حرف الراء وأحكامه تفخيمًا وترقيقًا
الرَّاء حرفٌ من حروف الاستِفال، ولكن الأصل فيه التَّفخيم؛ وذلك لأنَّه كما قال العلماء يتَّصِف بسبع صفات؛ من هذه الصفات: صفة الانحراف، ومعنى الانحراف: الميل، ومعناه هنا مَيَلان الراء في المخرج نحْوَ ظهرِ اللِّسان.
أوَّلاً – حكم الراء المتحركة:
1- إذا كانت الرَّاء مفتوحةً؛ نحو: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ﴾ [الكهف: 10] – ﴿ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6] – ﴿ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا ﴾ [يس: 70]… فحُكمها التفخيم.
2- وإذا كانت الرَّاء مضمومةً: ﴿ رُزِقُوا ﴾ [البقرة: 25] – ﴿ حُرُمٌ ﴾ [المائدة: 1] – ﴿ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾ [الأنعام: 160]… فحكمها التَّفخيم.
3- إذا كانت الراء مكسورة فحُكمها الترقيق؛ سواء كان الكسر عارضًا؛ مثل: ﴿ وَأَنْذِرِ النَّاسَ ﴾ [إبراهيم: 44]، أو أصليًّا مثل: ﴿ رِزْقًا ﴾ [البقرة: 22] – ﴿ لَا شَرِيكَ لَهُ ﴾ [الأنعام: 163] – ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾ [العصر: 1 – 2].
ثانيًا: أما إذا كانت ساكنة، فالتفصيل فيها كالآتي:
1- أن تأتي ساكنةً بعد همزة الوصل، فحُكمها التَّفخيم؛ سواءٌ وصَلْنا الكلمة التي فيها الرَّاء بالتي قبلَها، أو بدأنا بهمزة الوصل: ﴿ قِيلَ ارْجِعُوا ﴾ [الحديد: 13]، فإذا بدأنا القراءة بـ﴿ قيل ﴾، أو بكلمة ﴿ ارجعوا ﴾، فالرَّاء مفخمةٌ قولاً واحدًا.
2- إذا أتَت الراء ساكنة متوسِّطة، قبلها كسرٌ أصلي متَّصل بها، وليس بَعْدها حرفُ استعلاء؛ مثل: الفردوس، تكون الرَّاء مرقَّقة.
ويتَّضِح من هذا الكلامِ شروط:
أن تكون الرَّاء ساكنةً متوسِّطة قبلها كَسْر، ويكون هذا الكسر أصليًّا متَّصلاً بها، وليس بعد الرَّاءِ حرفُ استعلاء؛ فإذا انتفى شرطٌ خرجَت الرَّاء من حكم التَّرقيق، فإذا لم يكن الكسر أصليًّا؛ مثل: ﴿ ارْجِعِي ﴾ [الفجر: 28]، أو لم يكن متصلاً بها مثل: ﴿ الَّذِي ارْتَضَى ﴾ [النور: 55]، أو أتى بعدها حرفُ استعلاء؛ مثل: ﴿ قِرْطَاسٍ ﴾ [الأنعام: 7]، فالراء في هذه الحالات تفخم.
ملحوظة: كلمة ﴿ فِرْقٍ ﴾ [الشعراء: 63]، بسورة الشُّعراء: الرَّاء فيها ساكنة متوسِّطة، قبلها كسرٌ أصلي متَّصل بها، وبعدَها حرفُ استعلاء، فاختُلف في ترقيقها أو تفخيمها على قولين: أحدهما ترقَّق؛ لأن حرف الاستعلاء مكسور، والمكسور ضعيف، والضعيف لا يقوي غيره، والقول الثاني: تُفخَّم؛ عملاً بحرف الاستعلاء، وأخذًا بالقاعدة، وهذا الكلام حالة وَصل الكلمة ﴿ فِرْقٍ ﴾ بما بعدها، أمَّا حالة الوقف عليها فتُفَخَّم؛ لأن حرف الاستعلاء يصبح ساكنًا.
3- إذا كانت الرَّاء ساكنة في الطَّرَف (آخر الكلمة) سكونًا أصليًّا، وقبلها كسر فإنَّها ترقَّق؛ سواء كان بعدها حرف استعلاء، أو استفال، وسواء وُصِلَت أو وُقِف عليها؛ مثل: ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ﴾ [لقمان: 18]، ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ ﴾ [الأحقاف: 35].
4- إذا كانت الراء ساكنة سكونًا عارضًا؛ بسبب الوقف عليها، وقبلها كسْرٌ متصل بها؛ مثل: ﴿ مُنْتَصِرٌ ﴾ [القمر: 44]، أو مفصولاً عنها بساكن مستفل؛ مثل: ﴿ مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ ﴾ [يونس: 81]، فإنَّها ترقق، ﴿ منتصِرْ ﴾ – ﴿ السِّحر ﴾.
5- وأيضًا إذا كانت ساكنة سكونًا عارضًا؛ بسبب الوقف عليها، وقبلها ياءٌ ساكنة؛ سواء كانت مدِّية؛ مثل: خبير – قدير – أو لَيِّنة: مثل خير، فإنَّها تُرقَّق.
6- إذا وقف على الراء المكسورة المتطرِّفة بالرَّوْم يكون حقُّها الترقيق؛ لأن الرَّوم حالها حال الوصل.
… وَرَوْمُهُمْ ♦♦♦ كَمَا وَصْلِهِمْ فَابْلُ الذَّكَاءَ مُصَقَّلاَ
وهناك بعض الكلمات التي قد وردَ فيها الترقيق والتَّفخيم حال الوقف عليها، ويُرجَّح فيها الترقيق، وهي ﴿ فَأَسْرِ ﴾ [هود: 81]، و﴿ أَنْ أَسْرِ ﴾ [طه: 77] حيثما وقعَتا، و﴿ يَسْرِ ﴾ [الفجر: 4] في الفجر، وعلة التَّرقيق فيها أنَّ هناك ياءً محذوفة، فهنا يُقال: الأصل توسُّط الراء؛ حيث حذفت الياء رسمًا، وعلَّة التفخيم تطرُّف الراء إذا وُقِف عليها بالسكون.
وتوجد كلمتان بالقرآن الكريم فيهما الوجهان (ترقيق الراء وتخفيمها)، وهما: ﴿ مِصْرَ ﴾ [يوسف: 21]، و﴿ الْقِطْرِ ﴾ [سبأ: 12]، مع ترجيح التَّفخيم في راء ﴿ مصر ﴾، وترجيح الترقيق في راء ﴿ القطر ﴾؛ وذلك مراعاةً لحركة الراء عند الوصل؛ فراء مصر مفتوحة، وراء القطر مكسورة، وسبب التفخيم في الكلمتين أنَّ الساكن بين الكسرة والراء حرف مستَعْل.
ملحوظة هامة جدًّا
لا يُقاس على هذه الكلمات غيرها، وإن كانت في الحركات مثلها؛ لأنَّ القياس في القرآن الكريم لا يجوز؛ حيث يؤخذ بالتلقِّي من المشايخ المتقنين دون النظر إلى قاعدة معيَّنة.
يقول الشاطبِيُّ – رحمه الله تعالى -:
وَمَا لِقِيَاسٍ فِي القِرَاءَةِ مَدْخَلٌ ♦♦♦ فَدُونَكَ مَا فِيهِ الرِّضَا مُتَكَفِّلاَ
ثالثًا: إذا جاءت الرَّاء ساكنةً متطرِّفة، سكونًا عارضًا بعد فتحٍ أو ضمٍّ أو ألِفٍ ساكنة، أو واو ساكنة، فإنَّها تُفخَّم، مثل: ﴿ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ [القمر: 1] – ﴿ النُّذُرُ ﴾ [الأحقاف: 21] – ﴿ الْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 193] – ﴿ الصُّدُورِ ﴾ [آل عمران: 119].
وأيضًا إذا جاءت ساكنة متطرفةً، سكونًا عارضًا، وقبلها ساكنٌ غير الياء وقبل الساكن مفتوح أو مضموم، فإنَّها تُفخَّم؛ مثل: ﴿ وَالْعَصْرِ ﴾ [العصر: 1] – ﴿ خُسْرٍ ﴾ [العصر: 2].
ملحوظة هامة جدًّا:
القرآن الكريم يُؤخَذ بالتلقِّي، ولا يؤخذ من قواعد معيَّنة، ولْنَعلم أنَّ أحكام التجويد أُخِذت من التِّلاوة، وليس العكس؛ فلا بُدَّ من الرجوع إلى العلماء المتقِنين لقراءة القرآن الكريم، والأَخْذ منهم.