بَاب ارْتِفَاع الْفِعْل الْمُضَارع
وَاعْلَم أَن الْفِعْل الْمُضَارع إِنَّمَا يرْتَفع عِنْد أهل الْبَصْرَة بِوُقُوعِهِ موقع الِاسْم، وَسَوَاء كَانَ الِاسْم مَرْفُوعا أَو مَنْصُوبًا أَو مجرورا، كَقَوْلِك فِي الْمَرْفُوع: زيد يقوم، وَهُوَ فِي موقع: زيد قَائِم.
فَأَما الْمَنْصُوب فنحو قَوْلك: كَانَ زيد يقوم، فِي مَوضِع: كَانَ زيد قَائِما.
وَأما الْمَجْرُور فنحو قَوْلك: مَرَرْت بِرَجُل يقوم، فَهُوَ فِي مَوضِع: مَرَرْت بِرَجُل قَائِم.
وَإِنَّمَا اسْتحق الرّفْع لوُقُوعه موقع الِاسْم لوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا: بِأَن وُقُوعه موقع الِاسْم معنى لَيْسَ بِلَفْظ، وَهُوَ مَعَ ذَلِك متجرد من العوامل اللفظية، فَمن حَيْثُ اسْتحق الْمُبْتَدَأ الرّفْع، أعطي الْفِعْل فِي هَذَا الْموضع الرّفْع
وَالْوَجْه الثَّانِي: هُوَ أَن الْفِعْل لَهُ ثَلَاثَة أَحْوَال:
أَحدهَا: أَنه يَقع موقع الِاسْم وَحده، كَقَوْلِك: زيد يقوم، وَهُوَ فِي مَوضِع (قَائِم).
وَالثَّانِي: أَنه يَقع موقع الِاسْم مَعَ غَيره، كَقَوْلِك: أُرِيد أَن تذْهب، فَهُوَ بِمَنْزِلَة: أُرِيد ذهابك
- موضوعات ذات صلة:
- الفعل المضارع
- نصائح مكاوية (الفعل المضارع)
- متى يكون زمن الفعل المضارع ماضيا؟ ما معنى كلمة (مضارع) أصلا؟
- أحوال الفعل المضارع (العوامل 2)
وَالْحَالة الثَّالِثَة: أَلا يَقع موقع الِاسْم بِنَفسِهِ، ولامع غَيره، كَقَوْلِك: إِن تأتني آتِك، وَكَذَلِكَ: لم يقم زيد، لَا يَصح أَن يَقع الِاسْم موقع مَا ذَكرْنَاهُ، وَيكون بِمَعْنَاهُ، فَلَمَّا كَانَ الْفِعْل قد حصل على الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة، وَكَانَ الِاسْم هُوَ الأَصْل فِي الْإِعْرَاب، كَانَ وُقُوع الْفِعْل فِي مَوْضِعه أقوى أَحْوَاله، فَوَجَبَ أَن يعْطى أقوى الحركات، وَهُوَ الرّفْع، وَلما كَانَ وُقُوعه مَعَ غَيره موقع الِاسْم دون ذَلِك فِي الرُّتْبَة، جعل لَهُ النصب، وَلما كَانَ وُقُوعه فِي مَوضِع لَا يَصح وُقُوع الِاسْم فِيهِ، فَبعد بذلك من شبه الِاسْم بعدا شَدِيدا، أعطي من الْإِعْرَاب مَا لَا يَصح دُخُوله على الِاسْم، لبعد شبهه مِنْهُ، وَهُوَ الْجَزْم.
وَالْفراء يَقُول: إِن الْفِعْل الْمُضَارع يرْتَفع بسلامته من النواصب والجوازم.
وَعند الْكسَائي: (١٢ / ب) إِنَّه يرْتَفع بِمَا فِي أَوله من الزَّوَائِد.
فَأَما قَول الْكسَائي فَظَاهر الْفساد، لِأَن هَذِه الزَّوَائِد لَو كَانَت عاملة رفعا، لم يجز أَن يَقع الْفِعْل مَنْصُوبًا وَلَا مَجْزُومًا، وَهِي مَوْجُودَة فِيهِ، لِأَن عوامل النصب لَا يجوز أَن تدخل على عوامل الرّفْع، لِأَنَّهُ لَو دخل عَلَيْهِ لَكَانَ يجب أَن يبْقى حكمهَا، فَيُؤَدِّي ذَلِك إِلَى أَن يكون الشَّيْء مَرْفُوعا مَنْصُوبًا فِي حَال، وَهَذَا محَال، فَلَمَّا وجدنَا هَذَا الْفِعْل ينصب ويجزم، والحروف فِي أَوله مَوْجُودَة، علمنَا أَنَّهَا لَيست عِلّة فِي رَفعه.
وَأما الْفراء فَقَوله أقرب إِلَى الصَّوَاب، وفساده مَعَ ذَلِك، وَهُوَ أَنه جعل النصب والجزم قبل الرّفْع، لِأَنَّهُ يرْتَفع بسلامته من النواصب والجوازم، وَأول أَحْوَال الْإِعْرَاب الرّفْع، وَقَوله يُوجب أَن يكون الرّفْع بعد النصب والجزم، فَلهَذَا فسد، فاعلمه.