المؤلف: أبو علي النحوي
المحقق: د. علي جابر المنصوري
ما أئتلف من الكلام
أ- أعلم أن الكلام يأتلف من ثلاثة أشياء: إسم، وفعل، وحرف.
فالإسم: ما اقتصر سيبويه في تعريفه في أول الكتاب على المثال، وقفا كثير من أصحابنا أثره في ذلك.
وقد ذكر في الكتاب ما يخصصه من القبيلين الآخرين. وذلك أنه قسمه إلى المعرفة والنكرة. وقسم حروف المعرفة، وذلك مما يدل على معرفة الإسم، وعدد الحروف في أول الأبنية. وحد الفعل في أول الكتاب.
وإذا عرف من هذه الأشياء الثلاثة شيء على الوجه الذي ذكرنا، امتاز الثالث منهما ولم يستبهم.
وقد وصف الإسم أصحابنا بغير شيء.
فالذي كان يعول عليه أبو العباس في تعريفه، وصفته المخصصة له: إنه ما جاز الأخبار عنه ومثال الأخبار عنه كقولنا:
قام زيد، وزيد منطلق، وهذا وصف يشمل عامَّة الأسماء. ولا يخرج منه إلا اليسير منها وذلك (مثل) إذ، وإذا لأنهما عند النحويين من الأسماء. ومع ذلك لا يجوز الإخبار عنهما. ويدل على أنهما إسمان قولنا: القتال إذا جاء زيد. فيكون خبرًا عن الحدث.
كما تقول: القتال يوم الجمعة، فيكون خبرًا. وأما إذ. فإنه يضاف إليه الإسم في نحو: يومئذ. وحينئذ. ويقع خبرًا عن الحدث كاذا.
وهذه الأسماء التي تجريها على هذا الوصف الذي وصف به أبو العباس الإسم، إنها ليست متمكنة في الإسمية، ولا يكاد النحويون يطلقون عليها الإسم مطلقًا حتى يعتبروه بغيره. فكل ما جاز الإخبار عنه من الكلم فهو الإسم – وإن لم يكن كل إسم يجوز عنه الإخبار ومثل هذا الوصف في شموله علامة الأسماء، ما وصفه به أبو العباس من أنه ما دخل عليه حرف من حروف الجرّ -وهذا الوصف يشمل كثيرًا (من) الأسماء.
وإن كان بعضها لا يدخل عليه حرف الجر (كيف)، لأنه إسم بدلالة أنه لا يتألف من إسم كان فيه كلام مفيد مستقل ولا يظن أنه فعل. ولا يجوز أن يكون حرفًا لما ذكرناه، مع ذلك فحرف الحرفّ لا يدخل عليه، كما لا يدخل على الأسماء التي (كيف) دال عليها، والأسماء المسمى بها الأفعال مثل: نزال، وتراك، وصه، ومع ونحو ذلك (فهي) أسماء عند النحويين، ولا يجوز دخول حرف الجرّ عليها، إلا أنَّ هذا الوصف يشمل أيضًا عامة الأسماء.
وأعلم أن الإسم يقع خبرًا كما يكون مخبرًا عنه وذلك نحو: زيد أخوك وعمرو منطلق. وهذا أيضًل معنى يختص به الإسم وليس كذلك الفعل، والحرفوقد وصف الإسم أيضًا: ما دل على معنى، وذلك المعنى يكون شخصًا، وغير شخص ففصل (ما دل على معنى) بينه وبين الفعل الذي يدل على معنيين. وبقوله: إن ما يدل عليه (يكون شخصًا، وغير شخص)، بين الإسم، والحرف، فصار ذلك وصفًا شاملاً لجمع الأسماء، مخصصًا لها من الفعل والحرف. فإن قلت: معنى أسماء الاستفهام مثل (من) و (ما) (تدل على معنى) (وعلى الاستفهام) (فمن) يدل على معنى، وعلى الاستفهام، وكذلك (ما) يدل على الأجناس، أو على صفات من ميز، وعلى الاستفهام فقد دل على معنيين، إذا قيل كذا أن هذه الأسماء تدل على هذه المعاني التي تحتها، وكان حدها أن تذكر معها حرفًا من الاستفهام، وإنما حذفت معها للدلالة، وما يحذف من اللفظ للدلالة، فبمنزلة المثبت فيه. ألا ترى أنك إذا -حذفت المبتدأ والخبر للدلالة، كان بمنزلة إثباتك إياه في اللفظ.
وكذلك إذا حذفت (أن) الناصبة للفعل مع الفاء، وما أشبه مما يلزم فيه الإضمار ولا يستعمل معه الإظهار، كان بمنزلة الثابت في اللفظ وفي تقديره، فكذلك هذه الأسماء لما حذف معها حرف الاستفهام لدلالة الكلام عليه، كان بمنزلة إثباته. كما أنها لما حذفت مما ذكرنا، كانت في تقدير الثبات وإن لم يستعمل معها إظهار. ألا ترى أنك إذا تعديت هذا الموضع، استعلمت معه حرف الاستفهام، فإذا كان (أن) التي يستعمل معها إظهار (كان) بمنزلة المثبت في اللفظ.
المصدر: المسائل العسكريات في النحو العربي