المؤلف: أبو البقاء العكبري
المحقق: د. عبد الرحمن العثيمين
مسألة [اشتقاق الاسم]
الاسم المشتق من السموّ عندنا، وقال الكوفيون هو من الوَسمِ،فالمحذوفُ عندنا لامهُ وعندهم فاؤُهُ.
لنا فيه ثلاثةُ مسالِكٍ:
المعتمد منها أنّ المحذوفَ يعودُ في التَّصريف إلى موضع اللاّم، فكانَ المحذوفُ هو اللام، كالمحذوفِ من ((أينَ))، والدَّليلُ على عوده إلى موضِع اللاّم أنَّك تقولُ سمَّيتُ وأَسميت، وفي التّصغير ((سُمَيُّ)) وفي الجمع أسماءُ وأسامٍ وفي فَعيل منه سَمِيُّ أي: اسمك مثلُ اسمه، ولو كان المحذوف من أوّله لعادَ في التَّصريف إلى أوله، فكانَ يُقال: أَوَسَمْتُ، وَوَسَمْتُ، وَوَسِيْمُ، وأَوسام، وهذا التَّصريفُ قاطعُ على أنَّ المحذوفَ هو اللاَّمُ.
فإن قيل: هذا لِثبات اللُّغة بالقياس، وهي لا تَثُبتُ به.
والثَّاني أنّ عودةَ المحذوف إلى الأخير، لا يلزم منه أن يكون المَحذوف من الأخير، بل يَجوز أن يكونَ مقلوبًا، وقد جاءَ القلبُ عنهم كثيرًا كما قالوا: ((لَهي أبوك)) فأخَّروا العَين إلى موضع اللام، وقالوا: ((الجاه))وأصله الوجه، وقالوا: ((أَيْنُقُ)) وأصله أَنْوُقُ، وقالوا: ((قِسِيُّ)) وأصله قُووس، وقالُوا في ((الفُوق: فُقيً)) والأَصلُ فوقُ وإذا كَثُر ذلك في كلامِهم جازَ أن يُحمَلَ ما نحنُ فيه عليه.
فالجوابُ:
أمَّا الأوّلُ فغيرُ صَحيحٍ، فإنَّا لا نُثبت اللُّغة بالقياس، بل يُستَدَلُ بالظَّاهِرِ على الخَفِيّ خُصوصًا في الاشتقاق، فإنّ ثبوت الأَصلِ والزّائد والمَحذوف لا طريقَ له على التَّحقيق إلاّ الاشتقاق، ويَدُلُّ عليه لفظةُ ((ابن)) فإنَّهم لمّا قالوا بني وأَبناء وتبنّيت والبنوّة، علم أنَّ المحذوفَ لامُهُ، وأمّا دعوى القلب فلا سبيلَ إليه؛ لأن القَلبَ مخالفُ للأصل، فلا يُصار إليه ما وجدت عنه مَندُوحة، ولا ضَرورَة هُنا تدعو إلى دَعوى القَلب. ويدلُّعلى ذلك أنَّ القلبَ لا يَطَّردُ هذا الاطّراد، ألا تَرى أنَّ جميع ما ذكر من المقلوب يجوزُ إخراجُه على الأصل.
المسلك الثاني: أنَّا أجمعنا على أنَّ المحذوفَ قد عُوّض منه في أوّله، فوجب أن يكونَ المحذوفُ من آخره كما ذكرنا في ((ابن)) وإنّما قُلنا ذلك لوجهين:
أحدهما: أنّا عرّفنا من طريقةِ العربِ أنَّهم إذا حذفوا من الأَوّلِ، عوَّضُوا أخيرًا مثل عِدة وزِنَة، وإذا حذفوا من آخره عوّضوا أوَّله مثل ابن، وهُنا قد عوَّضوا في أوله فكان المَحذوف من آخره.
والثاني: أنّ العوضَ مخالفُ للبَدَلِ، فبدل الشيءِ يكونُ في موضعه والعِوَضُ يكون في غيرِ المعوضِ منه، فلو كانت الهمزةُ عوضًا من الواو في أوّلِهِ لكانت بَدَلاً من الواو، ولا يجوز ذلك إذ لو كانت كذلك لكانت هَمزةً مقطوعةَ، ولمّا كانت ألفّ وصلٍ حكم بأنّها عوض، فإن قيل:
التَّعويضُ موضعُ لا يوثق بأن المعوَّض عنه في غيره لأنَّ القصد منه تَكميلُ الكلمةِ فأين كَمُلَتْ حَصَلَ غرضُ التَّعويض، أَلا ترى أنَّ همزة الوصل في ((اضرب)) وبابه عوضُ من حركةِ أوَّل الكَلِمَةِ وقد وَقَعَتْ في موضعِ الحَركة.
فالجوابُ:
إنّ التَّعويضَ على ما ذكرنا يغلبُ على الظَنُ أنّ موضعَه مخالفُ لموضعِ المعوَّضِ منه، لِمَا ذكرنا من الوَجهين قولُهم الغرضُ تكميلُ الكلمةِ، ليسَ كذلك، وإنّما الغرض العدول عن أصلٍ ما هو أخفُّ منه، والخفّةُ تحصلُ لمخالفة الموضعِ.
فأمّا تعويضُه في موضع محذوف فلا تحصل منه خفة، لأنّ الحرف قد يثقل بموضعه فإذا أزيل عنه حصل التخفيف.
المسلك الثالث: أنّ اشتقاق الاسم من السمو مطابق للمعنى فكان المحذوف الواو كسائر المواضع، وبيانه أنّ الاسم أحد أقسام الكلم وهو أعلى من صاحبيه، إذ كان يخبر به وعنه، وليس كذلك صاحباه فقد سماعليهما، ولأنّ الاسم ينوّه بلمسمّى ويرفعه للأذهان بعد خفائه وهذا معنى السموّ. فإن قيل هذا معارض باشتقاقه من الوسم فإنّ المعنى فيه صحيح كما أنّ المعنى فيما ذكرتموه صحيح فبماذا يثبت الترجيح؟.
قيل: الترجيح معنا لوجهين:
أحدهما: أنّ تسمية هذا اللّفظ اسمًا اصطلاحُ من أرباب هذه الصناعة، وقد ثَبَتَ من صناعتهم علوّ هذا اللّفظ على الآخَرَين ومثل هذا لا يُوجد في اشتقاقه من الوسم.
والثاني: أنّه يترجّح بما ذكرناه من المسالك المتقدّمة.
أمّا حجتهم فقد قالوا: الاسم علامة على المسمّى، والعلامة تؤذن بأنّه من الوسم وهو العلامة، فيجب أن يكون مشتقّاَ منها.
والجواب عنه ما تقدّم من الأوجه الثلاثة على أنّ اتّفاق الأصلين في المعنى وهو العلامة، لا يوجب أن يكون أحدهما مُشتقّاً من الآخر، ألا ترىأنّ ((دمث)) و ((دمثر)) سواء في معنى، وليس أحدُهما مشتقّاً من الآخر، وكذلك سَبَطَ وسَبْطَرَ وأبعد من ذلك الأَسد واللَّيثُ بمعنى واحد ولا يجمعهما الاشتقاق والله أعلم بالصواب.