وجوه النصب (5)
كتبه: أبو عبد الرحمن الخليل الفراهيدي
المحقق: د. فخر الدين قباوة
وُجُوه النصب (5)
وَالنّصب من نعت النكرَة تقدم على الِاسْم:
تَقول هَذَا ظريفا غُلَام وَهَذَا وَاقِفًا رجل قَالَ الشَّاعِر
وَتَحْت العوالي والقنا مستظلة… ظباء أعارتها الْعُيُون الجآدر
نصب مستظلة لِأَنَّهُ نعت ظباء تقدم
قَالَ النَّابِغَة
(كَأَنَّهُ خَارِجا من جنب صفحته… سفود شرب نسوه عِنْد مفتأد)
نصب خَارِجا لِأَنَّهُ نعت سفود تقدم وَقَالَ آخر
(لمية موحشا طلل… يلوح كَأَنَّهُ خلل)
نصب موحشا لِأَنَّهُ نعت نكرَة تقدم على الِاسْم وَقَالَ آخر
(وبالجسم مني بَينا إِن نظرته… شحوب وَإِن تستشهد الْعين تشهد)
نصب بَينا لِأَنَّهُ نعت نكرَة تقدم على الِاسْم وَهُوَ شحوب
وَقَالَ آخر
(هِشَام ابْن الخلائف قد طوتني… ببابك سَبْعَة عددا شهور)
(بَعِيرًا واقفان وصاحبيه… ألما يَأن أَن يثم الْبَعِير)
أَرَادَ بَعِيرًا صَاحِبيهِ واقفان فَقدم وَأخر
وَأما قَول الله جلّ ذكره ﴿خاشعة أَبْصَارهم ﴾ فَإِنَّهُ نصب على الْحَال أَي يخرجُون بِتِلْكَ الْحَال
وَالنّصب بالنداء الْمُضَاف:
قَوْلهم يَا زيد بن عبد الله نصبت زيدا لِأَنَّهُ نِدَاء مُضَاف ونصبت بن لِأَنَّهُ بدل من زيد وخفضت عبد الله بِإِضَافَة بن إِلَيْهِ وَقد تنادي الْعَرَب بِغَيْر حرف النداء يَقُولُونَ زيد بن عبد الله على معنى يَا زيد بن عبد الله قَالَ الله جلّ ذكره فِي سُورَة ﴿بني إِسْرَائِيل ﴾ ﴿ذُرِّيَّة من حملنَا مَعَ نوح ﴾ بِمَعْنى يَا ذُرِّيَّة من حملنَا وَلَا يفصل بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُقَال جَاءَ غُلَام الْيَوْم زيد وَلَكِن تَقول جَاءَ غُلَام زيد الْيَوْم وَجَاء الْيَوْم غُلَام زيد وَقد جَاءَ فِي الشّعْر مُنْفَصِلا قَالَ عَمْرو بن قميئة.
(لما رَأَتْ ساتيدما استعبرت… لله در الْيَوْم من لامها)
أَي لله در من لامها الْيَوْم ففصل
وَقَالَ آخر
(كَمَا خطّ الْكتاب بكف يَوْمًا… يَهُودِيّ يُقَارب أَو يُعِيد)
أَي بكف يَهُودِيّ قَالَ الله تَعَالَى ﴿زين لكثير من الْمُشْركين قتل أَوْلَادهم شركاؤهم ﴾ فرق بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ
قَالَ ذُو الرمة
(كَأَن أصوات من إيغالهن بِنَا… أَوَاخِر الميس أصوات الفراريج)
أَرَادَ كَأَن أصوات أَوَاخِر الميس وَقَالَ أخر
(وَقد زَعَمُوا أَنِّي جزعت عَلَيْهِمَا… وَهل جزع أَن قلت وابأباهما)
(هما أخوا فِي الْحَرْب من لَا أخاله… إِذا خَافَ يَوْمًا نبوة فدعاهما)
يَعْنِي أخوا من لَا أخاله ففصل بَين الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ وَقدم وَأخر
وَالنّصب على الِاسْتِغْنَاء وَتَمام الْكَلَام:
مثل قَول الله تَعَالَى فِي الطّور ﴿وَالطور وَكتاب مسطور فِي رق منشور وَالْبَيْت الْمَعْمُور ﴾ إِلَى قَوْله ﴿إِن الْمُتَّقِينَ فِي جنَّات ونعيم فاكهين بِمَا آتَاهُم رَبهم ﴾
نصب فاكهين على الِاسْتِغْنَاء وَتَمام الْكَلَام وَفِي سُورَة الذاريات ﴿إِن الْمُتَّقِينَ فِي جنَّات وعيون آخذين ﴾ وَمثله ﴿فارهين ﴾ و ﴿خَالِدين ﴾
كل هَذَا نصب فنصب آخذين على الِاسْتِغْنَاء وَتَمام الْكَلَام لِأَنَّك إِذا قلت ﴿إِن الْمُتَّقِينَ فِي جنَّات وعيون ﴾ ثمَّ سكت فقد تمّ الْكَلَام وَاسْتغْنى عَمَّا يَجِيء بعده فنصب مَا يَجِيء بعده وَإِذا قلت إِن زيدا فِي الدَّار وَسكت كَانَ كلَاما تَاما فَلَمَّا اسْتَغْنَيْت عَن الْقَائِم نصبت فَقلت قَائِما
وَأما قَوْله ﴿إِن الْمُجْرمين فِي عَذَاب جَهَنَّم خَالدُونَ ﴾ فَإِنَّهُ رفع على خبر أَن وَإِذا قلت ﴿إِن الْمُتَّقِينَ فِي جنَّات ونعيم ﴾ فقد تمّ كلامك وَلم تحتج إِلَى مَا بعده فتنصب على الِاسْتِغْنَاء وَأما قَوْله عز وَجل ﴿إِن أَصْحَاب الْجنَّة الْيَوْم فِي شغل فاكهون ﴾ فَإِنَّهُ رفع فاكهون لِأَنَّهُ خبر إِن وَلِأَن الْكَلَام لم يتم دونه
قَالَ الشَّاعِر فِي مثله
(وَإِن لكم أصل الْبِلَاد وفرعها… وللخير فِيكُم ثَابتا مبذولا)
نصبت ثَابتا مبذولا على الِاسْتِغْنَاء وَتَمام الْكَلَام لِأَنَّك إِذا قلت وللخير فِيكُم فقد تمّ كلامك وَتقول أنتكلم بِهَذَا وَأَنت هَهُنَا قَاعِدا وَمثله ﴿انْتَهوا خيرا لكم ﴾ نصب خيرا لِأَنَّهُ يحسن السُّكُوت عَنهُ وَقَوله ﴿فَمن تطوع خيرا فَهُوَ خير لَهُ وَأَن تَصُومُوا خير لكم ﴾ رفع لِأَنَّهُ خبر لَا يحسن السُّكُوت دونه وَكَذَلِكَ ﴿وَأَن يستعففن خير لَهُنَّ ﴾
وَيُقَال مَعْنَاهُ وَإِن تَصُومُوا فالصيام خير لكم وَإِن يستعففن يكن الاستعفاف خيرا لَهُنَّ فالاستعفاف خير لَهُنَّ وَمثل الأول فِي الْأَعْرَاف ﴿قل هِيَ للَّذين آمنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا خَالِصَة ﴾ نصب خَالِصَة على الِاسْتِغْنَاء وَتَمام الْكَلَام كَمَا تَقول هِيَ لَك نحلة وَيرْفَع أَيْضا ب هِيَ كَمَا تقو أنحلها لَك نحلة وَيرْفَع أَيْضا تَقول هِيَ خَالِصَة على تقدم الْكَلَام على خَبره.
وَأما قَوْله عز وَجل ﴿وَهُوَ الْحق مُصدقا ﴾ ﴿وَله الدّين واصبا ﴾ مَعْنَاهُ هُوَ الْحق الْمُصدق وَله الدّين الواصب فَإِنَّهُ لما أسقط الْألف وَاللَّام نصب على الْقطع.
وَالنّصب الَّذِي يَقع فِي النداء الْمُفْرد
أَن تنادي اسْما لَيْسَ فِيهِ الْألف وَاللَّام ثمَّ تعطف عَلَيْهِ باسم فِيهِ ألف وَلَام تقو ل يَا زيد وَالْفضل وَيَا مُحَمَّد والْحَارث وَقَالَ الله جلّ وَعز ﴿يَا جبال أوبي مَعَه وَالطير ﴾ نصب الطير لِأَن حرف النداء لم يَقع عَلَيْهِ وَلم يجز أَن تَقول يَا الْفضل فَنصبت على خلاف النداء
وَقَالَ الشَّاعِر
(أَلا يَا زيد وَالضَّحَّاك سيرا… فقد جاوزتما خمر الطَّرِيق)
وَقَالَ أخر
(فَمَا كَعْب بن مامة وَابْن سعدى… بأجود مِنْك يَا عمر الجوادا)
أَرَادَ يَا الْجواد فَلَمَّا لم يجز نَصبه
وَيجوز أَن ترفع على معنى يَا زيد أقبل وليقبل مَعَك الْفضل وعَلى هَذَا يقْرَأ من يقْرَأ
﴿يا جبال أوبي مَعَه وَالطير ﴾ على الرّفْع ومجازه وليؤوب الطير مَعَك
وَأما قَول النَّابِغَة
(كليني لَهُم يَا أُمَيْمَة ناصب… وليل أقاسيه بطيء الْكَوَاكِب)
فنصب أُمَيْمَة لِأَنَّهُ أَرَادَ التَّرْخِيم فَترك الِاسْم على أَصله وَأخرج على التَّمام وَنصب عل نِيَّة التَّرْخِيم وَقَالَ قوم نَصبه على الندبة وَالتَّفْسِير الأول احسن.
وَالْمَنْدُوب ينْدب بِالْهَاءِ وَالْألف وَإِنَّمَا ألْحقُوا الْألف لبعد الصَّوْت فَقَالُوا يَا زيدا وَيُقَال بِالْهَاءِ أَيْضا يَا زيداه وَقَالَ جرير بن عَطِيَّة يرثي عمر بن عبد الْعَزِيز رَحْمَة الله عَلَيْهِ.
(قلدت أمرا عَظِيما فاصطبرت لَهُ… وسرت فِيهِ بِحكم الله يَا عمرا)
فَألْحق الْألف للندبة قَالَ الله عز وَجل ﴿يَا حسرتى على مَا فرطت فِي جنب الله ﴾
وَالنّصب على البنية:
مَا كَانَ بِنَاء بنته الْعَرَب مِمَّا لَا يَزُول إِلَى غَيره مثل الْفِعْل الْمَاضِي وَمثل حُرُوف إِن وليت وَلَعَلَّ وسوف وَأَيْنَ وَمَا أشبهه
أَي كَثُرُوا وَقَالَ آخر
(لَو أَن قومِي حِين تدعوهم حمل… على الْجبَال الصم لَا نهد الْجَبَل)
أَي حملُوا فأفرد مُؤَخرا
وَقَالَ آخر
(إِذا رَأَيْت أنجما من الْأسد جَبهته أَو الخرات والكتد)
(بَال سُهَيْل فِي الفضيح ففسد… وطاب ألبان الشتَاء وَبرد)
أَي بردت
وَالنّصب بِالدُّعَاءِ
قَوْلهم تَبًّا لَهُم وَسُحْقًا وتربا لَهُ وجندلا أَي لقاه الله تربا وجندلا قَالَ الشَّاعِر
(هَنِيئًا لأرباب الْبيُوت بُيُوتهم… وللعزب الْمِسْكِين مَا يتلمس)
قَالَ هَنِيئًا لَهُم فِي معنى ليهنهم كَمَا يُقَال هَنِيئًا لَك أَبَا فلَان أَي لِيَهنك
وَيرْفَع أَيْضا فَيُقَال ترب لَهُ وجندل أَي الَّذِي يلقاه ترب وجندل قَالَ الشَّاعِر
(لقد ألب الواشون ألبا لبينهم… فترب لأفواه الوشاة وجندل)
فَرفع وَالنّصب أَجود وَإِنَّمَا رَفعه لِأَنَّهُ جعله اسْمَيْنِ وَقَالَ آخر
(نبئت نعما على الهجران عاتبه… سقيا ورعيا لذاك العاتب الزاري)
أَي سقَاهُ الله ورعاه
وَأما قَول الآخر
(عجبا لتِلْك قَضِيَّة وإقامتي… فِيكُم على تِلْكَ الْقَضِيَّة أعجب)
فَإِنَّهُ أَرَادَ عجبت عجبا ويروى عجب بِالرَّفْع وَنصب قَضِيَّة على عدم الصّفة أَي من قَضِيَّة
وَالنّصب بالاستفهام:
قَوْلهم أقعودا وَالنَّاس قيام على معنى أتقعدون وَالنَّاس قيام وَهَذَا فعل لَيْسَ بماض وَلَا مُسْتَقْبل وَهُوَ فعل دَائِم أَنْت فِيهِ
قَالَ الشَّاعِر
(أطربا وَأَنت قنسري… والدهر بالإنسان دواري)
أَرَادَ تطرب طَربا وَقَالَ آخر
(أعبدا حل فِي شعبى غَرِيبا… ألؤما لَا أبالك واغترابا)
أَرَادَ تجمع لؤما واغترابا وَقَالَ آخر
(أَفِي الولائم أَوْلَادًا لوَاحِدَة… وَفِي العيادة أَوْلَادًا لعَلَّات)
يَعْنِي لأمهات أَي تصيرون مرّة كَذَا وَمرَّة كَذَا وَتقول أقرشيا مرّة وتميما مرّة أَي تصير مرّة كَذَا وَمرَّة كَذَا
وَأما قَول الشَّاعِر
(ألحق عذابك بالقوم الَّذين طغوا… وعائذا بك أَن يطغوا فيطغوني)
فَكَأَنَّهُ قَالَ أعوذ بك عائذا
المصدر: الجمل في النحو