المجاز المركب وأسئلة عليه
شرح دروس البلاغة للشيخ محمد بن صالح العثيمين
تحقيق الأستاذ أشرف بن يوسف (19)
المُركَّبُ إن استعمل في غير ما وضع له لعلاقة غير المشابهة، سمي مجازًا مركبًا؛ كالجمل الخبرية إذا استعملت في الإنشاء، نحو قوله:
هوايَ مع الرَّكبِ اليمانين مُصعِد ♦♦♦ جَنِيبٌ، وجثماني بمكَّةَ موثَقُ
فليس الغرض من هذا البيت الإخبار، بل إظهار التحزن والتحسر.
وإن كانت علاقته المشابهة، سمي استعارة تمثيلية، كما يقال للمتردد في أمر: إني أراك تقدِّم رجلًا وتؤخر أخرى (1).
(١) يعني رحمه الله أن الجمل الخبرية إذا استعملت في الإنشاء، فإنها تسمى مجازًا مركبًا إذا لم تكن علاقتها المشابهة.
ولها أمثلة كثيرة؛ كقوله تعالى: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ﴾ [البقرة: 228]؛ فإن “يتربصن” جملة خبرية يراد منها الإنشاء، يعني الأمر بذلك.
ومثل ذلك أيضًا البيت الذي ذكره المؤلف:
هواي مع الركب اليمانين مصعد ♦♦♦ جنيب وجثماني بمكة موثقُ[1]
وإذا جاءك جملة مجازية علاقتها المشابهة، فهي استعارة تمثيلية.
مثال ذلك: قولك في الأمر الذي تتردد فيه: فكنت أقدِّم رجلًا وأؤخِّر أخرى.
فمعلوم أنه ليس المراد حقيقة تقديم الرِّجل، لكن شبه حاله في التردد بحال من يقدم رجلًا ويؤخر أخرى؛ فالذي يقدم رجلًا ويؤخر أخرى لا يمكن أن يتقدم، بل يبقى في مكانه حائرًا.
فيقال في هذه: إنها استعارة تمثيلية.
وذكر المؤلف رحمه الله هذا من باب تكملة التقسيم، وإلا فلا حاجة إليه؛ لأنه سبق ذكر القواعد العامة، وهي يكتفى بها.
أسئلة على المجاز المركب
السؤال الأول: وضح كل مجاز مرسل مركب، وعلاقته، وكل استعارة تمثيلية، وتقريرها، في الأمثلة الآتية:
(أ) إذا قالت حذام فصدقوها ♦♦♦ فإن القول ما قالت حذام
(ب) تصرمت منا أويقات الصبا ♦♦♦ ولم نجد من المشيب مهربا
(ج) إذا جاء موسى وألقى العصا ♦♦♦ فقد بطل السحر والساحر
(د) قلبي يحدثني بأنك متلفي ♦♦♦ روحي فداك عرفت أم لم تعرف
(هـ) قال تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ﴾ [الأحزاب: 72] الآية.
(و) أحشفًا وسوء كيلة، يضرب لمن يظلم من وجهين.
(ز) اليد لا تصفق وحدها، يضرب لمن يريد أن يعمل عملًا وحده، وهو عاجز عنه.
(ح) لأمرٍ ما جدَع قَصيرٌ أنفَه، يضرب لمن يحتال على حصول أمر خفي وهو متستر تحت أمر ظاهر.
(ط) ذهب الصبا وتولت الأيام ♦♦♦ فعلى الصبا وعلى الزمان سلام
الأجوبة عنها.
(أ) فيه استعارة تمثيلية.
يقال في تقريرها: شبهت هيئة الرجل، الذي لا يقول إلا الحق، ولا يخبر إلا بالصدق بهيئة المرأة المسماة حذام، بجامع الصدق في كل.
واستعير الكلام الموضوع للمشبه به على طريق الاستعارة التمثيلية.
(ب) فيه مجاز مرسل مركب، علاقته السببية؛ فإن هذا الكلام سبب في التحسر، أو الملزومية؛ فإن الإخبار بهذا مستلزم للتحسر.
(ج) فيه استعارة تمثيلية.
يقال في تقريرها: شبهت هيئة الرجل الذي يحصل بوجوده فصلُ المشكلات بهيئة نبي الله موسى عليه السلام مع سحرة فرعون، بجامع حسم النزاع في كل.
استعير الكلام الموضوع للمشبه به للمشبه على طريق الاستعارة التمثيلية.
(د) فيه استعارة تمثيلية.
يقال في تقريرها: شبهت هيئته القائمة به من الذوق الوجداني بهيئة من جرى على لسانه ذلك من عشاق الأشباح، بجامع الهيئة الحاصلة من التأثر والوجدان في الكلام.
واستعير الكلام الدال على المشبه به للمشبه على طريق الاستعارة التمثيلية.
(هـ) فيه استعارة تمثيلية.
يقال في تقريرها: شبه حال التكاليف في ثقل حملها وصعوبة الوفاء بها بحال أنها عرضت على هذه الأشياء مع كبر أجرامها وقوة متانتها، فامتنعن وخِفْنَ من حملها، بجامع عدم تحقق الحمل في كل.
ثم استعير التركيب الدال على المشبه به للمشبه على طريق الاستعارة التمثيلية.
(و) فيه استعارة تمثيلية.
يقال في تقريرها: شبهت هيئة من يَظلِمُ من وجهين بهيئة رجل باع آخر تمرًا رديئًا، وناقص الكيل، بجامع الظلم من وجهين في كل.
واستعير الكلام الدال على المشبه به للمشبه على طريق الاستعارة التمثيلية.
(ز) فيه استعارة تمثيلية.
يقال في تقريرها: شبهت هيئة من يريد أن يعمل عملًا وحده – وهو عاجز عنه – بهيئة من يريد أن يصفق بيد واحدة، بجامع العجز في كل.
واستعير الكلام الموضوع للمشبه به للمشبه على طريق الاستعارة التمثيلية.
(ح) فيه استعارة تمثيلية.
يقال في تقريرها: شبهت هيئة الرجل المتستر تحت أمر؛ ليحصل على أمر خفي يريده، بهيئة الرجل المسمى قصيرًا حين جدع أنفه؛ ليأخذ بثأر جذيمة من الزَّبَّاء، بجامع الاحتيال في كل.
واستعير الكلام الموضوع للمشبه به للمشبه على طريق الاستعارة التمثيلية.
(ط) فيه مجاز مرسل مركب؛ لأنه وإن كان خبرًا في أصل وضعه، إلا أنه مستعمل في الإنشاء؛ لقصد التحسر والتحزن على ما فات من الشباب.
والقرينة على ذلك: الشطر الأخير.
والعلاقة: السببية.
[1] فليس الغرض من هذا البيت الإخبار، بل إنشاء التأسف، وإظهار التحزن والتحسر على مفارقة المحبوب اللازم للإخبار بها، فوقع استعمال هذا الإخبار في غير الموضوع له؛ لعلاقة اللزوم، لا لعلاقة المشابهة، فصار مجازًا مركبًا مرسلًا.