كتبه: خالد حسين أبو عمشة
الاصطلاح النحوي البصري
ارتأيت قبل أن أخوض في الحديث عن الاصطلاح النحوي البصري أن أتوقف عند اصطلاحات عنوان هذه الدراسة بوصفها خطوة منهجية ضرورية، فكانت لنا هذه الوقفة عند حدّ اصطلاح الاصطلاح والنحو والبصرة لغة واصطلاحاً.
الاصطلاح لغة: لم تقدم المعاجم العربية معانٍ متعددة للجذر صلح بقدر ما قدمت أمثلة لاستخدامات الجذر صلح، فمما ذكره صاحب أساس البلاغة: صلحت حال فلان، وهو على حال صالحة. وأتتني صالحة من فلان، وصلح الأمر، وأصلحته، وأصلحت النعل، وأصلح الله تعالى الأمير، وأصلح الله تعالى في ذريته وماله، وسعى في إصلاح ذات البين. وأمر الله تعالى ونهى لاستصلاح العباد. وصلح فلان بعد الفساد. وصالح العدو، ووقع بينهما الصلح. وهم لنا صلح أي مصالحون. ورأى الإمام المصلحة في ذلك. ونظر في مصالح المسلمين. وهو من أهل المفاسد لا المصالح. وفلان من الصلحاء، ومن أهل الصلاح. وذكرا من المجاز: هذا الأديم يصلح للنعل: وفلان لا يصلح لصحبتك. وأصلح إلى دابته: أحسن إليها وتعهدها. قال حرب بن أمية لأبي مطر الحضرميّ يوم الفجار:
أبا مطر هلم إلى صلاح… فتكفيك الندامى من قريش
وتأمن وسطهم وتعيش فيهم… أبا مطر هديت لخير عيش
ومما له علاقه وارتباط بالدلالة على الاصطلاح قول صاحب أساس البلاغة ابن منظور: وصالحه على كذا، وتصالحا عليه واصطلحا. وقال الفراء: وحكى أصحابنا صلح أيضا بالضم. وهذا الشيء يصلح لك، أي هو من بابتك. والصلاح بكسر الصاد: المصالحة، والاسم الصلح، يذكر ويؤنث. وقد اصطلحا وتصالحا واصالحا أيضا مشددة الصاد. (الصحاح)
الصَّلاحُ: ضِدُّ الفَسادِ كالصُّلوحِ. صَلَحَ كمَنَعَ وكَرُمَ وهو صِلْحٌ بالكسر وصالِحٌ وصَليحٌ. وأصْلَحَه: ضِدُّ أفْسَدَه و إليه: أحْسَنَ. والصُّلْحُ بالضم: السِّلْمُ ويُؤَنَّثُ واسمُ جماعةٍ وبالكسر: نَهْرٌ بِمَيْسانَ. وصالَحَهُ مصالَحَةً وصِلاحاً واصْطَلَحا واصَّالَحا وتَصالَحا واصْتَلَحا. وصَلاحِ كقَطامِ وقد يُصْرَفُ: مَكَّةُ. والمَصْلَحَةُ: واحِدَةُ المَصالِحِ. واسْتَصْلَحَ: نَقيضُ اسْتَفْسَدَ. القاموس المحيط
ويفهم مما ورد عند القدماء أنهم أشاروا إلى الدلالة على فض الخصومة والاجتماع على رأي والاتفاق عليه. وهذا ما جلاه المعجم الوسيط في قوله ( اصطلح ) القوم: زال ما بينهم من خلاف وعلى الأمر تعارفوا عليه واتفقوا، ومن عرف المعجم الوسيط ( الاصطلاح ) بأنه مصدر اصطلح، وهو اتفاق طائفة على شيء مخصوص ولكل علم اصطلاحاته المعجم الوسيط.
الاصطلاح اصطلاحاً:
من أهم الكتب التراثية التي تعرضت إلى تعريف الاصطلاح عموماً الجرجاني في تعريفاته، والكفوي في كلياته، ومما جاء به الجرجاني في تعريف الاصطلاح قوله: هو عبارة عن اتفاق قوم على تسمية الشيء باسمٍ ما ينقل عن موضعه الأوّل. أمّا الكفوي فقد عرفه بقوله: اتفاق قومٍ على وضع الشيء، وهو إخراج الشيء عن المعنى اللغوي إلى معنى آخر مراد.
ويمكن أن نحدد أسس تعريف الاصطلاح بـ:
1- الاتفاق.
2- بين مجموعة من الناس وأهل العلم والاختصاص.
3- ذيوع الاصطلاح.
4- أصل الاصطلاح موجود في أصل اللغة أو يمكن أن يكون مبتدعاً.
النحو لغة:
أمّا اصطلاح النحو فيعني في اللغة القصد والطريق، نقول: نحا نحوه اتحاءً، قال الليث: النحو هو القصد نحو الشيء، نحوت نحو فلان إذا قصدت قصده، والنحو الجهة: نحو: – نحوت نحو المسجد، المقدار نحو: عندي نحو ألف دينار، والمثل والشبه: كسعيد نحو سعد، أي مثله أو شبهه. وقال الليث: بلغنا أن أبا الأسود وضع وجوه العربية وقال للناس: انحو نحوه فسمي نحواً. وقد جمع الإمام الداودي معاني النحو في اللغة فقال:
للنحوِ سبعُ معانٍ قد أتتْ لغةً****جمعتُها ضمنَ بيتٍ مفردٍ كمُـلا
قصد ومِثْلٌ ومقدارٌ وناحيـة***نوعٌ وبعض وحرف فاحفظ المثلا
النحو اصطلاحاً: لعل أفضل تعريف اصطلاحي يجمع عليه اللغويون العرب تعريف ابن جني، يقول: هو انتحاء سمت كلام العرب في تصرفه من إعراب وغيره كالتثنية والجمع والتحقير والتكبير والإضافة والنسب، وهو في الأصل مصدر شائع أي نحو نحواً كقولك قصدتُ قصداً، ثم خص به انتحاء هذا القبيل من العلم(الخصائص:1/34). ويقول ابن السكيت: نحا نحوه إذا قصده ونحا الشيء ينحاه وينحوه إذا حرفه، ومنه سمي النحوي نحوياً لأنه يحرف الكلام إلى وجوه الإعراب. ويقول ابن خلدون “فاستنبطوا من مجاري كلامهم قوانين لتلك الملكة مطردة شبه الكليات والقواعد يقيسون عليها سائر أنواع الكلام، ويلحقون الأشباه بالأشباه، مثل أن الفاعل مرفوع و المفعول منصوب والمبتدأ مرفوع ثم رأوا تغير الدلالة يتغير حركات هذه الكلمات فاصطلحوا على تسميته إعرابا وتسمية الموجب لذلك التغير عاملا وأمثال ذلك وصارت كلها اصطلاحات خاصة بهم فقيدوها بالكتاب وجعلوها صناعة لهم مخصوصة واصطلحوا على تسميتها بعلم النحو”(المقدمة). فالنحو إذن إنما هو انتحاء سمت كـلام العرب في تصرفه من اعراب وغيره، ليلحق من ليس من اهل اللغة العربية باهلها في الفصاحة فينطق بها وان لم يكن منهم، او ان شذ بعضهم عنها رد به اليها، وهو في الاصل مصدر شائع ثم خص بـه انتحاء هذا القبيل من العلم، كما ان الفقه في الاصل مصدر فقهت الشي ء اي عرفته ثم خص به علم الشريعة من التحليل والتحريم. ويقول السكاكي: بأن تنحو كيفية التركيب فيما بين الكلم لتأدية أصل المعنى مطلقاً بمقاييس مستنبطه من استقراء كلام العرب، وقوانين مبنية عليها ليحترز بها عن الخطأ في التركيب من حيث تلك الكيفية.( مفتاح العلوم 33) كما عرفه الشريف الجرجاني بقوله: النحو هو علم بقوانين يعرف بها أحوال التركيب العربية من الإعراب والبناء، وغيرها، وقيل النحو علم يعرف به أحوال الكلم من حيث الإعلال، وقيل علم بأصول يعرف بها صحيح الكلام وفساده (لتعريفات 259 ـ 260)، وكان يطلق عليه عند العرب ( العربية ) أو ( الكلام ) أو اللحن أو الإعراب. والخلاصة ان كلمة نحو ومدلولها، لم تكن مستعملة عند النحاة الاوائل، كما أن اصطلاح النحو لم يكن مستقراً بهذا المفهوم في بداية نشأة النحو العربي تماماً وقد نازعه في مفهومه اصطلاحات أخرى التي وردت في كتب العرب وعنى بها بعض أصحابها النحو: العربية، والكلام واللحن، والإعراب والمجاز، لكّن الفوز والاتفاق والإجماع بين أهل الصناعة فيما بعد استقر على اصطلاح النحو.
أما بالنسبة للاصطلاح النحوي فيمكن القول بأنه عبارة عن اتفاق بين النحاة على ألفاظ معينة تؤدي إلى معان ومفاهيم مستقرة عندهم كالمبتدأ والخبر والفعل والفاعل…… الخ.
البصرة لغة:
يذكر معجم البلدان: “.. قال ابن الأنباري: البصرة في كلام العرب الأرض الغليظة. وقال قُطرب: البصرة الأرض الغليظة التي فيها حجارة تَقلعُ وتقطعُ حوافرَ الدواب…وقال غيره: البصرة حجارة رخوة فيها بياض، وقال ابن الأعرابي: البصرة حجارة صلاب، قال: وإنما سميت بصرة لغلظها وشدَّتها، كما تقول: ثوب ذو بصر وسقاءٌ ذو بصر إذا كان شديدًا جيدًا، قال: ورأيت في تلك الحجارة في أعلى المربد بيضا صلابا. وذكر الشرقي بن القطامي أن المسلمين حين وافوا مكان البصرة للنزول بها نظروا إليها من بعيد وأبصروا الحصى عليها فقالوا: إن هذه أرض بَصرَة يعنُون حَصبَة فسميت بذلك. وذكر بعض المغاربة أن البصرة الطين العلك، وقيل الأرض الطيبة الحمراء. وذكر أحمد بن محمد الهمذاني حكاية عن محمد بن شرحبيل بن حسنة أنه قال: إنما سميت البصرة لأن فيها حجارة سوداءَ صلبة، وهي البصرة؛ وأنشد لخفاف بن نُدبة:
إن تك جلمود بَصرٍ لا أُؤَبِّسُهُ * أُوقِدُ عليه فأحميه فينصدع
وقال الطرماح بن حكيم:
مُؤَلّفة يهوي جميعا كما هوى * من النِّيق فوق البصرة، المتطحطح
وهذان البيتان يدلان على الصلابة لا الرخاوة.
ويذكر ابن منظور في اللسان: وبُصر كلِّ شيء: غِلظه. والبصْرُ والبصْرَة: الحجر الأبيض الرخو، وقيل هو الكذَان فإذا جاؤوا بالهاء قالوا بَصْرَة لا غيره وجمعها بصار.التهذيب: البَصْرُ: الحجارة إلى البياض فإذا جاءوا بالهاء قالوا البَصْرَةُ، وفي البصرة ثلاث لغات: بَصرَة وبِصرة وبصرة واللغة العالية البَصرة.
البصرة اصطلاحاً:
قال صاحب معجم البلدان ” البصرة بصرتان، العظمى بالعراق، وأخرى بالمغرب…وأما البصرتان فالكوفة والبصرة، والبصرة مدينة عراقية تقع بجنوبه بالقرب من التقاء نهري دجلة والفرات على بعد 130 كلم من الخليج العربي، وبذلك فهي تقع في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، وفي المنطقة المعتدلة الدافئة. يبلغ ارتفاع البصرة عن مستوى سطح البحر حوالي ثمانية أقدام فقط(2.4م). وتتميز بموقعها الجغرافي الهام حيث تعد البوابة الرئيسية للعراق من جهة الجنوب مع دول العالم المختلفة. ويمثل موقعها نقطة التقاء شط العرب برأس الخليج العربي حيث تتجمع الطرق في جنوب العراق. تعد من أكبر المدن العراقية بعد بغداد والميناء الرئيسي للدولة، ووصلت إلى مرتبة المدن المليونية (الكثافة السكانية) وشغلت بذلك المرتبة التاسعة عشر في العالم الإسلامي حسب إحصاء عام 1984.