كتبه: أبو عبد الرحمن الخليل الفراهيدي
المحقق: د. فخر الدين قباوة
وجوه الرفع (5)
وَالرَّفْع ب حَتَّى إِذا كَانَ الْفِعْل وَاقعا:
قَوْلهم سرنا حَتَّى ندْخلهَا رفعت ندْخلهَا لِأَنَّهُ فعل قد مضى
وَهُوَ وَاقع فَكَأَنَّهُ صرف من النصب إِلَى الرّفْع وَوَجهه حَتَّى دخلناها
قَالَ امْرُؤ الْقَيْس
(مطوت بهم حَتَّى تكل غزاتهم … وَحَتَّى الْجِيَاد مَا يقدن بأرسان)
رفع تكل على معنى حَتَّى كلت وَهُوَ وَاقع فَكَأَنَّهُ صرف من النصب إِلَى الرّفْع وعَلى هَذَا يقْرَأ هَذَا الْحَرْف {وزلزلوا حَتَّى يَقُول الرَّسُول} بِالرَّفْع أَي حَتَّى قَالَ وَهُوَ وَاقع وَيقْرَأ بِالنّصب على معنى الِاسْتِقْبَال.
وَالرَّفْع بالقسم
لَا يكون إِلَّا بلام التَّأْكِيد مثل قَوْلهم لعمر الله ولعمرك قَالَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحسن بن دُرَيْد الْأَزْدِيّ
(لعمر أَبِيك الْخَيْر مَا رَهْط خندف … تدافعهم عَنْك الرماح المداعس)
وَقَالَ آخر
(لعمرك مَا تَدْرِي الطوارق بالحصى … وَلَا زاجرات الطير مَا الله صانع)
رفع لعمرك لِأَنَّهُ شبه لامه بلام الْخَبَر كَقَوْلِه جلّ ذكره {إِن الْإِنْسَان لرَبه لكنود وَإنَّهُ على ذَلِك لشهيد وَإنَّهُ لحب الْخَيْر لشديد} و {إِن رَبهم بهم يَوْمئِذٍ لخبير}
وَالرَّفْع فِي الْأَفْعَال الْمُسْتَقْبلَة
وَهُوَ الْفِعْل المستأنف رفع أبدا إِلَّا أَن يَقع عَلَيْهِ حرف جازم أَو حرف ناصب وعلامة الْفِعْل الْمُسْتَقْبل أَن يَقع فِي أول الْفِعْل أحد هَذِه الْحُرُوف الْأَرْبَعَة وَهِي الْألف وَالتَّاء وَالْيَاء وَالنُّون وَمَعْنَاهُ بِالْألف أَنا أخرج وبالتاء أَنْت تخرج وبالياء هُوَ يخرج وبالنون نَحن مخرج فَإِذا وَقع أحد هَذِه الْحُرُوف فِي أول الْفِعْل كَانَ رفعا أبدا.
وَالرَّفْع بشكل النَّفْي
وَهُوَ كل مَا جَازَ فِيهِ النصب بِالنَّفْيِ ثمَّ رفعته فَهُوَ شكل النَّفْي على مَا قرؤوا {فَلَا رفث وَلَا فسوق وَلَا جِدَال فِي الْحَج} وَمَعْنَاهُ لَيْسَ رفث وَلَيْسَ فسوق
وَأما قَول الشَّاعِر
(فَلَا أَب وابنا مثل مَرْوَان وَابْنه … إِذا هُوَ بالمجد ارتدى وتأزرا)
وَأما قَول الآخر
(لَا نشب الْيَوْم وَلَا خلة … إتسع الْخرق على الراقع)
نونت الِاسْم الثَّانِي لِأَنَّك لم تجْعَل خلة مَعَ نشب اسْما وَاحِدًا لِأَنَّك جعلت الْيَوْم بَينهمَا وعَلى أَنَّك جعلت الْوَاو للْعَطْف لَا للنَّفْي لِأَن مَوضِع نشب نصب
وَإِن شِئْت قلت لَا غُلَام وَلَا جَارِيَة عنْدك ترفع جَارِيَة على الِابْتِدَاء وَأما قَول الشَّاعِر
(بهَا الْعين والآرام لَا عد عِنْدهَا … وَلَا كرع إِلَّا المغارات والربل)
فَهَذَا يجوز النصب وَالرَّفْع فِي كليهمَا وَمثله قَول الشَّاعِر
(هَذَا وجدكم الصغار بِعَيْنِه … لَا أم لي وَإِن كَانَ ذَاك وَلَا أَب)
وَفِي مثله لِلرَّاعِي
(مَا إِن صرمتك حَتَّى قلت معلنة … لَا نَاقَة لي فِي هَذَا وَلَا جمل) بِمَعْنى لَيْسَ نَاقَة لي وَمثله قَول الله جلّ وَعز {لَا لَغْو فِيهَا وَلَا تأثيم}
وَالرَّفْع بهَل وَأَخَوَاتهَا من حُرُوف الرّفْع
مثل قَوْلك هَل أَبوك حَاضر وَأَيْنَ أَبوك خَارج وخارجا وَكَيف أَبُو زيد صانع وصانعا وَإِنَّمَا جَازَ النصب فِي خبر أَيْن وَكَيف لِأَنَّك تَقول أَيْن أَبوك وَكَيف زيد وتسكت فَيكون كلَاما تَاما ثمَّ تنصب على الِاسْتِغْنَاء وَتَمام الْكَلَام وَإِذا قلت هَل أَبوك لم يجز لَك السُّكُوت حَتَّى تَقول خَارج فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا الرّفْع وَتقول هم قوم كرام فَإِذا جعلت هَذِه الْحُرُوف فصلا بَين حُرُوف الترائي وحروف كَانَ لم تعْمل شَيْئا وأجريت الْكَلَام على أَصله كَقَوْلِك كَانَ عَمْرو هُوَ خيرا مِنْك قَالَ الله تَعَالَى فِي الْأَنْفَال {وَإِذ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق من عنْدك} نصب الْحق لِأَنَّهُ خبر كَانَ وَقَالَ الله عز وَجل فِي الزخرف {وَمَا ظلمناهم وَلَكِن كَانُوا هم الظَّالِمين} وَقَالَ فِي الشُّعَرَاء {إِن لنا لأجرا إِن كُنَّا نَحن الغالبين}
وَقَالَ فِي المزمل {تَجِدُوهُ عِنْد الله هُوَ خيرا وَأعظم أجرا} نصب خيرا وَأعظم أجرا لِأَنَّهَا خبر تَجدوا وَنصب أجرا على التَّمْيِيز وَقَالَ عز وَجل فِي آل عمرَان {وَلَا يَحسبن الَّذين يَبْخلُونَ بِمَا آتَاهُم الله من فَضله هُوَ خيرا لَهُم} نصب خيرا لِأَنَّهُ خبر يحْسب
فَأَما تَمِيم فَترفع هَذَا كُله ويجعلون الْمُضمر مُبْتَدأ وَمَا بعده خَبره كَمَا ينشد هَذَا الْبَيْت
(قَالَت أَلا ليتما هَذَا الْحمام لنا … إِلَى حمامتنا أَو نصفه فقد)
فيرفعون ب هَذَا وَلَا يعْملُونَ لَيْت قَالَ الشَّاعِر ايضا
(تحن إِلَى ليلى وَأَنت تركتهَا … وَكنت عَلَيْهَا بالملا أَنْت أقدر)
رفع أقدر ب أَنْت وَلم يلْتَفت إِلَى كَانَ لِأَنَّهُ يجب أَن يكون لأَنْت خبر وعَلى هَذَا يقْرَأ من يقْرَأ هَذَا الْحَرْف فِي الْمَائِدَة {فَلَمَّا توفيتني كنت أَنْت الرَّقِيب عَلَيْهِم} رفع الرَّقِيب ب أَنْت
فَكل مُضْمر يجعلونه مُبْتَدأ ويرفعون مَا بعده على خبر الْمُبْتَدَأ وَمثله قَول الله تَعَالَى فِي الْكَهْف {إِن ترن أَنا أقل مِنْك مَالا وَولدا} رفع أقل ب أَنا وَقَالَ الشَّاعِر
(إِنِّي إِذا مَا كَانَ أَمر مُنكر … وازدحم الْورْد وضاق الْمصدر
(وجدتني أَنا الربيس الْأَكْبَر)
والربيس خبر الِابْتِدَاء والأكبر نَعته
وَتقول مَتى أَنْت وأرضك وَمَتى أَنْت والجبل نصبت أَرْضك على معنى مَتى عَهْدك بأرضك وَمَا يمنعك من الْجَبَل فتنصه على معنى الظّرْف
قَالَ الشَّاعِر
(اتوعدني بقومك يَا بن حجل … أشابات تخالون العبادا)
(وَنِعما جمعت حصن وَعَمْرو … وَمَا حصن وَعَمْرو والجيادا)
أَرَادَ وَمَا كَانَ حصن وَعَمْرو مَعَ الْجِيَاد فَلَمَّا حذف مَعَ وأضمر كَانَ نصب وَقَالَ آخر
(وَمَا أَنا وَالشَّر فِي متْلف
يبرح بِالذكر الضَّابِط)
فَكَأَنَّهُ قَالَ كَيفَ أكون مَعَ الشَّرّ
وَتقول كن أَنْت وَزيد فِي مَوضِع وَاحِد وَإِذا جَاءُوا بالحروف الَّتِي ترفع لم يتكلموا فِيهَا الا الرّفْع مثل قَوْلك مَا فعلت أَنْت وَزيد مَا أَنْت وَالْمَاء لَو شربته مَا أَنْت والأسد لَو لَقيته وَأما هَذَا وأشباهه فهم ينصبون بهَا خبر الْمعرفَة ويرفعون خبر النكرَة وَأما قَول الله جلّ وَعز فِي الْأَحْقَاف {قَالُوا هَذَا عَارض مُمْطِرنَا} عَارض نكرَة وممطرنا معرفَة وَلَا ينعَت معرفَة نكرَة وَلَا بنكرة بِمَعْرِفَة فَهَذَا مَعْنَاهُ هَذَا عَارض ممطر لنا وَأما قَوْله فِي الْأَحْقَاف {وَهَذَا كتاب مُصدق لِسَانا عَرَبيا} لِأَن الْعَرَب إِذا طَال كَلَامهم بِالرَّفْع نصبوه كَمَا يَقُولُونَ هَذَا فَارس على فرس لَهُ ذنوبا نصب ذنوبا لما تبَاعد من فرس وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ هَذَا رجل مَعَه صقر صائدا بِهِ وَقَالَ بَعضهم نصب لِسَانا بإيقاع الْفِعْل عَلَيْهِ أَي يصدق لِسَانا وَأما قَوْله فِي الْأَحْقَاف {وَلَا تستعجل لَهُم كَأَنَّهُمْ يَوْم يرَوْنَ مَا يوعدون لم يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَة من نَهَار بَلَاغ} رفع بلاغا على معنى وَلَا تستعجل ثمَّ قَالَ لَهُم بَلَاغ وَقَالَ بَعضهم رفع بلاغا على إِضْمَار هَذَا بَلَاغ وَالله أعلم
المصدر: الجمل في النحو
1 تعليق