المؤلف: أبو علي النحوي
المحقق: د. علي جابر المنصوري
ما ائتلف من الألفاظ الثلاثة (الاسم والفعل والحرف)
باب علم (ما) الكلم من العربية (2)
كان كلاماً مستقلاً وهو الذي يسميه أهل العربية الجمل
أعلم أنّ الإسم يأتلف مع الإسم يكون منهما كلام، وذلك نحو: زيد أخوك. وعمرو ذاهب. والفعل مع الإسم: (نحو) قام زيد. وذهب عمرو. ويدخل الحرف على كل واحد من هاتين الجملتين، فيكون كلامًا. وذلك نحو: هل زيد أخوك؟ .. وإنّ زيد أخوك. وما عمرو منطلقًا. وكذلك يدخل الحرف على الفعل والإسم. كما دخل على الجملة المركبة من الإسمين، وذلك نحو: قام زيد. ويذهب عمرو. ولم يضرب زيد. فأما قولهم: زيد في الدار. والقتال في اليوم، فهو كلام مؤتلف من إسم وحرف، وليس هو على حد قولك: إنّ زيدًا منطلق، ولكنه من خبره الفعل والإسم، أو الإسم والإسم. ألا ترى أنّ قولك: (في الدار) ليس زيد، ولا القتال في اليوم، ولم يكونا إياهما، كان الكلام على غير هذا الظاهر، ويحتاج إلى ما يربطه بما قبله، ويعلقه، وأن يخلو ما يعلقه به من أن يكون إسمًا أو فعلاً، وكلاهما جائز، غير ممتنع تقديره، وإذا كان كذلك، كان داخلاً في جملة ما ذكرناه. وقد جعل أبو بكر هذا التأليف -في بعض كتبه- قسمًا برأسه وذلك مذهب حسن.
ألا ترى أن الكلام، وإن كان لا يخلو مما ذكرنا في الأصل، فقد صار له الآن حكم يخرج به عن ذلك الأصل يدلك على ذلك قولك: إنّ في الدار زيدًا، فلا يخلو ذلك المقدر المضمر من أن يكون إسمًا أو فعلاً -كما أعلمتك- فول كان فعلاً، لم يجز دخول (أنّ) في الكلام. ألا ترى أنّ (أنّ) مدخل لها في الأفعال، وكذلك أخوات (أنّ)، فإن قلت فقد أنشد أبو زيد:
6 – فليت دفعت الهم عني ساعة
فبتنا على ما خليِّلت ناعمي بال
وأنشد أبو عبيدة:
7 – فليت كفافا كان خيرك كلُّه
وشرُّك كان عني ما ارتوى الماء مرتوي
ومن أبيات الكتاب:
8 – فلو أنّ حقّ اليوم منكم إقامة
وإن كان سرج قد مضى فتسرعا
فإنَّ ذلك من الضرورات في الشعر للحاجة إلى إقامة الوزن، وهو يجيء على تقدير الحذف لاسم – (إنَّ) المنصوب. فأما الفعل، فلا مدخل لهذه الحروف عليه، لأنها مشبهة به، وعاملة عمله. وكما لا يدخل فعل على فعل بلا واسطة إسم، كذلك لا يدخل شيء من هذه الحروف على الفعل، فلا يجوز إذًا أن يكون الفعل مراداً هنا، ولا يجوز أيضًا أن يكون المراد الإسم، لأنَّ الإسم لو كان مرادًا،ما كان ليتخطى ذلك الإسم المراد، فيعمل في هذا المظهر. فإذا لم يخل هذا الكلام من هذين، لم يجز هذا، ثبت أن هذا قسم ونوع غير ما تقدم. من ها هنا أيضًا خالف حكمه حكم الفعل، فلم يجز تقديم ما إنتصب من الأحوال فيه عليه.
4– آفي نحو: ما قائمًا في الدار زيد. ولو كان حكمه حكم الفعل، لجاز هذا التقديم معه كما جوز مع الفعل، ومن ثم جعله أبو الحسن عاملاً للإسم المحدث عنه، ومرتفعًا به، إذا تقدمه في كل موضع. كما ترفع سائر الأشياء الجارية مجرى الفعل من أسماء الفاعلية، والصفات المشبهة بها. فهذا ضرب آخر من تألف هذه الكلم. وأما قولهم في النداء: يا زيد، وإستقلال هذا الكلام مع أنه مؤتلف من إسم وحرف، فذلك لأن الفعل ها هنا مراد عندهم يدلك على ذلك ما حكاه سيبويه في قولهم: يا أثلا أفلا ترى أن الإسم المنتصب لا يخلو من أن يكون العامل فيه فعلاً، وما هو مشبه به، أو إسمًا، فلا يجوز أن يكون العامل ما شبه به الفعل في نحو: (أن) و (ما) لأن ذلك العامل ما شبه به الفعل في نحو: (أن) و (ما) لأن ذلك لا يعمل مضمرًا. ولا يكون العامل فيه نحو: عشرين وخمسة عشر وبابه، لأن ذلك لا يعمل مضمرًا. وهي أيضًا لا تعمل في المعارف، وهذا الإسم معرفة، لأنه مشمر،، فثبت أن العامل فيه الفعل إلا أن ذلك الفعل مختزل غير مستعمل الإظهار، لأنك لو أظهرته، لكان على الخبر، ومحتملاً للصدق والكذب، ولو كان كذلك، لبطل هذا القسم من الكلام، وهو أحد المعاني التي تجري عليها العبارات. فلما وجدنا في كلامهم أفعالاً مضمرةً غير مستعملة الإظهار، وقع أنه لو أظهرت، لم تقلب معنى، ولم تبطل شيئَا عن حقيقته، وذلك قولهم: “رأسك والسيف” و “شرًا ونفسك”. كان ترك ما كان إذا أظهر، قلب المعنى، وإزالة عما كانعليه، أجرى بحسن الإظهار مع ذلك، لأن المعتبر عنه لما كان من جنس النطق، قام مقام العبارة، ولست تجد كذلك سائر الأحداث المعبرة عنها، ومما يبين لك ترك هذا الإظهار، ومعاقبة هذا الحرف للفعل (إذ) تجده يصل تارة بحرف وتارة بغير حرف. فوصله بالحرف كقولك في الإستغاثة: يا للمسلمين، ويا لله ووصله بغير الحرف: يا زيد. ويا عبد الله، ويا رجل إقبل، فصار في هذا كقولك: (جئته، وجئت إليه) و “حشيت صدره، وبصدره”، ولهذا أيضًا، ولمكان الياء، حسن أمالة هذا الحرف مع إمتناع الأمالة في حروف المعاني في أكثر الأمر، وقد أقيمت مقام الأمثلة المخوذة من المصادر ألفاظ جعلوها إسمًا لها، فأعنت عنها، وسدت مسدها وصارت كأمثلة الأمر إذا احتملت ضمير الفاعلين، وذلك كقولهم: تراك، ونزال، ونعاء، وصه، ومه، ورويد وإيه، وما اشبه ذلك، وهذا إنما أخصَّ به الأمر، موضع يغلب فيه الفعل، ويختص به، فلا يستعمل فيه غيره، فلما قويت الدلالة على الفعل هنا، استجازوا أن يتسعوا بإقامة هذه الألفاظ مقامه، وهي في الحقيقة أسماء سميت بها هذه الأمثلة، وهذا مثل حذفهم الفعل حيث علم أنه لا يكون إلا به، وذلك قولهم: “هلا خيرا من ذلك” وعلى هذا قوله:
9 – تعدون عقر النيب أفضل مجدكم
بنى ضوطرى لولا الكمي المقنعا
فلم يستعمل الفعل بعدها للدلالة على الفعل، والعلم بأن هذا الموضع يختص به، ولم يجيء من هذا النحو في الخبر إلا أحرف قليلة من ذلك قولهم:
هيهات زيد. وشتان عمرو. وقالوا في مثل: “سرعان ذي أهالة:، هذا قولهم عند التضجر: (أف). فأما (هيهات) في قولك: هيهات زيد وقوله:
10 – فهيهات هيهات العقيق وأهله
وهيهات خلّ بالعقيق نواصله
فبمنزلة قولك: بعد ذلك. وبعد العقيق. والفتحة فيه على هذا فتحة بناء، اتبعت الألف التي قبلها. وقياس من أعمل الثاني من الفعلين، وهذا الذي يختار أصحابنا، أن يكون العقيق مرتفعًا، (هيهات) الثاني. وقد أضمر في الأول على شريطة التفسير، كما تقول: قام وقعد زيد. ومن أعمل الأول، كان العقيق مرتفعا، (هيهات) الأول، ويضمر في (هيهات) الثاني. فأما قوله تعالى: (هيهات هيهات لما توعدون) فليس من هذا، ولكن الفاعل مضمر في كل واحد منهما، لتقدم الذكر، فالفاعل هو البعث، أو الحشر، أو النشر، وما أشبه ذلك مما يدل على البعث، لأن في قوله تعالى: “أسعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابًا وعظامًا إنكم مخرجون” دليلاً على ذلك، وتقريرًا لما ينكرونه من البعث فكأنهم قالوا: ذهابا عن قوله تعالى: “وضرب لنا مثلا ونسي خلقه .. ” بعد (إخراجكم)، وبعد (نشركم) لتعلقه بهذا الوعد
5- وهذه الكلمة تستعمل على ضربين، مفتوحة، ومكسورة، فمن فتحها جعلها كلمة مفردة، والوقف عليها بالهاء ومن كسرها، فقال: هيهات، كانالوقف عليها بالتاء كما أنها في (أذرعات) في قول من نون، ولم ينو الوقف عليها بالتاء. ويحتمل أن يكون الفتح فيها في قول من فتح بالنصب، لأنه ظرف، ولم يدخله غير الفتح كما أن (سحرّ) إذا أريد (سحر يومك) و (ذات مرة) و (بعيدات بين) لم تستعمل إلا ظروفًا. وهو قول مقول. والأول جعلوه الأولى والأقيس، لأن هذه الأسماء الموقعة موقع الفعل يغلب عليها البناء، لوقوعها موقع المبني … ألا ترى أن (شتان) و (سرعان) مستقبلان وقد بنيا مع ذلك لوقوعهما موقع المبني، كذلك قسم ذلك ما كان واقعًا موقع الأمر، ومن هنا أيضًا بني المفرد في الواو، وعلى هذا إختار أبو عثمان، قوله تعالى: “قل لعبادي الذين آمنوا: يقيموا الصلاة …. ” فإن (يقيموا) بني لما أقيم مقام (أقيموا) لأن المعنى إنما هو على الأمر. ألا ترى أنه ليس كل من قيل له (أقم) الصلاة أقامها ولا كل من قيل له قوله: “وقل … التي هي أحسن … ” قالها. فإذا كان كذلك، توجه على الأمر، والأسماء والأفعال المعرفة في الأصل إذا أوقعت موقع المبني، بنيت كما ترى في هذا الموضع (فهيهات) ونحوه من الأسماء المشابهة للحروف إذا وضعت موضع المبني، أجوز بالبناء وكذلك القول الآخر وجيه وهو أنّ هذه الأسماء المسمى بها الأفعال، بعضها ظروف كقولك: دونك، ووراءك، فكما جاز الظرف من أسمائها في الأمر، كذلك يجوز أن يكون في الخبر، فمن جعل الفتحة فتحة إعراب، كانت الكسرة في الجمع للإعراب أيضا والكسرة في الجمع نظير الفتحة في الواحد. ومن جعل الفتحة للبناء، كانت الكسرة في الجمع أيضًا للبناء، كما أنّ الفتحة في (ضرب) كالفتحة في (لن يضرب) فهذه جملة من القول في هذه الكلمة. وقد بسطناه بأكثر من هذا في غير هذا الموضع.
وأما (شتان)، فموضوع موضع قولك: افترق، وتباين. وهو من قوله عزّ وجلّ “أن سعيكم لشتى” و “.أشتاتا … “. وهذا الباب إذا كان كذلك، اقتضى فاعلين فصاعدا فمن قال: شتان زيد وعمر. (أسند إلى فاعلين) وعلى هذا قول الأعشى.
المصدر: المسائل العسكريات في النحو العربي