المؤلف: محي الدين الدرويش
إعراب آيات من سورة الحج
تضافرت جهود العلماء على دراسة علوم القرآن، وذلك من منطلق الاهتمام بكلام الله تعالى، ومن أجل الوصول إلى المعاني التي يتضمنها وصولاً صحيحاً..
ومن اهتمامهم، تلك العنايةُ بإعراب القرآن الكريم.. فخصصوا للإعراب كتباً جليلة برزت في كل عصر من عصور الإسلام.
منها الكتابُ الذي بين أيادينا، وهو (إعراب القرآن الكريم وبيانه) في تسعة مجلدات نفيسة، للأستاذ محيي الدين الدرويش.وهو من أهم كتب الإعراب في العصر الحديث، يعرب كلمات القرآن وجمَله، ويناقش مفرداته ومشكِله، ويشرح بعض القضايا النحوية، ويلقي على آياته أضواءً بلاغية.. فلنقرأ إعرابه لقوله تعالى في سورة الحج:
﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ [الحج: 26 – 29].
الإعراب:
﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا ﴾
“الواو“: استئنافية، والظرف متعلق بمحذوف تقديره: اذكرْ، وجملة “بَوَّأْنَا“: مُضافة إليها الظرف، و”بوأنا“: فعل وفاعل، و”لإبراهيم“: متعلقان بـ: ((بَوَّأْنَا))،
و”مكان البيت“: مفعول بوأنا، واختار أبو البقاء وغيرُه أن تكون اللام زائدة، أي: أنزلناه مكان البيت، والدليل عليه قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [يونس: 93]، أما على الأول، فيكون معنى “بوأنا“: هيأنا، و”أن“: هي المفسرة لأنها واقعة بعد قول مُقدَّر، أي: قائلين له: لا تُشركْ، و”لا“: ناهية، و”تشرك“: فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، وقيل: هي مصدرية، فَعَلْنَا ذلك لِئلاَّ تُشْرِك، وجُعل النَّهْي صلة لها، و”بي“: مُتعلقان بتُشْرِك، و”شيئًا“: مفعول تشرك.
وعبارة أبي حيان: و”أن“: مخففة من الثقيلة، قاله ابن عطية، والأصل: أن يليها فعلُ تحقيقٍ، أو ترجيحٍ كحالها إذا كانت مُشدَّدة، أو حرف تفسير، قاله الزمخشري، وابن عطية. وشرطها أن يتقدمها جملة في معنى القول، و”بوأنا” ليس فيه معنى القول، والأَوْلى عندي: أن تكون “أن” الناصبة للمضارع، إذ يليها الفعل المتصرف من ماضٍ ومضارع وأمر، والنهي كالأمر.
﴿ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾
“وطهر“: الواو عاطفة، و”طهر“: فعل أمر، فاعله مستتر تقديره: أنت،
و”بيتي“: مفعول طهر، و”للطائفين“: متعلّق بطهر،
و”القائمين والركع“: عطف على ما تقدم، و”السجود” صفة للركع، والأَوْلَى: أن تجعل الكلمتين بمثابة الكلمة الواحدة؛ لأنهما عملان في عمل واحد، وهو الصلاة.
﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾
“وَأَذِّنْ“: فعلُ أمرٍ، أي: نادِ بدعوة الحج، والأمر به، والخطاب لإبراهيم؛ كما يقضيه السياق، وعليه المفسّرون جميعًا. وعن الحسن: أنه خطاب لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – أُمِر أن يفعل ذلك في حَجة الوداع، وهو أقوى من جهة التشريع، و”في الناس“: متعلقان بِـ: ((أَذِّنْ))،
و”بالحج“: متعلقان بمحذوفٍ حالٍ، أي: مُعلنًا، و”يأتوكَ“: مضارع مجزوم؛ لأنه وقع جوابًا للطلب، و”الواو“: فاعل، و”الكاف“: مفعول به،
و”رجالاً“: حال، “وعلى كل ضامر“: عطف على “رجالاً“، أي: مُشاة وركبانًا، و”يأتينَ“: فعل مضارع مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة، و”النون“: فاعل، وجملة “يأتين“: صفة لكل ضامر؛ لأنه في معنى الجمع، وقرئ “يأتون” صفة للرجال الركبان، و”من كل فج“: متعلقان بيأتين، و”عميق“: صفة لفَجٍّ.
﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ﴾
“اللام“: للتعليل، و”يشهدوا“: فعل مضارع منصوب بأنْ مضمرة بعدها، وهي متعلقة مع مجرورها بـ”يأتوكَ“، أو بـ”أَذِّنْ“، و”منافع”: مفعول به، و”لهم“: صفة لمنافع،
و”يذكروا“: عطف على يشهدوا، و”الواو“: فاعل، و”اسم الله“: مفعول به، و”في أيام“: متعلقان بـ”يذكروا“،
و”معلومات“: صفة لأيام، وسيأتي ذكر هذه الأيام في باب الفوائد.
﴿ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾
“على ما رزقهم“: متعلقان بـ”يذكروا” أيضًا، ومعنى “على“: هنا التعليل، ومثله قوله – تعالى -: ﴿ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ﴾ [البقرة: 185].
وقول الشاعر:
عَلامَ تَقُولُ الرُّمْحَ يُثْقِلُ عَاتِقِي إِذَا أَنَا لَمْ أَطْعَنْ إِذَا الْخَيْلُ كَرَّتِ |
و”من بهيمة الأنعام“: متعلقان بـ”رزقهم“، “فكلوا“: الفاء الفصيحة، و”كلوا“: فعل أمر وفاعل، و”منها“: متعلقان بـ”كلوا“، “وأطعموا“: عطف على كلوا، و”البائس“: مفعول به، و”الفقير“: صفة.
﴿ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾
“ثم“: حرف عطف، و”اللام“: لام الأمر، وسيأتي بحث مفيد عنها في باب الفوائد، و”يقضوا“: مضارع مجزوم بلام الأمر، و”تفثهم”: مفعول به، “وليوفوا نذورهم“: عطف على يقضوا تفثهم، “وليطوفوا بالبيت“: عطف أيضًا، و”بالبيت“: متعلقان بـ”يطوفوا“، و”العتيق“: صفة للبيت.
عدد المشاهدات: 255
1 تعليق