أبو الحسن الواحدي (المتوفى: 468هـ)،
وتفاسيره الثلاثة (البسيط، والوسيط، والوجيز)
هو أبو الحسن عليبن أحمدبن محمدبن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي، وإمام علماء التأويل، من أولاد التُّجار. وأصله من ساوه، لزم الأستاذ أبا إسحاق الثعلبي، وأخذ علم العربية عن أبي الحسن القُهُنْدزي الضرير، صنَّف التفاسير الثلاثة: (البسيط)، و(الوسيط)، و(الوجيز)، وله كتاب (أسباب النزول) مرويٌّ، وكتاب (التحبير في الأسماء الحسنى)، و(شرح ديوان المتنبي). وكان طويل الباع في العربية واللغات، وله أيضًا: كتاب (الإغراب في الإعراب)، وكتاب (تفسير النبي صلى الله عليه وسلم)، وكتاب (نفي التحريف عن القرآن الشريف) وغيرها، تصدَّر للتدريس مدةً، وعظُم شأنه. مات بنيسابور في جمادى الآخرة، سنة ثمان وستين وأربع مِئة[1].
منهجه النحوي في تفاسيره الثلاثة:
ألَّف الواحدي ثلاثة تفاسير (البسيط، والوسيط، والوجيز)، والبسيط أوسعها بحثًا، وأكثرها مسائل، وفيه من التدقيق والتحقيق والإطناب ما ليس في الآخرين، ثم يأتي من بعده الوسيط، ثم من بعدهما الوجيز؛ فالأقوال في البسيط مذكورة بتمامها، واختلاف وجوهها مع الاستدلال والترجيح أحيانًا، بينما اختصر ذلك في الوسيط، واقتصر في الوجيز على قول واحد معتمد لابن عباس رضي الله عنه أو مَن هو في مثل درجته. وقد استطرد الواحدي في البسيط بوضوح في البحوث اللغوية والنحوية، في الوقت الذي جاءت على نحو مختصر كافٍ في الوسيط، أما في الوجيز فلم يعرِّج عليها[2].
وقد تميز الوسيط عن الآخرَينِ في جانب الرواية؛ فهو يذكر فيه أحاديث وآثارًا، ويسوق أسانيد كثير منها، لا يذكرها ألبتة في الوجيز، ويُقل منها في البسيط.
ويُعَد منهج الواحدي اللغوي والنحوي أبرز الجوانب في تفسيره، حتى إنه لَيُعَد أحد المراجع في هذا الفن؛ ذلك لِما حواه هذا الكتاب من مادة لغوية كثيرة، وأما عن الجانب النحوي فقد أدرك الواحدي منذ اتجاهه إلى التحصيل أهمية النحو والأدب في تفسير القرآن وأنهما عُمْدتاه، فيقول: “فقلت: إن طريق معرفة تفسير كلام الله تعالى تعلم النحو والأدب؛ فإنهما عُمْدتاه… وقلَّ مَن تقدم في علم من العلوم إلا بمعرفة الأدب ومقاييس العربية والنحو”[3].
والمادة النحوية التي ذكرها في تفسيره نقلها عن أئمة المدارس الثلاث: البصرية، والكوفية، والبغدادية، فأخذ عن الزَّجاج والفارسي والمبرِّد والزجاجي وغيرهم من مدرسة البصرة، كما أخذ عن الفراء وابن الأنباري وثعلب من مدرسة الكوفة، كما نقل آراء ابن كيسان وابن السراج، وأخذ عن أبي الفتح ابن جني من مدرسة بغداد. وهو في ذلك يذكر أقوال البصريين والكوفيين في المسألة الواحدة، ويختار الأصوب في رأيه منهما، ولا يلتزم مدرسةً بعينها، وإن كانت نقوله عن البصريين أكثر؛ لأن أغلب الأئمة الذين أخذ عنهم من مشايخ البصرة.
وقد طرق الواحدي في كتابه أغلب مسائل النحو، ولا تأتي مناسبةٌ في تفسيره لمسألة نحوية إلا وتعرَّض لها، سواء كانت تتعلق بالتصريف أو بإعراب الكلمة أو غير ذلك، وقد ربط الإعراب بإيضاح المعنى على جميع الوجوه، كما اعتنى بالأدوات والحروف اعتناءً كبيرًا[4]
استدراكاته على النحاة:
أكثر الواحدي في تفسيره من الاستدراكات والاعتراضات على النحاة في اختياراتهم الإعرابية، وأطال في تبيين وجوه الاستدراك بشيء من الإسهاب في كثير من المواضع؛ من ذلك:
1- استدرك على بعض النحاة، وخطَّأهم دون ذكر أسمائهم في أصل كلمة “أدنى” في قوله تعالى: ﴿ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى ﴾ [البقرة: 61]، فقال: “يحتمل أن يكون ﴿ أَدْنَى ﴾ أفعَلَ مِن الدنو، ومعناه: أتستبدلون الذي هو أقرب وأسهل متناولًا، يشارككم في وجْدانه كل أحد بالرفيع الجليل الذي خصَّكم الله وبين الأثرة لكمْ به على جميع الناس، ويجوز أن يكون معنى الدنو في قرب القيمة، يقول: أتستبدلون الذي هو أقرب في القيمة -أي: أقل قيمة، أو أدنى في الطعم واللذة، أي: أقل لذةً وأبشع طعمًا- بالذي هو خير في الطعم واللذة والقيمة؟! ويجوز أن يكون (أفعل) من الدناءة، وترك همزه؛ لأن العرب تقول: إنه لَدَنيٌّ يُدَنّي في الأمور، غير مهموز، أي: يتتبع خسيسها وأصاغرها، على أنه قد حكى الفراء عن زهير الفرقبي أنه يقرأ (أدنأ) بالهمز، وهذا قول الفراء: إن معنى أدنى من الدناءة، والأول اختيار الزجاج.
وقال بعض النحويين: (أدنى) هاهنا بمعنى أدون، أي: أوضع وأخس، فقُدِّمت النون وحُوِّلت الواو ألِفًا، وهذا خطأ؛ فقد أجمعوا على أنه لا يُشتق فعل من (دون) إذا كان بمعنى أخس، كقولهم: فلانٌ دونَك في الشرف[5].
2- كذلك استدرك على بعض النحاة في بيان السبب في ضم واو الجماعة من كلمة: “اشتروا” عند تفسير قوله تعالى: ﴿ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ ﴾ [البقرة: 16]، فقال: وقد أجازوا الكسر في ﴿ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ ﴾ تشبيهًا بمثل: ﴿ لَوِ اسْتَطَعْنَا ﴾ [التوبة: 42] و﴿ أَلَّوِ اسْتَقَامُوا ﴾ [الجن: 16]. وأجازوا الضم في ﴿ لَوِ اسْتَطَعْنَا ﴾ تشبيهًا بواو الجمع. وقال ناس: إن (الواو) ضُمِّت هاهنا؛ لأنه فاعل في المعنى، فجُعِلت حركة التقاء الساكنين فيه كحركة الإعراب. وهذا لا يستقيم؛ لأنهم كسرو (الياء) في قولهم: (أخْشَيِ الله يا امرأة)، والياء فاعلة في المعنى”[6].
[1] يُنظر: البداية والنهاية، لابن كثير (12/114)، وتاريخ الإسلام، للذهبي (31/258)، وسير أعلام السبكي (المتوفى: 771هـ)، المحقق: د. محمود محمد الطناحي د. عبد الفتاح محمد الحلو، الناشر: هجر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية، 1413هـ (5/ 240).
[2] يُنظر: مقدمة التفسير البسيط، للواحدي (1/307).
[3] يُنظر: المرجع السابق (1/312).
[4] يُنظر: الواحدي ومنهجه في التفسير، د. جودة محمد محمد المهدي، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وزارة الأوقاف المصرية، الطبعة: الأولى، 1978م، (ص: 235).
[5] يُنظر: التفسير البسيط، للواحدي (2/586).
[6] يُنظر: التفسير البسيط، للواحدي (2/179).