ذكر أبنية الأفعال الثلاثية (1)
اعلم أن الفعل الثلاثي إذا كان غير مزيد يجئ على ثلاثة أمثلة (فَعَلَ) و (فَعِلَ) و (فَعُلَ).
فأما (فَعَلَ) فمضارعه على (يفعِل) و (يفعُل) نحو عكف يعكِف ويعكُف وعَرَش يَعْرِش ويَعْرُش وسفك يسفك ويسفُك وفسق يفسِق ويفسُق، قرأ الأعمش (بما كانوا يفسِقون) بالكسر، وقرأ يحيى بن وثَّابٍ ﴿لا تسفكون دماءكم﴾ بالضم وربما استعمل الوجه الواحد قالوا ضرب يضرِب بالكسر ولم يقولوا يضرُب، وقالوا قتل يقتُل بالضم ولم يقولوا يقتِل، فهذا الوجه لابد فيه من السماع ويبطل القياس فيه؛ إذ كانت العرب قد استعملت الوجهين في بعضه واقتصرت على وجهٍ في بعضه وقال الفراء: إذا أشكل عليك يَفعُل فاجعله بالكسر؛ فأنه أخف من الضم وأكثر في كلامهم.
وكذلك ذوات الواو والياء مثل نمى ينمى وينمو كان يختار الكسر والياء؛ لأنهما أخف. فإذا كان لام الفعل أو عينه أحد حروف الحلق وهي؛ الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء جاز أن يفتح الماضي والمضارع. وقال الأصمعي: ليس في كلام العرب فَعَل يفعَل فعلاً إلا سحر يسحر سحراً وربما جاء على الأصل مثل سعل يسعل، ولم يقولوا يسعل ولا يسعل، ورجع يرجع، ولم يقولوا يرجع ولا يرجع وربما جاء فيه الوجان قالوا زأر يزأر ويزئر وصلح يصلح ويصلح وفرع. يفرغ يفرغ وربما استعملت الوجوه الثلاثة قالوا: صَبَغَ يَصْبُغُ ويَصْبَغُ ونَهَقَ يَنْهُقُ ويَنْهِقُ ويَنْهَقُ ودَبَغَ يَدْبُغُ ويَدْبغُ ويَدْبغُ ورَجَحَ يَرْجُحُ ويَرْجِحُ وَيرجَح وهذا الضرب أيضاً لابد فيه من السماع ويبطل القياس. فإذا زاد الفعل على الثلاثي لم يعتد بحروف الحلق، نحو استقرأ يستقرئ واقترأ يقترئ وابتأس يبتئس وأشباهها. وليس في كلام العرب (فعَل يفعَل) بفتح الماضي والمضارع، مما (ليس) عينه و (لا) لامه حرفاً من حروف الحلق
إلا حرف واحد لا خلاف فيه وهو أبى يأبى وقد جاءت أربعة عشر حرفاً باختلاف فيها وهي: قلى يقلى إذا أبغض، عن ثعلب، والاختيار يقلى.
قال الشاعر:
يقلى الغوانى والغوانى تقليه.
وغسى الليل يغسى إذا أظلم، وقد جاء غسى يغسى غسى وغسا يغسو غسواً وأغصى يغسى إغساء.
قال ابن أحمر:
فلما غسا ليلى وأيقنت أنها… هي الأربى جاءت بأم حبوكرا
وحكى ابن الأعرابي لقلى يقلى ولم يحكه غيره.
وركَن يركَن والأحسن ركِن قاله الله تعالى ﴿ولا تركنوا إلى الذين ظلموا﴾ (وسلا يسلا وحظي يحظى وعلا يعلى) وجبى يجبى والمستعمل يجبى ويجبو وعثا يعثا والمستعمل يعثو، وقيل فيه أيضاً عسى يعثى عثى، وزاد يعقوب حرفين وهما غضضت تغض وبضضت تبض والأعم غضضت تغض وبضضت تبض، وزاد الفراء شجى يشجى والأعم شجى يشجى، وزادوا أيضاً قنط يقنط عن الأخفش، وودع يدع قرئ ﴿ما ودَعك ربك﴾ ويذر، لأنه محمول على يدع وإن لم يأت له ماض، ولم يجيء فعل يفعل بضم المضارع مما أوله واو إلا حرف واحد وهو وجد يجد ويجد أنشد سيبويه لجرير:
لو شئت قد تقع الفؤاد بشربةٍ… تدع الصوادى لا يجدن غليلا
وأما (فعِل) فمضارعه يأتي على (يفعل) إلا أفعالاً تسعة من السالم وهي حسب يحسب ونعم ينعم، وبئس يبئس (ويئس ييئس) ويبس ييبس، وحكى اللحياني فضل يفضل، وحكى غيره قنط يقنط وهو الأخفش، وحكى الأصمعي عرضت له الغول تعرض وضللت أضل لغة تميمية، وقد يفتح المضارع فيها كلها.
وجاءت أفعال تسعة معتلة على (فعل يفعل) وهي: ورم يرم، وولى يري، وورث يرث، ووثق يثق، وومق يمق، وورع يرع، ووفق أمره يفق وورى الزند يرى وورى المخ يرى ثمانية لا خلاف فيها: وجاء ورى الزند يرى وورى المخ يرى إذا اكتنز بالكسر لا غير، ووله يليه ووهل يهل والمستعمل يؤهله ويؤهل، وحكى أبو زيد ولع يلع ووزع يزع والأجود ولع ووزع يزع، وقد جاء ولع يلع وولع يولع، وحكى أيضاً وغر صدره يغر ووحر يحر والأجود يوغر ويوحر ووحر الصدر غشه وبلابله وحكى أيضاً وهن يهن، وحكى ابن دريد وهن يوهن، وقالوا وبق يبق وجاء وبق يبق ووبق يوبق، وحكى الخليل طاح يطيح وتاه يتيه، وقال هي فعل يفعل كحسب يحسب، وقالوا: ولغ يلغ وحكى أبو زيد يولغ، وحكى غيره ولغ يلغ وإنما حذفت الواو من يلغ ويدع وأشباههما، وقد وقعت بين ياءٍ وفتحة؛ لأن الأصل عند الخليل يولغ ويودع فحذف الواو لذلك، ثم فتح المضارع؛ لأن فيهن حرفاً من حروف الحلق، وحكى سيبويه: ورعالرجل يورع، وجاء في المضاعف ضللت تضل والمستعمل ضللت أضل وضللت أضل ووصب في ماله يصب وإذا أحسن القيام عليه، ويقال: وصب يصب ووصب يوصب.
وليس في كلام العرب فعل يفعل بكسر الماضي وضم المضارع إلا ستة أفعالٍ وهي حضر يحضر ونعم ينعم وفضل يفضل يروى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “يكفيك ما فضل في يدك من الوضوء تمسح به رأسك” وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه، والشافعي يأخذ ماء جديداً قال الشاعر:
ذكرت ابن عباس بباب ابن عامرٍ… وما مر من عيشى ذكرت وما فضل
وقنط يقنط، قرأ أبو حيوة (كذا) شريحٌ القاضي (ومن يقنط) بالضموركن يركن، ولببت تلب، قرأ قتادة ﴿ولا تركنوا إلى الذين ظلموا﴾ والصواب أن تجعل قراءة من ضم المضارع على لغة من فتح الماضي فيها فقال قنط وركن ونعم، وحكى اللحياني فضل يفضل.
وقد جاء من المعتل على (فعل يفعل) مت تموت ودمت تدوم وحدت تحود وكدت تكود، وهذه كلها شواذ، والصواب فيمن جعل المضارع بالواو أن تقول في الماضي: دمت ودمت وحدت وكدت برفع أوله، وفي من كسر أول الماضي أن يفتح المضارع فيقول: دمت تدام ومت تمات وكدت تكاد وحدت تحاد، إلا أن طيئاً يخالفون العرب في (فعل) فيقولون: فنا يفنى وبقا يبقى وهذا إذا كان معتلاً وكذلك يفعلون في (فُعل) يقولون في رضى رضا، وأما كاد التي للمقاربة فإن مستقبلها يكاد كوداً ومكادةً وهي (فعل)، وحكى أبو الخطاب أنناساً من العرب يقولون: كيد زيدٌ يفعل كذا ومازيل يفعل كذا يريدون كاد وزال، نقلوا الكسر إلى الكاف في فعل كما (نقلوا) في فعلت وأما زال ففيها لغتان (فعل وفعل)، وكذلك بات وباه للشيء يبوه ويباه بوهاً وبيهاً، ومثله ماهت الكرية تموه وتماه، وإذا كان الفعل الماضي على (فعل) جاز أن يكسر أول المستقبل نحو يعلم وإعلم ونعلم وتعلم، قرأ يحيى بن وثاب ﴿ولا تِركَنوا إلى الذين ظلموا﴾ وقد حكيت عن عمارة ابن عقيلٍ، ومثله ﴿مالك لا تيمناً على يوسف﴾، وكذلك (فتِمَسكم النار) لغة أسدية وكل فعل في أوله ياء مثل يسر ييسر، ويعر الجدي ييعر إذا صاح. ويل الرجل ييل إذا تكسرت أسنانه، فإنه الياء تثبت ولا تسقط في مضارعه كما سقط الواو؛ لأن الياء أخف من الواو ولأن الياء أخت الكسرة فتثبت الياء مع الكسرة كما تثبت الواو مع الضمة.
وكل فعل سقطت منه الياء وكانت وسطاً عين الفعل كسرت أوله لتدل على الياء الساقطة نحو كلت وبعت وإذا كان الساقط واو ضممت أوله نحو قلت وزلت، قال الله تعالى: ﴿لقد كدت تركن إليهم﴾ لأن الساقط ياء، فإن كان من ذوات الواو وكان على (فعل) كسرت أوله مثل خفت تخاف لأن الأصل خوف يخوف، فقلبت الواو ألفاً في خاف وكذلك في المضارع يخاف، فإذا أمرت قلت نم وخف وتفتح أوله؛ لأن الساقط ألف وتقول: بع وكل بالكسر لأن الساقط ياء، وتقول قل وزل بضم أوله لأن الساقط واو، وكذلك إذا كانت لام الفعل حرف علةٍ واواً أو ياءً أو ألفاً ثم أسقطت للجزم بقيت حركة واحدة منها لتدل عليه نحو لم يدع ولم يغو بالضم، لأن الساقط واو، ولم يسع ولم يرض بالفتح؛ لأن الساقط ألف ولم يرم ولم يقض بالكسر؛ لأن الساقط ياء.
فأما المدغم مثال مد يمد وفر يفر وعض يعض فإنك تحكم على ماضي يعض بالكسر فتقول عضض لكنه أدغم، وكذلك ذن أنفه يذن إذا سأل رغامه، والأصل ذنن، وكذلك شلت يده تشل، والأصل شللت، فأدغم، وأما فر ومد فالأصل فرر ومدد فأدغم، وأما كع يكع فقد جاء فيه يكع والماضي أيضاً كعَعت وكعِعت بالفتح والكسر، فمن قال يكع فكسر فمن لغة من فتح الماضي ومن قال يكع ففتح فمن لغة من كسر الماضي، وقال ابن دريد: يقال كع الرجل ولا يقال كاع، وقال يعقوب: يقالان جميعاً وكاء بالهمز أيضاً لغة فيه، وجاءت لغة خاصة وهي وكع يكع بمعنى كاع.
وقالوا وسع يسع ووطئ يطأ وهما شاذان ليس في هذه البنية غيرهما مما تسقط الواو في مضارعه وهو مفتوح العين، قال سيبويه: بنوهما على يفعل لتسقط الواو كورم يرم وولى يلي، ثم فتحوا لمكان العين فصار كوضع يضع وأما قولهم: رضي فأصل الياء فيه واو رضو فانقلبت ياءً لانكسار ما قبلها؛ لأنه من الرضوان ومثله شقي وغبي وقوي؛ لأنه من الشقاوة والغباوة والقوة، ومضارع ذلك يقوى ويرضى ويغبى ويشفى. وقد قالوا: سرو يسرو وبهو ييهوٍ وبذو يبذو فصحت الواو لما انضم ما قبلها كما انقلبت ياءً لكسرة ما قبلها، وقد حكى أبو زيد سرو الرجل وسَرَى وسَرِى ثلاث لغات، وكما انقلبت ألفا لما انفتح ما قبلها.
المصدر: أبنية الأسماء والأفعال والمصادر