مسألة [٣٨] باب ما ينتصب من الأسماء والصفات
مسألة [٣٨] باب ما ينتصب من الأسماء والصفات
ومن ذلك قوله في باب ترجمته: هذا باب ما ينتصب من الأسماء والصفات لأنها أحوال تقع فيها الأمور قال: (وأما عبد الله أحسن ما يكون قائما، فلا يكون فيه إلا النصب، لأنه لا يجوز لك أن تجعل أحسن أحواله قائما على وجه من الوجوه).
قال محمد: أما قوله: ولا يجوز فيه إلا النصب، فليس بين أحد في هذا اختلاف، وأما تفسيره هذا على أن معناه أحسن أحواله، فقد ينبغي له أن يقول على ما فسر: عبد الله أحسن أحواله القيام، لأنه خبر، أن يقول: عبد الله أحسن أحواله القيام، وهذا لا يقوله أحد، وإنما معنى عبد الله أحسن ما يكون قائما، عبد الله إذا كان قائما أحسن منه إذا كان غير قائم، فأحسن لعبد الله ليس للقيام ولا لثيء من الأفعال، ولكنه “هو” إذا فعل هذا فضل نفسه إذا فعل غيره وكذلك جميع هذا الباب.
قال أحمد: هذه مسألة قد اعترف محمد بصحتها ولم يخالفنا، ولا في الاعتلال “لها”، وإنما لحقه شك في إلزام ألزمه [نفسه] /٥٢/ فيها ومعارضة عورض بها، وقد رام أن يبين ذلك في كتاب الشرح، فلم يأت فيه بشيء، ونحن نبينه إن شاء الله [تعالى].
زعم أنه يلزم من قال: عبد الله أحسن أحواله القيام أن يقول: عبد الله أحسن ما يكون القيام، لأن سيبويه امتنع من أن يقول: عبد الله أحسن ما يكون قائم برفع قائم، لأنه لا يقول: عبد الله أحسن أحواله قائم فالجواب في ذلك أن أحوال عبد الله إنما هي قيام وقعود وحسن وقبح وما أشبه هذا، ومحال أن يخبر عن هذه الأحوال بأسماء الفاعلين، لا تقول:
حسن عبد الله جالس ولا قعوده منطلق، هذا كله محال غير منساغ، وأحسن أحوال عبد الله حال من أحوال عبد الله، وكذلك أحسن ما يكون، أحسن كينونة، فلما امتنع قائم وجميع أسماء الفاعلين من أن يكون خبرا بحال من الأحوال، امتنع أن يكون خبرا للكينونة، لأنها من الأحوال، فهذا صحيح لا يجوز غيره ولا يخالف النحويون فيه.
ثم نذكر المسألة التي ألزم القول “بها” ولحقه الغلط فيها، وهي أن تجعل المصدر خبرا عن الكينونة كما جعله خبرا عن الأحوال، إذ كانت الكينونة حالا من الأحوال، فألزم أن يقال: عبد الله أحسن ما يكون القيام، على حد قولنا: “عبد الله” أحسن أحواله القيام، فالقيام حال من أحواله، فصار بمنزلة قولك: عبد الله حاله القيام، فحاله اسم مبهم يحسن أن يكون قياما وغير قيام، فخبرت أنه قيام، وإذا قلت: عبد الله أحسن ما يكون القيام، لم يجز لأن الكينونة ليست بقيام فتخبر عنها به، وذلك أنك إنما تخبر عن الشيء بما هو أولى به ذكره، وسواء هذا أو إلزام من ألزمنا أن يقول: عبد الله أحسن ما يجلس القيام، لأننا نقول: أحسن أحواله القيام، وإنما امتنع هذا من أجل أن الجلوس غير القيام، ولو قلت: أحسن ما يجلس القرفصاء لجاز، لأن القرفصاء نوع من الجلوس، وإنما امتنعت الكينونة من أن يخبر عنها بمصدر من هذه المصادر الواقعة، لأن الكينونة عبارة مصدر وليست بحدث واقع في المعنى كالضرب والقيام والقعود، /٥٣/ ألا ترى أن الفعل الذي صدر عنه هذا المصدر وهو (كان) كذلك، إنما هو عبارة دالة على زمان وليس بدال على حدث، وضرب وما أشبهه دال على الزمان والحدث جميعا، ولو جاء في الكلام مصدر في معنى الكينونة يكون عبارة لا حدثا واقعا لجاز أن تخبر به عنها، كأنه في معنى أحسن ما يكون أن يكون قائما، ومثال هذا الإلزام أن يقول قائل: إذا أبيتم أن يكون قائم خبرا عن شيء من المصادر، ووجب بذلك ألا يكون خبرا عن الكينونة، فنظيره إذا أوجبتم أن يكون المصدر خبرا عن شيء، وجب أن يكون خبرا عن كل شيء، وهذا لا يلزم، لأنه إنما يكون خبرا عما هو في معناه، لو قلت: فعلك الضرب لكان مستقيما، ولو قلت: قعودك الضرب لم يجز، لان الضرب ليس بقعود على وجه.
المصدر: الانتصار لسيبويه على المبرد