالِ الاستشهاد، ولقد اختلف النحاة في ذلك إلى فريقين: فريق يرى – وهو جمهورهم – أن الضرورة هي ما وقع في الشعر مما لم يقع في النثر، سواء أكان للشاعر عنه مندوحةٌ أم لا، ومذهب ابن مالك – وهو الصحيح عن سيبويه – أنها ما ليس للشاعر مندوحة عنه[26].
وقد اعتمد الخليل في كتابه (العين) على شعرٍ كثير، اعتمد فيه على شعراء منهم الجاهلي ومنهم الإسلامي.
5/3/2 الشواهد النثرية:
تشتمل الشواهد النثرية على نوعين من المادة:
أحدهما: ما جاء في شكلِ خُطبة أو وصيَّة أو مَثَل أو حكمة أو نادرة، وهذا يعدُّ مِن آداب العرب الهامة، ويأخذ في الاستشهاد به مكانةَ الشعر وشروطَه.
وثانيهما: ما نُقِل عن بعض الأعراب ومَن يُستَشهَد بكلامِهم في حديثهم العادي، دون أن يتحقق له من التأنق والذيوع مثل ما تحقق للأول، وقد وضع اللُّغويون الزمانَ، فقد حدَّدوا نهاية المدة التي يستشهد بها بآخرِ القرن الثاني الهجري بالنسبة لعرب الأمصار، وآخِرِ القرن الرابع بالنسبة لعرب البادية، وأما المكان، فقد ربَطوه بفكرةِ البداوة والحضارة، فكلما كانت القبيلةُ بدويةً أو أقرب إلى الحياة البدوية، كانت لغتُها أفصحَ، والثقة فيها أكثر، وكلما كانت متحضِّرةً أو أقرب إلى حياة الحضارة، كانت لغتُها محلَّ شكٍّ، ومثارَ شبهة؛ ولذلك تجنَّبوا الأخذ عنها، وفكرتُهم أن الانعزال في كَبِد الصحراء وعدم الاتصال بالأجناس الأجنبية يحفظ للغة نقاوتَها، ويصونها عن أي مؤثرٍ خارجي، وأن الاختلاط يُفسِد اللغة وينحرف بالألسنة[27].
سادسًا: الكشف عن معاني الألفاظ في المعاجم:
تختلفُ المعاجم في طرقِ ترتيبها وتبويبها، غير أن هناك أمورًا عامة لا بد من مراعاتها قبل الكشف عن معنى الكلمة في المعجم؛ وهي:
1- الكلمة المجرَّدة يمكن البحث عنها مباشرة؛ مثل: كتب، قرأ، درس.
2- الكلمة المزيدة تُجرَّد من حروف الزيادة وتُرَد إلى أصلها؛ مثل: استعجم، الذي نُبقِي منه الجذر الثلاثي (عجم).
3- الجموع تُرَد إلى مفرداتها، ثم يُجرَّد المفرد إن كان مزيدًا؛ مثل كلمة (متعلمين)، فإن مفردَها (متعلم)، وعند تجريدها من حروف الزيادة يبقى الجذر (علم).
4- الأفعال المضارعة وأفعال الأمر تردُّ إلى ماضيها، ثم يُجرَّد الماضي إن كان مزيدًا؛ مثل: (يكتبون) تردُّ إلى (كتبوا)، ثم تجرَّد فيبقى الجذر الثلاثي (كتب).
5- الكلمة التي يوجد فيها حرفٌ غيرُ أصليٍّ يُرَدُّ إلى أصله؛ مثل: (سما)، فالألف فيها منقلبة عن واو، وعندما تُرَد إلى أصلها تصبح (سَمَوَ).
6- الكلمات المشدَّدة نفكُّ تشديدها؛ مثل: (مَدَّ)، يُفَكُّ تشديدها فتصبح (مدد)[28].
سابعًا: أسس تصنيف المدارس المعجمية:
المعاجم اللغوية نوعان:
النوع الأول: يعالج اللفظة، شارحًا مدلولها وجميعَ ما يتصل بها، ويتخذ لها منهجًا خاصًّا في ترتيب الألفاظ، وهذا النوعُ من المعاجم يسمى معاجم الألفاظ؛ ومنها: معجم العين للخليل بن أحمد، والصَّحاح للجوهري، ولسان العرب لابن منظور، وأساس البلاغة للزمخشري.
النوع الثاني: يجمع الألفاظ التي تدور حول معنى واحد أو موضوع واحد، ويسمَّى معجم المعاني أو معجم الموضوعات؛ ومنها: كتاب فقه اللغة للثعالبي، والمخصص لابن سِيدَه[29].
ويمكن أن نحصرَ قضية الترتيب في المدارس الآتية التي تتأسس على معاجم الألفاظ ومعاجم المعاني:
7/1 المدرسة الصوتية:
وهي تتبع الترتيب بحسبِ الحروف الحَلْقية ومقلوبات الكلمة؛ حيث يُعدُّ الإمام الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170هـ) في كتابِه العينِ أوَّلَ مَن ألف على هذه الطريقة؛ فقد رتب الحروف الحلقية، بَدْءًا بالأبعد في الحلق، منتهيًا بما يخرج من الشفتين:
الحروف الحلقية (ع / ح / هـ / خ / غ).
ثم اللَّهوية (ق/ ك).
ثم الشَّجريَّة (ج / ش / ض).
فالأسَليَّة (ص / س / ز).
فالنِّطَعيَّة (ط / د / ت).
فاللثويَّة (ظ / ذ / ث).
فالذلقيَّة (ر/ ل / ن – ف / ب / م).
فالهوائيَّة (و / ا / ي)[30].
فسمَّى كل حرفٍ كتابًا؛ حيث يبدأ بكتاب العين، وإليه تُنسب تسمية الكتاب، على عادةٍ درج عليها العرب؛ كتسمية سور القرآن الكريم حسب أوَّلِها.
وقد قسَّم الخليل الألفاظَ إلى ثنائيٍّ وثلاثي ورباعي وخماسي فقط.
أما كيفية التقاليب، فعلى الشكل الآتي:
الكلمة الثنائية يُمكِن أن تقلَّب مرتين، فحرفها الأول يكون ثانيًا، والثاني أولًا؛ كـ: بر تقلب إلى رب.
الكلمة الثلاثية يمكن قلبُها إلى ست صور؛ كـ: حبر؛ حيث تقلب إلى: برح، ورحب، وبحر، وربح، وحرب.
الكلمة الرباعية صور قلبها ترتفع إلى أربع وعشرين صورة.
بينما تصل الخماسية إلى مائة وعشرين صورة.
ومن المؤلَّفات المرتَّبة على الحروف الحلقية ومقلوباتها:
البارع في اللغة؛ لأبي إسماعيل بن القاسم القالي البغدادي (ت 356 هـ).
تهذيب اللغة؛ للإمام أبي منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت 370 هـ).
المحيط في اللغة؛ للإمام الصاحب إسماعيل بن عباد الطالقاني (ت 385 هـ).
المحكم والمحيط الأعظم في اللغة؛ للإمام أبي الحسن علي بن إسماعيل بن سِيدَه الأندلسي (ت 458 هـ).
7/2 المدرسة الهجائية:
حيث ترتب المواد حسب الحرف الأول؛ أي: تبعًا لترتيب الحروف الهجائية من الهمزة إلى الياء، وهي طريقةٌ شائعة؛ لسهولة مراجعة معاجمها وحفظ حروفها.
ومن المؤلفات على هذه الطريقة:
كتاب الجيم؛ لأبي عمرو بن إسحاق بن مرار الشيباني (ت 206 هـ)، وقيل: إن المراد بالجيم في اللغة الديباج؛ فكأنه سماه به لحُسنِه.
جمهرة اللغة؛ لأبي بكر محمد بن الحسن بن دُرَيد الأزدي البصري (321 هـ).
معجم مقاييس اللغة؛ لأحمد بن فارس (ت 395 هـ).
مجمل اللغة؛ لابن فارس، وهو كتاب مختصر، يحوي قرابة خمسة آلاف مادة تقريبًا، رام مؤلِّفه من تأليفه الجمع والترتيب، وسهولة الوصول للمفردات، مع الاختصار وتحرِّي الدقة في صحة المعاني.
أساس البلاغة؛ لأبي القاسم محمد بن عمر بن محمد الخوارزمي، الملقب بجار الله الزمخشري (538 هـ)، وهو معجم مختصر، اعتنى فيه بإيراد المعاني البلاغية للكلمة لا سيما المجاز، والاستشهاد عليها.
ومن المعاجم اللغوية الحديثة:
المعجم الوسيط: ألَّفه مجموعةٌ من أعضاء المجمع اللُّغوي بالقاهرة، وطُبع في مجلدين سنة (1380 هـ)، ثم صدر في طبعة منقَّحة عام (1392 هـ).
المنجد في اللغة والأعلام؛ للويس معلوف (ت 1946م).
المعجم الوجيز في المصطلحات التربوية؛ تأليف ميرغني دفع الله أحمد.
7/3 المدرسة الأبجدية:
وترتب الكلمات حسب الحرف الأخير؛ مَثَلًا كلمة (كتب)، توجد في حرف الباء، وذلك لثبوت الحرف الأخير من الكلمة وتغير الحرف الأول تغيرًا كثيرًا عند التصريف والقلب، وهي طريقة تلائم الكتَّاب والشعراء؛ لاعتنائهم بالسجع والقوافي.
ومن أمثلة المؤلفات على هذه الطريقة:
التقفية في اللغة؛ لأبي بشر اليمان بن أبي اليمان البندنيجي (ت 284 هـ)، وقد طبع ببغداد عام (1396 هـ)، بتحقيق د/ خليل إبراهيم العطية، في مجلد واحد، مذيَّلًا بفهارس عديدة.
تاج اللغة وصحاح العربية، أو (الصحاح)؛ للإمام إسماعيل بن حماد الجوهري (ت 393 هـ، أو ما بعدها)، ويعدُّ مِن أجود المعاجم وأنفعها، وقد شمِل أربعين ألف مادة لُغَوية.
لسان العرب؛ للعلامة جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي (ت 711 هـ).
القاموس المحيط؛ للفيروزابادي (ت 817 هـ)[31].
وهذه امعاجم – أي معاجم الألفاظ – هي معاجم تشتمل على كل كلمات لغة ما، مرتبة ترتيبًا معينًا، مع تفسير معنى كلٍّ منها وذكر معلومات عنها، وتكون الكلمة مادتها الرئيسة، والمعاجم اللُّغوية قوامُها ألفاظ اللغة، فتشرحها وتُظهِر كيفية ورودها في الاستعمال، ولا تفيد إلا الباحثَ الذي يتوفر على اللفظ دون المعنى.
7/4 المدرسة الموضوعاتية أو (معاجم المعاني):
يقصد بها الكتبُ المؤلَّفة في جمع الألفاظ حسب موضوعها أو معناها، فمَن ابتغى معرفةَ لفظةٍ، فعليه أن يعرف موضوعها، وهل هي تندرج فيما يتعلَّق بخلق الإنسان، أو السلاح، أو الحيوان، أو الطعام، أو الشراب، أو اللباس، أو نحو ذلك مما له عَلاقة بحياة العرب.
وهي نوعان:
1- إفراد موضوع واحد بمؤلَّف مستقلٍّ، فكان العلماء قديمًا يُفرِدون أحدَ الموضوعات بكتاب مستقلٍّ يتناولون فيه ذلك الموضوع وحدَه (أسماءه، ألوانه، أجزاءه، أطواره، أمراضه)، مع الاستدلال على ذلك ببعضِ ما ورد من الآيات والأحاديث، والأشعار وأقوال الفصحاء، والأمثال والأخبار.
ومن أمثلة هذا النوع:
خلق الإنسان؛ للإمام الأصمعي (ت 216 هـ).
كتاب الإبل؛ للأصمعي.
كتاب السلاح؛ للأصمعي.
كتاب الخيل؛ لأبي عُبيدة مَعْمَر بن المثنَّى (ت 210 هـ).
2- معاجم الموضوعات (المعاني):
تطوَّر التأليف بعد ذلك ليشمل جمعَ عددٍ من الموضوعات في معاجم موسَّعة، تُدْعَى معاجم الموضوعات أو معاجم الصفات؛ لكونها تتناول صفات الأشياء وتتكلَّم عنها بدقة؛ وذلك ككتب: (صفة خلق الإنسان، أو الفرس، أو الإبل، أو الخيل…)؛ فالهدفُ هو تصنيف الألفاظ داخل مجموعاتٍ موضوعية وَفْقَ معانيها المتشابِهة، ويلحق بها مؤلَّفات غريب الفقه المرتبة حسب الموضوعات الفقهية، فمن أراد لفظةً فعليه معرفةُ بابها.
ومن أمثلة هذا النوع:
أحمد بن فارس الرازي في كتابه “متخير الألفاظ” (ت 395 هـ).
الثعالبي في كتابه “فقه اللغة وسر العربية” (ت 429 هـ)
ابن سِيدَه الأندلسي في كتابه “المخصَّص” (ت 458 هـ)[32].
خاتمة:
إذا كان المعجمُ العربيُّ يزخر بكمٍّ هائلٍ مِن الثروة اللُّغوية التي تعبِّر عن غنى الفكر الإنساني عمومًا ومنه العربي؛ فإن السيرورةَ الامتدادية التوليدية للغة تقتضي تجديدَ البِناء المعجميِّ بشكل يستوعب المتغيرات اللسانية اللفظية والدلالية.
[1] ينظر: عبدالقادر أبو شريفة، حسن لافي، وداود غطاشة، (1989)؛ علم الدلالة والمعجم العربي، دار الفكر، عمان، ص 113.
[2] ينظر: ابن منظور؛ لسان العرب، مادة قمس.
[3] ينظر: أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبديع، ضبط وتدقيق وتوثيق يوسف الصميلي، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، ص19.
[4] ينظر: علي الجارم ومصطفى أمين (1999)، البلاغة الواضحة: البيان والمعاني والبديع، دار المعارف ص5.
[5] ينظر أحمد الهاشمي؛ جواهر البلاغة في المعاني والبديع، ص19.
[6] علي الجارم ومصطفى أمين؛ البلاغة الواضحة: البيان والمعاني والبديع، ص 5.
[7] ينظر المرجع نفسه، ص 6 – 7.
[8] ينظر: إبراهيم أنيس (1978)؛ من أسرار اللغة العربية، ط 6، مكتبة الأنجلو المصرية، ص36 – 37.
[9] ينظر: تمام حسان (1980 – 1400)؛ اللغة بين المعيارية والوصفية، دار الثقافة، الدار البيضاء مطبعة النجاح الجديدة، ص78.
[10] عثمان بن جني، أبو الفتح، الخصائص، تحقيق محمد علي النجار، دار الكتب المصرية، القسم الأدبي، المكتبة العلمية، ج2 ص5.
[11] ينظر: أحمد بن عبدالله الباتلي (1412 هـ – 1992م)؛ المعاجم اللغوية وطرق ترتيبها، دار الراية، الرياض، الطبعة الأولى، ص13، وينظر: عبدالقادر أبو شريفة، حسن لافي، وداود غطاشة، (1989)؛ علم الدلالة والمعجم العربي، دار الفكر، عمان، ص114.
[12] ينظر: عبدالقادر أبو شريفة، حسن لافي، وداود غطاشة؛ علم الدلالة والمعجم العربي، ص116 – 117.
[13] سورة النساء، الآية 37.
[14] سورة البقرة، الآية 37.
[15] سورة يونس، الآية 30.
[16] سورة البقرة، الآية 102.
[17] سورة الفاتحة، الآية 6.
[18] سورة الحجر، الآية 65.
[19] سورة التوبة، الآية 111.
[20] سورة البقرة، الآية 132.
[21] (ابن الجزري؛ النشر في القراءات العشر، ج1، ص26)، ينظر: جلال الدين السيوطي (2008)؛ الإتقان في علوم القرآن، اعتناء وتعليق مصطفى شيخ مصطفى، مؤسسة الرسالة ناشرون، دمشق، سوريا، ص 106.
[22] ينظر: أحمد مختار عمر (1988)؛ البحث اللغوي عند العرب، مع دراسة لقضية التأثير والتأثر، الطبعة السادسة، عالم الكتب، القاهرة. ص 35.
[23] المرجع نفسه، ص 35.
[24] ينظر: المرجع نفسه، ص 36.
[25] ينظر: المرجع نفسه، ص 39.
[26] ينظر: المرجع نفسه، ص43 – 44.
[27] ينظر: المرجع نفسه، ص 50 – 51.
[28] ينظر: عبدالقادر أبو شريفة، حسن لافي، وداود غطاشة، علم الدلالة والمعجم العربي، ص 116.
[29] ينظر: المرجع نفسه، ص115 – 116.
[30] ينظر: المرجع نفسه. ص 119.
[31] ينظر: أحمد بن عبدالله الباتلي؛ المعاجم اللغوية وطرق ترتيبها، ص 17 وما بعدها.
[32] ينظر: المرجع نفسه، ص69 وما بعدها.