مقدمة في نشأة اللغة والنحو والطبقات الأولى من النحاة (PDF)
نبذة الكتاب:
اللغة والإعراب وعلم النحو
قال شيخُنا أبو الفتح عثمان بن جني: “حضرَنِي قديمًا بالموصل أعرابيٌّ عقيلي جوثي تميمي يُقال له: محمد بن العساف الشَّجري، وقلَّما رأيت بدَوِيًّا أفصحَ منه، فقلت له – شغفًا بفصاحته، والتِذاذًا بِمُطاوَلته، وجريًا على العادة معه في إيقاظ طَبعِه، واقتِداح زَند فطنته -: كيف تقولُ: “أكرَمَ أخوك أباك” فقال: كذاك، فقلت له: أفتقول: “أخوك أبوك؟” فقال: لا أقول: “أبوك” أبدًا، قلت: فكيف تقول: “أكرمني أبوك”؟ فقال: كذاك، قلت: أفلَسْتَ تزعُم أنَّك لا تقول: “أبوك” أبدًا؟ فقال: إيش هذا! اختلفت جهتا الكلام… فهل قوله: “اختلفت جهتا الكلام” إلا كقولنا نحن: “هو الآن فاعل وكان في الأوَّل مفعولاً”، فانظُر إلى قِيام معاني هذا الأمرِ في أنفُسِهم وإن لم تطعْ به عِبارتهم.
وقال شيخُنا – رحمه الله -: وسألتُ الشجريَّ صاحبَنا هذا الذي قد مضَى ذِكرُه قلتُ له: كيف يا أبا عبدالله تقول: “اليوم كان زيد قائمًا”؟ فقال: كذلك، فقلت: فكيف تقول: “اليوم إنَّ زيدًا قائم” فأباها البتَّة، وذلك أنَّ ما بعد “إن” لا يعمَلُ فيما قبلها؛ لأنها إنما تأتي أبدًا مستقبلة قاطعة لما قبلها عمَّا بعدها وما بعدها عمَّا قبلها.
سبب وضع العربية:
هناك مذهبَيْن للرأي في أوَّل ما وُضِعَ من علم النحو:
أحدهما: أنَّ أوَّل ما وضَع أبو الأسود من أبواب النحو ما وقَع فيه اللحن، وهذا ما ذهَب إليه جمهورُ النحويين أصحابُ كتب التراجم الذين ترجموا للُّغويين والنحاة.
والآخَر: أنَّ علم النحو وُضِعَ على أساسٍ من التفكير في استنباط قواعد العربيَّة تضبطُها وأصول يُبنَى عليها، فأوَّل ما يُوضَع من القواعد ما يكونُ أقرب إلى مُتناوَل الفكر في الاستنباط.
أبو الأسود الدؤلي
لم يَذكُر أصحابُ التاريخ والتَّراجم مولدَ أبي الأسود، ولكنَّ أكثرهم قال: إنَّه مات في الطاعون الجارف الذي وقَع بالبصرة، فأهلك أهلها إلا قليلاً، وذلك سنة 69 من الهجرة، وكانت سنُّه خمسًا وثمانين سنة، غير أنَّ المدائني قال: “إنَّه مات قبلَ ذاك”، وهذا أشبَهُ القولَيْن بالصَّواب؛ لأنَّا لم نسمَعْ له في فتنةِ مسعود وأمْر المختار بذِكرٍ، قال أبو الفرج في ترجمة أبي الأسود (ج11 ص119) وذكر مثلَ هذا القول بعينه والشكَّ فيه: هل أدرَكَ الطاعونَ الجارفَ أو لا؟ عن يحيى بن معين، أخبرني به الحسن بن علي، عن أحمد بن زهير، عن المدائني ويحيى بن معين فلعلَّ مِيلادَ أبي الأسود كان قبلَ الهجرة بنحو عشرين سنةً، فهو على ذلك مخضرم أدرك الجاهليَّة والإسلام، ولكنَّه على التحقيق لم يحظَ برؤية الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – وقد عدوه في عِداد كِبار التَّابعين – رضوان الله عليهم.
المصدر: شبكة الألوكة
جزاكم الله خيرا