التفرقة بَين الْكَلَامَيْنِ المتكافئين والمعنيين الْمُخْتَلِفين بالإعراب
وَقد يفرقون بَين الْكَلَامَيْنِ المتكافئين والمعنيين الْمُخْتَلِفين بالإعراب وبحركة الْبناء وبتغيير حرف الْكَلِمَة.
كَمَا أَخْبرنِي بِهِ الشَّيْخ الإِمَام جمال الْعلمَاء وتاج الأدباء أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن بري النَّحْوِيّ رَحمَه الله بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي التَّاسِع عشر من شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة قَالَ أَخْبرنِي الشريف القَاضِي أَبُو مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن العثماني الديباجي عَن أبي الْحسن عَليّ بن المشرف.
وَأَخْبرنِي أَيْضا الشَّيْخ الصَّالح أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن حمد بن حَامِد بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ يَوْم الْخَمِيس الرَّابِع عشر من شهر ربيع الآخر من سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة قَالَ أنبأني الشَّيْخ أَبُو الْحسن عَليّ بن الْحُسَيْن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عمر الْفراء الْموصِلِي قَالَا أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو الْحسن عبد الْبَاقِي بن فَارس بن أَحْمد المفروء عَن أبي حَفْص عمر بن مُحَمَّد بن عرَاك الْمُقْرِئ عَن أبي بكر أَحْمد بن مَرْوَان الْمَالِكِي عَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد عبد الله بن مُسلم بن قُتَيْبَة الدينَوَرِي رَضِي الله عَنْهُم قَالَ وللعرب الاعراب الَّذِي جعله الله وشيا لكلامها وَحلية لنظامها وفارقا فِي بعض الْأَحْوَال بَين الْكَلَامَيْنِ المتكافئين والمعنيين الْمُخْتَلِفين كالفاعل وَالْمَفْعُول بِهِ وَلَا يفرق بَينهمَا إِذا تَسَاوَت حالتهما فِي إِمْكَان الْفِعْل أَن يكون لكل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَّا بالإعراب.
وَلَو أَن قَائِلا قَالَ هَذَا قَاتل أخي بِالتَّنْوِينِ دلّ على أَنه لم يقْتله وَدلّ حذف التَّنْوِين على أَنه قد قَتله وَلَو أَن قَارِئًا قَرَأَ ﴿ فَلَا يحزنك قَوْلهم إِنَّا نعلم مَا يسرون وَمَا يعلنونْ ﴾ وَنزل طَرِيق الإبتداء بإنا وأعمل القَوْل فِيهَا بِالنّصب على مَذْهَب من ينصب إِن بالْقَوْل كَمَا ينصبها بِالظَّنِّ لقلب الْمَعْنى عَن جِهَته وأزاله عَن طَرِيقه وَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَحْزُونا لقَولهم إِن الله يعلم مَا يسرون وَمَا يعلنون وَهَذَا كفر مِمَّن تَعَمّده وَضرب من اللّحن لَا تجوز الصَّلَاة بِهِ وَلَا يجوز للمأمومين أَن يتجوزوا فِيهِ.
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا يقتل قرشي صبرا بعد الْيَوْم وَلَا يقْتَصّ مِنْهُ).
فَمن رَوَاهُ مَجْزُومًا على جِهَة النَّهْي أوجب ظَاهر الْكَلَام للقرشي أَلا يقتل وَإِن ارْتَدَّ وَلَا يقْتَصّ مِنْهُ إِن قتل.
وَمن رَوَاهُ رفعا انْصَرف التَّأْوِيل إِلَى الْخَبَر عَن قُرَيْش أَنه لَا يرْتَد مِنْهَا أحد عَن الْإِسْلَام فَيسْتَحق الْقَتْل أفما ترى الاعراب كَيفَ فرق بَين هذَيْن الْمَعْنيين وَقد يفرقون بحركة الْبناء فِي الْحَرْف الْوَاحِد بَين الْمَعْنيين فَيَقُولُونَ رجل لعنة إِذا كَانَ يلعنه النَّاس فَإِذا كَانَ هُوَ يلعن النَّاس قيل رجل لعنة فحركوا الْعين بِالْفَتْح وَرجل سبة إِذا سبه النَّاس فَإِذا كَانَ هُوَ الَّذِي يسب النَّاس قَالُوا رجل سببة وَكَذَلِكَ هزءة وهزأة وسخرة وسخرة وضحكه وضحكة وخدعة وخدعة قد يفرقون بَين الْمَعْنيين المتقاربين بِتَغَيُّر حرف الْكَلِمَة حَتَّى لَا يكون تقَارب مَا بَين اللَّفْظَيْنِ كتقارب مَا بَين الْمَعْنيين كَقَوْلِهِم للْمَاء الْملح الَّذِي لَا يشرب إِلَّا عِنْد الضَّرُورَة شروب وَلما كَانَ دونه مِمَّا يتجوز بِهِ شريب وكقولهم لما ارْفض علىالثَّوْب من الْبَوْل إِذا كَانَ مثل رُؤُوس الإبر نضح ورش المَاء عَلَيْهِ من الْغسْل عِنْد بعض أهل الْعلم فَإِذا زَاد على ذَلِك قيل لَهُ نضخ وَلم يُجزئ مِنْهُ إِلَّا الْغسْل وكقولهم للقبض بأطراف الْأَصَابِع قبص ولأخذ الْكَفّ كلهَا قبض وللأكل بأطراف الْأَسْنَان قضم وبالفم خضم وَلما ارْتَفع من الأَرْض حزن فَإِن زَاد قَلِيلا قيل حزم وللذي يجد الْبرد خصر فَإِذا كَانَ مَعَ ذَلِك جوع قيل خرص وللنار إِذا طفيت هامدة فَإِذا سكن اللهب وَبَقِي من جمرها شَيْء قيل خامدة وللقائم من الْخَيل صَائِم فَإِذا كَانَ ذَلِك من حفى أَو وجى قيل صائن وللعطاء إِذا كَانَ مُبْتَدأ شكد فَإِذا كَانَ مُكَافَأَة قيل شكم وللخطأ من غير تعمد غلط فَإِذا كَانَ فِي الْحساب قيل غلت وللضيق فِي الْعين خوض فَإِذا كَانَ ذَلِك فِي مؤخرها قيل حوص وَقيل الخوص الغؤور والحوص الضّيق كَانَت غائرة أَو ظَاهِرَة إِذا كَانَت صَغِيرَة وَتقول رَأَيْت النَّاس وتراءيت فِي الْمرْآة ورميت الصَّيْد وارتميت فِي الْغَرَض وَرجل فِيهِ إِذا كَانَ كثير الْأكل وأفوه إِذا كَانَ كَبِير الْفَم ومفوه إِذا كَانَ منطيقا وتكول هِيَ المروحة الَّتِي يتروح بهَا والمروحة بِالْفَتْح الأَرْض الْكَثِيرَة الرّيح وَيَوْم ريح إِذا كَانَ طيب الرّيح وَرَاح إِذا كَانَ شَدِيد الرّيح وَرجل حاف بِغَيْر حذاء وحف تعبت رِجْلَاهُ من الْمَشْي وبدن الرجل إِذا سمن وبدن إِذا كبر والهون الْعَذَاب والهون الرِّفْق والنزل الرّبع والنزل مَا قيم من الطَّعَام وَفقه الرجل الْكَلَام إِذا حفظه وَفقه إِذا أبْصر الْفِقْه وَيُقَال من أَحْيَا نفسا وَمن حايا بَهِيمَة وسفه الرجل إِذا جَاءَ مِنْهُ سفه وسفه إِذا كَانَت تِلْكَ سجيته وَكبر الرجل إِذا أسن وَكبر إِذا عظم أمره والمغتسل الْموضع والمغتسلالرجل وَامْرَأَة رزان وَشَيْء رزين وَقيل ميل علينا وَفِي الْحَائِط ميل وفاظت نَفسه إِذا خرجت وفاض الدمع وقحط النَّاس أَصَابَهُم الْقَحْط وقحط الْمَطَر وَقد تمضمض الرجل بالفم كُله وتمضمض بِطرف لِسَانه وعيرت فلَانا بِمَا صنع وعايرت الْمِيزَان وَيُقَال للْوَلَد إِذا كَانُوا لأَب وَأم أعياف وَإِذا كَانَ أبوهم وَاحِدًا وأمهاتهم شَتَّى فهم علات وَإِذا كَانَت الْأُم وَاحِدَة والآباء شَتَّى فهم أخياف وأخلاف وَيُقَال رجل متلثم إِذا غطى فَاه بالعمامة فَإِذا رَفعهَا فِي المحجر فَهُوَ منتقب وَذَلِكَ النقاب فَإِن رَفعهَا حَتَّى لَا يرى من وَجهه إِلَّا عَيناهُ فَتلك الوصوصة وَالرجل متوصوص وَالْمُحصنَات ذَوَات الْأزْوَاج والحاصنات العفيفات والميل على مَا تُدْرِكهُ الْعين والميل مَا كَانَ خلقَة يرى والذل ضد الْعِزّ والذل ضد الصعوبة وَقد يكتنف الشَّيْء مَعَاني يشتق لكل معنى مِنْهَا اسْم من اسْم ذَلِك الشَّيْء كاشتقاقهم من الْبَطن الخمص مبطنا وللعظيم الْبَطن إِذا كَانَ خلقَة بطينا فَإِذا كَانَ ذَلِك من كَثْرَة الْأكل قيل مبطان وللمنهوم بَطنا وللعليل الْبَطن مبطونا.
المصدر: اتفاق المباني وافتراق المعاني