مسائل نحوية متفرقة (4)
مسألة [٤١]
قال: ومن ذلك قوله في باب ترجمته: هذا باب مجرى النعت على المنعوت، قال: ومما جاء في الشعر قد جمع الاسم وفرق النعت وصار مجرورا قوله
/٥٦/ بكيت وما بكا رجل حزين … على ربعين مسلوب وبال
كذلك سمعناه من العرب تنشده، والقوافي مجرورة.
[قال محمد: ولا معنى لهذا الكلام، أعني قوله: والقوافي مجرورة]، لأنها لو كانت مرفوعة لم تكن القافية إلا هكذا.
قال أحمد: قوله: لو كانت مرفوعة لم تكن القافية إلا هكذا، قول خطأ على الإرسال، وذلك أنها لو كانت مرفوعة من غير ما اعتلت لامه أو أضيف لم يجز أن يكون معه (بال) وذلك أنه كأن يكون نحو حال ومال، ولو كانت القوافي كذلك لم يكن معها (بال)، وإذا لم يكن معها (بال) وكان في موضعه قافيه يمكن رفعها نحو ما ذكرنا لم يجز في مسلوب أن يكون إلا مرفوعا، وإذا كانت القوافي مجرورة وكان معها (بال) أمكن “فيه” أن يكون مرفوعا بلفظ مجرور. وأمكن أن يكون مجرورا، وإذا أمكن ذلك فيه أمكن في مسلوب مثله، فأراد بقوله: إن القوافي مجرورة إزالة امتناع الجر عن مسلوب، وبقيت (بال) بهذا اللفظ لئلا يدعي مدع رواية قافية في موضع (بال) مرفوعة نحو قولنا: حالي في موضع حائل ومالي في موضع مائل، وما أشبه ذلك مما يمكن رفعه فيجب بذلك رفع مسلوب.
مسألة [٤٢]
قال: ومن ذلك قوله في باب ترجمته: هذا باب ما أشرك بين الاسمين في الحرف الجار فجريا عليه، قال: (وقد تقول مررت بزيد وعمرو، يعني أنك مررت بهما مرورين وليس في ذلك دليل على المرور المبدوء به، كأنه يقول: ومررت أيضا بعمرو، فنفي هذا، ما مررت بزيد وما مررت بعمرو.
قال محمد بن يزيد: ليس كما ذكر، لأن النفي إنما يكون على قدر الإيجاب، وإنما نفي هذا، ما مررت بزيد وعمره، أدخلت الحرف النافي على كلام المبتدئ، وهو قول أبي عثمان.
قال أحمد: لو كان نفيه على ما ذكر محمد وأبو عثمان لاحتمل الكلام إذا قال: مررت بزيد وعمرو أن يكون قد مر بأحدهما، وإنما ينبغي أن يأتي بكلام فيه نفي المرور عنهما جميعا لا عن أحداهما، كما أن الموجب “إنما” أوجب المرور لهما جميعا، وإنما النفي رفع ما أوجب المتكلم، فالمتكلم قد أوجب أن يكون مر بهما في حال أو حالين، /٥٧/ فالسبيل أن ينفي ذلك أجمع بكلام لا يحتمل غير هذا المعنى، فإن احتمل نفي المرور عن أحدهما دون الآخر لم يكن ذلك بنفي لما أوجب المتكلم.
مسألة [٤٣]
قال: ومن ذلك قوله في هذا الباب، قال: جواب (أو) إذا قلت: مررت بزيد أو عمرو، أن تقول: ما مررت بواحد منهما.
قال محمد: وإنما هذا جوابها على المعنى، وجوابها على اللفظ ما مررت بزيد أو عمرو، وهذا قول أبي عثمان المازني.
قال أحمد: هذا قول عجيب من مثلهما، بعيد عن الصواب، وذلك أن القائل إذا قال: مررت بزيد أو عمرو، فإنما أثبت المرور لأحدهما، ولا يدري من هو منهما، فكأنه قال: قد مررت بأحدهما ولا أدري من هو منهما، فإن نفي ناف على ما قاله أبو عثمان هذا الكلام فقال: ما مررت بزيد أو عمرو، كان النافي بهذا اللفظ شاكا فيمن انتفى عنه المرور منهما، كما كان الموجب شاكا فيمن وجب له المرور منهما، فكأنك قلت: لا أدري أيهما لم يمرر به، كما كان الموجب كأنه قال: لا أدري بأيهما مررت، فهذا لم يدر بأيهما مر، وهذا لم يدر بأيهما لم يمرر، فهو في المعنى موافق له، لأنه إذا لم يعلم من الذي مر به فليس يعلم من الذي لم يمرر به، وإذا لم يعلم النافي من الذي لم يمرر به يعلم الذي مر به لأن العلم قد استوي فيهما عند الشاك موجبا كان أو نافيا، فليس هذا بنفي لهذا، بل هو متابع له في المعنى، ونفيه في الحقيقة ما قاله سيبويه، لأن الموجب قد ادعى المرور بواحد منهما، وصار شائعا فيهما بالشك، واستوي العلم في زيد وعمرو، فوجب أن يكون المعنى دفعا لذلك كله، فتقول: ما مررت بواحد منهما، فإن قال (فالموجب إنما ادعى أن المرور لأحدهما، فكيف يجوز أن ينفيه عنهما؟ قيل له: المرور وإن كان لأحدهما في الحقيقة التي ليست معلومة، فهو لهما جميعا في الظن، لأنهما قد استويا فيه، وظن بكل واحد منهما أنه الممرور به، فوقع النفي على ذلك لا على الحقيقة التي هي غير معلومة عند المتكلم، لأن المتكلم جعل ظنه شائعا فيهما مشتركا لهما النفي على ذلك
المصدر: الانتصار لسيبويه على المبرد