طرائف نحوية (7)
وحدثنا أبو بكر بن مجاهد قال حدثنا محمد بن الجهم قال حدثنا الفراء قال أنشدنا يونس النحوي:
رب حلم أضاعه عدم المـا ل وجهل غطا عليه النعميم
بتخفيف غطا وروى الأصمعي عن يونس قال: قال لي رؤية بن العجاج: حتام تسألني عن هذه البواطيل وأزخرفها لك أما ترى الشيب قد بلغ في لحيتك. قال أبو سعيد هذا صحف فيه ابن الأعرابي فقال بلغ بالغين وهو أحد ما أخذ عليه.
قال أبو سعيد: بلع الشيب إذا وقع فيه الشيب.
حدثنا ابن مجاهد قال حدثنا أحمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن سلام قال حدثنا يونس قال: كنا على باب ابن عمير فمرت بنا امرأة يدفع بعضها بعضاً كأنها خلفة فما لبثنا أن أقبل فتى من قريش عليه قميص قوهي ورداء فلما رآنا ارتدع فقلنا: هاهنا طلبتك. فتبعها وقال:
إذا سلكت قصد السبيل سلـكـتـه وإن هي عاجت عجت حيث تعوج وبهذا الإسناد قال يونس تقول العرب: الآل من غدوة إلى ارتفاع الضحى الأعلى ثم هو سرابٌ سائر اليوم وإذا زالت الشمس فهو فيء وغدوة ظل. وأنشد لأبي ذؤيب.
لعمري لأنت البيت أكرم أهله وأقعد في أفيانه بالأصـائل
وكان كذا وكذا الليلة يقولون ذاك إلى ارتفاع الضحى وإذا جاوز ذاك قالوا كان البارحة. وعنه بهذا الإسناد قال كان عبد الملك بن عبد الله ينشد:
إذا أنت لم تنفع فضر وإنـمـا يرجى الفتى كيما يضر وينفعا
وذكر عمر بن شبة عن خلاد بن يزيد عن يونس النحوي قال: ثلاثة والله أشتهي أن أمكن من مناظرتهم يوم القيامة آدم عليه السلام فأقول له قد مكنك الله من الجنة وحرم عليك شجرة فقصدت لها حتى ألقيتنا في هذا المكروه ويوسف عليه السلام أقول له كنت بمصر وأبوك عليه السلام بكنعان بينك وبينه عشر مراحل يبكي عليك لِم لَم ترسل إليه إني في عافية وتريحه مما كان فيه من الحزن وطلحة والزبير أقول لهما علي بن أبي طالب عليه السلام بايعتهماه بالمدينة وخلعتماه بالعراق لم أي شيء أحدث.
وأما الخليل بن أحمد أبو عبد الرحمن الفراهيدي الأزدي فقد كان الغاية في استخراج مسائل النحو وتصحيح القياس فيه وهو أول من استخرج العروض وحصر أشعار العرب بها وعمل أول كتاب العين المعروف المشهور الذي به يتهيأ ضبط اللغة. وكان من الزهاد في الدنيا والمنقطعين إلى العلم ويروى عنه أنه قال: إن لم تكن هذه الطائفة يعني أهل العلم أولياء لله فليس لله ولي. وقد كان وجه إليه سليمان بن علي من الأهواز وكان واليها يلتمس منه الشخوص إليه وتأديب أولاده ويرغبه ويقال إن الذي وجه إليه سليمان بن حبيب بن المهلب من أرض السند يستدعيه إليه. وكان بالبصرة فأخرج الخليل إلى رسول سليمان بن علي خبزاً يابساً وقال: ما عندي غيره وما دمت أجده فلا حاجة لي في سليمان، فقال الرسول: فماذا أبلغه عنك? فأنشأ يقول:
أبلغ سليمان أني عنك في سـعة وفي غنى غير أني لست ذا مال
سخا بنفسي أنـي لا أرى أحـداً يموت هزلاً ولا يبقى على حال
وكان الخليل يقول الشعر البيتين والثلاثة ونحوها في الآداب كمثل ما يروى له:
لو كنت تعلم ما أقول عذرتني أو كنت أجهل ما تقول عذلتكا
لكن جهلت مقالتي فعذلتـنـي وعلمت أنك جاهل فعذرتكـا
وكما يروى له في الزهد:
وقبلك داوى المريض الطبيب فعاش المريض ومات الطبيب
فكن مستعداً لداعي الـفـنـى فإن الـذي هـو آت قـريب
والخليل أستاذ سيبويه وعامة الحكاية في كتاب سيبويه عن الخليل وكل ما قال سيبويه: وسألته أو قال من غير أن يذكر قائله فهو الخليل.
وممن أخذ عن أبي عمرو بن العلاء أبو محمد يحيى بن المبارك اليزيدي نسب إلى يزيد بن منصور خال المهدي لصحبته إياه وليس هو في النحو من طبقة الخليل ولا من طبقة سيبويه والأخفش وتأخر موته وكان مؤدب المأمون والكسائي مؤدب أخيه محمد الأمين وبينه وبين الكسائي مقارضة بسبب تأديبهما الأخوين. وله قصيدة يمدح نحويي البصرة ويهجو الكسائي وأصحابه. منها:
يا طالبَ النحو ألا فابـكـهِ بعد أبي عمرو وحـمـاد
وابن أبي إسحاق في علمه والزين في المشهد والنادي
عيسى وأشباه لعيسى وهل يأتي لهم دهـرٌ بـأنـداد
هيهات إلا قائلاً عـنـهـم أرسوا له الأصل بأوتـاد
فهو بمنهاجـهـم سـالـك لفضلهم ليس بـجـحـاد
ويونس النحوي لا تنـسـه ولا خليلاً حـية الـوادي
وقل لمن يطلب علمـاً ألا نادٍ بأعلـى شـرفٍ نـاد
يا ضيعة النحو به مغـربٌ عنقاء أودت ذات اصعـاد
أفسـده قـومٌ وأزروا بـه من بين أغـتـامٍ وأوغـاد
ذوى مراء وذوى لـكـنةٍ لئام آبـــاد وأجـــدادِ
?لهم قياس أحدثوه هم=قياس سوء غير منقاد
فهم من النحو ولو عمروا أعمار عادٍ في أبي جاد
أما الكسائي فذاك امـرؤ في النحو حارٍ غير مراد
وهو لمن يأتيه جهلاً به مثل سراب البيد للصاد
وحماد الذي ذكره في النحويين فيما أظن هو حماد بن سلمة لأني لا أعلم في البصريين من ذكر عنه شيء من النحو واسمه حماد إلا حماد بن سلمة. من ذلك ما حدثنا أبو مزاحم موسى بن عبيد الله قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد الوراق قال حدثني مسعود بن عمرو قال حدثنا علي بن حميد الذارع قال سمعت حماد بن سلمة يقول: من لحن في حديثي فقد كذب علي. قال أبو مزاحم وحدثنا ابن أبي سعد قال حدثني مسعود بن عمرو قال حدثني ابن سلام قلت ليونس: أيما أسن أنت أو حماد بن سلمة? قال: هو أسن مني ومنه تعلمت العربية. قال: وحدثني مسعود بن عمر وقال حدثني أبو عمر النحوي صالح بن إسحاق الجرمي قال: ما رأيت فقيهاً قط أفصح من عبد الوارث وكان حماد بن سلمة أفصح منه. وذكر نصر بن علي قال كان سيبويه يستملي على حماد فقال حماد يوماً قال رسول الله صلى الله عليه: ما أحد من أصحابي إلا وقد أخذت عليه ليس أبا الدرداء. فقال سيبويه: ليس أبو الدرداء: فقال حماد: لحنت يا سيبويه. فقال سيبويه لا جرم لأطلبن علماً لا تلحنني فيه أبداً. فطلب النحو ولزم الخليل. ولا أظن اليزيدي عني حماداً الراوية وإن كان مشهوراً برواية الشعر والأخبار لأنه من أهل الكوفة وإنما قصد اليزيدي تفضيل أهل البصرة على أنا لا نعرف لحماد الراوية شيئاً في النحو.
قال أبو سعيد ثم وجدت بخط أبي أحمد الجريري عن أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب عن محمد بن سلام في ترتيب النحويين من البصريين حماد بن الزبرقان وكان يونس يفضله.
*****************
وقال اليزيد في الكسائي وأصحابه.
كنا نقيس النحو فيما مضى على لسان العـرب الأول
فجاءنا قـوم يقـيسـونـه على لغى أشياخ قطربـل
فكلهم يعمل في نقص مـا به يصاب الحـق لا يأتـل
إن الكسـائي وأشـياعـه يرقون في النحو إلى أسفل
ثم إن اليزيدي رثى الكسائي ومحمد بن الحسن الفقيه صاحب أبي حنيفة وكانا قد خرجا مع الرشيد إلى خراسان فماتا في الطريق فقال:
تضرمـت الـدنـيا فـلـيس خـلـود وما قاضي القضاة ترى من بهجة سيبيد
لكل امرئ منا من المـوت مـنـهـلٌ ولـيس لـه إلا عـــلـــيه ورود
ألم تر شيئاً شـامـلاً ينـذر الـبـلـى وإن الشبـاب الـغـض لـيس يعـود
سيأتيك ما أفنى القرون التـي خـلـت فكن مستعـداً فـالـفـنـاء عـتـيد
أسيت على قاضي القضـاة مـحـمـد فأذريت دمـعـي والـفـؤاد عـمـيد
وقلت إذا ما الخطب أشكل مـن لـنـا بإيضـاحـه يومـاً وأنـت فـقــيد
وأقلقني مـوت الـكـسـائي بـعـده وكادت بي الأرض الفضـاء تـمـيد
فأذهلـنـي عـن كـل عـيش ولـذةٍ وأرق عـينـي والـعـيون هـجـود
هما عـالـمـانـا أوديا وتـخـرمـا وما لهمـا فـي الـعـالـمـين نـديد
فحزني أن تخطر على القلب خـطـرةٌ بذكرهما حـتـى الـمـمـات جـديد
وكان أبو محمد اليزيدي الغاية في قراءة أبي عمرو وبروايته يقرأ أصحابه وكان عدلياً معتزلياً فيما يزعم العدلية ويروون أبياتاً يخاطب بها المأمون وهي:
يا أيها الملك الموحـد ربـه قاضيك بشر بن الوليد حمار
ينفي شهادة من يدين بما بـه نطق الكتاب وجاءت الآثار
ويعد عدلاً من يقول بـرأيه شيخٌ تحيط بجمـه الأقـدار
عند المريسي اليقين بـربـه لو لم يشب توحيده إجبـار
لكن من جمع المحاسن كلها كهلٌ يقال لشيخـه مـردار
هو عيسى بن صبيح وكان يعرف بأبي موسى بن المردار وكان من الزهاد.
وأما سيبويه ويكنى أبا بشر واسمه عمرو بن عثمان بن قنبر مولى بني الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن خالد بن مالك بن أدد. وسيبويه بالفارسية رائحة التفاح وأخذ النحو عن الخليل وهو أستاذه وعن يونس وعيسى بن عمر وغيرهم وأخذ أيضاً اللغات عن أبي الخطاب الأخفش وغيره وعمل كتابه الذي لم يسبقه إلى مثله أحد قبله ولم يلحق به من بعده.
وقال محمد بن يزيد أبو العباس المبرد قال يونس بن حبيب وقد ذكر عنده سيبويه: أظن هذا الغلام يكذب على الخليل. فقيل له: قد روى عنك أشياء فانظر فيها فنظر فقال: صدق في جميع ما قال هو قولي.
ومات سيبويه قبل جماعة قد كان أخذ عنهم كيونس وغيره وقد كان يونس مات في سنة ثلاث وثمانين ومائة. وذكر أبو زيد النحوي اللغوي كالمفتخر بذلك بعد موت سيبويه قال: كل ما قال سيبويه وأخبرني الثقة فأنا أخبرته. ومات أبو زيد بعد سيبويه بنيف وثلاثين سنة ويقال أنه نجم من أصحاب الخليل أربعة عمرو بن عثمان سيبويه والنضر بن شميل وأبو فيد مؤرج العجلي وعلي بن نصر الجهضمي وكان أبرعهم في النحو سيبويه وغلب على النضر بن شميل اللغة وعلى مؤرج العجلي الشعر واللغة وعلى لي بن نصر الحديث. ونجم من أصحاب سيبويه أبو الحسن الأخفش وقطرب وهو أبو علي محمد بن المستنير ويقال أنه إنما سمي قطرباً أن سيبويه كان يخرج فيراه بالأسحار على بابه فيقول: إنما أنت قطرب ليل. والقطرب دويبة تدب.
قال أبو العباس كان الأخفش أكبر سناً من سيبويه وكانا جميعاً يطلبان. قال فجاءه الأخفش يناظره بعد ن برع فقال له الأخفش: إنما ناظرتك لأستفيد لا لغيره. أتراني أشك في هذا.
وكان كتاب سيبويه لشهرته وفضله علماً عند النحويين فكان يقال بالبصرة: قرأ فلان الكتاب فيعلم أنه كتاب سيبويه وقرأت نصف الكتاب ولا يشك أنه في كتاب سيبويه. وكان محمد بن يزيد المبرد إذا أراد مريد أن يقرأ عليه كتاب سيبويه يقول له: هل ركبت البحر. تعظيماً له واستصعاباً لما فيه. وكان المازني يقول: من أراد أن يعمل كبيراً في النحو بعد كتاب سيبويه فليستحي.
ومات سيبويه بفارس في أيام الرشيد.
وأما الأخفش فهو أبو الحسن سعيد بن مسعدة مولى لبني مجاشع بن دارم فهو من مشهري نحويي البصرة وهو أحذق أصحاب سيبويه وهو أسن منه فيما يروى ولقى من لقيه سيبويه من العلماء والطريق إلى كتاب سيبويه الأخفش وذلك أن كتاب سيبويه لا نعلم أحداً قرأه على سيبويه ولا قرأه عليه سيبويه ولكنه لما مات سيبويه قرئ الكتاب على أبي الحسن الأخفش. وكان ممن قرأه أبو عمر الجرمي صالح بن إسحاق وأبو عثمان المازني بكر بن محمد وغيرهما.
وقد حدثنا أبو بكر بن مجاهد قال حدثنا أحمد بن يحيى قال حدثنا سلمة قال حدثني الأخفش قال: جاءنا الكسائي إلى البصرة فسألني أن أقرأ عليه أو أقرئه كتاب سيبويه ففعلت فوجه إلي خمسين ديناراً. وكان أبو العباس ثعلب يفضل الأخفش ويقول: كان أوسع الناس علماً وله كتب كثيرة في النحو والعروض والقوافي. وقال أبو العباس أحمد بن يحيى: مات الأخفش بعد الفراء ومات الفراء سنة سبع ومائتين بعد دخول المأمون العراق بثلاث سنين.
وذكر أبو العباس محمد بن يزيد عن المازني عن الأخفش عن الكسائي قال: فزع أعرابي من الأسد فجعل يلوذ والأسد من وراء عوسجة فجعل يقول: يعسجني بالخوتلة يبصرني لا أحسبه يريد يختلني بالعوسجة يحسبني لا أبصره.
وكان من أهل البصرة جماعة انتهى إليهم علم اللغة والشعر وكانوا نحويين منهم الخليل بن أحمد وأبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي والأصمعي عبد الملك بن قريب وأبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري فهؤلاء المشاهير في اللغة والشعر ولهم كتب مصنفة. وكان بالبصرة جماعة غيرهم قبلهم وفي عصرهم كأبي الخطاب الأخفش. وكان قبل هؤلاء وفي عصرهم خلف الأحمر وأبو مالك عمرو بن كركرة الأعرابي وأبو فيد مؤرج العجلي وغيرهم. ويقال إن الأصمعي كان يحفظ ثلث اللغة وكان الخليل يحفظ نصف اللغة وكان أبو مالك عمرو بن كركرة يحفظ اللغة كلها.